بقلم: د. ابراهيم سليمان عبدة 73
تتطلع هذه الأمة إلى غد مشرق يحدوه الأمل نحو حياة أفضل لكل المصريين فى أرجاء المحروسة، وتأتى فى مقدمة هذه التطلعات قضية تنمية سيناء التى تلكأ بلوغ مرامها فى ظل زيف شعارات النظام السابق التى غلفت بها فساد الفعل والنية، فقد شاء القدر أن اقترب من هذه القضية.
كخبير وباحث منذ عام 1992 عندما استدعتنى هيئة كير الدولية لتقييم أداء للمشروعات التى أقامتها فى شمال سيناء بعد عشر سنوات من تشييدها، وهى إقامة صوب لانتاج شتلات الخضر والفاكهة لأصناف محسنة عالية الانتاجية متأقلمة مع الحرارة وقلة مياه الرى فى رفح والشيخ زويد، وبقينا أسبوعين فى سيناء مع أهلها الكرام، فوجدنا خفير الجمعية التعاونية الزراعية حول إحدى هذه الصوب إلى عشة للدجاج وأخرى تعطل عملها، حدث ذلك بعد أن آلت إدارة القطاع الزراعى فى سيناء إلى وزارة الزراعة فى عهد والى بدلا من وزارة التعمير فى عهد المهندس حسب الله الكفراوي.
وصحبنا المزارعون لصوباتهم الخاصة التى كانت تمد مزارعى سيناء ومنطقة دلتا النيل بشتلات الخوخ والخيار والطماطم، ولكن زاد حزنى عندما أسروا لنا أن التقاوى تأتى مهربة من إسرائيل، وهى تجارة رابحة جدا فكيلو جرام واحد سعره فى ذلك الوقت يربو على 16 ألف جنيه، علما بأن حوالى 50 جراما تنتج تحت الصوبات شتلات تكفى لزراعة فدان، بينما توقف مشروع بحثى للمركز القومى للبحوث تم بعد التحرير لمدة ثلاثة أعوام لانتاج سلالة متأقلمة مع الظروف المصرية من أصول أمريكية وأوروبية، والغريب عند مناقشة المسئولين العاملين مع الدكتور والى أنكروا بشدة أن مصدر التقاوى إسرائيل وأكدوا أن التقاوى ومصدرها الهيئة الزراعية المصرية من أصناف امريكية وأوروبية...!!
وساقنا القدر مرة اخرى لانجاز دراسة بتكليف من المجالس القومية المتخصصة فى عام 2009 لتقييم أسباب تعطل وتلكؤ تنفيذ المخطط القومى لتنمية سيناء (1994ـ 2017)، وتبين أنه قد أنفق أكثر من 60% من الاستثمارات البالغة حوالى 251 مليار جنيه ولكن لم ينجز من المخطط سوى 20% من أهداف برنامج التنمية الزراعية وحوالى 30% فقط من برنامج التنمية الصناعية وحوالى 20% من برنامج تنمية البنية الأساسية. وتوقف مسار ترعة السلام عند بئر العبد، ولم تبطن جسورها فانهالت الأتربة فى مجراها، ولم تستكمل مخترج الترعة فتوقفت مضخات رفع المياه، وتجاهل وزراء الرى والزراعة نداء اللواء منير شاش الملح والمتكرر بضرورة مرور الترعة بالمنطقة الوسطى المهملة إنمائيا بحجة أن رفع المياه غبر الهضبة الوسطى لارتفاع 90 مترا لرى 135 ألف فدان سوف يستهلك كهرباء تعادل 8/1 استهلاك مصر. ونسوا أو تناسوا حجم الطاقة الكهربائية المزمع استهلاكها فى رفع المياه 180 متر فى مشروع توشكى لرى 650 ألف فدان، والتى تملك معظم أراضيها رجال أعمال لم يزرعوها.
وتبين أيضا من الدراسة سوء توزيع الموارد وثمار التنمية، حيث استحوزت السواحل السياحية على أغلبها واستحوذ رجال الأعمال على ملايين الأمتار بأسعار بين 5 ـ 10 جنيهات للمتر، وتركزت التنمية الزراعية فى الثلاثين كيلو مترا المتاخمة لضفة قناة السويس الشرقية والواقعة فى زمام محافظات القناة الثلاث، بينما أغلب التوسعات الزراعية إن لم يكن كلها كانت بجهود الأهالى الذاتية.
وياليت الدراسة التى أنجزناها عرضت فى حينها فى عام 2009 بل ظلت معتقلة لا نعلم عن مصيرها شيئا.
والعجب العجاب عندما حان وقت خروج الدراسة من معتقلها، ودعينا لعرضها على السيد رئيس الوزراء، فوجئنا بأن أحد هؤلاء يوزع دراسة أخرى صاغها هو، ليس هذا فحسب بل إنه عند العرض تحدث شفاهة بأفكار أخرى مضمونها الدفاع عن رجال الأعمال الذين شاركوا الاسرائيليين فى مشروعات أراض اشتروها بعشرة جنيهات للمتر المربع، وعندما طلبت الكلمة لتصحيح المسار رفض طلبي.. وسبحان مبدل الأحوال!!.
ولذلك عندما استدعتنا القوات المسلحة ممثلة فى جمعية المحاربين القدماء إلى قافلة خير تجوب ربوع سيناء تحت عنوان مستقبل سيناء تمهلت لفترة بين القبول والاعتذار، وبعد الاجتماع التمهيدى وجدت أن المؤسسة الشريكة والحامية لمطالب ثورة 25 يناير جادة بإخلاص فى وضع تنمية سيناء فى مكانتها الطبيعية على رأس المشروعات القومية، فقبلت الدعوة بشغف، وأسفرت الرحلة الميدانية عن رؤية استرتيجية صحيحة لتنمية سيناء تضعها على رأس المشروعات القومية الراهنة.
وتتمثل هذه الاستراتيجية فى عدة محاور، يأتى على رأسها حقيقة أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية تحقق الأمن القومى لمصر، حيث أن انتشار الكثافة السكانية على كافة ربوع سيناء واستقرار أهلها فى مجتمعات عمرانية يحول دون تمكين أى معتد من اختراق أرضيها.
وتركز الاستراتيجية على الحيازات الصغيرة فى ملكية الأراضى الزراعية، على أن يقوم المستثمرون بإنشاء شركات لتسويق المخرجات والمدخلات ونشر التقنيات الحديثة، كما يمنحون تسهيلات ائتمانية وإعفاءات ضريبية فى قطاع الصناعة، وهناك ضرورة ملحة لانشاء هيئة قومية مستقلة تتبع رئيس الوزراء مباشرة تضطلع بمهام تنمية سيناء وقد يتطلب الأمر إصدار تشريع ينظم أسس الملكية والحيازة ويقيد إشراك الأجانب فى الاستثمار، ويضع شروط مساهمة القطاع الخاص المصرى فى البنية الأساسية وفق نظام (BOT) وتنشأ جامعة حكومية تقدم كلياتها مناهج مبنية على طبيعة الأنشطة الاقتصادية فى سيناء.
ساحة النقاش