بقلم : عادل عبدالغفار 71
تتطلب الظروف الحالية التي تمر بها مصر نظرة موضوعية لاداء الإعلام بجميع وسائله باعتباره احد أهم العوامل المؤثرة في تشكيل الرأي العام بشأن التطورات التي يشهدها الوطن حاليا,
للوقوف علي أهم ملامح الاداء الإعلامي لفترة ما بعد الثورة, لاستخلاص رؤية مستقبلية تسهم في تطوير اداء الإعلام المصري خلال الفترة المقبلة, خاصة أن هذه الفترة سوف تشهد تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية كثيرة لاستكمال تحقيق اهداف الثورة, ليصبح الإعلام عاملا مساعدا لتحقيق هذه الأهداف وليس مقوضا لها.
ويدرك المتتبع لمجريات ثورة يناير وتطوراتها في وسائل الإعلام الوطنية والعربية والدولية ان وسائل الإعلام الوطنية لم تنفرد بتشكيل الرأي العام المصري, بل ساهمت الفضائيات الاخبارية العربية والأجنبية الناطقة بالعربية بدور بارز في امداد الجمهور المصري بالمعلومات خلال فترة الثورة وما بعدها, يضاف إلي ذلك الاعتماد المتنامي علي شبكة الإنترنت كمصدر للمعلومات خاصة بين الشباب, ودورها البارز عبر مواقع التواصل الاجتماعي في تبادل الاراء والأفكار. ويستدل من التغطية الإعلامية لاحداث الثورة وتطوراتها أن النظام السياسي السابق وضع جميع وسائل الإعلام القومية في حرج شديد, ولم تنجح قناة مصر الاخبارية في منافسة الفضائيات الاخبارية العربية والأجنبية, رغم انها تقع علي بعد أمتار من ميدان التحرير!! في ظل التزامها بالتوجه الرسمي للنظام السياسي السابق, وجاء اداؤها خلال فترة احداث الثورة فاقدا للمهنية والحرفية.
وأثرت الملكية الخاصة لبعض الصحف والفضائيات في تغطية احداث الثورة, حيث كان عليها أن توازن بين حق الجمهور في المعرفة والحفاظ علي المصالح الاقتصادية لملاك بعض الصحف والفضائيات مع دوائر صنع القرار.
كما يستدل من متابعة وسائل الإعلام المصرية عقب الثورة تصدر اخبار الجريمة والبلطجة صدر الصفحات الأولي للجرائد اليومية, كما تصدرت أجندة برامج التوك شو التليفزيونية اليومية, مع وجود ربط في بعض الكتابات بين الثورة وحدوث الفوضي.
ويتصل بضعف الاداء المهني لبعض الصحف والفضائيات المصرية في معالجتها لتوابع ثورة يناير نشر اخبار كثيرة تفتقد للتدقيق المهني, ونشر تصريحات غير صحيحة, واخراج بعض التصريحات من سياقها, والتضخيم في تقديمها للقراء والمشاهدين, ونسب تصريحات لاشخاص هم منها براء, وتقديم اشاعات علي أنها اخبار, وتقديم آراء علي أنها حقائق, وتغليب السبق الإعلامي علي القيم المهنية ذات العلاقة بضرورة التدقيق في الاخبار قبل نشرها.
وسيطرت اخبار بروز التيارات الدينية بقوة علي الساحة السياسية علي مساحات صحفية وتليفزيونية مبالغ فيها, إضافة إلي تصدرها الصفحات الأولي بالجرائد والأوقات المتميزة في البرامج التليفزيونية, مع تكرار استضافة رموز التيارات الدينية في برامج التوك شو التليفزيونية الأكثر شهرة, وأثار ذلك تساؤلات كثيرة في اوساط الرأي العام المصري تتعلق بدلالات الظهور المكثف لهذه التيارات, وأهدافه الآجلة والعاجلة.
وبالغت بعض الصحف والفصائيات في المعالجة الإعلامية للوضع الاقتصادي في مصر بعد الثورة, فاخذت تروج لآراء غير مسئولة حول احتمالات إفلاس مصر, واحتمالات حدوث ثورة جياع, وأن القادم أسوأ بكثير. وان مصر مقبلة علي مستقبل غامض. وتثبت الدراسات العلمية ان التخويف الزائد عن الحد لا يؤدي بالضرورة إلي نتائج ايجابية, فكثرة الحديث المصطنع عن ضعف المخزون من السلع الاستراتيجية يدفع الافراد إلي تبني سلوكيات سلبية تتمثل في تخزين كميات كبيرة من السلع بما يؤدي إلي شحها في الاسواق وارتفاع أسعارها. ويلاحظ تركيز بعض الصحف والفضائيات علي ما يفرق أكثر من تركيزها علي ما يوحد في هذه الظروف بالغة الحساسية, ينطبق ذلك علي أكثر من مشهد سياسي مرت به البلاد خلال الفترة الماضية, نذكر مثلا التركيز علي الاختلافات في آراء القوي السياسية بشأن مستقبل الحياة السياسية في مصر, وعدم التركيز بشكل ملحوظ علي مساحات التقارب التي يمكن البناء عليها.
وتكمن خلاصة ما تقدم في أن بعض الصحف والفضائيات اسهمت في الترويج لمناخ عام سلبي في فترة ما بعد الثورة, واحدث هذا المناخ آثارا نفسية واجتماعية سلبية لدي قطاع عريض من المواطنين, تمثل أهمها في ملامح الإحباط واليأس والاكتئاب الذي اصاب البعض نتيجة المبالغة في معالجة التطورات السلبية المتلاحقة التي شهدها المجتمع خلال هذه الفترة.
ساحة النقاش