دليل المصري العظيم للمشاركة في صياغة دستوره
بقلم: فتحى امبابى 95 

من يكتب الدستور يجني ثماره‏,‏ تلك قاعدة ذهبية ينبغي أن ينتبه إليها المصريون‏,‏ خاصة أجيال الشباب‏,‏ فجميع الدساتير تم صياغتها في ظل انعدام مشاركة واهتمام المصريين‏,‏ فجاءت منحة من الملك‏,‏

 

 أو وثائق صاغها رؤساء جمهوريات تلبية لأهوائهم وأغراضهم.
فكانت مدعمة للحكم الاستبدادي, معطلة للتطور الديمقراطي والاجتماعي. في الثورة طالب الشباب في وعي لم تشهده مصر من قبل بدستور جديد, يكون الحماية ضد طغيان السلطة واستبدادها,. مما يستدعي توافر حوار مستفيض, ومشاركة شعبية واسعة في صياغته. كي يأتي تعبيرا عن طموحات المصريين, واحلامهم في دولة عصرية جديدة. في البداية سألقي الضوء علي المكونات الجوهرية للدستور وهي خمسة مكونات, الأول هو الغايات والأهداف, والثاني آلية تنفيذ تلك الغايات والأهداف, والثالث الوعي بضرورة اتفاق العام حول تلك الغايات والآليات, والرابع مبدأ الاحكام العامة والتوجيهية التي تحدد الهوية العامة والهويات المذهبية السائدة في حينه. المكون الخامس وهو بنية الوثيقة الدستورية التي تتشكل من أمرين; الأول الشكل القانوني, والثاني اللغة التي يصاغ بها الدستور.
كل مكون يعد قائما بذاته, وجميعها مرتبطة بعضها بعضا ارتباطا عضويا, يتفاعل كل منها بالآخر, ويتأثر به سلبا أو إيجابا, فتكون الوثيقة ذات أحكام صياغة رفيعة, تحقق الغايات, أومنحرفة عن غايتها بسبب التقليل من شأن أحد المباديء, أو المبالغة في قيمته علي حساب المبادئ الأخري. المكون الاول: الغايات والاهداف: تتضمن الوثيقة الدستورية مبدأين أساسين يحددان معا الغايات والاهداف العامة.
المبدأ الأول: تكريس الحقوق الأساسية للمصريين في وطنهم. المبدأ الثاني: من هو صاحب السيادة في هذا الوطن؟ من هو مصدر السلطات؟ رئيس طاغية, لأقليلة حاكمة؟ أم سلطة تمثيلة لجميع المصريين. ثم الأليات وتتمثل في المبدأ, أي مبدأ تنظيم الجسد السياسي للأمة. المتمثل في السلطات التشريعية, والتنفيذية, والقضائية وبواسطتها تترجم الغايات من صورة الفكر إلي قوة الفعل, والتطبيق في الواقع السياسي. وبواسطتها يتم تحقيق, أو عدم تحقيق المبدأين الأولين; الحقوق الأساسية للمواطنين, وسلطة الشعب. وتتحدد طبيعة الدولة, والدور الذي تلعبه في حياة المصريين, في العلاقة الكائنة في ذلك المثلث الواقع بين مبدأي الحقوق الأساسية للمصريين, وسلطة الشعب, وآلية تنفيذ مؤسسات السلطة لتلك المبادئ; فكلما تطابق تمثيل والتزام مؤسسات السلطة للحقوق الأساسية للمواطنين, تحققت سلطة الشعب.وأصبحنا أمام دولة ديمقراطية قوية, مؤسسة علي مبادئ الحرية, والمساواة, والعدالة الاجتماعية, الكل فيها أحرار, سواء بلا تمييز أمام القانون, يشارك الجميع في إدارتها, ويساهم بحرية وإبداع في بنائها, وتنمية اقتصادها, كي تتحقق النتيجة المنشودة, وهي تقاسم جميع أبناء الشعب الناتج العام لثرواتها, وخيراتها في الحاضر أو المستقبل. ولكن عندما تحل الآلية محل الغاية, وتتغولالسلطات السياسية لتصبح بديلا عمن تمثله. ينشأ الخلل وتتحول الدولة إلي كائن أسمي, تضع حذاءها فوق رقاب الموطنين, ويكبح القابضون علي السلطة الحريات, وينتهكون حياة الموطنين وكرامتهم, كي تنهب الثروات وتدمر البلاد.
أما المكون الثالث وهو الدستور عقد اجتماعي. فهو المبدأ الرابع الذي لن نقرأه علي صفحات الوثيقة الدستورية, فلا مواد تقول أن هذا عقد اتفاق موقع بين خمسة وثمانين مليون مصري, أو أن العقد ملزم للأجيال التي ولدت بعد توقيعه, وإنما هو اتفاق بين جميع المواطنين, مؤسس علي ارتقاء وعي عام مستقر بيقين في ضمير الأمة, يقر بأن مصالح الوطن العليا تخص الجميع بلا استثناء, مما يستوجب التخلي عن حروب الاجتثاث المذهبية بين القوي والإعراق والطوائف.
ويتكون المكون الرابع وهو الهوية العامة, والهويات المذهبية من نقطتين, أولاهما مبدأ الأحكام العامة الذي يعبر عن الهوية العامة للوطن, كالانتماء الجغرافي والإقليمي, الدين واللغة الرسميين, العلم, النشيد الوطني. ولا يضاف إليها, أو ينبع منها مواد تميزية.
والأخري هي الأحكام التوجيهية التي تنص علي أيديولوجية تعتنقها النخبة الحاكمة, أو مرجعية مذهبية لطائفة ذات أغلبية أو أقلية مسيطرة علي الواقع الاجتماعي أو الاقتصادي. وخطورة الأحكام التوجيهية في كونها ترتفع لتصبح مرجعا أعلي من الدستور ذاته, تفسر مبادئه علي هديها, مما يحولها بصورة غير مباشرة إلي منبع لسياسات تمييز غير المعلنة, تخل بمدأ المساواة والمواطنة, مما يهدد النظام الديمقراطي ذاته. في البداية يدعم تلك الأحكام النوايا الشعبية المعبرة عن الوعي السائد في حينه, ثم لا تلبث أن تصبح السند الدستوري لسيطرة أقلية من الطغاة علي جموع الشعب.
أخيرا المكون الخامس وهو البنية القانونية واللغوية, وينقسم إلي: الوثيقة الدستورية التي تصاغ في بنية وصورة قانونية, وفي الدولة الحديثة يرقي مفهوم الدستور إلي مستوي الشرائع, وبما يعد معه الاعتداء علي بند من بنوده من أكبر الجرائم التي ترتكب في حق الشعوب. فاعتداء السلطة علي مواطنيها والحط من كرامتهم اعتداء علي الدستور, عدم الفصل بين السلطات لحساب السلطة التنفيذية هو جريمة دستورية, والتقليل من شأن السلطة التشريعية لمصلحة رئيس الجمهورية, بدفع ممثل الشعب إلي التخلي عن دوره كنائب عن الشعب ليتحول إلي مخلص جمارك يقدم خدمات محلية لأهالي دائرته الإنتخابية هو جريمة دستورية كبري, يعاقب عليها الطرفان.
بنية الدستور هي صياغة لغوية, ترقي اللغة عندما تتسم بالحكمة وسلامة المنطق, لتصبح تعبيرا عن صحة الفكر وسلامته, وتنحدر وتنفرط السياقات عندما تصبح, مراوغة. قال حكيم قديم تكلم كي أعرف من أنت, وفي هذا المقام أقول أكتب كي أعرف نواياك الحقيقة. عن أي دستور تكتب؟ ولأي غايات تكرس؟ سلطة تستبعد شعبها وتقمع قدراته ومواهبه؟ أم سلطة تمثله,, تعمل في خدمته, وتوقر كرامته وحريته, تعظم مكاسبه ومنافعه, وتقبل بالرقابة الشعبية وتنصاع لها؟ من الصياغة ينشأ الخلل والانحراف بين الغايات والآليات. وفي روحها يتكرس نوعان من الدولة; سلطة الدولة القمعية, التي نرغب في التخلص منها بعد ما عانيناه عشرات القرون, أو سلطة الشعب; الحلم الذي نتلمس الطريق إليه.

 

المزيد من مقالات فتحى امبابى
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 149 مشاهدة
نشرت فى 19 مارس 2012 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,798,621