الحوار الوطني وهندسة المستقبل
بقلم: د‏.‏ محمد السعيد إدريس


من المهم جدا أن يبدا‏,‏ وسريعا حوار وطني مسئول وجاد يكون هدفه التخطيط للمستقبل او ما يمكن تسميته بـ هندسة المستقبل لبناء مصر التي نريد وفق أجندة عمل وطنية يجري تقسيمها الي مراحل‏.

 

تبدأ المرحلة الأولي من اللحظة التي نحن فيها الآن بكل ما فيها من مصاعب وتحديات, حتي لانقع في اشكالية التصورات النظرية المنفصلة عن الواقع, ونكتفي بما نصت عليه دعوة الحوار التي اعدها فريق الدكتور يحيي الجمل تحت عنوان: الحوار الوطني.. نحو عقد اجتماعي جديد, فالهدف الذي اقترحته تلك الدعوة من هذا الحوار كان بناء توافق وطني حول رؤية مستقبلية لعقد اجتماعي جديد يحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم وفيما بين مواطني الشعب المصري انفسهم بكل انتماءاتهم وخلفياتهم.
عظيم ان نتوافق علي عقد اجتماعي سياسي جديد لمصر المستقبل, لكن الاعظم ان نمتلك المقدرة علي ان ننقل مصر من حالة الغليان والاضطراب الحالية الي الحالة التي منها يمكن ان نطبق المشروع الوطني الجديد, ان ننتقل بمصر وشعبها بأمان وسلام من حالة الغليان الثوري وكل ما يموج به هذا الغليان من تفاعلات إيجابية واخري سلبية الي حالة من الامان والامن والاطمئنان والاستقرار, ان نقودها سالمة, وهذا هو الاهم الي المستقبل الذي نريد, هذا يعني ان الحوار الوطني الذي يشرف عليه الدكتور عبد العزيز حجازي يجب ان يبدأ وسريعا, يجب ان يهدف الي وضع جدول اعمال لمهام وطنية نتوافق عليها وسريعا للوصول بمصر من حالة الثورة الي حالة الدولة دون تفريط في اهداف ودون تجاوز لاعتبارات الامان والعدل والكرامة.
كما يجب ان يهدف هذا الحوار الي وضع اسس مشروع وطني لمصر التي نريد وفق الاهداف الكبري التي قامت الثورة من اجلها: العدل والحرية والسيادة الوطنية, العدل بمفهومه الواسع القانوني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي, والحرية بمفهومها الواسع ايضا: حرية الوطن وحرية المواطن المتضمنة في الإعلان العالمي لحقوق الانسان, بحيث مبدأ المواطنة هي المبدأ الحاكم للعلاقة بين المواطن والسلطة والعلاقة بين المواطنين, تأتي السيادة الوطنية التي تعني عزة الوطن وكرامته وامتلاك ارادته الوطنية المستقلة لتكمل المعالم الاساسية لهذا المشروع الوطني الذي منه نبني التقدم والنهضة والتطور المأمول.
من هنا نستطيع ان نخوض عملية هندسة المستقبل لمصر, وهي عملية في حاجة الي وفاق وطني قائم علي ائتلاف بين قوي الثورة: الشعب من ناحية بكل تياراته وقواه السياسية دون تمييز ودون اقصاء لهذه القوي التي صنعت الثورة, والجيش, من ناحية اخري في مواجهة القوي المضادة والمعادية للثورة التي يسميها البعض, عن خطأ, بالثورة المضادة.
الثورة باعتبارها عملا شعبيا وتقدميا نجحت في تحقيق الشرط الاول وهو ان تكون عملا شعبيا, اي ثورة يقودها الشعب ويمتلك بارادته الحرة المستقلة, كل نواصيها, ويبقي الشرط الثاني ان تصبح عملا تقدميا, اي ان تقود الوطن نحو التقدم بكل ما يتضمنه من نهضة وتطور اقتصادي وعلمي وتكنولوجي وصناعي وثقافي.
الحفاظ علي وحدة قوي الثورة: الائتلاف الشعبي الوطني بكل تياراته وقواه السياسية والجيش, هو الضمانة الاولي والاساسية لإنجاح الثورة وبناء مشروعها النهضوي, لكن الضمانة الثانية هي توافق الطرفين: الشعب والجيش, من خلال الحوار الوطني المنتظر, علي هذا المشروع الوطني, مشروع مصر التي نريد بشقيه الاول الخاص بأجندة المهام العاجلة التي من خلالها نضع مصر علي مشارف التغيير, مهام تأمين مصر ومواجهة التحديات التي لها علاقة بتركة النظام القديم الذي اسقطته الثورة والتي بدونها لن نستطيع ان نتحدث عن المستقبل, والثاني مشروع هندسة المستقبل من خلال تحقيق الاهداف الثلاث الكبري للثورة: العدل والحرية والسيادة الوطنية.
معني هذا ان المهمة الاولي للحوار الوطني هي الحفاظ علي ائتلاف قوي الثورة: الشعب والجيش, وتصليب هذا الائتلاف وتقويته, وان يكون هذا الحوار, بذاته, الإطار الوطني المعبر عن هذا الائتلاف, ومنه تبدأ المهمة الثانية التي يجب ان يقوم بها هذا الائتلاف وهي التخلص من تركة النظام السابق بإسقاط طواغيته الثلاثة: طاغوت الاستبداد, بتفكيك كل مؤسسات الاستبداد, وتأسيس مؤسسات بديلة تحول دون عودته مرة اخري, ومحاكمة رموزه وكل المتورطين في ممارسة هذا الاستبداد, ابتداء من رأس النظام السابق وكل معاونيه وحاشيته, وطاغوت الفساد بمحاكمة كل من تورطوا في هذا الفساد المالي والسياسي في كل القضايا والجرائم التي ارتكبوها واغلاق كل منافذ ذلك الفساد بكل انواعه, ثم اسقاط طاغوت التضليل الذي اتخذ من الاعلام اداة للتزييف والافساد الفكري والسياسي, وبعد هذا كله تأتي المهمة الثالثة الكبري وهي هندسة المستقبل المصري.
انجاز المهمتين الاولي والثانية يمكن اعتبارها الجهاد الاكبر, لانهما جهاد النفس, ان ننتصر علي ذواتنا ونحفظ ائتلافنا علي قاعدة الولاء للثورة واهدافها, واعادة بناء مصر ثم ان ننتصر علي القوي المعادية للثورة التي مازالت تتآمر عليها من خلال وجودها القوي في اهم مؤسسات الدولة: في الوزارات والمحافظات والاجهزة الحكومية وامتلاكها لرأس المال الذي تسخره لمؤامراتها من اجل اسقاط الثورة والوقيعة بين الجيش والشعب وتفكيك الائتلاف الوطني.
ما حدث خلال الاسابيع الثلاثة الماضية من تطورات أليمة هددت الائتلاف الوطني سواء بين القوي والتيارات السياسية المشاركة في الثورة قبل واثناء الاستفتاء علي التعديلات الدستورية وبالذات تحويل واجب التصويت من واجب وطني الي واجب شرعي, وتحويل التصويت بـ نعم الي فوز وانتصار علي المسيحية او تحويل التصويت بـ لا الي وزر ومخالفة للشرع وتمكين للمسيحيين علي المسلمين ولإلغاء المادة الثانية من الدستور علي خلاف الحقيقة, وما حدث من استشراء لظاهرة البلطجة التي تجلت في اسوأ صورها في مباراة كرة القدم بين نادي الزمالك ونادي الافريقي التونسي, ثم الاحتكاكات التي حدثت بين بعض القوي المعادية للثورة والجيش فجر السبت الماضي في ميدان التحرير بهدف الوقيعة بين الجيش والشعب, كلها مؤشرات تؤكد ان القوي المعادية للثورة تتحرك وتتفوق وتسعي الي الانقلاب علي الثورة, وما جاء علي لسان الامين العام للحزب الوطني اخيرا يؤكد جدية هذه النوايا, وبالذات اعلانه ان الحزب الوطني سيحصل علي الاغلبية في مجلس الشعب القادم وتجرؤه بالقول مازلنا الحزب الحاكم.
تأكيدات لم تأت قطعا من فراغ, واي تباطؤ في مواجهة هذا الخطر سيفرغ الحوار الوطني من مضمونه وسيعيد عقارب الساعة الي الوراء.

 

المزيد من مقالات د‏.‏ محمد السعيد إدريس
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 40/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
14 تصويتات / 129 مشاهدة
نشرت فى 12 إبريل 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,794,717