من أسرار القرآن

بقلم: د. زغلول النجار


‏376[‏ يا أيها المدثر‏,‏ قم فأنذر‏,‏ وربك فكبر‏,‏ وثيابك فطهر‏](‏ المدثر ـ‏1‏ ـ‏4)‏ هذه الآيات الأربع جاءت في مطلع سورة‏'‏ المدثر‏',‏ وهي سورة مكية‏,‏ وآياتها ست وخمسون‏(56)‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم الذي كني به الله‏-‏ سبحانه وتعالي‏-‏ خاتم أنبيائه ورسله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏

 

 الذي كان قد عاد إلي بيته مرتعدا خائفا مما فاجأه به جبريل‏-‏ عليه السلام‏-‏ من الوحي في أول مرة‏,‏ وهو وحيد في غار حراء‏,‏ فعاد مسرعا إلي بيته‏,‏ وعندما دخله قال لزوجه أم المؤمنين السيدة خديجة‏-‏ عليها رضوان الله‏-'‏ دثروني دثروني‏',‏ فنزلت هذه السورة المباركة التي يدور محورها حول تكليف رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ بالنهوض بأعباء الدعوة الإسلامية‏,‏ ومنها تحذير الناس من عذاب الآخرة إن لم يؤمنوا بربهم‏,‏ وإن لم يعبدوه وحده دون سواه‏,‏ وإن لم يعظموه وينزهوه فوق جميع صفات خلقه‏,‏ وفوق كل وصف لا يليق بجلاله‏.‏ وتأمر الآيات رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ بضرورة تطهير ثيابه‏,‏ وبالبعد عن كل ما يوصل إلي غضب الله‏,‏ وبألا يستكثر ما يعطيه للناس من مكرمات‏,‏ وأن يصبر علي تنفيذ أوامر ربه قدر الطاقة‏.‏
ثم تنتقل الآيات بالحديث عن هذا الشقي الكافر المعروف باسم‏'‏ الوليد بن المغيرة‏'‏ الذي هزه سماع القرآن الكريم إلي حد الاعتراف بأنه يعلو ولا يعلي عليه‏,‏ وأنه لا يمكن أن يكون بقول بشر‏,‏ غير أن حبه للزعامة في قومه دفعه إلي إنكار اعترافه هذا بعد فترة وجيزة‏,‏ وإلي الكذب علي كتاب الله بقوله عنه بأنه من السحر الذي تم نقله عن الأولين‏,‏ ولذلك جاءت الآيات في هذه السورة المباركة مهددة له علي نقض حكمه‏,‏ومتوعدة إياه بنار جهنم وعذابها عقابا له علي كذبه وتآمره‏.‏ كذلك هددت الآيات كافرا آخر هو‏(‏ أبو جهل عمرو بن هشام‏)‏ الذي استقل عدد خزنة النار كما ذكره القرآن الكريم‏,‏ ومضي يسخر من ذلك ويهزأ‏,‏ فردت عليه الآيات في هذه السورة المباركة التي أوردت القسم بالقمر‏,‏ وبالليل عند انتهائه‏,‏ وبالصبح عند قدومه‏,‏ وانكشاف ظلمة الليل بنوره‏,‏ علي أن جهنم هي إحدي البلايا الخطيرة‏,‏ وأن لكل من الخلق المكلفين أن يتقدم إليها أو أن يتأخر عنها بعمله‏.‏
وتختتم السورة الكريمة بالتأكيد علي أن كل نفس مرهونة بعملها في الدنيا‏,‏ لا تفك من قيدها حتي تؤدي ما عليها من حقوق‏(‏ إلا أصحاب اليمين‏)‏ من عباد الله المؤمنين الذين أعتقوا رقابهم من نار جهنم بالإيمان بالله والالتزام باتباع أوامره‏,‏ واجتناب نواهيه‏,‏ فيدخلهم ربهم جنات النعيم‏.‏ وتعرض الآيات تساؤلاتهم في حوار حي مع هؤلاء المجرمين من الكفار والمشركين من أهل جهنم‏,‏ والمجرمون يردون عليهم بأنهم لم يكونوا من المصلين‏,‏ ولم يكونوا يطعمون المسكين‏,‏وكانوا يخوضون مع الخائضين‏,‏ وكانوا يكذبون بيوم الدين حتي أتاهم اليقين‏.‏ وتختتم السورة الكريمة بقول ربنا‏-‏ تبارك وتعالي‏-:[‏ فما لهم عن التذكرة معرضين‏*‏ كأنهم حمر مستنفرة‏*‏ فرت من قسورة‏*‏ بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتي صحفا منشرة‏*‏ كلا بل لا يخافون الآخرة‏*‏ كلا إنه تذكرة‏*‏ من شاء ذكره‏*‏ وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوي وأهل المغفرة‏](‏ المدثر‏:49-56).‏
هذا‏,‏ وقد سبق لنا استعراض سورة‏'‏ المدثر‏'‏ وما جاء فيها من ركائز العقيدة‏,‏ وفروض العبادة‏,‏ والإشارات العلمية‏,‏ ونركز هنا علي وجه الإعجاز التشريعي في الأمر بطهارة الثياب‏,‏ وهو كناية عن طهارة كل من البدن والعقل والقلب‏,‏ وهي طهارة لازمة لكل مؤمن بالله‏.‏
من أوجه الإعجاز التشريعي في الآيات الكريمة
تبدأ سورة‏'‏ المدثر‏'‏ بنداء من الله‏-‏ تعالي‏-‏ إلي خاتم أنبيائه ورسله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ يأمره بإنذار قومه ثم بإنذار الناس جميعا بحتمية الموت بعد هذه الحياة الدنيا‏,‏ ثم البعث‏,‏ والحشر‏,‏ والحساب والجزاء بالخلود إما في الجنة وإما في النار‏,‏ ومن ثم إنذار الناس جميعا من مغبة تضييع فرصة العمل بطاعة الله في الدنيا للحصول علي النجاح فيها‏,‏ وعلي النجاة من أهوال الآخرة بفضل من الله وبرحمته‏.‏
وبعد ذلك توجه الآيات في هذه السورة المباركة خاتم الأنبياء والمرسلين‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ إلي تكبير الله‏-‏ تعالي‏-‏ تكبيرا يؤكد معني الألوهية ومعني التوحيد‏,‏ وهما من ركائز العقيدة الإسلامية‏,‏ ومن مؤهلات القيام بواجبات الدعوة إلي دين الله‏,‏ لأن الصعوبات التي تواجه الدعاة إلي الله تتطلب استحضار حقيقة أنه لا سلطان في هذا الوجود لغير الله‏,‏ وذلك من معاني تكبير الله‏,‏ الذي جاء الأمر به في هذه السورة المباركة بقول ربنا‏-‏ تبارك وتعالي‏-‏ له‏:(‏ وربك فكبر‏).‏
ثم توجه الآيات رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ بضرورة أن يحرص المؤمن علي الطهارة المادية والمعنوية في آن واحد‏,‏ فتأمره بقول ربنا‏-‏ تبارك وتعالي‏-‏ له‏:[‏ وثيابك فطهر‏*]:‏ وطهارة الثياب في اللغة العربية كناية عن الطهارة الكاملة‏:‏ في الثياب والبدن والقلب‏,‏ والأخلاق والمعاملات والسلوك‏,‏ لأن الله‏-‏ تعالي‏-‏ طيب‏,‏ ولا يقبل إلا ما كان طيبا‏,‏ وكل داع إلي دين الله لا بد من أن يحرص علي الطهارة الكاملة إذا أراد النجاح في مهمته‏.‏
و‏(‏الطهارة‏)‏ في اللغة هي‏:‏ النظافة‏,‏والنزاهة عن مختلف أشكال الأقذار والأوساخ‏,‏ سواء كانت حسية‏,‏ أو معنوية‏,‏ وذلك انطلاقا من رواية ابن عباس‏-‏ رضي الله‏-‏ عنهما أن النبي‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ كان إذا دخل علي مريض قال‏:'‏ لا بأس طهور إن شاء الله‏'‏ و‏(‏الطهور‏)‏ هو المطهر من الذنوب‏,‏ وكأنه‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ يقول بأن المرض مطهر من الذنوب‏,‏ وهي أقذار معنوية‏.‏
ويقابل‏(‏ الطهارة‏)‏ في اللغة تعبير‏(‏ النجاسة‏)‏ ومعناها‏:‏ كل شئ مستقذر‏,‏ حسيا كان أو معنويا‏,‏ فالآثام نجاسة معنوية ومن ذلك قول الله‏-‏ تعالي‏-[‏ يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا‏....*](‏ التوبة‏:28).‏
ولفظة‏(‏ النجاسة‏)‏ تطلق علي كل مستقذر‏,‏ سواء كان ذلك المستقذر أمرا حسيا‏,‏ كالدم‏,‏ والبول‏,‏ والعذرة‏,‏ ونحوها مما يسمي باسم‏(‏ الخبث‏),‏ أو كان معنويا‏,‏ كالذنوب والخطايا والآثام ويسمي باسم‏(‏ الحدث‏).‏
والوضوء علي الوضوء طهارة تزيل الصغائر من الذنوب‏(‏ وهي أقذار معنوية‏)‏ والوضوء عبادة‏,‏ والغرض من العبادة إنما هو الخضوع بالقلب والجوارح لله‏-‏ عز وجل‏-‏ علي الوجه الذي يرتضيه من عباده‏,‏ لأن الأصل في العبادة أنها طاعة لا تعلل‏,‏ ولها حكمة معقولة‏,‏ وأسرار واضحة‏,‏ عرفها من عرفها‏,‏ وجهلها من جهلها‏.‏
فالله‏-‏تعالي‏-‏ شرع الوضوء لمنافع عديدة‏:‏ منها ما هو حسي من مثل تنظيف الأعضاء الظاهرة المعرضة للأقذار من مثل الفم والأنف والوجه واليدين‏,‏ ومنها ما هو معنوي‏,‏ وهو الخضوع لأوامر الله‏-‏ عز وجل‏-,‏ مما يعين العبد علي الامتثال لنواهي ربه‏.‏
ومن محاسن الشريعة الإسلامية الغسل عقب الجنابة‏,‏ وفوائده الصحية والنفسية أكثر من أن تحصي أو أن تعد‏,‏ وإن كانت العبادات في الإسلام واجبة الأداء خالصة لوجه الله الكريم الذي أمر بأدائها‏,‏ دون أن ينظر المسلم إلي ما يترتب علي أدائها من منافع‏,‏ وإن كانت هي في الحقيقة كلها منافع حسية ومعنوية‏.‏
والطهارة في الإسلام‏-‏ بشقيها المادي والمعنوي‏-‏ تشمل طهارة القلب والعقل‏,‏ كما تشمل طهارة البدن والثياب‏,‏ وطهارة المكان والفراش‏.‏
وتشمل طهارة العقل والقلب حسن الاعتقاد‏,‏ وذلك بصدق الإيمان بالله‏-‏ تعالي‏-‏ ربا واحدا أحدا‏,‏ فردا صمدا‏,‏ بغير شريك ولا شبيه‏,‏ ولا منازع‏,‏ ولا صاحبة ولا ولد‏,‏ والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر‏,‏ وبالقدر خيره وشره‏,‏ كما تشمل تنزيه الله‏-‏ تعالي‏-‏ عن جميع صفات خلقه وعن كل وصف لا يليق بجلاله‏.‏ وكل ما يخالف ذلك من معتقد هو ضرب من ضروب النجاسة الفكرية التي تلوث العقل والقلب معا‏,‏ وتنعكس علي كافة التصورات والأخلاق والمعاملات والسلوك‏,‏ كما تنعكس علي سائر البدن والثياب والمكان والفراش‏.‏ وتشمل الطهارة المادية كل ما تستباح به الصلاة من وضوء وغسل وتيمم وإزالة لمختلف أشكال النجاسات‏.‏
وانطلاقا من ذلك فإن الطهارة شرعا هي صفة اعتبارية قدرها الشارع شرطا لصحة الصلاة‏(‏ وما في حكمها من عبادات مثل الطواف‏,‏ ومس المصحف الشريف‏)‏ كما جعلها شرطا لجواز استخدام الآنية‏,‏ ولتناول الأطعمة والأشربة‏.‏ فالشارع‏-‏ سبحانه وتعالي‏-‏ اشترط لصحة صلاة المسلم والمسلمة‏:‏ طهارة كل من البدن والثوب‏,‏ والمكان‏;‏ واشترط لحل أكل الطعام أو شرب الشراب أن يكون كل منهما موصوفا بالطهارة المشروعة‏.‏
والأصل في الأشياء الطهارة ما لم تثبت نجاستها بدليل‏,‏ والنجاسة اسم لكل مستقذر‏.‏ والأعيان النجسة كثيرة‏:‏ منها ميتة الحيوان البري‏,‏ إذا كان له دم ذاتي يسيل عند جرحه‏,‏ ومنها الخنزير والكلب‏,‏ ومنها الدم المسفوح بجميع أنواعه‏(‏ إلا دم الشهيد ما دام باقيا علي جسده‏)‏ ومنها القيح‏,‏ والصديد‏,‏ ومنها فضلات الآدمي من بول وعذرة‏(‏ الغائط‏),‏ ومنها مني الآدمي وغيره‏,‏ ومنها المذي والمدي‏,‏ ومنها القئ والقلس‏,‏ ومنها البيض الفاسد‏,‏ ومنها المسكر المائع‏,‏ ومنها رماد النجس المنحرق بالنار ودخانه‏.‏
وإزالة النجاسة عن كل بدن المصلي وثوبه ومكانه واجبة إلا ما عفي عنه‏,‏ دفعا للحرج والمشقة‏.‏ ويزيل النجاسة أمور‏:‏ منها الماء الطهور‏,‏ ومنها استحالة عين النجاسة إلي صلاح كصيرورة الخمر إلي خل‏.‏ ولا يقبل التطهير ما تنجس من المائعات كالزيت‏,‏ والسمن‏,‏ والعسل‏,‏ أما الجامدات فإنها تقبل التطهير إلا ما تشربت أجزاؤه من النجاسة‏.‏
والماء الطهور هو كل ماء نزل من السماء أو نبع من الأرض‏,‏ ولم يتغير طعمه أو لونه أو رائحته بسبب من الأسباب التي تسلبه طهوريته‏,‏ وهو الماء الصالح للاستخدامات الآدمية‏,‏ والذي يستخدم في التطهر لأداء العبادات‏,‏ فيصح الوضوء والاغتسال به‏,‏ واستخدامه لنظافة كل من البدن والثياب‏,‏ ولإزالة النجاسات المحسوسة بواسطته‏.‏
والماء الطهور يحرم استعماله في الوضوء أو الغسل إذا كان مملوكا للغير ولم يأذن صاحبه في استعماله‏,‏ أو أن يكون مسبلا للشرب‏,‏ أو إذا كان يترتب علي استعماله ضرر لمستعمله‏,‏ كأن يكون شديد البرودة أو شديد الحرارة مما يصيبه بالمرض أو يضاعف مرضه إذا كان مريضا‏,‏ أو إذا كان يترتب علي استعماله موت حيوان عطشا بسبب حرمانه من الماء‏.‏ ولكن هذا الوضوء أو الغسل يكون صحيحا تصح الصلاة به‏.‏
هذا‏.,‏ وقد يتغير لون الماء الطهور‏,‏ وطعمه‏,‏ ورائحته في الطبيعة‏,‏ ومع ذلك يبقي ماء طهورا يصح استعماله في الوضوء والغسل وفي غيرهما من العبادات‏,‏ وفي المباح من الاستخدامات‏,‏ ولكن بشرط عدم الضرر‏.‏
وكثيرا ما يضطر أهل البادية إلي استعمال الماء الذي تغير طعمه أو لونه أو رائحته لعدم وجود ماء سواه‏,‏ ومثل هذا الاستعمال مباح في الشريعة الإسلامية إذا ائتمنت مخاطره الصحية‏.‏
ولكن إذا خالط الماء الطهور شئ طاهر كأن يضاف إليه ماء الورد أو ماء الزهر‏,‏ فإن ذلك يسلب طهوريته‏,‏ بحيث لا يصح استعماله بعد ذلك في الوضوء أو الغسل‏,‏ وإن صح استعماله في الشرب والطهي‏,‏ وتنظيف الثياب‏.‏
ومن الماء الطاهر عصارات النبات‏,‏ سواء سالت طبيعيا أو صناعيا‏,‏ وكل من المائين الطهور والطاهر يتنجس إذا خالطته نجاسة إذا كان قليلا‏,‏ أو أدت إلي تغير لونه‏,‏ أو طعمه‏,‏ أو رائحته إذا كان كثيرا‏.‏
والماء الطاهر لا يصح استعماله في الوضوء أو الغسل‏,‏ ولا في التطهر لغيرهما من العبادات‏,‏ كما لا تصح إزالة النجاسة به من علي البدن أو الثوب أو المكان‏.‏
وأما الماء النجس فلا يجوز للمسلم استعماله في أي أمر من أموره‏,‏ لنجاسته‏,‏ ولذا كان استعمال الماء النجس محرما إلا في حالة الضرورة القصوي كأن يتوه المرء في الصحراء وليس لديه ماء يشربه‏,‏ ويكاد يشرف علي الهلاك إن لم يشرب‏,‏ ولا يجد أمامه إلا ماء نجسا‏.‏
والماء في كل من الآبار والبرك وخزانات المياه يتنجس بموت حيوان من الحيوانات البرية ذوات الدم السائل فيه‏,‏ بشرط تغير أي من لون أو طعم أو رائحة الماء‏,‏ فإن لم يتغير شئ من ذلك فإن الماء لا ينجس‏,‏ ولكن يندب في هذه الحالة أن ينزح ماء البركة أو الخزان بالكامل‏,‏ أو أن ينزح من ماء البئر ما تطيب به النفس‏,‏ حتي يطمئن المرء إلي طهارته‏.‏
والأشياء النجسة إما أن تكون مائعة‏,‏ كالماء ونحوه من سائر المائعات‏,‏ وإما أن تكون جامدة كالميتة وإفرازات الأحياء‏.‏ وكل من السوائل والجوامد النجسة يحرم استعمالها‏,‏ والانتفاع بها إلا في حالات الضرورة القصوي‏.‏ أما الأشياء المتنجسة كالدهن‏,‏ والسمن‏,‏ والزيت‏,‏ والخل والعسل فإنه لا يمكن تطهيرها‏,‏ ومن هنا يجب إتلافها إذا تنجست‏,‏ وإن كان من الفقهاء من يري إمكانية الاستفادة بها في غير الاستخدامات الآدمية‏.‏
والطهارة بمعانيها المادية والمعنوية واجبة في جميع العبادات والمعاملات الإسلامية‏,‏ ولذلك جاء الأمر الإلهي إلي رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ في سورة‏'‏ المدثر‏'‏ بقول ربنا‏-‏ تبارك وتعالي‏-‏ له‏:[‏ وثيابك فطهر‏*]‏مما يجعل من الطهارة أصلا من أصول الإسلام‏,‏ لا تصح العبادات‏,‏ بل لا تصح الحياة بدونه ولذلك وصفه رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ بقوله‏:'‏ الطهور شطر الإيمان‏...'(‏ صحيح مسلم‏),‏ وأكده القرآن الكريم بقول ربنا‏-‏ تبارك وتعالي‏-‏ فيه‏:[...‏ إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين‏](‏ البقرة‏:222).‏
والنطق بهذا الحكم في حديث رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ مما يشهد له بالنبوة وبالرسالة خاصة وأن العرب في زمن الجاهلية لم يكونوا يعرفون شيئا عن الطهارة بشقيها المادي أو المعنوي‏,‏ فقد كانوا يأكلون الميتة والدم والمنخنقة والموقوذة والمتردية وبقايا ما أكلت السباع والطيور الجارحة وما أكل غير ذلك من الهوام‏,‏ ولا يعافونها‏,‏ انطلاقا من ندرة الطعام في صحاريهم‏.‏ كذلك ما كانوا يتطهرون من الحدث أو الخبث لندرة الماء في مجتمعاتهم‏.‏ ولم تكن المجتمعات المحيطة بهم من الفرس والهنود والرومان واليونان بأفضل حالا من عرب الجاهلية في مضمار النظافة والطهارة‏,‏ بل كانوا أسوأ حالا‏,‏ وأشد نجاسة في النواحي المادية والمعنوية‏,‏ ومن هنا فإن دستور الطهارة الإسلامية الذي لخصه القرآن الكريم في الأمر الإلهي‏{‏ وثيابك فطهر‏*}‏ يأتي وجها من أوجع الإعجاز التشريعي في كتاب الله‏,‏ يشهد له بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية‏,‏ كما يشهد للرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة‏,‏ فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏
 

 

المزيد من مقالات د. زغلول النجار<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 16/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 149 مشاهدة
نشرت فى 8 يناير 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,791,833