مصر وخطر الاختراق الخارجي
بقلم: د‏.‏ محمد السعيد إدريس 1017 

حفل الأسبوع الماضي باحتدام المواجهة بين قوي الثورة علي أثر تطورات سلبية كثيرة ضمن تداعيات أحداث ميدان العباسية‏(‏ السبت الثالث والعشرون من يوليو الفائت‏),‏ هذه المواجهة التي شهدت ما يمكن اعتباره صراع الشعارات وما يتضمنه هذا.

 

الصراع من تعارض إن لم يكن تناقض الأجندات والمصالح, تعتبر أمرا شديد الخطورة بالنسبة لمستقبل الثورة وآفاق نجاحاتها, لكن برغم كل مخاطر هذه الخلافات التي تهدد فرص نجاح تحقيق أهداف الثورة بإسقاط نظام حسني مبارك وبناء مصر التي نريدها ونحلم بها جميعا, مصر العزة والكرامة, مصر العدالة والحرية, فإن هناك ما هو أخطر ونعني به محاولات الاختراق الخارجي للثورة ولمصر من جانب أطراف كثيرة, بعضها يريد أن يطمئن علي استقرار نفوذه في مصر علي نحو ما كانت أيام حكم النظام السابق, ويحرص علي توجيه الثورة وتأسيس النظام الجديد علي النحو الذي يخدم مصالحه, وبعضها يريد أن يبقي علي مصر ضعيفة وخاضعة بحيث لا تقوي علي النهوض وامتلاك قدرات التحدي وامتلاك الارادة حرصا علي استمرار خضوعها لاتفاقيات إذعان وإذلال وسيطرة, وبعضها يخشي من امتداد عدوي الثورة خارج حدود مصر الي جوارها الاقليمي والعربي بالذات ويحرض علي إفشالها, كي يبقي سيطرته وهيمنته علي الدول التي يحكمها ويسيطر عليها, ويري أن نجاح الثورة في مصر يعد إيذانا بإسقاط عروش وأنظمة لا تقل استبدادا أو فسادا عن نظام مبارك.
إدراك هذا الخطر, خطر الاختراق, ومواجهته يجب أن يحدث جنبا الي جنب مع كل الجهود التي تبذل والتي يجب أن تبذل علي مستوي إدارة الخلافات الداخلية والتي يجب أن تبقي ضمن دائرة المحددات الثلاثة وهي: وحدة القوي الوطنية المفجرة للثورة علي أساس من الوفاق الوطني وتكامل الرؤي والاجتهادات, ووحدة الشعب والجيش علي أساس من الثقة المتبادلة التي تحمي أمل الشعب في نجاح ثورته, وأخيرا الالتزام بجدول أعمال وطني للمرحلة الانتقالية علي قاعدة التوافق من ناحية والالتزام بأهداف الثورة من ناحية أخري.
واذا كان تحقيق الالتزام بهذه المحددات الثلاثة في إدارة الخلافات والصراعات الداخلية في حاجة الي قدر عال من الثقة المتبادلة وحسن النيات بين جميع الأطراف, مدنية كانت أم عسكرية, فإن التصدي للاختراق الخارجي بجميع أشكاله وأنواعه المالية والسياسية والإعلامية, وربما الاستخباراتية, في حاجة الي حسم العديد من القضايا التي لها علاقة بالنظام المصري الجديد أو بدولة الثورة و
وما تكشف أخيرا من معلومات حول الاختراق المالي الأمريكي لمنظمات المجتمع المدني والجمعيات الحقوقية, التي جاءت علي لسان السفيرة الأمريكية الجديدة في مصر آن باترسون التي لم تتسلم عملها رسميا بعد, يؤكد جدية النيات الأمريكية في احتواء الثورة المصرية واختراق المجتمع المصري, كي تبقي مصر أسيرة النفوذ الأمريكي فقد أعلنت هذه السفيرة عن رصد40 مليون دولار يجري توزيعها بمعرفة السفارة الأمريكية دون علم أو استشارة السلطات المصرية المختصة, علي جمعيات وهيئات حقوقية وحركات شبابية, تحت غطاء تشجيع ونشر ثقافة الديمقراطية, وهناك معلومات أخري وردت علي لسان موظفة بإحدي هيئات التمويل الدولية في القاهرة كشفت عن وجود تغير كبير في تخصيص أموال المنح الواردة لمصر من برامج التنمية المحلية التي كانت تلتهم النصيب الأكبر من التمويل الي برامج دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية, كما أوضحت أن الاتحاد الأوروبي مهتم بشدة ببرامج دعم ثقافة حقوق الإنسان, والأخطر ما كشفته هذه الموظفة لوسائل اعلامية من وجود ما وصفته بـتكالب من جهات عدة علي سرعة الانتهاء من إجراءات إنشاء جمعيات أهلية للحصول علي منح خارجية.
هذا التكالب علي تدفق الأموال لمنظمات أهلية وحركات شبابية لدعم ما يسمي بـثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان, هدفه الأساسي هو انتزاع مصر من هويتها الحضارية العربية الإسلامية تحت وهم التحول الليبرالي, الذي يقود بالضرورة نحو التبعية للنظام الرأسمالي العالمي والالتزام بأجنداته الدولية والإقليمية, وتوظيف مصر لخدمة هذه الأجندات, والأمر لا يتوقف علي مجرد التمويل بالمال ولكنه يمتد الي التجنيد السياسي لأجندات المؤسسات المالية المانحة.
كل هذا وغيره يحدث علي مستوي منظمات المجتمع المدني والحركات الشبابية, أما دور الهيئات الحكومية في توظيفها للمعونات والدعم المالي لمصر فهو يتجاوز حدود الاختراق ويمتد الي السيطرة علي نحو ما يكشف الخطاب السياسي الغربي والأمريكي علي وجه الخصوص, في حديثه الدائم عن الحرص علي أن تتم ادارة أمور الثورة في مصر ضمن حدود الانتقال المنظم للديمقراطية, أي الانتقال الموجه للثورة المصرية بحيث لا تخرج عن المسار المقبول غربيا, أي أن تبقي مصر ما بعد مبارك, تحت نطاق السيطرة المطلوبة علي مستويات ثلاثة: هوية النظام الجديد وثقافته, وأدوار هذا النظام علي المستويين العربي والإقليمي, وأنماط تحالفاته وصراعاته الإقليمية, بما يبقيه علي السير دون تحولات جذرية علي هدي من أداء النظام السابق الذي جعل من مصر شريكا استراتيجيا للأمريكيين وذخرا ودعما للكيان الصهيوني.
مصر مستهدفة وثورتها مستهدفة, والاختراق الخارجي خطر مؤكد علي الثورة وأهدافها, وما أشيع في الأسبوع الماضي من اتهامات بتلقي إحدي حركات الشباب أموالا أمريكية يفرض علي الحكومة ضرورة فتح تحقيق قضائي في هذه الاتهامات علي قاعدة الالتزام بالعدالة والشفافية ومحاكمة كل من تثبت ادانته بتلقي أموال من الخارج, وإصدار قانون يجرم تلقي مثل هذه الأموال, وضرورة وضع حد للاعتماد المصري علي المعونات الخارجية, والتعامل الدبلوماسي مع الولايات المتحدة وغيرها علي قاعدة المعاملة بالمثل, ومنع أي تحركات أو اتصالات داخلية لأي دبلوماسي أمريكي أو غير أمريكي دون موافقة وإخطار مسبق للسلطات المصرية, وتحجيم عدد البعثة الدبلوماسية الأمريكية في مصر بما يوازي البعثة الدبلوماسية المصرية في الولايات المتحدة, تحسبا لأدوار مشبوهة متوقعة من السفيرة الأمريكية الجديدة آن باترسون علي ضوء خبرتها السابقة في باكستان(2007 ـ2010) والتي حرصت علي أن تؤكد في جلسة استماع للتصديق علي ترشيحها سفيرة في مصر أمام مجلس الشيوخ الأمريكي علي أن تحدد عناصر الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع التطورات الجارية في مصر بعد ثورة25 يناير في أمرين أولهما: تشجيع عملية ديمقراطية شفافة, وثانيهما, تشجيع المجتمع المدني وتدعيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر, الأولويات الأمريكية واضحة, وأيضا يجب أن يكون الرد المصري واضحا وهو: لا للاختراق الخارجي وليس فقط بالقول ولكن بالفعل, وبالفعل الحازم والحاسم.

 

المزيد من مقالات د‏.‏ محمد السعيد إدريس
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 89 مشاهدة
نشرت فى 2 أغسطس 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,687,561