د. مبروك عطية يكتب: الإسلام وعلاج العمى .. ٤- إلَّا على زوج أربعة أشهر وعشراً ٢١/ ١/ ٢٠١١ |
مات أبوسفيان- رضى الله عنه- وحزنت عليه ابنته رملة، أم المؤمنين، فهو أبوها، وفقد الأب عظيم عند من يدرك قيمة الأبوة، فهو أصل، وحيث الأصل تسعى الملحقات، وقد حزن النبى- صلى الله عليه وسلم- لفراق زوجه خديجة- رضى الله عنها- ولموت ولده إبراهيم، وقال: «إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلّا ما يرضى ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون» وحزن لموت عمه حمزة بن عبدالمطلب- رضى الله عنه- فلا عجب أن تحزن إحدى أمهات المؤمنين على موت أبيها، وفى اليوم الثالث من رحيله نادت أم المؤمنين جارية لها، وطلبت إليها أن تناولها قارورة فيها طيب، قالت: ناولينى هذا الطيب، ووالله ما بى إليه من حاجة، ولكنى سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول من فوق هذا المنبر: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحتد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، فهمت أم المؤمنين معنى التنكير «ميت» قبل أن يكون هناك علم فى النحو يبين النكرة والمعرفة، وأن كلمة «ميت» لا استثناء فيها، جار، أخ صديق، زميل، والد، ولد، فالاستثناء الوارد فى الحديث «إلا على زوج» هذا هو الاستثناء أى تحتد على زوجها أربعة أشهر وعشرا، وما عداه فلا حداد فوق ثلاث ليال، ومن ثم كسرت أم المؤمنين حدة الحداد بأن نادت جاريتها، وناولتها قارورة العطر، ووضعت منها وأبوها ميت منذ ثلاث، ولعلنا فى ضوء هذا الحديث ندرك أن قول النبى- صلى الله عليه وسلم- لا يحل لامرأة.. الحديث الذى أوردته، يساوى تماماً بتمام قوله- صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث»، فهل كسر أحد من الذين يتبعون هدى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حدة هذا الهجر، بأن بدأ بالصلح، أو استجاب لمن دعاه إلى الصلح إن وجد، أم رأينا من النساء من تحتد على ميت لها من والد، أو عم، أو خال ما يربو فوق السنة الكاملة، لا تخلع السواد، ولا تصنع لزوجها ما تصنعه المسلمة من زينة جعلت له قرة عين، ومن ألفة وتودد، فهل بلغ الحزن مبلغه إلى هذا الحد فعلاً أم أن هناك رواسب قديمة، ما صدقت أن جاء داع يدعو صراحاً بأن الهجر واجب، وما هو بواجب، لو كان هناك رواسب لكان الأولى أن تعالج تلك الرواسب لا على حساب الدين، وادعاء أن زوجها عديم الإحساس، إذ كيف يطلب حقه الشرعى، ولم يمضِ على وفاته سنة، أو عند من يعرف الاقتصاد على غير وجهه: أربعون يوماً، أو يقول النبى- صلى الله عليه وسلم- ثلاث، أو ثلاثة أيام ويقول أتباعه، ومن يدعون حبه: سنة أو أربعون يوماً! وكذلك الحال فى هجر الإخوان فضلاً عن هجر الأشقاء، لا يحل، ومعنى لا يحل كما ذكر ابن عبدالبر- رحمه الله- يحرم، أى حرام علينا أن نتمادى فى الخصومة أكثر من ثلاثة أيام، قال العلماء: ففيها تهدأ النفوس، فهل تهدأ نفوس فى ثلاثة أيام أم تحتاج حتى تهدأ إلى ثلاثة أعوام، وطول العهد بالخصام يؤصله، ويجعله مستساغاً، لقول الله تعالى: «فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم» وقسوة القلوب كما تكون بسبب المدة الطويلة تكون كذلك بالتراكمات التى تجتمع من صغير يضم إلى صغير، لو تخلص المرء منها شيئاً فشيئاً لما تراكمت إلى هذا الحد الذى علاجه فى مراعاة الزمن المحدد لإنهاء كل نكد، ولا شك أن فى الناس من يجيد صناعته، وصناعة النكد من العمى، والإسلام يعالج العمى. |
ساحة النقاش