بقلم: د. عبد الفتاح الشطي 83
في ظل جهاز حاكم جثم علي صدر الأمة سنوات طوالا بكل آثامه وسوءاته, تراجعت صورة الرائد الجامعي المشرقة, حين غدا أمر تعيين رؤساء الجامعات ونوابهم بقرار من النظام الحاكم, وحين أضحي تعيين عمداء الكليات بقرار من رئيس الجامعة الذي عينه رئيس البلاد لولائه, أو لصلة قرابة دون وجه للتميز العلمي أو الأدائي الواعد.
هنا لك لم يعد الانتماء لرسالة الجامعة وغاياتها النبيلة هدفا أسمي لهذا القائد الجامعي. الإ قلة تلقانا دائما هم أهل العلم, كما لم يعد الولاء لرفقة الكفاح من الأساتذة وأعضاء هيئة التدريس والباحثين, فلم يعد هذا القائد الجديد تعبيرا عنهم وعن أمالهم, ومعاناتهم وطموحاتهم في الغد الأفضل للوطن, وللمؤسسة ورجالها, وهم صناع الأجيال والكوادر, وحملة المشاعل, وامتد إلي رجل السلطة الجديد ـ يحكم الجامعة ـ غير قليل من الاستعلاء, وإهمال إخوانه العلماء, وتجاهل واقع الأبناء الطلاب. أمل الوطن ومستقبله. مهملا معاناتهم ورؤاهم, غير عابيء بهم ولا بأحلامهم, وهم هدف المؤسسة العلمية حين أقامتها الدولة لخدمتهم.
وكأنما أضحي هم الرئيس الجديد. والعميد بهذا الوصف أن يفكر في الخطوة القادمة للوصول إلي الدرجة الأعلي, وصدر من بعضهم مايزري بكرامة أهل العلم, وسمعة الجامعة من ممالأة يريق فيها المال العام, حين تورط في منح (الدكتوراه الفخرية) لصاحبة السلطان رياء وزلفي, مهدرا مئات الألوف كان الأجدر بها أن تدعم الكساء والغذاء, والكتاب للأبناء والبنات من طلاب الجامعة....
حين استبدل البعض الزلفي والرياء بالصدق والعدل والإخلاص في العطاء, وحين كان أمر تعيينهم لقرابة أوصلة قريبة ببعض ذوي النفوذ بالجهاز الحاكم, فلقد كان طبيعيا أن يمتد إليهم داء التعالي, وإهمال أصحاب الحقوق, وقد أوصدوا أبوابهم دون الأساتذة والعلماء, وفيهم من هم أعلي منهم مكانة في المجتمع, ومن هم أسبق وأقدام في ميدان العمل الجامعي, والعمل العام.
أين هؤلاء وأمثالهم من شموخ الرواد الكبار ممن تصدوا لريادة العمل الجامعي في مصر:
أحمد لطفي السيد, مرورا بالعلامة الأديب أحمد زكي, ومصطفي مشرفة, حتي إبراهيم بدران: ممن أخلصوا للعطاء الوطني الجاد لايشغلهم عن نبل غايتهم عرض زائل, مترفعين علي مسلك الزلفي والرياء إلي رحابة العلم, وسمو الغاية... يكفي أننا لم نسمع أن ضم أحدهم إلي مجلس الجامعة تاجرا لم يسبق له الحصول علي الماجستير أو الدكتوراه علي نحو ماصنع البعض مسيئين إلي حرمة الجامعة, وخصوصية مجلس عمدائها.
لهذا ولغيره يجمع أساتذة الجامعة علي حتمية انتخاب القادة الجامعيين, ومن ثم تجدر الإشارة هنا إلي ماينبغي أن تكون عليه خلال الرائد الذي نريده لمستقبل يزدهر بالعلم والخلق والعطاء الوطني الحر الزاخر بجهود العلماء وقد أكبرهم مجتمعهم, ورفع من مكانتهم, وكذلك يجب تحديد صفات القائد الجامعي المنشود, فيما نري.
بداية نريد كريم النفس, رحب الصدر, الذي صاغته الأخلاق المصرية نبيلا يفتح بابه ومكتبه وقلبه لأخوانه أهل العلم والفكر, والأدب, فهم الرواد والرايات وهم الأجدر بالاحتفاء والعناية والتكريم, (وإنما يكرم الكريم الكريم), كذلك يفتح ذراعيه وقلبه لأبنائه الطلاب. مستقبل العلم وعدة الوطن. فهم الحاضر والأمل, وهم مناط الخدمة التعليمية والتربوية في صياغة المتخصصين والكوادر, فبناء المصانع ربما يكون سهلا, ولكن بناء الأجيال صعب عسير, يستدعي مع الأخلاص كل الجهد والعناية.
لأجل ذلك يجب أن يكون لدي الرائد الجديد: رئيس الجامعة نائبه أو العميد برنامج زمني واضح يعلن فيه رؤيته في إصلاح العمل الجامعي والنهوض بالكلية والأقسام لإحداث النهضة العلمية المنشودة لوطن كريم, ومجتمع حر يتطلع بترقب إلي مستقبل مؤسساته الجامعية تحقق حياة أكثر تقدما وانطلاقا نحو الرفاهية, وبناء الحضارة المزهرة بين جميع دول العالم الحر.
أن يقدم رئيس الجامعة والعميد مشروعه للنهوض بالبحث العلمي, وتفعيل كل أوجه العمل والنشاط الجامعي علي مختلف الأوجه: العلمية والزجتماعية, وربط خطط البحث باحتياجاته المجتمع.
نريد الوطني المخلص صاحب الرسالة, يشعر بواجبه, ويستشعر في كل لحظة نبض بلاده وشعبه, يحمل في عينيه أبناءه وإخوانه في بشاشة اللقاء, وصدق التواضع الحميد, فهو بهم, وهو منهم, وإليهم....
ساحة النقاش