رسالة لندن: عبد الرحمن السيد
قصد أم لم يقصد, فعلها رئيس الوزراء البريطاني. كشف ديفيد كاميرون بوضوح عن الخلافات بين أوروبا من جانب, والولايات المتحدة وبريطانيا من جانب آخرحول سبل التعامل مع الأزمة السياسية في مصر.
الخلاف أطل برأسه منذ بداية الأزمة بعد انتفاضة ميدان التحرير في الخامس والعشرين من يناير. فكانت لندن تترقب ما يصدر من واشنطن كي تعيد صياغته باعتباره موقفها مما يحدث. ولاسباب سياسية داخلية تتعلق بالتحسب للانتقادات الشعبية والاعلامية, لم تنتظر الحكومة البريطانية, أي بيان من واشنطن, عندما سارعت بنصح مواطنيها للحذر من السفر إلي مصر أو مطالبة البريطانيين بالتفكير الجدي في مغادرة البلاد مالم يكن وجودهم ضروريا.
أما التعامل مع صلب الأزمة, وهو الصراع السياسي حول سبل الإصلاح والتغيير وانتقال السلطة في مصر والموقف من استمرار الرئيس مبارك في الرئاسة, فكان من الواضح أنه مرهون بما يصدر, وربما بما تتلقاه لندن من البيت الأبيض.
وكانت كواليس المشاورات داخل أروقة قمة زعماء دول الاتحاد الاوروبي في بروكسل يوم الجمعة الماضي, كاشفة للتنسيق الذي جعل أوروبا في معسكر, وواشنطن ولندن في معسكر آخر.
ذهب كاميرون, كما قالت التقارير البريطانية التي لم تنفها الحكومة, إلي بروكسل حاملا التصور الذي بلورته واشنطن بعد خطاب الرئيس مبارك الذي أعلن فيه عدم رغبته أو نيته في الترشح للرئاسة في شهر سبتمبرالمقبل. وكما قال السياسيون البريطانيون في الاتحاد الأوروبي فإن كاميرون بلغ حد الانتقاد العلني لمسئولة السياسة الخارجية بالاتحاد الاوروبي ليدي اشتون( السياسية البريطانية التي اختارها بنفسه لهذا المنصب) لانتهاجها موقفا لينا من الأزمة.
ورغم إشادة كاميرون بأشتون في تصريحاته العلنية, فإنه في جلسات النقاش حدد موقف بريطانياعلي النحو التالي:
إدانة السلطات المصرية للإخفاق في تلبية آمال الشعب المصري.. مسئولية النظام عن أعمال العنف خاصة تلك التي وقعت خلال المصادمات بين مؤيدي الحزب الوطني والمتظاهرين في ميدان التحرير بعد خطاب مبارك الذي أعلن فيه نيته عدم الترشح لا هو ولا نجله جمال للترشح في الرئاسة وشروعه في الاصلاح السياسي والدستوري..... ضرورة بدء الإصلاح والتغيير السياسيي فورا... يجب أن يلقي الاتحاد الأوروبي بثقله وراء خطة أمريكية تقضي باستقالة مبارك فورا وتشكيل حكومة مؤقتة يساندها الشعب.... الخطوات والاجراءات التي اتخذها النظام في مصرليست كافية ولا تلبي تطلعات الشعب المصري.
وهنا بدا واضحا للأوروبيين أن كاميرون, الذي كانت حكومته قد أعلنت بعد تشكيلها في شهر مايو الماضي أنها ستتبع سياسية جديدة تجاه مع الولايات المتحدة تقوم علي الندية لا التبعية ومراعاة المصالح البريطانية في تقرير المواقف من الأزمات الدولية والإقليمية.
وبدأ الخلاف. وظهر معسكر أوروبي واسع تقوده إيطاليا والدول الواقعة جنوب البحر المتوسط. وطرح هذا المعسكر التصور البديل للتعامل مع الأزمة في مصر.وعناصره هي:
الإصلاح بدأ بالفعل بإعلان مبارك صراحة أنه لن يترشح للرئاسة في سبتمبر المقبل... الأفضل أن تتعاون الحكومة المصرية الحالية والشعب في وضع خطة العمل في المرحلة الانتقالية.... التغيير الفوري السريع غير المحسوب سوف يثير الفوضي... التخلي عن الرئيس مبارك الآن يزيل حائط صد قوي ضد التطرف الإسلامي في الشرق الأوسط.... الانتقال يجب أن يكون( حسب تصور طرحه تفصيلا رئيس الوزراءالإيطالي سيلفيو بيرلسكوني) هناك انتقال نحو نظام أكثر ديمقراطية في مصر بدون قطيعة مع رئيس مثل مبارك اعتبره الغرب وعلي رأسه الولايات المتحدة أحكم الرجال ونقطة مرجعية في المنطقة.
وانتهت الخلافات, ببيان مشترك وقعه قادة فرنسا والمانيا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا. ودعوا جميعا بصوت واحد إلي أن يبدأ الانتقال السياسي في مصر الآن. واتفقوا علي أنهم يراقبون الاضطرابات في مصر بقلق بالغ ويدينون كل هؤلاء الذين يستخدمون العنف أو يشجعون علي استخدامه, مما لن يؤدي إلا إلي تفاقم الأزمة السياسية في مصر.
وقبل أن يغادر كاميرون إلي مدينة ميونيخ, للمشاركة في مؤتمر الأمن السنوي هناك, سارع مكتبه في لندن إلي التأكيد علي أن رئيس الوزراءالبريطاني لم يتنازل أمام الموقف الاوروبي. وقال متحدث باسمه إن كاميرون لعب دورا مؤثرا في ضمان أن يتضمن بيان قمة زعماءالاتحاد الأوروبي النهائي تذكيرا لمصر بأن اتفاقات التجارة والمعونات الاقتصادية السخية( المتفق عليها من قبل) كانت مرهونة بالاصلاح السياسي والاجتماعي.
ورغم هذا الإيضاح, الذي بدا أنه محاولة للدفاع المسبق في مواجهة انتقادات جماعات حقوق الإنسان خاصة بعد أن شاعت صور المصادمات الدامية بين مؤيدي ومعارضي الرئيس مبارك في مصر, فإن كاميرون لم ينج من النقد
ساحة النقاش