الفساد المالي والفساد السياسي‏..‏ تجفيف المنابع
بقلم: د‏.‏ حمدي حسن أبوالعينين


منذ نحو ألفي عام جاء رجل إلي فيثاغورث يسأله‏:‏ أريد لابنيتربية صالحة فماذا أفعل؟ قال له اذهب به إلي أرض بها قوانين وشعوب تحترمها‏.‏

 

المشهد العام في مصر يوحيبأن ثورة المصريين قامت لإيجاد تلك الأرض التيأوصيبها فيثاغورث‏,‏ حيث القانون قوة وحيدة تقيم العدل بين الناس جميعا‏.‏ عبر فترات طويلة من التاريخ القديم والحديوالمعاصر لم يظهر المصريون كثيرا من الاحترام للقوانين حتي ظن البعض أن المصريين بطبيعتهم محبون للفوضييقاومون الخضوع لقوانين الحياة المدنية‏,‏ ولكن تلك الكتابات أغفلت حقيقة أن القوانين التيحكمت المصريين قديما وحديثا لم تكن أبدا عملا من أعمال إرادتهم أو حتي مشورتهم‏,‏ وإنما كانت دائما من صنع قوة حاكمه غاشمة وظالمة‏,‏ لم تستوعب احتياجاتهم ولم تستجب أبدا لرغباتهم‏.‏ فعاش المصريون سنوات طويلة فيحالة من العصيان المدنيالرافض لتلك القوانين‏.‏
لم يخرج المصريين من بيوتهم فيثورتهم إلا القمع والفساد‏.‏وما إن تمكنت ثورتهم من توجيه مسار الأحداث فيمصر‏,‏ تطايرت أرقام مفزعة عن حجم الفساد وإهدار المال العام‏,‏ ومازالت أخبار الفساد الماليتلاحق المصريين عبر كل وسائل الاتصال من الأحاديث الشخصية إليمواقع التواصل الاجتماعي‏,‏ حتيوسائل الإعلام الحكومية والخاصة‏,‏ الفساد المالييتصدر الآن المشهد العام للأحداث فيمصر‏,‏ فالأرقام التيتتداولها الصحف ربما كانت تعانيشيئا من المبالغة ولكنها فيكل الأحوال مرعبة‏,‏ وأخشيأن نظل في دهشتنا أمام هذه الأرقام‏,‏ فننسيأو يدفعنا البعض إلينسيان الفساد الأكبر الذيأحال مصر إلي إقطاعية يملك فيها الأرض ومن عليها إقطاعيون جدد‏,‏ فالفساد الماليالرهيب الذي عانته مصر لم يكن إلا ابنا شرعيا لفساد آخر أكبر وأعمق‏,‏ ولكنه لم يحظ بعد بالاهتمام الواجب واللازم‏.‏ الفساد السياسي هو المسئول عن الفساد الماليالذينتحدث عنه فلم يكن فساد السادة الذين تتم محاكمتهم اليوم أو غدا فيمصر عملا فرديا يرتكز علي غياب الضمير وتراجع الأخلاق لديهم‏,‏ بل كان شبكة عنكوبتية اخذت شكل المؤسسات المرتكزة علي قوانين فاسدة ونظام محاسبة مهترئ ومعطل‏.‏
يد العدالة مدعوة اليوم إليملاحقة الذين أفسدوا وليس الذين فسدوا وحدهم‏,‏ فالذين أفسدوا حياتنا السياسية هم الذين هيأوا المناخ لتنشأ وتزدهر في أحضانه أكبر إمبراطورية للفساد في تاريخنا وأغروا كثيرين بالنهب المنظم لثروات هذه البلاد‏,‏ هم الذين أشاعوا الفساد حتي كاد المصريون يعتقدون أن الفساد شريعة من شرائع الحياة‏,‏ ملاحقة الفاسدين تشفيصدور الكثيرين هذه الأيام‏,‏ ولكن ملاحقة المفسدين تحميأجيالا قادمة من أن يرث المفسدين الحاليين مفسدون قادمون وليست هناك قوة تستطيع ذلك اليوم سوي المجلس الأعليللقوات المسلحة الذياستطاع حتيالآن أن يكتسب في كل يوم المزيد من ثقة المصريين‏.‏
لست داعيا إليالتوقف عن ملاحقة الفاسدين ولكننيأدعو إلي أن ينضم المفسدون إليهم في محاكماتهم‏,‏ والمفسدون هم الذين اختطفوا مصر يصوغون قوانينها كيف شاءوا وينكرون فيازدراء مفهوم الأمة‏.‏ أوقفوا تطورنا السياسي وتحولنا نحو ديمقراطية حقيقية‏,‏ المفسدون هم الذين كان بوسعهم تجفيف منابع الفساد وملاحقة الفاسدين‏,‏ ولكنهم ساعدوهم وانتفعوا منهم‏,‏ شاركوهم نهب ثروات البلاد وجاءوا بهم شركاء فيالسلطة والتشريع‏,‏ هم الذين تربصوا بكل صوت وطنيمخلص‏,‏ وزعوا مناصب الدولة عليأنصاف الأكفاء قدموا الولاء عليالوطنية والجدارة‏,‏ علي أيديهم تعرضت كفاءات مصر للنفي في أرض الوطن وأجهزوا عليكل محاولة جادة لخروج مصر من عثرتها‏,‏ ساعدوا عليانتشار الأمية النفسية والسياسية بل والأبجدية حتي تظل مصر أرضا رخواة وشعبان مطيعا مرغما عليالصمت‏,‏ تراجعوا برأس المال البشري وهو أعز ما تمتلك مصر‏.‏
أطاحوا بالتعليم والجامعات والبحث العلميلتسكن إلي جوار من بدأوا بالأمس من الدول مسيرة التعليم‏,‏ سمحوا بانتشار الفكر الغيبي بديلا عن التفكير العلمي‏,‏ ثم انقلبوا عليه حين أصبح مصدرا للخطر عليهم‏.‏ عمدوا إليإغراق المصريين في فن هابط لقي منهم كل التشجيع وحكموا عليهم بالتسلية الرخيصة حتي الموت‏.‏
اختطفوا الوطنية المصرية من أعماق أجيال من المصريين حتيكاد البعض ينسيالعلم والنشيد الوطني فيوقت لاتزال فيه البلاد تواجه أخطارا كثيرة عليحدودها دفعوا بهم إليالحفلات الغنائية وأفلام السينما المخادعة في الوقت الذي حرموهم فيه من ممارسة أينشاط سياسي‏.‏
قائمة العدوان عليالشخصية المصرية طويلة بأعمال الفساد السياسيالذيسرق وطنا بأكمله واغتال أحلام أجيال فيالعطاء للوطن‏,‏ لابد أن يخضع هذا الفساد الأكبر للحساب بأي صيغة من الصيغ حتي يمكن تحصين المجتمع بأسره ضد ذلك النوع من الفساد الذي يهدد أمن كل مجتمع وينال من عافيتة لن نستعيد حيوية مجتمع فقط باستعادة بضعة مليارات نهبت‏,‏ ولكننا نستعيد حيويتنا باستئصال ثقافة الفساد التي نشروها ومكنوا لها وأغروا بها أعوانهم‏.‏
نحن أيها السادة أمام لحظة نعيد فيها كتابة تاريخنا كما أردنا وليس كما يريد لنا الآخرون‏.‏ نعيد بناء دولة حديثة قادرة علي التفاعل مع الدنيا التي تتغير من حولنا‏,‏ هذه الدولة التينحلم بها هيالقادرة علي تعظيم قدراتنا فيكل شئ ومنها قدرات جيشنا في مواجهة تحديات هائلة تموج بها منطقة تفتقر إليالحد الأدنيمن الاستقرار‏.‏
سوف يذكر التاريخ للجيش المصري موقفه من ثورة‏25‏ يناير ليضيف إلي سجله وتاريخه فصلا لايقل روعة ولا إجلالا عن نصر أكتوبر‏73,‏ فكما تقدم الجيش صفوف شعبه لاستعادة أرضه المحتلة من غاصبيها منذ أربعة عقود‏,‏ عاد هذه المرة لاستعادة مصر بأكملها من الذين اختطفوها زمنا‏,‏ في هذه الثورة سجل الجيش نصرا باهرا بلا حروب وبلا نيران‏,‏ بل إن الجيش المصري استعاد بثورة‏25‏ يناير نصر أكتوبر الذي تعرض طويلا للاختطاف ونكران جهود تلاحم شعب مع جيشه بكافة فروعه وقواته‏,‏ غير أن معركته النبيلة بتهيئة المناخ لبناء دولة مدنية حديثة لم تنته بعد وبدايتها ملاحقة المفسدين‏,‏ فلا تزال تحديات اقتلاع نظام بأسره قوية وطويلة‏,‏ وهو بكل المعايير قادر عليها‏.‏

 

المزيد من مقالات د‏.‏ حمدي حسن أبوالعينين<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 89 مشاهدة
نشرت فى 6 مارس 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,687,324