بقلم: د.أحمد مجدى حجازى 100
ظلت السياسات التعليمية بعيدة عن مجال البحث لدي رجال الفكر السياسي, وظل علم السياسة لسنوات طويلة يفتقد الباحثون فيه الاهتمام بمناقشة وتحليل العلاقة القائمة بين نوعية البرامج التعليمية وأنماط الحراك السياسي في المجتمعات البشرية.
ومن يتابع الدراسات الاكاديمية في حقل العلوم السياسية يستطيع اكتشاف غياب تلك العلاقة برغم كثرة الدراسات التي تؤكد أن التعليم يعيد متغيرا رئيسيا في عمليات التنمية والتحديث إحدي أدوات التنمية السياسية.
إن فهم العلاقة بين التعليم والحراك السياسي يتطلب التعمق في تحليل متغيرات العصر والدور الذي تلعبه المعارف ووسائل الاتصال الحديثة في التقارب الفكري من ناحية, والتناقضات الأيديولوجية من ناحية أخري.
لقد ساعد نشر التعليم الالكتروني المعاصر, والانفجار المعرفي شعوب العالم في الانخراط في العمل السياسي, والمطالبة بأدوار فاعلة للمشاركة في الحياة الاجتماعية, وقد أدي ذلك إلي نوع من الحراك السياسي غير المسبوق سمي بثورات الربيع العربي تلك الحركات السياسية التي اجتاحت بلدانا ظلت لفترات طويلة ترزح تحت نظم حكم ديكتاتوري فسد مع الزمن, حكم لاتعرف رموز السلطة فيه أو بالأحري لا تعترف بمصطلحات باتت متداولة علي الصعيد الإعلامي مثل: الديمقراطية,وحقوق الإنسان, والحكم الرشيد, والعدلة الاجتماعية, وعدم التمييز, والشفافية...; حكم تغافل عن سياسات تعليمية ترسخ المبادئ الانسانية والاخلاقية وما تحتويه من قيم إيجابية تعمل من أجل بناء مؤسسات دولة قادرة علي تحقيق رفاهية الإنسان والترقي الحضاري.
لذا فإن ثورات الربيع العربي لم تكن تنادي فقط بسقوط النظم الديكتاتورية, وإنما بات الثوار يطالبون بالتغيير في النظم والسياسات التعليمية والاقتصادية والسياسية, فقذ تم إيقاظ الوعي السياسي فاستردت الجماهير عافيتها الفكرية وباتت تتحرك في إطار التغيير رافضة الإصلاح الجزئي للنظام, حيث تأكدت الشعوب من أن الخلل الذي أصاب البلاد هو بسبب عوامل متشابكة لكنها تصب في الأمية السياسية التي سيطرت علي عقول الناس, ومن ثم فالخلل في السياسة التعليمية, وتهميش الجماهير بتبريرات واهية من قبل السلطة:أن السياسة للساسة, وأن النخب الحاكمة هي الأقدر علي إدارة شئون الأمة.
لقد أدرك الثوار أن الحروب لم تعد هي حروب الأسلحة التقليدية التي تدور في ميادين القتال, وإنما هي صراع الفكر والمنافسة العلمية, وبالتالي يصبح التفوق العسكري هو نتاج ابتكارات علمية, خاصة ونحن نتحدث اليوم عن تطور أسلحة دمار شامل وهذه الأسلحة ليست سوي نتاج التقدم العلمي والمعرفي الهائل ولا تستطيع دولة أن تعيش بمعزل عن هذا التقدم.
يتحدث علماء عصر ما بعد الثورة المعرفية عن أسلحة نووية وبيولوجية وكيميائية, وثورات معرفية هائلة, ونحن مازلنا في مرحلة ما قبل نتحدث عن أمية أبجدية, وأزمة مناهج دراسية, وسوء حال الأبنية التعليمية, وتدني مستوي الطلاب, وأزمة معلم, ودروس خصوصية, وإهمال التعليم الفني, وسوء أحوال القائمين علي العلمية التعليمية.
وهبوط وظيفة الجامعة وعجزها عن التجديد المعرفي... ولم نتساءل عن الأسباب البنائية في تخلف المؤسسات البحيثة والتعليمية.
بعبارة أخري لم يع الكثير من المواطنين أن تدني مستوي الوعي, وغياب التفكير العلمي, وسيادة الثقافات الغيبية لدي شرائح متعددة في بلدان يطلق عليها العالم الثالث هي فعل مقصود لمصلحة النخب السياسية التي تعمل علي تهميش الفكر النقدي العقلاني وتغيب الوعي السياسي لدي الجماهير وهنا تغيب العدالة الاجتماعية وتتشكل قوي قميعة لمن يعارض أو ينتقد السلطة أو رموزها فتزداد أدوات الكبت والقهر والتغريب.
ولأن هذا هو حال كل الدول الديكتاتورية, قامت ثورات الربيع العربي واستطاع ثوار من أبناء الطبقات الوسطي بدعم من الجماهير إسقاط رموز الحكم, مستخدمين حرب المعلومات وأدوات الاتصال الجماهيري, فظهرت حركات احتجاجية وإنتفاضات إجتاحت البلاد من أقصاها الي أدناها, وبتلك الثورات الافتراضية تغيرت ملامح تلك الدول في كل من تونس ومصر وليبيا, وتبدو أنها تمتد لتتوسع وتتنشر في بلدان أخري ما زال الحكام فيها لايعترفون بمتغيرات العصر ومتطلباته وعلي راسها رفض حكم الفرد ولا يعترفون كذلك بقدرات االرعية عندما يتعطشون الي الحرية, فها هي سوريا يناضل شعبها من أجل إسترداد كرامته, وها هي اليمن تعج بانتفاضات ثورية ضد النظام, علاوة علي ظهور حركات لا تنطفئ اجتاحت بلدان أخري من العالم المتقدم تقف ضد الرأسمالية: ففي الولايات المتحدة الامريكية ظهرت حركة احتلو وول ستريت احتجاجا علي التفاوت الاقتصادي وجشع الشركات الكبري, وامتدت الانتفاضات والإضرابات في اجزاء كثر مثل بريطانيا وفرنسا وأسبانيا واليونان... ويبدو أننا تخطينا عصر العولمة, وتجاوزنا مرحلة ما بعد الحداثة وانتقلنا إلي مرحلة جديدة يمكن أن نطلق عليها مرحلة إعادة الذات أو حقبة اإيقاظ الوعي بالذات؟.لقد بدأت الشعوب تبحث عن آلياف لأسنة الحداثة الا أن هناك من يناضل من أجل البحث عن الحرية, ويدخل في حرب مع النظام ورموزه التي استأسدت وفسدت مع الزمن, وهناك من يناضل من اجل مزيد من الحرية ومزيد من الرفاهية أو للتعبير عن نقد اوضاع الرأسمالية المتوحشة وسياسات المالية غير المتوازية.
ساحة النقاش