القلعة تبوح بأسرار جديدة
الكشف عن أقدم سجن مصري للمشاهير في العصر الإسلامي
سناء صليحة 81 

علي مدي العقدين الأخيرين ارتبطت منطقة القلعة بعدد من القضايا التي نشب حولها جدل بين الجهات الرسمية المسئولة عن إدارة ملف آثار مصر وعدد من المستثمرين من جهة وبين الأثريين وبعض الكتاب والمثقفين الذين رفضوا محاولات تغيير معالم المنطقة التاريخية وطمس هويتها تحت مسميات الاستثمار واجتذاب رؤوس الأموال والتطوير‏.‏

 

وخلال تلك الفترة وبعد سنوات طويلة من التعامل مع قلعة الجبل, المعروفة بقلعة صلاح الدين باعتبارها مجرد أثر انسحبت عنه الأضواء بعد أن تخلي الحكام عن الإقامة فيها وانتقال مركز الحكم إلي قصور ودواوين القاهرة, عادت القلعة لتتصدر المشهد في خضم متوالية من الأحداث المثيرة التي فتحت أكثر من ملف كان من بينها استغلال منطقة باب العزب لإقامة فنادق سياحية وتعرض جزء من القلعة لحريق, والهبوط الأرضي المجاور لقصر الجوهرة, وخروج المنطقة من تقسيم القاهرة التاريخية, وأخيرا وليس آخر قضية أبراج نصير الشهيرة, التي استدعت الاحتكام لليونسكو. وفي سياق الجدل الذي أثاره مشروع باب العزب و الهبوط الأرضي بالمنطقة,تبنت دنيا الثقافة مطالبات الأثريين بتحديد الحرم الأثري للقلعة وعدم البناء علي أي من المناطق المحيطة بها قبل إجراء الحفائر الأثرية اللازمة, وهو الاقتراح الذي قابله اللاهثون وراء تحقيق المكاسب المادية السريعة بالسخرية والتهكم آنذاك!!.
الآن وبعد مرور ما يقرب من عشرة أعوام, تأتي دراسة الباحث الشاب محمد حمدي متولي الأولي للجزء الجنوبي الغربي من القلعة ومنطقة باب العزب, ثم دراسته الثانية للساحة الشمالية الشرقية للقلعة, اللتين أزاحتا الستار عن بقايا قلعة سليم الأول, ثاني اقدم قلاع القاهرة والتي شيدها السلطان سليمان الأول القانوني, وأقدم سجن إسلامي في مصر, لتؤكد بالإثبات العملي ضرورة سن قوانين واضحة تحدد الحرم الأثري وكيفية التعامل معه.
وقبل الاستطراد في شرح الكشف الجديد الذي أعلنه الباحث الشاب في دراسته التي جاءت تحت عنوان الساحة الشمالية الشرقية لقلعة الجبل بالقاهرة منذ العصر الأيوبي حتي عهد الخديو إسماعيل والتي أشرف عليها كل من د.آمال العمري ود. علي أحمد الطايش لابد أن نعود للوراء لنصغي لحديث الحجارة وبعض من روايات المؤرخين. فبمحاذاة نهر النيل من الجهة الشرقية تمتد سلسلة الجبال الغربية ويعرف الجانب الشمالي منها من جهة القاهرة بجبل المقطم والهضبة التي تقع بأقصي طرفه الشمالي بالجبل الأحمر والهضبة التي تمتد ناحية الغرب بالجبل. ومن هنا عرفت قلعة صلاح الدين بقلعة الجبل. ولقد شيدت القلعة علي نشز مرتفع من أجزاء جبل المقطم ويفصل بينها وبين جبل المقطم حاليا شارع صلاح سالم الذي شق في أوائل الستينيات.. تؤكد الدراسات التاريخية أن المنطقة التي اختارها صلاح الدين الأيوبي لبناء القلعة شغلها عدد من البنايات قبل بناء القلعة مثل قبة الهواء التي جاء ذكرها في المقريزي والقصر والميدان الطولوني(256 هـ/869 م) اللذين يقعان تحت القلعة( ميدان صلاح الدين حاليا) والذي كان بستانا في العصر الطولوني. وفي العصر الفاطمي شهدت المنطقة نفسها تشييد عدد من المساجد والمقابر, كما أصبح الميدان تحت القلعة سوقا للدواب. وقد ذكر المقريزي أن هذه المساجد جاءت في صف واحد. ويرجح أنها أسفل الجزء الحربي من القلعة وأن قبة الهواء كانت تقع في الموضع الذي يوجد به حاليا قصر الجوهرة والقلعة التي وضع أساسها صلاح الدين الأيوبي. يشير د. حمدي متولي في دراسته إلي أن القلعة كانت مركز الحكم منذ العصر الأيوبي وحتي عهد الخديو إسماعيل فإنها شهدت توسعات علي مدي تاريخها وتعتبر الساحة الشمالية الشرقية الأقدم في بنائها من الجنوبية الغربية. ويرجع تاريخ بناء الساحة الشرقية الشمالية لعهد صلاح الدين الأيوبي, بينما الساحة الجنوبية الغربية تم بناؤها في عهد السلطان الكامل ناصر الدين محمد.
وتعد الساحة الشرقية الشمالية الأكثر تحصينا حربيا من حيث عدد الأبراج الحربية, كما كانت الساحة نفسها مقرا للدواوين وسكنا للمماليك. وصارت الساحة في العصر العثماني مقرا للانكشارية, ثم مقرا للملوك والسلاطين في عهد محمد علي. كما شيد محمد علي في الساحة نفسها قصر الحرم والعديد من المدارس العسكرية والثكنات وقاعات الحكم. أسوار الساحة الشمالية الشرقية للقلعة شيدت علي3 مراحل الأولي في عهد صلاح الدين والثانية في عهد الملك العادل سيف الدين أبي بكر والثالثة في عهد الملك الكامل ناصر الدين محمد. وقد اتضح أن الساحة بها3 أبواب للسر, أحدها يرجع تاريخه للعصر المملوكي, وأن الصهريج الذي بقرب قصر الحرم يعود تاريخه للعصر الأيوبي. واتضح أن الساحة نفسها كان يوجد بها كنيسة في عهد صلاح الدين الأيوبي ومساكن التتر وشهد عصر السلطات الكامل ناصر الدين محمد إنشاء قلعة الصاحب وديوان الجيش و الجب الكبير.
وفي عهد الظاهر بيبرس أقيمت مساكن الظاهرية والمصطبة الظاهرية والقبة البندقدارية.
ومن خلال المسح الأثري للمنطقة حدد الباحث حمدي متولي مكان أقدم سجون القلعة ومكانه برج داخل السور الشمالي للساحة الشمالية الشرقية للقلعة, بجوار جامع سليمان باشا من الجهة الشمالية الشرقية. ويشير الباحث إلي استخدام البرج كسجن, وأن البرج قد هدم عندما جدد محمد علي مباني القلعة في الفترة ما بين1813-1828 و أنه بني مكانه برجا أصغر لا يزال قائما إلي يومنا هذا ويعرف ببرج المقطم. وقد رجح الباحثون أن البرج الأصلي بناه سيف الدين أبو بكر بينما نسبه الباحث كريزول ألي للكامل محمد,(615-635 هـ/1218-1238م).ويرجع أقدم ذكر لبرج السجن لسنة632 هـ(1234م) فقد قبض الكامل محمد علي المسعود صاحب أمد واعتقله ببرج السجن بالقلعة هو وأهله بعد أن كان معتقلا بالجب بالقلعة,
وشهد هذا البرج عددا ضخما من المساجين ما بين أمراء وعظماء بل وملوك أجلاء, وبين مماليك موظفين, وجنود عامة, فيذكر في سنة644 هـ(1246م) مات الملك العادل أبو بكر بن الكامل محمد خنقا بقلعة لجبل, وسبب قتله أنه كان مسجونا في برج العافية من قلعة الجبل, وقبض الأمير سيد الدين قطز في سنة657 هـ(1257م) علي الملك المنصور نور الدين بن الملك المعز أيبك وعلي أخيه قاقان وعلي أمهما وسجنهم ببرج السجن من اجل طمعه في أخذ السلطنة لنفسه, ويذكر في سنة693 هـ(1293م) سجن الأمير علم الدين سنجر الشجاعي أحد أكابر الأمراء في عهد الأشرف خليل بن قلاوون ببرج السجن, وفي سنة705 هـ(1305م) سجن الشيخ تقي الدين بن التيمية معه أخوته في برج السجن, وذلك بسبب أن هذا الشيخ ادعي أن له مذهب غير المذاهب الأربعة, كما سجن الأمير أسد الكردي أحد أمراء الألوف بحلب في سنة785 هـ(1383م), في برج السجن, وأمر السلطان الظاهر برقوق في سنة785(1383 م) الأمير بجاس والي القاهرة بالقبض علي الخليفة العباسي محمد المتوكل علي الله(779-785 هـ/1377-1378م) وسجنه ببرج السجن, وسجن الأمير مطناش في سنة791 هـ(1389م) عدد كبير من مماليك الظاهر برقوق ببرج السجن, وقبض في سنة821 هـ(1418م) علي السيد الشريف عجلان بن نصير بن منصور الذي له صلة نسب بعلي بن أبي طالب, وتولي أمرة المدينة الشريفة مرارا, وحمل في الحديد إلي القاهرة وسجن ببرج السجن, وظل هذا البرج مستخدما في العصر العثماني, فيذكر في سنة923 هـ(1517م) حضر الشيخ حسن بن مرعي شيخ عربان البحيرة لمقابلة السلطان سليم الأول, ولما قابل السلطان سليم الأول قبض عليه وسجنه ببرج السجن بالقلعة الذي عرف باسم برج العافية والبرج الجواني, وإن ظل الاسم الأشهر برج السجن. وأخير فإذا كانت دراسة محمد حمدي قد كشفت أن سجن مزرعة طرة ونزلاءه من المشاهير ليس الأول من نوعه في تاريخنا, فإنها بدرجة أهم تؤكد ضرورة تحديد حرم المناطق الأثرية وعدم المساس بها قبل إجراء الحفائر والدراسات اللازمة كي لا نطمس بأيدينا صفحات من تاريخنا.

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 106 مشاهدة
نشرت فى 31 يوليو 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,796,509