بقلم : د. أحمد عمر هاشم عضو مجمع البحوث الإسلامية
لقد دعانا الإسلام إلي الإيمان بجميع الرسل دون تعصب قال تعالي:( ءامن الرسول بما أنزل إليه من ربه, والمؤمنون كل ءامن بالله وملئكته وكتبه ورسله لانفرق بين أحد من رسله)[ البقرة:285].
وجاءت عبادة الإسلام سمحة لاحرج فيها,( وما جعل عليكم في الدين من حرج)[ الحج:78], وجاءت تتسم باليسر,( يريد الله بكم اليسر ولايريد بكم العسر)[ البقرة:185], وتتسم معاملته بالسماحة رحم الله عبدا سمحا إذا باع, وإذا اشتري, وإذا اقتضي.
وليست هذه السماحة والرحمة في حال دون حال, بل إنها كما تكون في وقت اليسر والسلم تكون وقت الشدائد, بل حتي في وقت الحروب حين ينازل المسلمون أعدائهم ويردون عن أنفسهم عدوانهم, فيأمرنا ديننا بألا نقتل شيخا كبيرا ولاعجوزا, ولاطفلا ولاطفلة, ولاامرأة, وألا نحرق زرعا, وألا نهدم بيتا أوبناء.
هذه تعاليم الإسلام حتي في وقت نزال العدو, فما بالك في وقت السلم, إنه يعد العدوان علي النفس الإنسانية خروجا عن حظيرة الإسلام( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما)[النساء:93].
كما يعد الإسلام العدوان علي نفس واحدة بأنه عدوان علي البشرية جمعاء لاعلي نفس واحدة قال تعالي:( من أجل ذلك كتبنا علي بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس)[ المائدة:32], فيعد العدوان علي النفس الواحدة عدوانا علي البشرية جمعاء, لأن الاستهتار بحرمة النفس الإنسانية في موطن, يغري بالاستهتار بها في مواطن أخري, ولأن العدوان عليها في شخص, يغري بالعدوان عليها في أشخاص, بل في دولة برمتها,( من أجل ذلك كتبنا علي بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس)[ المائدة:32]. ويصور لنا سيدنا المصطفي صلي الله عليه وسلم حرمة النفس الإنسانية وعظمتها ومكانتها حين يطوف بالكعبة المشرفة, وللكعبة حرمتها ومكانتها, فيقول وهو يلقي عليها نظراته الحانية: ما أعظمك وما أعظم حرمتك, وما أطيبك وما أطيب ريحك, والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك دمه وماله وعرضه. ويصون الإسلام حرمة النفس من أن يعتدي عليها حتي بمجرد التهديد والتخويف والترويع دون قتل, يحرم ذلك حيث جاء في الحديث من أشار إلي أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتي ينتهي, وإن كان أخاه لأبيه وأمه. بل إن الإسلام يحرم الإرهاب حتي ولو كان بالنظرة التي يخيف الإنسان بها أخاه الإنسان فيقول: من نظر إلي أخيه نظرة يخيفه بها أخافه الله يوم القيامة رواه الطبراني.
ولايقتصر أمر حرمة النفس الإنسانية وأمر صيانة الإنسان لهم علي هذا النحو فحسب, بل إنه يصون حرمة النفس ولو كانت غير مسلمة, ولو كانت غير تابعة لدين الإسلام.
فالإنسان الذمي يقول عنه سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم: من أذي ذميا فأنا خصمه, وهو من له ذمة وأمان وعهد لايصح أن نعتدي عليه, ولا علي أحد لم يحاربنا ولم ينازلنا في المعركة,( لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)[الممتحنة:8].
بل وضح الرسول صلي الله عليه وسلم: أنه بريء ممن اعتدي علي حرمة نفس من غير المسلمين من أهل الأمان والعهد الذين لايحاربوننا يقول: ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو آخذ منه شيئا بغير طيب نفس, فأنا حجيجه يوم القيامة.
صلوات الله وسلامه عليك ياسيدي رسول الله, يامن جئتنا بالحقيقة السمحة التي حافظت بها علي حرمة كل نفس إنسانية, لأن القرآن الكريم هو الذي قال:( ياأيها الناس إن خلقنكم من ذكر وأنثي وجعلنكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)[ الحجرات:13], إنه نادي الناس جميعا, نادي المؤمنين وغير المؤمنين كرم بني آدم( ولقد كرمنا بني آدم)[ الإسراء:70] بكل عقائدهم, بكل هوياتهم وأوطانهم, إنه صان حرمة النفس الإنسانية أن يعتدي عليها أو أن تظلم, بل إن سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم ضرب أروع المثل في سماحة الإسلام حتي مع أعدائه الذين نازعوه وناصبوه العداء, فحين أسروا ثمامة ـ وهو سيد بني حنيفة وصلب وعرض عليه الإسلام وكان يرفض ويقول: إن تقتل تقتل ذا دم أو تنعم تنعم علي شاكر, أو تسأل مالا تعط.. فيتركه ويعرض عليه في اليوم الثاني وفي الثالث الإسلام فيرفض, حتي إذا ما رآه لاحاجة له في أن يدخل الإسلام عفا عنه, وقال: أطلقوا سراحه, فأطلقوا سراحه وعفا عنه رسول الله صلي الله عليه وسلم ولم يكرهه علي الدخول في الإسلام( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي[ البقرة:256].
الإسلام يقاوم الإرهاب, وإن المسلمين قاطبة لايرضون الإرهاب في أي وطن كان, في مصر أو في أي بلد عربي أو بلد أجنبي, لايرضي المسلمون الإرهاب بحال من الأحوال, إنهم يدينونه في كل موقع وفي كل مكان, ولايقبلونه بحال من الأحوال.
ساحة النقاش