الباب الرسمي للمحسوبية والوساطة وإقصاء الشرفاء كشف الهيئة.. منصة إعدام أحلام الشباب |
سماح عبدالفتاح |
"مالاقوش في الشاب عيب.. قالوا ساقط كشف هيئة".. عبارة مطاطية طالما اغتالت أحلام قطاع عريض من الشباب أبناء البسطاء والطبقة المتوسطة وحالت دون تحقيق طموحاتهم في الالتحاق بوظائف مرموقة أو الالتحاق بكلية الشرطة أو التعيين في الهيئات القضائية.. وعندما تسأل تجد الإجابة جاهزة.. "الباشا ساقط كشف هيئة".. باختصار هي بوابة الوساطة والمحسوبية والفساد الاجتماعي والطبقي الذي أبعد أبناء مصر المخلصين والشرفاء عن تحقيق أمنيتهم في خدمة الوطن. الوساطة والمحسوبية.. ذاعت شهرتها قبل ثورة 1952 التي كانت سببا في ثورة الضباط الأحرار اعتراضا علي تفشي الرشوة والوساطة والمحسوبية.. وقبل 30 عاما من الآن وتحديدا قبل اندلاع ثورة 25 يناير 2011 ترسخت هذه المعاني في المجتمع المصري وأصبحت الوساطة والمحسوبية هي بوابة أبناء الأثرياء وكبار المسئولين لاعتلاء عرش الوظائف المرموقة في البلاد ولنفس السبب ثار الشعب علي هذه الأوضاع الاستثنائية التي تسببت في احتقان طبقي وحقد اجتماعي بل نتج عنها ما هو أفظع من ذلك وهو قدوم عشرات الشباب علي الانتحار للتخلص من أجواء الفساد التي قتلت أحلامهم فهم أبناء بسطاء شرفاء عانوا كثيرا من أجل تربية أبنائهم حتي يستطيعوا توفير التعليم والتفوق لهم وهو حق مشروع لكن رغم ذلك لم يشفع لهم التفوق والتميز علي أبناء الأثرياء والمسئولين لأن المعايير اختلفت. أصبحت الشرطة والوظائف المرموقة في البلاد حكرا علي المجاملات والوساطات التي نالت من تماسك كيان هذا المجتمع تحت مسمي كشف الهيئة. "الجمهورية الأسبوعي".. تطرح السؤال: كشف الهيئة هل هو بوابة اغتيال أحلام وطموحات أبناء البسطاء والشرفاء.. وتصريح مرور لأبناء الأثرياء والمسئولين إلي سلم المناصب والوظائف المرموقة؟ وكيف نتخلص مع مقاصل أحلام الشباب بعد ثورة 25 يناير؟ يقول المستشار محمود العطار نائب رئيس مجلس الدولة: الأساس الذي ينبغي أن تكون عليه اختبارات التعيين لشغل بعض الوظائف هو التقدير ودرجات النجاح فمن حصل علي درجات أعلي يقدم في التعيين عن غيره ثم ينظر بعد ذلك إلي الكفاءة والجودة. لكن لوحظ في فترة من الفترات ان بعض الأشخاص في بعض الوظائف غير لائقين بالوظائف التي يشغلونها وغير جديرين بها ولهذا انقسمت الآراء في هذا الصدد إلي قسمين البعض رأي ان هذا الاختبار غير مجد ورأوا عدم النظر اليه والبعض الآخر يرون ان الأساس في هذه الوظائف هو كشف الهيئة نظرا لخطورة هذه الوظائف ومدي حساسيتها فلا يعقل مثلا أن يلتحق شخص ما بإحدي المناطق الحساسة وفي أفراد اسرته تاجر مخدرات أو سارق أو مسجل خطر كما لا ينبغي أن نترك هذا الاجراء علي مصراعيه لأنه صار طريقا للكسب غير المشروع لبعض ضعاف النفوس وكذلك صار مجالا للمجاملات واتخذ مبررا للتفرقة الاجتماعية والطبقية ولإهدار العدالة الاجتماعية وخرج من الحق المعمول المرشد الي حق يراد به باطل وبهذا يحدث محاباة لأشخاص علي حساب آخرين. ولهذا كله فالمحكمة الإدارية ومجلس الدولة وضعت معايير واعتبارات لهذا وهو أن يكون الأصل في التعيين هو الدرجات وتخطي الاختبارات وهذه الاختبارات من مسئولية جهة تقديرية بحيث تكون مقيدة وغير مطلقة تابعة للجهة الإدارية ويجب صدها لعدم استخدام السلطة في غير الموضوعة لها ولقد أصدر مجلس الدولة العديد من الأحكام ناصعة البياض في هذا الصدد والتي وصلت إلي الغاء القرارات المتعلقة بالتعيينات حتي يحصل كل ذي حق علي حقه وقيد هذه السلطة وعلي هذا الأساس رفعت مئات القضايا أمام مجلس الدولة وقد أقامت مجالس الدولة العدالة وألغت الكثير من الحالات التي التحقت بالوظائف علي حساب غيرهم خاصة في الخارجية وفي أماكن أخري ألغت هذه القرارات الجمهورية الصادرة لأنها كانت مشتملة علي "التخطي في التعيين" وأتذكر في إحدي الجلسات ان من بين المحكوم لهم في هذا الأمر شاب قد أصابه الظلم في كشف الهيئة ولما صدر الحكم لصالحه سجد لله شكرا وقبل الأرض لأن المحكمة أنصفته وتم التحاقه بالجهة التي رفضت تعيينه من قبل وان كان لا يحق للمحاكم تحل محل الإدارة في كشف الهيئة إلا انها إزاء بعض الحالات التي يتجلي صورة الظلم فيها تقوم بمناظرة المدعي وتعطيه حقه إذا ثبت. وفي النهاية أقول ان كشف الهيئة كشف مطلق ولكن يجب أن يتبع القائمون عليه مراعاة الله ومراعاة ضمائرهم لإتاحة الفرص أمام الجميع علي السواء دون محاباة أو انحياز. * ويري د. فوزي غزال رئيس حزب مصر 2000 انه لاشك في ان هناك وظائف يجب التحري عن الملتحقين بها نظرا لحساسية وخطورة هذه الوظائف لكن لابد أن تكون هذه التحريات واقعية وحقيقية ولا يكون الغرض منها خدمة شخص معين علي حساب آخرين تتوافر لديهم نفس الشروط والامكانيات فلابد من تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين بما يتفق مع العرف والتقاليد والقيم الموجودة في المجتمع فيجب التحري بدقة مثلا عن المتقدمين للهيئات الدبلوماسية والمواقع الحساسة وعن أقاربهم والتأكد من عدم تورطهم في أي جرائم تخل بطبيعة هذه المهنة الحيوية ولكن مع الأسف هذا الاجراء كان يستغل استغلالا سيئاً وفي غير المواضع المحددة له فقد كان وسيلة وطريقاً لأصحاب النفوذ والسلطة لتوريث أبنائهم الوظائف الهامة وترك الطبقة المتوسطة والفقيرة مهمشة حتي لو اجتهد أبناؤها لتطوير مستوياتهم الاجتماعية فلا يجب أن يصر القاضي علي التحاق ابنه في نفس المهنة وكذلك استاذ الجامعة ويجب أن يكون الاختيار والتعيين في هذه الوظائف قائما علي تكافؤ الفرص والتميز واختيار الشخص الكفء والشخص المناسب للمكان المناسب بصرف النظر عن الحالة الاجتماعية من حيث الفقر أو وظيفة الأب "بواب أم وزير" والمعيار الوحيد يجب أن يكون الكفاءة ولهذا يجب المساواة بين كل الطبقات دون تحيز طالما تساوت الكفاءات إلا فيما يتعلق بما يسيء للعائلة من جرائم لا يمكن التغاضي عنها في مثل هذه الوظائف اما فيما دون ذلك فالمساواة طلب عادل لا فرق بين فقير أو غني ولا بين مسلم ومسيحي ولا بين مكانة اجتماعية وغيرها ونحن نرفض التدخلات غير المبررة من جهاز أمن الدولة السابق الذي كان يتحكم في قبول بعض الوظائف بل معظمها فلا يجب أن يشترط موافقة جهاز أمني لشغل وظيفة بعيدة كل البعد عن النطاق الأمني كأساتذة الجامعة مثلا فكل هذه التجاوزات غير مقبولة ويجب القضاء عليها مطلقا. * وتؤكد د. زينب عفيفي استاذ علم الاجتماع وعميدة كلية الآداب جامعة القاهرة ان كشف الهيئة الذي كان يحدث قديما كإجراء للتقدم لشغل إحدي الوظائف الهامة والحساسة في الدولة إلي جانب بعض الاجراءات الأخري كان لها مبررات ايجابية وأخري سلبية. أما الايجابية فتتمثل في ان هناك بعض الوظائف التي ينبغي أن يتم التدقيق في الملتحق بها نظرا لحساسيتها ومكانتها الرفيعة في المجتمع بالاضافة إلي وجود تصور آنذاك ينص علي ان الانسان الذي ينشأ في بيئة ذات طابع اجتماعي رفيع فإن هذا الشخص يصير لديه اشباعات حقيقية ونزاهة وقناعة ويكون لديه اكتفاء ذاتي واجتماعي وبهذا يحاول ألا يتدني بمطالبه الذاتية والنفسية ويبعد عن الوسائل غير المشروعة للكسب وأكبر دليل علي ذلك ان معظم القيادات التي كان لديها حرمان اجتماعي ومادي حينما أتاحت لهم الفرصة في مناصب رفيعة انشغلوا فقط بجمع الأموال بشتي الوسائل واستحوذوا عليها بطرق غير مشروعة غير مبالين فأحيانا تكون الظروف الاجتماعية التي يعيشها الفرد هي العامل وراء تفشي الفساد ولكن هذا ليس معناه ان هذا ما كان يحدث قديما فكشف الهيئة انقلب من كونه معيارا لقياس جودة وكفاءة المتقدم للالتحاق بوظيفة مرموقة إلي سبوبة يشغلها بعض القائمين علي هذه الاختبارات للمتاجرة بأحلام المجتهدين والمتفوقين وهذا يرجع الي ان الفترة الماضية صار فيها الصالحون قلة في المجتمع والفاسدين هم الأغلبية والشرفاء صاروا منبوذين من المجتمع بتهمة الشرف.. ولعلني أذكر أحد الأساتذة الجامعيين وهو يتباهي أمامنا وهو يقول لقد أدخلت ابني كلية الشرطة مقابل 70 ألف جنيه ولم يستح من ذكر ذلك. * ومن جانبه يري د. علي السيد سليمان استاذ علم النفس والارشاد النفسي جامعة القاهرة ان كشف الهيئة باختصار كان عبارة عن كشف الواسطة التي يتقدم بها طالب الوظيفة فإن كانت الواسطة قوية يجتاز المتقدم هذا الاختبار وان لم تكن فإنه يعد راسباً أما اليوم فقد آن الأوان أن نعيد الكفاءات والكوادر علي أسس علمية وبمقاييس القدرات العالية كذلك علي المقاييس الاجتماعية والأكاديمية والثقافية لأننا في مرحلة بناء تحتاج منا كل الجهد والكفاءة أما عن قضية التوريث فهي مأثور قديم توارثه الشعب المصري ولكن بدايته كانت في توريث أصحاب الحرف والمهن اليدوية حرفتهم التي تربوا عليها لأبنائهم فمنذ فترات بعيدة من الزمن عرفت عائلات بأكملها بحرفة وعمل معين كحرفة النجارة والسباكة إلي غيرها من المهن الحرفية فلقد تناقلتها الأجيال ولا عجب في ذلك لأن الأب دائما ما يود أن يعلم ولده ما لديه من خبرات وصناعات في صغره حتي يساعده في كبره وهذا في الحرف فقط أما العجب كل العجب فيما يحدث الآن فالقاضي يريد ابنه قاضيا والضابط يريد ابنه كذلك وكذلك أساتذة الجامعة حتي سادت الفكرة وأصبح كل شخص يريد ابنه خليفة له فلقد تناقلت الأفكار بين الأجيال وأصبحت في الأذهان ولا نعجب من نظام الحكم السابق الذي كان يريد التوريث فذلك كان حال كل البلد كهذا لا يمنع أن كشف الهيئة ضروري ومطلوب لكن بأدوات ومقاييس للاستحقاق فالإنسان المناسب ينبغي أن يتم وضعه في المكان المناسب بشروط توافر الكفاءة والرغبة الجادة للمواصلة في هذه الوظيفة واعطائها حقها وبهذا نصل إلي ما افتقدناه من التوجيه العلمي والتوجيه التربوي. * وتقول د. إنشاد عز الدين استاذ علم الاجتماع بجامعة المنوفية ان التجاوزات التي كانت تحدث نتيجة للإجراءات التعسفية التي يتطلبها طلبات الالتحاق بإحدي الوظائف الهامة كثيرة جدا ولا تحصي. فلقد كان كشف الهيئة لبعض الوظائف هو الوسيلة التي يستطيع أبناء علية القوم والمقتدرون من خلالها الوصول إلي وظائف مرموقة وهامة دون غيرهم وحرموا أبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة من حق التقدم لهذه الوظائف حتي لو كانوا متفوقين وأصبح التوريث هو الصبغة السائدة في كافة الهيئات والمؤسسات فامتحانات الخارجية مثلا يشترط فيها أن يكون المتقدم ابن سفير وهناك العديد من النماذج من أبناء الطبقة الوسطي التي راحت ضحية هذا الظلم ولعل أبرز الحالات هذا الشاب خريج العلوم السياسية الذي تقدم للالتحاق بالسلك الدبلوماسي واجتاز الاختبارات التحريرية وفي اختبار الهيئة تم رفضه لأنه ابن بواب ونتيجة لهذا الظلم انتحر هذا الشاب وهذا التوريث ليس فقط بالسلك الدبلوماسي ولكن في وزارة العدل والجامعات فالجامعات المصرية مليئة بالنماذج الصارخة من أبناء أساتذة الجامعة. ولقد آن الأوان لكي نقضي علي هذا الفساد الاجتماعي الذي يقضي علي طموح شبابنا فلقد مر علينا زمن كبير يقولون فيه كلاما للشباب ولا يعملون به يقولون اجتهد والتحق بكليات القمة وسوف تحصل علي وظيفة تستحقها والنتيجة في النهاية هي آلاف الصفوف من الخريجين العاطلين. كما يجب أن يتم الغاء ما يسمي بقانون أبناء العاملين "أ ع" الذين يحصلون علي حقوق غيرهم دون وجه حق كما ينبغي أن نراعي كل هذه الأخطاء البشرية التي تخلق طبقة من الحاقدين علي المجتمع وغير المنتمين للوطن وفي النهاية نسأل لماذا هذا الكم من الجرائد والفساد والإجابة الحقيقية هي اننا صانعو هذه الطبقة من البشر التي نشأت كنتيجة طبيعية للظلم والمحسوبية وعدم تكافؤ الفرص. * يقول المفكر السياسي د. محمد ماهر قابيل ان المجتمع المصري في حاجة ماسة إلي إعادة النظر في ثقافته السياسية والاجتماعية فنحن في حاجة إلي مراجعة شاملة لثقافة الفساد التي انتشرت بين المجتمع بمعني ان النقائص التي اكتسبت صفات القيم لكثرة ما تداولها الناس فأصبح الرأي العام يرفض أو ربما يزدري الشخص الذي لا يحابي أقاربه ومعارفه وبالتالي أصبح الفساد هو السائد في المجتمع حتي ان أي شخص حينما يتوجه إلي أي مؤسسة لقضاء حاجة يبدأون أولا معه بالسؤال عن معارفه في تلك المؤسسة ووسطته بها لكي يضمن قضاء حاجته أما لو ذهب دون وساطة فإنه يواجه الصعوبات وقد لا يحصل علي حقه والمذهل والذي لا يصدق ان الفساد وصل وخرب المؤسسات العلمية والثقافية فبعض أساتذة وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات ينظرون إلي الدرجات العلمية المتمثلة في الماجستير والدكتوراه والدراسات العليا علي انها منحة يمنحونها لطالب العلم وبالتالي عادة ما تكون المنحة بمقابل والطالب الذي لا يقدم ذلك المقابل يعاملونه معاملة المتسول الذي يريد أن يحصل علي الدرجة دون أن يدفع ثمنها أما فيما يتعلق بإجراء كشف الهيئة في الوظائف الحكومية والهيئات الدبلوماسية والقضائية والكليات العسكرية فقد كان معروفاً دائما في ثقافة الفساد حتي في امتحانات السلك الدبلوماسي فالجزء الخاص بالامتحان التحريري لا يدخل فيه وساطة إلا في حالات الغش أما الاختبارات الشفوية التي تتضمن كشف الهيئة فهي مرتع الوساطة وكان المعنيون بذلك يقولونها صراحة "انجح في التحريري ثم نتوسط لك في الهيئة". وكذلك كان الحال في كلية الشرطة كان الواصلون يتباهون بمعارفهم من لواءات الشرطة الذين يلحقون الأبناء عن طريق التوصية في كشف الهيئة حتي الأم أصبحت تلوم زوجها المدرس إذا رسب ابنها في نفس المدرسة اعتقادا منها انه لم يتمكن من خدمة ابنه وهو في نفس مدرسته. ولهذا فإن الحل لابد أن يبدأ من الرأس فالسمكة تفسد من رأسها فإذا صلح الرأس صلح الجسد وعليه فإذا صلح القادة صلح الرعية . |
نشرت فى 28 إبريل 2011
بواسطة azazystudy
الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
4,794,998
ساحة النقاش