كي تنجح الثورات‏!‏
بقلم: د. ليلي تكلا


الثورات بأنواعها ظاهرة إنسانية اجتماعية طبيعية قبل أن تكون سياسية‏.‏ تقوم في جميع أنحاء العالم وتشمل سائر جوانب الحياة‏.‏ هناك إلي جانب الثورات السياسية والعسكرية ثورات علمية وتكنولوجية‏,‏ والحديث وارد دائما عن الثورة الثقافية‏(‏ خاصة في الصين‏)‏ أو عن ثورة الطبيعة‏,‏ عند التلاعب بموازين البيئة‏.

 

,‏ وهناك ثورة المعلومات التي اكتسحت العالم‏..‏ والاكتشافات التي أحدثت ثورة كونية‏,‏ والعلوم والمعارف والاختراعات التي غيرت أساليب البحث والعلاج والبناء‏..‏ الخ لكل منها اسبابه وخصائصه وإن كانت تجتمع‏,‏ في أنها تعني إحداث تطورات جذرية تصبح الأمور بعدها علي خلاف ما كانت عليه قبلها‏.‏
وتقوم الثورات السياسية لتغيير أسس السلطة وأساليب الحكم وما كان سائدا من قوانين ونظم وقيم وسلوك‏.‏ والثورة علي ما هو قائم ليست هدفا في حد ذاته إنما وسيلة لتحقيق أهداف أخري أبعد وأصعب منالا وإلا ما احتاج تصحيحها إلي قيام ثورة‏.‏ بل إن استمرار النظام الثوري لا يعني بالضرورة نجاحها‏.‏ إن نجاح الثورة يتحقق بعد قيامها وليس بقيامها‏.‏ بتعبير أبسط العبرة بما يحدث بعد الثورة‏.‏ وهنا يتراوح تقييم الثورات بين النجاح والإخفاق‏.‏
‏<<<‏
هناك ثورات قامت من أجل الحرية ثم جاءت بنظام أشد كبتا للحرية‏,‏ وهناك ثورات قامت من أجل العدالة الاجتماعية لكنها زادت الحكام ثراء والمحكومين فقرا‏.‏ هناك غيرها جاء مطالبا بخدمات أفضل للمواطنين ثم أصبح همها الأول والوحيد البقاء في السلطة وأنفقت الأموال علي تحقيق هذا الهدف وليس علي احتياجات المواطنين من خدمات وفرص متكافئة‏.‏
الأمثلة كثيرة‏:‏ الثورة الفرنسية ويسرد لويس عوض وقائعها بالتفصيل‏..‏
جاءت لرفع الظلم وتحقيق المساواة‏.‏ كان شعارها الحرية العدل المساواة لكنها ارتكبت من الأخطاء والجرائم ما جعل ميرابو‏,‏ وروبسبير أشد خطرا من لويس السادس عشر‏.‏ ساد الظلم الذي يأتي من الانفراد بالحكم‏.‏ اتجهت إلي تخوين كل من يمكن أن يكون عدوا للثورة وإرسالهم للمشانق والحكم عليهم بالقتل دون محاكمة عادلة‏.‏ لم تحقق الثورة أهدافها إلا بعد أن قضت علي الفوضي واستتب الأمن‏.‏
ويكشف كتاب ثلاثة صنعوا الثورة أبعاد الثورة البلشفية التي جاءت للقضاء علي تسلط الأباطرة ثم أصبحت نقيض ما قامت من أجله‏.‏ تكونت مراكز السلطة التي تقوم بالقهر والتعذيب والاغتيال‏.‏ كانت أشد قسوة من طبقة النبلاء التي جاءت لإزاحتهم‏..‏ انطبق عليها مبدأ الثورة تأكل نفسها وبعد تجربة طويلة‏..‏ انحسرت‏.‏
كاسترو أصبح ديكتاتورا في نظام شمولي مع أنه جاء بحديث عن المشاركة والديمقراطية‏.‏
وبوش حارب العراق وأثار شعبها علي حكامها من أجل تشكيل حكومة ديمقراطية فظلت البلاد بلا حكومة‏,‏ وأصبحت مسرحا لجرائم الاغتيال والقتل والدمار‏.‏
ثورة إيران نجحت في الإطاحة بالشاة مرتين‏..‏ استلم السلطة بختيار‏,‏ ثم باذرخان الذي هرب بدوره خارج البلاد واستمرت الأوضاع تتغير إلي أن وصلت إيران إلي ما هي عليه‏.‏
جاءت ثورة‏32‏ يوليو للقضاء علي الفقر والجهل والمرض وتفاوت الطبقات‏,‏ لكن هذه كلها ازدادت حدة وخطورة رغم ما حققت في مجالات أخري‏.‏ في المقابل يعتز المصريون جميعا بثورة عرابي التي جاءت بدستور سنة‏2881‏ وبثورة‏9191‏ التي زحزحت المستعمر وأرست أسس الديمقراطية وزادت المجتمع تماسكا‏,‏ وهناك ثورات نجحت منها الثورة الأمريكية للاستقلال‏,‏ وثورة البرتغال التي أطاحت بالديكتاتور سالازال واستهلت مرحلة جادة في التنمية والديمقراطية‏.‏ قام بها الجيش ثم ترك ساحة السياسة للشعب الذي أثبت جدارته‏.‏ أسبانيا حققت نهضتها لأسباب منها أن شعار الثورة كان دعنا نطوي ما مضي ونبدأ صفحة جديدة لا تقوم علي التخريب والانقسام أو التشفي والانتقام إنما علي التعاون والتماسك وعدم السماح بشق الصفوف من أجل التنمية والصالح العالم‏.‏ وبذلك انضمت إسبانيا خلال‏01‏ سنوات إلي الاتحاد الأوروبي بعد أن استوفت جميع شروطه الاقتصادية والسياسية والإنسانية بما يشمل حقوق الانسان‏.‏ وهناك الثورة الشاملة التي بها جعل أتاتورك من الرجل المريض دولة مدنية مستقلة عصرية وجمهورية ديمقراطية تزدهر مع الأيام‏.‏
وهناك التغيرات الثورية التي اكتسحت دول أوروبا الشرقية‏,‏ بدأت في بولندا ثم انتشرت في ثورات هادئة أدواتها غرس الحرية والديمقراطية وتنقية الأدوات الانتخابية‏..‏ وغيرها‏.‏
ويؤثر في نجاح الثورات أمور منها‏:‏ مدي تعبيرها عن رأي الأغلبية‏,‏ وقدرة الثوار علي تجنب محاذير الفشل والقيام بالمسئوليات التي تمهد للنجاح إلي جانب الظروف الدولية ومدي تدخل الدول الأخري والقوي الفكرية المتضاربة في مسيرة الثورة نحو أهدافها‏.‏ والثورات كالزلازل لها توابع في شكل ثورة تصحيح أو ثورة مضادة كلها يتحدد مصيرها حسب مسيرة الثورة الأم‏.‏ هذه الأمثلة لا نقولها بل يسجلها التاريخ‏,‏ والتاريخ لا يمكن تغييره لكن من الذكاء والوطنية والحس السياسي‏,‏ الاستفادة من مقومات النجاح مع الحذر مما قد تنزلق إليه الثورات‏.‏
السؤال إذن هو‏:‏ لماذا انحرفت بعض الثورات وعانت الشعوب طويلا إلي أن استقرت الأمور‏..‏ ولماذا نجحت غيرها؟
إن مرحلة ما بعد الثورة أشد خطورة من مرحلة الثورة التي من خلالها تكون الأهداف واضحة محددة يشارك فيها بأمل وحيوية‏,‏ كل من يؤمن بها‏..‏ أما بعد الثورة فكثيرا ما تختلط الأمور وتمتليء الساحة بأشكال وفئات وتجمعات مختلفة الهدف والتوجه‏,‏ تصبح الشعوب عقب الثورات أمام مفترق طرق‏,‏ تقف في الميادين الفسيحة التي تنفتح علي شوارع وطرقات متعددة‏,‏ عليهم اختيار أفضلها وإلا اختلطت المسيرة وكان الانقسام والعنف وعمت الفوضي‏.‏
هذه المحاذير متعددة يدعو المنطق والتعقل إلي التعرف عليها لتفاديها‏.‏ حرصا علي من جاءوا بها وعلي ما حققت من أهداف‏.‏ كل هذا يعني أن سؤال ماذا بعد الثورة؟ يلقي بمسئوليات جسيمة علي أجهزة الدولة‏,‏ وعلي كل مواطن وبالأخص علي من قاموا بالثورة‏..‏ وليكن أول انجازاتهم استثمار طاقاتهم وقدرتهم علي التواصل لإعادة الثقة بين الشعب والشرطة بتكوين جماعات للتوعية‏,‏ والمشاركة الفعلية‏,‏ وإحياء جمعية أصدقاء الشرطة‏,‏ فالفوضي والبلطجة والانفلات الأمني أخطر ما يهدد ويهدر أي ثورة‏,‏ وللحديث بقية‏.‏

 

المزيد من مقالات د. ليلي تكلا<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 259 مشاهدة
نشرت فى 15 مارس 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,602,784