authentication required
غضب الشباب فى مصر وتونس: ما الفرق؟

  بقلم   د. وحيد عبدالمجيد    ٧/ ١/ ٢٠١١

عندما تظاهر شبان أقباط غاضبون إثر جريمة الاعتداء الإرهابى على كنيسة القديسين فى الإسكندرية، وامتدت مظاهراتهم إلى القاهرة ومدن أخرى، كانت مظاهرات الشباب فى تونس قد دخلت مرحلتها الأخيرة بعد أسبوعين من الاحتجاجات التى بدأت فى محافظة سيدى بوزيد، وامتدت أيضا إلى العاصمة ومحافظات أخرى.

غير أنه شتَّان بين مظاهرات الغضب فى البلدين، فقد فجَّر شباب تونسيون انتفاضة اجتماعية حديثة تدخل فى سجل ثورات الشعوب من أجل تحسين مستوى حياتها وإصلاح النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بينما أنتج غضب بعض الشباب فى مصر موجة اضطرابات تعبر عن المدى الذى بلغه الغليان الدينى والطائفى، فلم ينتفض الشبان الذين تظاهروا فى مصر ضد البطالة، التى أخرجت المظاهرات فى تونس، بالرغم من أن نسبتها متقاربة فى البلدين.

ولذلك يبدو الفرق كبيرا بين الحالتين من حيث اتجاه المظاهرات ودوافعها وأهدافها، ولكن ليس من زاوية وجود ما بررها فى الواقع.

فالغضب الذى حدث فى كل من الحالتين حقيقى وطبيعى، بالرغم من أنه أنتج نوعين مختلفين من الاحتجاج، أحدهما اجتماعى- طبقى، بالمعنى الحديث الذى ينتمى إلى عصرنا الراهن، والثانى دينى- طائفى، بالمعنى التقليدى الذى يعود إلى عصور مضت وانقضت.

ولذلك فالسؤال الذى يثيره هذا الاختلاف، بالنسبة إلينا فى مصر، هو عن مغزى قدرة مجتمعنا على التعبير عن الغضب الدينى- الطائفى عبر احتجاجات كبيرة نسبياً لا يستطيع القيام بمثلها تعبيرا عن غضبه على الفقر والبطالة والفساد إلا فى أضيق نطاق. فلم يفرز هذا المجتمع على مدى أكثر من خمس سنوات احتجاجا شعبيا واحدا بالحجم الذى أحدثه الاعتداء على كنيسة القديسين، بالرغم من وقوع آلاف الاحتجاجات الاجتماعية خلال هذه الفترة. فكانت هذه الاحتجاجات كلها صغيرة، وبعضها متناهى الصغر لا يُرى إلا إذا ُسلّط ضوء كثيف عليه.

لم يخرج شبان أقباط فى مصر فى الأيام الماضية احتجاجا على الفجوة الطبقية المتزايدة، التى لا تقتصر على المسافة الهائلة بين «الكومباوندات» و العشوائيات، بخلاف ما فعله شباب تونس، والأكيد أن الكثير من الشبان الذين تظاهروا فى مصر عاطلون عن العمل، لكنهم لم يحتجوا على سياسات لا تحقق العدالة الاجتماعية، بل انتفضوا غضبا على ما يظنون أنه سياسات لا تقيم «العدالة الدينية».

وهذه مشكلة وعى اجتماعى- سياسى بطبيعة الحال، فقد تضخم الشعور بالهوية الدينية فى ظل تراكم العوامل المغذية لها منذ سبعينيات القرن الماضى، وأنتج غليانا طائفيا تحت السطح انفجر مرات من قبل إلى أن بلغ ذروته فى الأيام الأخيرة.

غير أن هذه الحالة تفيد فى فهم لماذا يغضب الشباب فى مصر لأسباب دينية- طائفية، ولكنها لا تكفى للإجابة عن السؤال الأكثر أهمية، وهو: لماذا لا يكون غضبهم بسبب فقرهم وبطالتهم بالحجم نفسه؟

والأرجح أن الإجابة عن هذا السؤال الأخير توجد فى الفرق بين فوضى التغيير الاجتماعى- الطبقى الذى حدث فى العقدين الأخيرين، ونظامية التطور الذى اقترن بتضخم الهوية الطائفية من حيث وجود مؤسسات وقوى دينية منظمة ينتمى إليها كثير من المسلمين والمسيحيين سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

كما أن الطابع المنظم للفضاء الدينى- الطائفى تميز باستقطاب شديد بخلاف الفضاء الاجتماعى- الطبقى الذى اتسم بالتفتت المتزايد فى مجتمع تضاعف عدد سكانه فى ٣٠ عاما.

فالمصريون الذين تجاوزوا الثمانين مليونا الآن، كانوا أقل من ٤٠ مليونا حين اندلعت انتفاضة يناير ١٩٧٧، التى يصعب حدوث مثلها فى المدى المنظور بسبب التشرذم الاجتماعى الشديد فى مجتمع صار كبير الحجم على نحو تضيع فيه أصوات المجموعات الصغيرة والقزمية.

لقد تغيرت «تركيبة» المجتمع المصرى من حيث تكوينه الاجتماعى وأنماط العلاقات بين فئاته وأفراده على نحو لا ييسر حدوث انتفاضات جماعية واسعة النطاق دون قيادة سياسية تحظى بقبول عام، بخلاف المجتمع التونسى الذى تقترب «تركيبته» الراهنة مما كان عليه مجتمعنا حين نشبت انتفاضة الخبز فى يناير ١٩٧٧،

 فالسمة الأساسية لمجتمعنا اليوم هى تفتت المصالح ليس بين فئاته المختلفة والمتناقضة فقط، بل فى داخل كل منها أيضاً، ولذلك ظلت الاحتجاجات الاجتماعية فى مصر بمثابة جزر منعزلة. فلا علاقة لأحدها بالآخر، حتى عندما تذهب مجموعتان أو أكثر إلى رصيف مجلس الوزراء للاحتجاج فى اللحظة نفسها دون أى استعداد للتواصل.

ويساهم تضخم «الوعى الطائفى» بلا حدود فى تفاقم هذه المعضلة التى تواجه مجتمعاً بلغ فيه التفتت الاجتماعى مبلغا جعله أقرب إلى شظايا متناثرة لا يجمعها إلا الدين.

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 164 مشاهدة
نشرت فى 7 يناير 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,792,009