مصر والمتغيرات على المسرح الإقليمى (٢) بقلم السفير/ محمد أنيس سالم ٣٠/ ٧/ ٢٠١١ |
جرى العرف، لأكثر من ٦٠ سنة، على تقديم وشرح السياسة الخارجية المصرية فى إطار دوائر ثلاث: عربية وأفريقية وإسلامية، ولعل الوقت قد جاء لمراجعة هذه المقاربة التى تقتصر على تحديد نطاقات جغرافية للعمل الخارجى، أو للانتماء الثقافى، دون تأصيل الأهداف أو المصالح القومية المحددة التى يراد تحقيقها أو الدفاع عنها أو تحديد الاستراتيجيات والإجراءات التى ستتبع فى الوصول إليها، ناهيك عن تجاوز الزمن فكرة هذه الدوائر التقليدية، بل تناقضها مع الواقع العملى لمراحل تاريخية فى السياسة الخارجية المصرية. ويرتبط بهذا الموروث استدعاء أحداث وآليات ومناهج تنتمى إلى عصور مضت، مثل تجربة المد المصرى نحو منابع النيل فى القرن التاسع عشر، أو التجربة الناصرية فى أوج انتصاراتها، أو أداء «السادات» فى حرب ١٩٧٣ (ويضيف البعض: مبادرة السلام)، ولا يقف الأمر عند الحنين (نوستالجيا) لهذه اللحظات التاريخية، دون التأمل فى سياقها والعوامل الموضوعية التى أحاطت بها، بل يتعدى ذلك للمطالبة بإعادة تدوير بعض السياسات والأدوات القديمة، ومن هنا تبدو أهمية القراءة الدقيقة لحجم التغيرات التى تواجه مصر على المسرح الإقليمى فى أبعاده العربية والأفريقية والشرق أوسطية. ويمكن إيجاز بعض أهم المتغيرات الجديدة على المسرح الإقليمى المحيط بمصر فيما يلى: ١- قيام ثورة ٢٥ يناير والسير نحو التحول الديمقراطى بما يتضمنه ذلك من اتجاه للانضمام لعدد من الاتفاقيات الدولية المرتبطة بالقانون الدولى الإنسانى وحقوق الإنسان وغيرها ووجود توقع بأن تلعب مصر دوراً نشطاً فى الدعوة إلى، والدفاع عن، الحكم الرشيد والديمقراطية وحقوق الإنسان على المسرح الإقليمى بل العالمى. ٢- الواقع الداخلى الذى يمر بمرحلة إعادة بناء أساسيات الدولة والحكم مع وجود ضغوط اقتصادية قاسية تحتم إعطاء هذا البعد أولوية كبرى خلال العقد القادم، مع توقع تزايد تأثير التركيبة السياسية الداخلية على عملية صياغة السياسة الخارجية. ٣- حركة الثورة والتغيير فى العالم العربى، بدءا من تونس ومصر، ونجاحها المتوقع فى ليبيا واليمن، والاحتمالات القائمة بخصوص سوريا، وتأثير التطورات السياسية فى البحرين والأردن والمغرب وغيرها، ولا شك أن هناك أثراً تراكمياً لكل هذه التطورات، بل يوجد تحول فكرى paradigm shift يحتاج إلى استيعاب، وصياغة استجابات جديدة تتوافق وحركة التاريخ وإرادة الشعوب. ٤- الصعوبات التى تواجه التحرك نحو حل للنزاع الإسرائيلى- الفلسطينى بسبب تأثيرات انشغال الرئيس الأمريكى بالانتخابات الرئاسية، واستمرار التعنت الإسرائيلى مع تراجع البدائل المتاحة ووجود احتمالات قائمة بتردى الأوضاع فى جنوب لبنان وغزة، واستمرار المحاولة الفلسطينية- العربية لدعم الاعتراف الدولى بدولة فلسطين. ٥- وجود حاجة لتوجيه جهد جاد ومستمر لمحور مصر الجنوبى، سعيا لإيجاد اتفاق حول مياه النيل، وللتعامل مع تداعيات ظهور دولة جنوب السودان، والحاجة لقفل ملف دارفور، وإعادة صياغة الاستراتيجية المصرية فى البحر الأحمر، خاصة فيما يتعلق بالصومال و«باب المندب». ٦- تصاعد دور مجلس التعاون الخليجى من ناحية القدرة على بلورة المواقف، والتحرك والتأثير، ووضوح الأولويات لديه، كما تشير مبادرة المجلس لضم الأردن والمغرب إلى وجود قراءة جديدة لحجم المخاطر التى تواجه دول الخليج، وشعور بمحدودية دور الجامعة العربية، وبالتالى السعى لتعزيز التضامن بين النظم الملكية فى المنطقة. ٧- استمرار التحرك النشط لتركيا مع قدرتها على اتخاذ مواقف توازن بين توجهات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى من ناحية ودول الشرق الأوسط من ناحية أخرى (مثل مطالبة القذافى بالرحيل مع إعلان تحفظات على العمل العسكرى ضده، أو الإعلان عن موقف واضح من مقتل بن لادن، أو توجيه النصح العلنى لبشار الأسد مع وجود اتصالات مكثفة معه من ناحية أخرى، حيث يلاحظ أن وزير الخارجية التركى قابل الأسد ٤٨ مرة حتى الآن!). ٨- اتجاه «طهران» لإعادة تقييم دورها الإقليمى فى ظل استمرار الضغوط على النظام الإيرانى بسبب سياسته النووية، وتردى الأوضاع فى سوريا، مما يهدد وضع حزب الله وحماس، بالإضافة إلى استمرار موجات عدم الرضا الداخلى، وإن كان ذلك يتوازى مع شعور بالنجاح إزاء سقوط عدد من النظم المعارضة لإيران فى المنطقة وسعى لترجمة الانفتاح على القاهرة إلى نتائج عملية. ٩- انضمام جنوب أفريقيا لمجموعة دول «البريك» (برازيل- روسيا- الهند- الصين)، مما يؤكد مكانة هذه الدولة الفتية كممثلة لقارتها وكمرشحة لمقعد دائم فى مجلس الأمن، مع ملاحظة غياب مصر عن مجموعة الـ٢٠ (التى تضم السعودية وجنوب أفريقيا والهند وكوريا الجنوبية وإندونيسيا والمكسيك والأرجنتين والبرازيل وتركيا)، وبينما يبلغ حجم التبادل التجارى بين الدول الأفريقية ومصر حوالى ٢.٥ بليون دولار سنوياً، فإنه يبلغ ١٣٠ بليوناً مع الصين، و٨٠ بليوناً مع الولايات المتحدة، و٦٠ بليوناً مع المملكة المتحدة، و٥٠ بليوناً مع الهند، وقد قامت الهند مؤخراً برصد مبلغ خمسة بلايين دولار لدعم برامج التنمية الأفريقية مع توفير ٢٢ ألف منحة دراسية للدول الأفريقية. (ولنا عودة). * مدير مركز العمل الإنمائى ومنسق لجنة الأمم المتحدة بالمجلس المصرى للشؤون الخارجية |
ساحة النقاش