كتب:حسن فتحي
نتيجة للقهر المتواصل, البطش بلا هوادة, الحرمان من الحقوق, انتهاك النفس والجسد, الإلهاء بتوافه الأمور, الكبت السياسي والنفسي, الضغط العصبي الشديد, غلاء الأسعار, استعمال وإدمان المكيفات, الفساد المنتشر, الإحساس الشديد بالظلم والهوان, حالة الانكسار والهزيمة.
علي كل المستويات, ازدياد العنف, ارتفاع الطلاق ومعدلات الجريمة الأكثر عنفا, فقد المصريون بشكل أو بآخر ـ وفق رأي الدكتور خليل فاضل استشاري الطب النفسي, حيوية العقل, ليونة المخ, الذي فقد مرونته التي أدت إلي ما سبق قوله, وكانت أيضا نتيجة له.
فقد اعتقد أطباء النفس وعلماؤها أن المصريين يعملون بنصف دماغ, وأن التغذية غير الصحية, الهواء والماء غير النقي, الأمراض المزمنة القاتلة كفيروس سي و الفشل الكلوي, قد نالت من جهاز المناعة الذي يؤثر ويتأثر سلبا وإيجابا بالحالة العامة للمصري, من هنا يعتبر أن الوجدان المصري كان قد تأثر سلبا, ومازال يتعافي وعليه أن يشد حيله ويستثمر في طاقة ميدان التحرير وعبقرية انتظامه.
فالناجحون في الحياة ـ كما في تلك الشعوب التي تخطت الأزمات كدول شرق آسيا ـ ليسوا أذكياء معرفيا فحسب, لكنهم تميزوا بخصائص أخري أكثر تأثيرا ودفعا نحو النجاح أهمها تلك السمات الوجدانية, لذلك في مصر لدينا متفوقون مبهرون حاصلون علي أعلي الدرجات في الثانوية العامة لكن تنقصهم المبادرة, المرونة, تقبل التغيير, القدرة علي العمل بفاعلية ضمن فريق, تحمل الضغوط, حفز الذات, الإصرار والمثابرة وهذه تتأثر بالعوامل الاجتماعية, من ناحية أخري فإن العوامل البيئية البحتة كالتلوث والزحام والضوضاء وغيرها تؤثر علي المسارات العصبية بين أجزاء المخ وتلك التي تربط بين مراكز الانفعال فيه, فهو المسئول عن الذكاء الوجداني وكذلك كل حالات الإنسان النفسية والمزاجية, ومن ثم يمكن أن نفهم لماذا اعتلال مزاج الإنسان المصري في ظل تعكر كيمياء مخه العصبية تحت ظل تلوث الهواء والماء والغذاء, الزحام, الضوضاء, العوز, الأمراض العضوية, عدم تحقيق الذات, التغذية السيئة غير المتعادلة, قلة الراحة والنوم.
ولكي نفهم الظواهر المرضية الاجتماعية والنفسية والعصبية التي تنال منا كمصريين, يوضح الدكتور فاضل ماهية الذكاء الوجداني أو مايسمي كذلك بالذكاء العاطفي, والذكاء الانفعالي وذكاء المشاعر, حيث يلخصه في خمسة مجالات, أن يعرف الفرد عواطفه ومشاعره, وأن يتدبر الفرد أمر عواطفه ومشاعره, وأن يدفع نفسه بنفسه, أي يكون حافزا لنفسه, وأن يتعرف علي مشاعر الآخرين, وأن يتدبر أمر علاقاته بالآخرين. فإذا تأملنا حوادث المرور, سلوكيات الناس, التدهور الانساني والأخلاقي والسلوكي لوجدنا انخفاضا في الكفاءة الوجدانية, بمعني أن هناك شيئا ما أثر سلبا علي وعي الانسان المصري بذاته, بمشاعره, بالقدرة علي السيطرة عليها حوادث العنف الغريبة مثلا, والمرونة الوجدانية, أي القدرة علي العمل بشكل فعال في المواقف الضاغطة وكذلك المواقف السلبية الحزينة, كفقدان عزيز فجأة, انهيار عمارة, غرق عبارة, فشل تجارة, خسارة مادية كبيرة, سجن, فضيحة, والقدرة علي اظهار سلوك توافقي مناسب أمامها. ثم يأتي العامل الثالث الحافز أي القدرة علي حفز الذات لتحقيق نتائج وأهداف قصيرة وطويلة المدي الإحساس العام بالتبلد, الحساسية: عدم القدرة علي فهم احتياجات الآخر. ويضيف الدكتور خليل فاضل أن الشباب الذي أطلق شرارة الثورة, حرص علي أن يظل بمنأي عن المؤثرات وشغل مخه تماما عبر الفيسبوك, اليوتيوب, المقالات, الصور, تبادل الرأي, هذه المهمة كان نتاجها ثورة25 يناير بكل تأججها وانضمت جموع الناس الذين من المفروض إنهم مهووسون بكرة القدم للحشد فما الذي حدث, مخ الإنسان يفسر ويؤول التجارب الحياتية ويترجمها إلي سلوكيات وأفعال, وطاقة جسدية ظهرت في تلك الصلابة لان هواء التحرير قد شفي كثيرين حتي من بعض أمراضهم العضوية التي لم تستجب قبلا للدواء والتطبيب, إن ما يهدد الإنسان في سلامته ويدع الحاكم يظنه بلادة يخمد خلايا المخ العصبية, ويعكر صفو كيميائها, الحالة تلك تسميallostasis, بمعني وجود تغيرات كثيرة داخل بحيرات المخ مما يؤثر علي تحرير هرمونات تبعث علي البهجة, الطاقة والنشوة والصبر والإصرار.
ساحة النقاش