الأصداء العالمية للثورة المصرية‏!‏
بقلم: السيد يسين


ثورة25يناير التي أشعل نارها مجموعات من شباب مصر الناهض والتي بدأت بالاعتصام في ميدان التحرير‏,‏ وانجزت طلبها الرئيسي في إسقاط النظام بعد قرار تخلي الرئيس مبارك عن سلطاته للمجلس الاعلي للقوات المسلحة‏,‏

 

ثورة فريدة في التاريخ‏,‏ كما أجمع علي ذلك عشرات المحللين السياسيين من مختلف أنحاء العالم‏.‏
فهي ثورة بلا قائد‏,‏ انضمت إلي صفوفها علي الفور جماهير غفيرة بلا قيادة‏.‏
ثورة انطلقت من الفضاء المعلوماتي الذي تسبح في مجاله الشبكة العنكبوتية ونعني شبكة الإنترنت‏,‏ بكل أدوات اتصالها المستحدثة‏,‏ وأهمها علي الاطلاق المدونات والفيس بوك والتويتر‏.‏
غير أنها ولو أن التخطيط لها تم في الفضاء المعلوماتي‏,‏ إلا أنها انطلقت كالسهم إلي المجتمع الواقعي بعد أن حددت التاريخ والمكان‏.‏ التاريخ هو‏52‏ يناير‏,‏ والمكان ميدان التحرير‏.‏
وسرعان ما انضم عشرات الآلاف إلي الاعتصام المفتوح‏,‏ وتلاه اعتصامات شتي في مختلف عواصم البلاد‏.‏ هي ثورة بلا قائد لأن الاجيال الجديدة من الشباب الذين يجيدون التعامل مع شبكة الانترنت‏,‏ يؤمنون بقيم المساواة ويكرهون ادعاءات الزعامة‏,‏ لان الشبكة بحكم طبيعة تفاعلاتها بلا قائد‏,‏ وتسودها قيم حرية التفكير وحرية التعبير‏.‏
كما أن الأجيال الجديدة من الشباب في مختلف أنحاء العالم ـ كما أثبتت ذلك أبحاث المسح العالمي للقيم ـ تخلت عن تبني الايديولوجيات المغلقة مثل الماركسية المتطرفة أو الرأسمالية الجامدة‏,‏ وهم يميلون إلي المزج بين الافكار وبناء أنساق فكرية مفتوحة شعاراتها الاساسية هي الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية واحترام الكرامة الانسانية‏.‏
أجيال الفيس بوك تتميز بانفتاحها علي العالم‏,‏ وخصوصا أنها تعيش في عصر العولمة‏,‏ والتي سبق لنا أن وضعنا لها تعريفا إجرائيا هو سرعة تدفق المعلومات والأفكار ورؤوس الاموال والخدمات والبشر من مكان لمكان آخر في العالم بغير حدود ولا قيود‏.‏
وقد استطاعت الانترنت أن تخلف مجتمعا شبكيا تتم فيه ملايين التفاعلات يوميا‏,‏ ويتم فيه نقل الأحداث ساعة وقوعها في الزمن الواقعي‏RealTime,‏ بالاضافة إلي نقل الصور التي غالبا ما يكون تأثيرها أضعاف تأثير الكلمة المكتوبة‏.‏
وقد ثبت أن الصور التي نقلت عن العدوان الإسرائيلي الاجرامي علي غزة‏,‏ حيث قتل مئات الرجال والنساء والاطفال في هذه المذبحة الكبري‏,‏ أثرت تأثيرا بالغا علي الوعي الكوني‏,‏ مما أدي بملايين البشر في كل أنحاء العالم إلي أن تمتليء بالسخط علي اسرائيل‏,‏ وتجلي هذا الغضب بعد ذلك في أساطيل الحرية التي زخرت بالمتطوعين من عشرات الجنسيات‏,‏ الذين اندفعوا لمساعدة الشعب الفلسطيني علي فض الحصار‏.‏
نحن نعيش في عصر ثقافة الصورة‏,‏ ونحيا في عصر الإنترنت‏,‏ الذي ساعد علي تخليق وعي كوني عالمي مضاد للقهر والاستبداد والاعتداء علي الكرامة الانسانية‏.‏
ومن هنا جاءت الأصداء العالمية الكبري للثورة الشعبية المصرية التي أطلق شرارتها جيل من الشباب الوطني المصري‏,‏ الذين حصلوا علي تعليم متقدم‏,‏ واتقنوا التخاطب عبر شبكة الانترنت‏.‏
وينبغي أن نقف طويلا أمام خطاب الرئيس أوباما الذي أعقب تنحي الرئيس مبارك عن السلطة‏,‏ مما سجل انتصارا حاسما للثورة المصرية‏.‏
فهذا الخطاب يتضمن ليس مجرد تحية للثورة‏,‏ ولكن ـ أبعد من ذلك ـ تحليلا ثقافيا عميقا لها‏,‏ ويضعها في صدارة الثورات العالمية‏.‏
وقد بدأ أوباما خطابه‏(‏ ترجمة المصري اليوم في‏31‏ فبراير‏1102)‏ بعبارة تستحق أن تحلل تحليلا عميقا‏,‏ قال هناك لحظات نادرة في حياتنا نتمكن فيها من مشاهدة التاريخ أثناء صياغته‏,‏ وهذه احدي هذه اللحظات‏,‏ فالناس في مصر تحدثوا وصوتهم سمع‏,‏ ومصر لن تكون أبدا كما كانت‏.‏
استطاع أوباما أن يلتقط دلالة الثورة المصرية التي انطلقت وتفجرت وتطورت تحت بصر العالم كله بفضل الثورة الاتصالية الكبري‏,‏ كل حدث محلي أو اقليمي أو عالمي مهم‏,‏ أصبح يتشكل تحت أبصار العالم‏,‏ بفضل البث التليفزيوني الفضائي وشبكة الانترنت ووسائل الاتصال الحديثة‏.‏ بعبارة أخري شهد العالم المصريين وهم يثورون علي النظام السلطوي المصري الذي خنق مبادراتهم لمدة ثلاثين عاما‏.‏ ليس ذلك فحسب‏,‏ ولكنه راقب بكل دقة تطورات المشهد الثوري المثير الذي كان يحمل جديدا كل يوم‏,‏ بعد انضمام الملايين إلي الطلائع الاولي للثورة‏,‏ التي امتدت إلي كل المدن المصرية‏,‏ حيث نزلت مئات الالوف من الجماهير المصرية في الشوارع‏.‏
في ثلاث عبارات قاطعة لخص أوباما المشهد الثوري‏,‏ الناس في مصر تحدثوا وصوتهم سمع‏,‏ ومصر لن تكون أبدا كما كانت‏.‏
نعم تحدث الناس في مصر مطالبين أولا بالحرية‏,‏ وثانيا باحترام الكرامة الانسانية‏,‏ وثالثا بالعدالة الاجتماعية‏,‏ لم تكن ثورة جياع‏,‏ ولم تكن مظاهرات مطلبية تنادي بالحصول علي الحقوق الاقتصادية المهدرة‏,‏ ولكنها في المقام الاول كانت ضربة مؤثرة موجهة ضد النظام السلطوي‏,‏ الذي أحتكر الفضاء السياسي وقمع كل المبادرات الاجتماعية والفردية‏,‏ وأقام مجالس نيابية مزورة مدعيا أنها تعبر عن الناس‏.‏
نعم تحدث المصريون‏,‏ ولكن أهم من ذلك أن النظام السياسي القمعي سمع الرسالة وفهمها‏,‏ وتحت ضغط زئير الجماهير وهتافاتها الثورية قدم مجموعة من التنازلات بدأت بإقالة وزارة أحمد نظيف الفاشلة التي رعت الفساد المعمم‏,‏ وعين عمر سليمان نائبا لرئيس الجمهورية لاول مرة‏,‏ وكلف أحمد شفيق بتشكيل وزارة جديدة‏.‏
غير أن الجماهير التي رفعت شعارها الاساسي وهو الشعب يريد اسقاط النظام أدركت أن هذه تغييرات مهما تكن أهميتها فهي ثانوية‏,‏ لان النظام السلطوي مازال راسخا‏,‏ ولذلك ضغطت أكثر وطالبت بالمزيد‏,‏ وتراجع قادة النظام وصدر قرار باقالة أعضاء المكتب السياسي للحزب الوطني الديمقراطي بما فيهم جمال مبارك أمين لجنة السياسات‏,‏ التي هيمنت علي توجهات النظام في مصر في العقد الأخير‏.‏
غير أن الجماهير أصرت علي أن هدفها الرئيسي هو اسقاط النظام‏,‏ وتنحي رئيس الجمهورية عن السلطة‏.‏ وبعد مراوغات متعددة أضطر الرئيس إلي التنحي نهائيا عن السلطة‏,‏ تحت ضغط هتافات الجماهير المليونية‏.‏
واذا كان أوباما في افتتاحية خطابه قد أشار إلي ان المصريين قد تحدثوا‏,‏ وأن صوتهم قد سمع وان مصر تغيرت إلي الابد‏,‏ فقد كان واعيا أن التحول قد بدأ بانتصار الثورة‏,‏ غير أن اليوم التالي للثورة ـ إن صح التعبير ـ سيكون مشحونا بالمصاعب والمخاطر‏,‏ وهذه حقيقة‏,‏ وذلك لأن اليوم التالي للثورة سيطرح أسئلة بالغة الأهمية تتعلق أو باستكمال هدم قلعة السلطوية الراسخة في المجتمع المصري‏,‏ ليس علي المستوي السياسي فقط‏,‏ ولكن أيضا علي المستوي الاجتماعي والثقافي‏.‏
لقد بنيت تحت بصر نظام مبارك وتحت رعايته المباشرة حواجز طبقية منيعة بين قلة من الأغنياء المترفين‏,‏ وغالبية من أعضاء الطبقات المتوسطة والفقيرة‏.‏
وأنعكست هذه الحواجز في تشييد العشرات من المنتجعات الفاخرة التي تباع الوحدة السكنية فيها بعشرات الملايين من الجنيهات‏,‏ وأحيطت بالأسوار حتي لا يقترب منها الدهماء في الوقت الذي يعيش فيه ملايين المصريين في عشوائيات يسودها الفقر والبؤس‏.‏
هناك إذن مهمة تصحيح انحرافات البناء الاجتماعي المصري‏,‏ ولاننسي في هذا المقام اقتاع جذور الفكر الديني المتطرف‏,‏ والذي أدي إلي فتن طائفية خطيرة قضت عليها ثورة‏52‏ يناير في ميدان التحرير قضاء مبرما‏,‏ حيث كان يتلي قداس الاحد وتصلي صلاة الغائب‏,‏ ويشترك الاقباط والمسلمين في الصلاة علي أرواح شهداء الثورة‏.‏
لقد شهد ميدان التحرير ظواهر اجتماعية وثقافية كشفت عن المعدن الاصيل للشعب المصري‏,‏ تمثل في التكافل الاجتماعي والمشاعر الانسانية الفياضة‏,‏ والاحساس العارم بالاخوة في الوطن‏,‏ ولم يكن هذا غريبا لان المتظاهرين تعرضوا معا لقمع الشرطة‏,‏ والتي لم تفرق رصاصاتها المطاطية بين مصري وآخر‏.‏
لقد أشار أوباما بذكاء إلي ابداع الجماهير المصرية وإلي براعتها في ادارة مجرياته‏,‏ مما يعطي الامل أن تخلق مصر واقعا جديدا يجعل هذا الجيل ـ بعبارة أوباما ـ يحلق عاليا‏,‏ مما سيجعل مصر تتحمل مسئوليتها ليس اقليميا فقط ـ كما قال ـ ولكن عالميا أيضا‏.‏
ويبدو أن أوباما تأمل طويلا في مشاهد الثورة المصرية‏,‏ ولفت نظره الأمهات اللاتي كن يحملن أطفالهن علي أكتافهن‏,‏ والوحدة الكاملة بين المسلمين والاقباط‏,‏ واحساس كل مصري بقيمته مما يشير إلي ثورة الكرامة الانسانية‏.‏
وانظر أيها القارئ إلي عبارة أوباما التالية المصريون ألهمونا وعلمونا أن الفكرة القائلة إن العدالة لاتتم إلا بالعنف هي محض كذب‏,‏ ففي مصر كانت قوة تغيير أخلاقية غير عنيفة غير ارهابية‏,‏ تسعي لتغيير مجري التاريخ بوسائل سلمية‏.‏
ويحاول أوباما الربط بين ثورة الحرية المصرية والثورات العالمية السابقة بقوله بالرغم من صوتها المصري إلا أنها تذكر العالم بأصداء ثورية سابقة أهمها ثورة الألمان علي سور برلين‏,‏ وثورة غاندي الذي قاد شعبه إلي طريق العدالة‏.‏
وينهي خطابه بجملة مقتبسة من مارتن لوثر كنج الذي قال في الاحتفال بمولد دولة جديدة في غانا ان هناك شعبا في الروح يصرخ دوما طالبا الحرية‏.‏
ولايتواني أوباما أن يقرر بكل حسم هذه الصرخات هي التي كانت تصدر من ميدان التحرير‏!.‏
وعلي أوباما بأن يترجم كلمة التحرير إلي مرادفتها بالانجليزية‏Liberation‏ لانها ذات دلالات بالغة الأهمية في التراث الثوري الانساني‏,‏ لانها تشير إلي حركات التحرير التي قامت بها الشعوب المستعمرة والمقهورة‏.‏ وينهي أوباما خطابه التاريخي بعبارة ذات دلالة حين يقول ستظل كلمة التحرير تذكر المصريين بما فعلوه وبما ناضلوا من أجله وكيف غيروا بلدهم‏,‏ وبتغييرهم لبلدهم غيروا العالم أيضا‏.‏
نعم لقد غيرت ثورة‏25‏ يناير العالم‏,‏ وأصبحت علامة ورمزا علي صعود موجات الوعي الكوني التحرري العالمي‏!‏

 

المزيد من مقالات السيد يسين<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 19/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 146 مشاهدة
نشرت فى 17 فبراير 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,827,360