السياسات الاقتصادية لمبارك مستمرة ولا عزاء للشعب وثورته‏!‏
بقلم: احمد السيد النجار


الثورة المصرية العظيمة‏,‏ شأنها شأن أي ثورة أخري‏,‏ تعني بالضرورة إجراء تغييرات جوهرية علي السياسات الاقتصادية للنظام الذي تم إسقاطه بصورة تستجيب لمطالب الشعب وثورته‏,‏ وتنهي الاختلالات التي ورثتها حكومة الثورة من العهد البائد‏.

 

.‏ ومن المفهوم أن هناك بعض الأمور التي يمكن البدء في تحقيقها فورا استنادا للشرعية الثورية‏,‏ وأمور أخري يمكن الانتظار لتحقيقها بعد استقرار الشرعية الدستورية والقانونية عند بناء مؤسسات النظام الجديد‏.‏
لكن الذي حدث في مصر هو أنه تم الإعلان عن استمرار الحفاظ علي النظام الاقتصادي الحر بصيغته التي تم تبنيها في عهد مبارك وقاد إلي كل الاختلالات التي أصابت الاقتصاد والمجتمع في مصر‏.‏ وتم الخضوع في هذا الصدد للابتزاز الأمريكي ولابتزاز المؤسسات المالية الدولية‏,‏ رغم أن الولايات المتحدة نفسها لجأت لتدخل الدولة الواسع النطاق في الاقتصاد لمواجهة حالة الأزمة المالية والاقتصادية منذ سبتمبر عام‏2008‏ وحتي الآن‏,‏ بما استدعي استحواذ الدولة علي مؤسسات متداعية جزئيا أو كليا‏.‏ كما أن الاقتصادات الرأسمالية الحرة في الولايات المتحدة وبريطانيا وباقي دول أوروبا‏,‏ اعتمدت منذ ثلاثينيات القرن العشرين وحتي نهاية سبعينياته ـ أي ما يقرب من خمسة عقود ـ علي نظام اقتصادي مختلط أو شبه مختلط‏,‏ يعمل فيه القطاع الخاص الكبير والمتوسط والصغير بكل حرية بما يعني وجود الاقتصاد الحر‏,‏ إلي جانب وجود نشاط اقتصادي مباشر وكبير ومتغير الحجم والمجالات للدولة بغرض تحقيق التوازن الاقتصادي‏,‏ ورفع مستوي تشغيل قوة العمل وتحقيق مستوي مقبول من العدالة الاجتماعية يساعد علي تحقيق الاستقرار الاجتماعي المبني علي التراضي وليس علي القبضة الأمنية‏.‏ ولم يغير وجود نشاط اقتصادي مباشر للدولة من حرية الاقتصاد‏,‏ لكنه أوجد رافدا مهما لتحقيق التوازن والتقدم وتحسين توزيع الدخل نسبيا‏.‏
ونتيجة هذا النظام كان لدي تلك الاقتصادات الحرة‏,‏ قطاعات عامة ضخمة جرت خصخصتها بدءا من عهد ثاتشر وريجان‏,‏ وتم تصدير النموذج الحر الجديد الذي يستبعد الدور الاقتصادي للدولة إلي البلدان النامية وضمنها مصر‏,‏ باستغلال اختلالاتها الاقتصادية وتعثرها في سداد ديونها لفرض هذا النموذج عليها‏,‏ برغم أن أهم مقومات تبنيه غائبة في مصر والكثير من الدول النامية‏.‏
وبما أن مصر في حالة أزمة اقتصادية حقيقية وتحمل تركة ثقيلة من عهد مبارك الذي يعتبر عصر الانهيار الاقتصادي والفساد الأكبر في تاريخ مصر‏,‏ فإنها تحتاج لتبني نموذج اقتصادي مماثل لذلك الذي تبنته الدول الرأسمالية الحرة وهي تواجه أزماتها الاقتصادية وتعيد بناء اقتصاداتها‏,‏ وهو يتمثل في الاعتماد علي اقتصاد منفتح علي العالم بصورة عادلة ومتكافئة‏,‏ ويتسم بأنه اقتصاد مختلط ينهض علي ساقين هما القطاع العام والقطاع الخاص بكل مستوياته‏,‏ في إطار من الشفافية الكاملة والمانعة للفساد من خلال إطار قانوني صارم لمنع ومكافحة الفساد ومنظمات مستقلة لمكافحة الفساد تقدم قضاياها للرأي العام والقضاء بصورة مباشرة‏,‏ ورقابة برلمانية وشعبية حقيقية علي التصرفات في المال العام‏,‏ مع تغيير جوهري للسياسات الاقتصادية‏,‏ بحيث تقوم الدولة بدور مهم في تطوير وتوسيع الجهاز الإنتاجي في قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات الحقيقية‏,‏ وفي إيجاد الوظائف الحقيقية للعاطلين للمساهمة في معالجة أزمة البطالة في مصر بصورة فعالة وليس عبر تكديس عمالة جديدة في وظائف غير حقيقية‏,‏ أي بطالة مقنعة‏.‏ وينبغي أن ينعكس هذا الاختيار في استراتيجية تنموية مبنية علي أساس هذه الطبيعة للنظام الاقتصادي التي تعد الأكثر ملاءمة لقيادة الاقتصاد لتحقيق نهوض سريع في حالة اقتصاد نام يستهدف إعادة البناء والهيكلة وتطوير الخدمات الصحية والتعليمية مثل مصر‏,‏ علما بأن الحكومة المصرية في نهاية عهد الديكتاتور المخلوع مبارك كانت قد خفضت الإنفاق العام علي الصحة إلي‏1.4%‏ من الناتج المحلي الإجمالي‏,‏ مقارنة بنحو‏5.8%‏ في المتوسط العالمي‏.‏ كما خفضت الإنفاق علي التعليم إلي‏3.5%‏ من الناتج المحلي الإجمالي‏,‏ مقارنة بنحو‏4.6%‏ في المتوسط العالمي‏.‏
ومن البديهي أن تكون الموازنة العامة للدولة وهي عبارة عن التصور المقترح من الحكومة لأعمالها المالية خلال عام‏,‏ وتلخص العلاقة المالية بين الدولة والمجتمع في هذا العام‏,‏ وتعبر عن طبيعة النظام الاقتصادي الذي يتبناه النظام‏,‏ هي أول ما يجري تغييره استنادا للشرعية الثورية‏,‏ لأن الموازنة العامة للدولة التي وضعت في عهد النظام الذي تم إسقاطه تعبر عن أولوياته وانحيازاته الفاسدة‏,‏ ولا يجوز الاستمرار في العمل بها‏.‏
لكن العمل مازال يجري بالموازنة العامة للدولة مثلما وضعها وزير مالية النظام المنهار يوسف بطرس غالي تقريبا‏,‏ بل إن فريق العمل الذي كان يعمل مع المذكور‏,‏ ما زال يعمل مع الوزير الحالي‏.‏ وبالتالي يصعب علي وزير القوي العاملة أن يحقق تحولا جوهريا في نظام الأجور برغم أهمية هذا التحول في إنهاء الكثير من الاعتصامات والإضرابات الفئوية‏,‏ ويصعب أيضا علي وزير التضامن الاجتماعي أن يجري تغييرات جوهرية في مجال وزارته‏,‏ دون تغييرات مناظرة في المخصصات المرتبطة بها وفي حرية التصرف فيها خارج الإطار الذي وضعه يوسف بطرس غالي‏,‏ وهكذا الأمر مع وزارتي التعليم والصحة وغيرهما‏.‏ كما أنه لم تتم أي تعديلات في سياسة تنمية ورعاية المشروعات الصغيرة والتعاونية كآلية رئيسية لتشغيل العاطلين وتسريع حركة الاقتصاد ومعدل نموه وتحويل مصر بأسرها لورشة عمل لتحقيق التقدم الاقتصادي ومكافحة الفقر ورفع مستويات المعيشة‏,‏ بما يدفع بمصر علي مدرج التقدم والارتقاء إلي المكانة الرفيعة التي تستحقها والتي تتناسب مع قيمتها وقامتها الحضارية الهائلة‏.‏ لذا يمكن القول إن السياسات الاقتصادية لعهد مبارك ما زالت مستمرة في انتظار أن تغيرها الحكومة التي سينتخبها الشعب‏.‏ وإلي أن تتم الانتخابات فلا عزاء للشعب وثورته‏.‏

 

المزيد من مقالات احمد السيد النجار<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 115 مشاهدة
نشرت فى 24 مارس 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,688,307