ألمانيا- أشرف أمين: 54
حين تنفذ الأفكار, يفضل دائما أن تخرج الطرح النمطي والحلول المكررة وتغامر بشيء جديد غير مسبوق. هذا ما توصلت إليه بعد أسبوع من الحوارات
والتنقل بين المعامل والمراكز البحثية الألمانية من خلال برنامج مكثف نظمته الهيئة الألمانية للتبادل العلميDAAD عن الحلول المستقبلية التي تطرحها ألمانيا للعالم والمستقبل والمعروفة باسم التكنولوجيات الزرقاء وهي عبارة عن منتجات تكنولوجية ذكية تتميز بالكفاءة العالية والاستهلاك الفعال والأمثل للطاقة.
تمثلت تلك الفكرة المبهرة وغير المسبوقة, حين عرض علماء مركز أبحاث فيستو للتكنولوجيا بميونخ نموذجا لذراع روبوت مستوحي من خرطوم الفيل, ويقول الدكتور ويلفريد ستول أحد الخبراء بمركز فيستو للأبحاث إنه علي مدي عقود طويلة اجتهد العلماء في تصميم الروبوت ووضع برمجيات لحركته, وبرغم كل ما تحقق ظلت إمكانات الروبوت محدودة وغير مرضية في بعض الحالات, خاصة أن علم حركة الروبوت( ميكاترونيكس) لا يقدم تصورا للحركات المرنة والأكثر انسيابية مثل تمايل جسم الإنسان عند الرقص أو لعب الكرة, ولأن الطبيعة مصدر غني بالأفكار والتأمل ظهر في غضون السنوات الماضية علم جديد لدراسة ميكانيكا حركة الكائنات الحية هو( بيوميكاترونيكس), ويعني بالإجابة علي أسئلة لا حصر, لها منها كيف يمكن للفهد أن يصل لسرعة110 كم في الساعة خلال4 ثوان فقط؟ وماهي ديناميكية حركة أجنحة الطيور؟ وكيف تتحرك قناديل البحر في الماء؟ كل هذه الأسئلة هي محل بحث العلماء اليوم في محاولة لاستنباط نماذج لروبوت يحاكي الطبيعة. وفيما يتعلق بخرطوم الفيل, يقول الدكتور منكاو بجامعة أوفنباخ الألمانية إنه من خلال دراسات مستفيضة ومراقبة مستمرة لخرطوم الفيل الذي يتيح له نقل الطعام والماء لفمه والقيام بالكثير من الحركات المرنة, توصلنا إلي أن خرطوم الفيل يتكون من4 آلاف حزمة من العضلات تتيح درجة عالية من المرونة في الحركة والثني وحمل الأشياء الثقيلة مثل فروع الشجر ونقلها بسهولة ويسر, وعلي ذلك وجدنا أنه لتصميم نموذج مقارب لخرطوم الفيل يجب أن نستعين بمواد أخف وزنا بنسبة80% من المعادن التقليدية, بحيث تمتاز بحركة مطاطية وفي ذات الوقت القدرة علي رفع الأحمال الثقيلة. وخلال مراحل التصميم والتنفيذ وجد العلماء أن النموذج للحصول علي حركة مرنة للخرطوم يعتمد علي تصميم هيكل من الحلقات المتصلة والمفرغة من الداخل تتحرك بانسيابية وتنثني من خلال تغيير معدلات ضغط الهواء الداخلي, وهو مايتيح القيام بأي حركة انسيابية. وحتي يتحقق هذا الأمر تم تصميم برنامج يتحكم في معدلات الضغط داخل الذراع الإلكترونية, أما عن أطراف هذه الذراع الجديدة فهي عبارة عن ثلاثة أصابع لها القدرة علي التقاط الأشياء ونقلها بيسر وتصميمها مستوحي من زعانف السمكة التي تتحرك بانسيابية في الماء دون أن تتأثر بفروق الضغط المحيطة بها.
ويضيف العالم منكاو أنه بتجميع هذه التصميمات تمكنا من تصميم ذراع روبوت جديدة وغير مسبوق, يتيح علاقة أكثر قربا بين الإنسان والروبوت دون أن تكون هناك أي خطورة من الاحتكاك المباشر بين الاثنين, أما عن التطبيقات فهي لا حصر لها بدءا من استخدامه كطرف بديل لمن يعانون عجزا عن الحركة أو بترا في الذراع, الي استخدامها كذراع الكتروني إضافية للجراحين خلال تنفيذهم للعمليات الصعبة, وكذراع إضافي لنقل الأشياء الثقيلة المعرضة للتلف عند النقل مثل الفواكه أو الزهور. وقد حاز هذا المشروع جائزة الابتكارات المستقبلية بألمانيا.
أما الابتكار الثاني الذي عرضه العلماء, فكان عبارة عن نموذج متطور لروبوت علي هيئة طائر يحلق بكفاءة تعادل40% من حركة الطيور. ولإثبات ذلك عمليا تم جمع الصحفيين في قاعة كبيرة وإجراء التجربة عمليا أمام الحضور, حيث حلق الروبوت الطائر لعشرات الأمتار موجها عن بعد بريموت كونترول. ويقول الدكتور ويلفريد ستول مدير المشروع البحثي إنه لتنفيذ ذلك المشروع تطلب الأمر أولا دراسة ميكانيكة الحركة لأجنحة الطيور وأثر ضغط الهواء الداخلي والخارجي خاصة عند الإقلاع والهبوط, إضافة لذلك سعينا إلي أن يكون جسم الطائر بالغ الخفة من خلال تصميم هيكل من ألياف الكربون والبولي يوريثان, كما تم زرع نظام تحكم في رأس الطائر لتلقي البيانات وتوجيه جناحي وذيل الطائر لتنفيذ الحركة المرادة. وعن التطبيقات المتوقعة للطائر الروبوت, يضيف الدكتور ويلفريد ستول إنه تم الاستفادة من هذه الدراسة المستفيضة علي أجنحة الطائر بتطوير حركة توربينات المياه المولدة للكهرباء, حيث وجدنا أنه إذا تم تغيير تصميم التوربينات باستخدام مواد أخف وزنا وذات حركة أكثر انسيابية مع ضغط الماء يمكن توليد معدلات أعلي من الطاقة الكهربائية, كما يمكن استخدامه لرصد وتصوير مناطق شديدة الخطورة علي الإنسان مثل نشاط بركاني بمنطقة ما من العالم.
ويبقي التأكيد علي أن هذه التكنولوجيات المعقدة تمثل الحل السحري للبقاء علي القمة لدول العالم المتقدم التي تعاني اليوم من الغزو العلمي والتكنولوجي الآسيوي والمتمثل في القوة الضاربة لكل من الهند والصين واللتين تقدمان تكنولوجيات بسيطة ومعقدة بأسعار تنافسية لا تستطيع أن تضاهيها معظم الدول المتقدمة, ولذلك كله ظهر مفهوم التكنولوجيات الزرقاء, الذي يطرح حلولا بيئية واقتصادية ويحلق بإبداع العقل البشري لأراض جديدة لم تكتشف بعد.
ساحة النقاش