من أسرار القرآن ‏(405)‏
بقلم: د. زغلول النجار 1353 

‏{‏إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون‏}‏.

 

هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في بداية النصف الثاني من سورة الحجرات, وتدور حول عدد من القيم الأخلاقية والسلوكية, ونركز هنا علي وجه الإعجاز التشريعي في تأكيد الأخوة بين المؤمنين, والأمر بالإصلاح بينهم إن حدث ما يعكر صفو هذه الأخوة, واعتبار ذلك وجها من أوجه تقوي الله التي تستوجب رحمته (سبحانه وتعالي).
من أوجه الإعجاز التشريعي في الآية الكريمة
تؤكد هذه الآية الكريمة علي حقيقة الأخوة بين المؤمنين, والتي من مظاهرها الحب, والتعاون, والوحدة. والمؤمنون بشر, والبشر معرضون لنزغات الشياطين التي قد تفسد العلاقة بين أي اثنين منهم, مع أن الأصل في هذه الأخوة أن يسودها من معاني الترابط, والتعاون, والمحبة, والسلام ما يتغلب علي الشيطان وجنوده. ولكن يبقي الإنسان هو الإنسان, بكل ما فيه من الضعف البشري الذي قد تستغله شياطين الجن والإنس من أجل تعكير صفو هذه الأخوة بشيء من الخلاف الذي قد يصل أحيانا إلي حد الاقتتال.
وهنا يأتي دور الجماعة المسلمة للإصلاح بين المقتتلين علي أساس من الحق والعدل. ويستباح في ذلك قتال الفئة الباغية لردها عن بغيها من أجل تحقيق شرع الله, والمحافظة علي الأخوة بين المؤمنين.
ولذلك جاءت هذه الآية الكريمة مباشرة بعد قول ربنا- تبارك وتعالي-: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفيء إلي أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين.إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون (الحجرات: 9 و10).
والآيتان الكريمتان تؤكدان علي دور الجماعة المؤمنة في المحافظة علي مجتمعات المؤمنين من التفكك الذي قد تكون دوافعه فتنة أو وشاية من عدو فاسق فيندفع أحد الأطراف المؤمنة وراءها بدوافع الحمية أو العصبية لقتال إخوانه المؤمنين دون التثبت مما يكون قد وصله من أخبار.
وأعداء الإسلام في زماننا أدركوا أننا نعيش في زمن التكتلات البشرية الكبيرة فتوحدوا, وهم في الوقت نفسه يسعون بالوقيعة بين المسلمين باستمرار من اجل تحقيق المزيد من تفتيتهم حتي لا تقوم لهم قائمة. وعلي الجماعة المؤمنة أن تتدخل علي الفور لرأب الصدع, ولم الشمل, وجمع الكلمة, وإصلاح ذات البين, علي أساس من إقرار الحق والعدل لأن الله- تعالي- يحب المقسطين. وهذا التكليف الإلهي لجماعة المؤمنين كي يقوموا علي الفور بدور الإصلاح بين الطائفتين المؤمنتين المتقاتلتين نجد فيه محافظة علي أرواح وأعراض وممتلكات المؤمنين, وتحقيقا للعدل علي وجه الأرض. فإن بغت إحدي الطائفتين ورفضت الصلح, وقبول حكم الله فعلي جميع المؤمنين مقاتلة الفئة الباغية حتي تفيء إلي أمر الله بقبول حكمه وتطبيق عدله, طاعة له, وطلبا لمرضاته, ولذلك جاءت الآية الكريمة التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال بالتأكيد علي حقيقة الأخوة بين المؤمنين. تلك الأخوة التي تستوجب الحب والسلام والتعاون والوحدة أكثر من وجوبها بين أي فردين أو جماعتين من غيرهما.
وفي التأكيد علي حتمية ترابط المؤمنين وتعاطفهم وتراحمهم نورد هنا بعض أقوال المصطفي صلي الله عليه وسلم التي تحض علي ذلك, والتي منها ما يلي: لا تصاحب إلا مؤمنا, ولا يأكل طعامك إلا تقي (أبو داود; الترمذي), المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا (صحيح مسلم), مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي, (صحيح مسلم), يطبع المؤمن علي الخلال كلها, إلا الخيانة والكذب (مسند أحمد), المؤمن من أمنه الناس علي أنفسهم وأعراضهم وأموالهم( صحيح مسلم), ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن, إن الله يكره الفاحش البذيء, وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة (مسند أحمد), قد أفلح من أخلص قلبه للإيمان, وجعل قلبه سليما, ولسانه عفا, ونفسه مطمئنة, وخليقته مستقيمة (صحيح ابن حبان), المرء علي دين خليله, فلينظر أحدكم من يخالل (سنن أبي داود), مثل الجليس الصالح كمثل صاحب المسك, إن لم يصبك منه شيء أصابك من ريحه, ومثل الجليس السوء كمثل صاحب الكير إن لم يصبك من سواده أصابك من دخانه (سنن أبي داود).
من هنا كان اهتمام الإسلام العظيم بضرورة بناء المجتمعات المؤمنة علي أساس من الأخوة الإيمانية القائمة علي الحب في الله ولله, وعلي التعاون علي البر والتقوي, وعلي إحقاق الحق وإزهاق الباطل, وعلي احتواء أي اختلاف في وجهات النظر فورا حتي لا تتطور هذه الاختلافات إلي حد الاقتتال. فإن وصل الأمر إلي هذا الحد فعلي الجماعة المؤمنة التحرك فورا للإصلاح بين المؤمنين المتخاصمين أو المتقاتلين صونا لدماء المسلمين ولوحدة المجتمع المؤمن من التفكك والتفرق. ويأتي هذا التشريع الرباني الحكيم لإقرار الحق والعدل والصلاح, وتحقيقا لوجه من أوجه تقوي الله, طلبا لمرضاته. ويستباح في سبيل تحقيق ذلك قتال جماعة المؤمنين للبغاة من إخوانهم لردهم عن بغيهم وإرجاعهم إلي صفوف المؤمنين. ولكي يتحقق ذلك لا بد من وجود مرجعية واحدة للمسلمين علي هيئة إمامة واحدة يرجع إليها الجميع, ويسمعون لحكمها ويطيعون, لأن المسلمين لم يضعفوا إلا بعد أن فقدوا مرجعيتهم التي كانت متمثلة في دولة الخلافة الإسلامية التي تم إسقاطها بمؤامرة دولية استمرت لعدة قرون حتي تحقق ذلك في سنة 1924م. وإذا أراد المؤمنون استعادة دورهم من جديد علي هذه الأرض فعليهم إحياء معني الأخوة الإيمانية في حياتهم, والسعي لإصلاح ذات البين في مختلف المجتمعات المتقاتلة والمتنازعة علي أراضيهم, بتكوين المرجعية الواحدة التي يرتضي بها جميع المؤمنين, وقد آن الأوان لأهل الإيمان أن يستيقظوا للأخطار المحدقة بهم, وأن يستشعروا ضرورة إحياء معاني الأخوة الإيمانية فيما بينهم, وأن يبادروا بالإصلاح بين مختلف فرق المؤمنين المتصارعة علي وجه الأرض, وأن يدركوا وجه الإعجاز التشريعي في قوله تعالي: إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون (الحجرات:10).

 

المزيد من مقالات د. زغلول النجار
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 65 مشاهدة
نشرت فى 20 ديسمبر 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,688,230