تحليل إخباري منصور أبوالعزم: 140
مرت اليابان خلال عام2011 بتطورات حزينة ألقت بظلالها الكثيفة علي الوضع السياسي والاقتصادي للبلاد بصورة لم تعرفها منذ عقود طويلة.
وقد احيت اليابان مؤخرا الذكري الأولي لكارثة الزلزال المدمر الذي ادي إلي حدوث امواج التسونامي ثم انفجار المفاعلات النووية في منطقة فوكوشيما وهي الكارثة التي ادت إلي مقتل أكثر من20 ألف شخص وتهجير عشرات الآلاف من منازلهم ومزارعهم في حدود نحو20 كيلومترا مربعا. ولم تقتصر ابعاد الكارثة علي منطقة فوكوشيما الواقعة علي بعد200 كيلومتر شمال طوكيو فقط وإنما امتدت الإشعاعات إلي العاصمة والمدن الأخري القريبة منها حتي شعر كل من يعيش في اليابان بالفزع من احتمال اصابته بالإشعاعات الناتجة عن انفجار المفاعلات. ولو افترضنا ان اليابان قادرة علي تحمل الخسائر المادية التي بلغت في تقديرات الخبراء نحو309 مليارات دولار أو مايساوي2.5% من إجمال الناتج القومي للبلاد فإن الخسائر النفسية التي اصابت اليابانيين لايمكن أن تعوض بالمال.. إذ ما أصعب أن يشعر الإنسان ان بلده لم يعد آمنا أو أنه غير عادل! وعلي الرغم من أن اليابانيين من أكثر شعوب الأرض خبرة بالزلازل لكثرة حدوثها بشكل يكاد يكون يوميا إلا أن فقد عزيز سواء كان أخا أو أبا أو أما أو اختا بشكل مفاجئ وبسبب غضب الطبيعة شيء مؤلم جدا قد لا يتحمله كثيرون!
وعقب كارثة المفاعلات النووية في فوكوشيما خرج كثير من اليابانيين في مظاهرات غضب في الشوارع تطالب بإغلاق المفاعلات النووية الـ50 في كل انحاء البلاد والبحث عن مصدر أكثر أمانا للطاقة. فاليابان تعتمد علي نحو30% من حاجتها للكهرباء علي محطات توليد الطاقة النووية قبل أزمة فوكوشيما, وكانت تعتزم زيادة هذا الاعتماد ليصل إلي53% بحلول عام2030, لكن كارثة فوكوشيما وتصاعد المعارضة الشعبية لزيادة الاعتماد علي الطاقة النووية اجبر الحكومة علي التراجع وإعادة النظر في أسطورة الأمان النووي التي كانت الحكومات السابقة تسوقها إلي الشعب من قبل. ولأن اليابان دولة فقيرة من مصادر الطاقة الأخري مثل النفط والغاز فإن ازمتها مع الطاقة عميقة, وكانت تأمل في الماضي في زيادة الاعتماد علي الطاقة النووية حتي تقلص اعتمادها علي نفط الشرق الأوسط الذي يسبب لها ازعاجا كبيرا بسبب عدم الاستقرار السياسي للمنطقة. وتستورد اليابان نحو86% من احتياجاتها من النفط من المنطقة, ولم يكن اليابانيون وحدهم الذين خرجوا إلي الشوارع رافضين الطاقة النووية بل في فرنسا وألمانيا وإيطاليا والعديد من الشعوب الأخري خرجت تقول لا للمفاعلات النووية لتوليد الطاقة باعتبارها مصدرا غير آمن, وإذا كنا في مصر نفكر في تشييد مفاعلات نووية في الضبعة أو في أي مكان آخر, فإنه يتعين علينا ان ندرس جيدا تجارب اليابان والدول الأخري في الاعتماد علي الطاقة النووية أو البحث عن بدائل أخري أكثر أمانا.
نريد ان نبدأ ولو في مشروع واحد من حيث انتهت الدول الأخري لا أن نبدأ من حيث بدأت هي منذ50 أو60 عاما, فإذا كانت ألمانيا وإيطاليا وفرنسا تعيد النظر في توفير احتياجاتها من الكهرباء من الطاقة النووية والاعتماد علي بدائل أخري فإنه من الواجب ان ندرس من جديد الاستعانة بها في توفير الكهرباء ولايمكن القبول ـ كما يردد البعض ـ أن مصر لاتتعرض لزلازل مثل اليابان لأنه أولا: ـ لا أحد يعلم متي أو أين يمكن ان يقع زلزال.
ثانيا:ـ إن كارثة تشرنوبيل التي وقعت في عام1986 في جمهورية أوكرانيا لم تكن نتيجة وقوع زلزال. من هنا يتعين علينا ان نكون حذرين في خطط الاستعانة بالطاقة النووية في توفير الكهرباء.
ساحة النقاش