د. مبروك عطية يكتب: الإسلام وعلاج العمى المحشورون عميانًا وكانوا مبصرين ٧/ ١/ ٢٠١١ |
فى الكتاب العزيز سؤال من عبد لا يملك اليوم إلاّ السؤال، وما أشقاه حين يأتيه الجواب تهكمًا وردعًا، وزيادة فى العذاب وفزعًا، أو يقال له: ادع، وما دعاء الكافرين إلاّ فى ضلال وذلك يوم الدين، حين ولّت الدنيا بكل ما فيها مدبرة تمام الإدبار، ولن تعود، والملك اليوم لله الواحد القهار، هذا السؤال يوم القيامة وقد حشره الله أعمى، يسأل فيقول: «رب لم حشرتنى أعمى وقد كنت بصيرًا»؟ فقال الله - عز وجل: «كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى». ولنا فى ضوء هذه الآية العظيمة أن نفيد من معناها فى حياتنا الدنيا، بمعنى أن لدينا من النعم العظيمة ما ننساه، وذلك بلا شك عمى، وإن كنا نراه، دون تعقيد لغوى، أقول مباشرة: إن الله عز وجل يقول: «واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون» فجعل من العبادة له سبحانه أن نشكر النعمة، ولن نشكر النعمة ونحن عنها غافلون، لابد إذًا من أن نبصر النعمة، وندرك أنها نعمة، وإذا رجعت إلى جميع كتب اللغة والتفسير فسوف تعلم أن أساس النعمة من النعومة، فجميع النعم تجعل حياتك ناعمة جميلة، من أول نعمة وأعظمها، نعمة الإيمان، إلى النعل فى رجلك، كأنك راكب إذا لبسته، فهو يقى قدميك الأذى، وفى ذلك نعومة، وكون الدين نعمة معناه أنه دعوة إلى السعادة، وقد قال الله - عز وجل: «طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى»، نفى الله - عز وجل - أن يكون نزول كتابه لشقاء عباده، وهذا يقتضى أنه نزل لإسعادهم، فكل من يدعى أن العبادة هم ومعاناة فقد عمى عن الحق، فما كلف الله - تعالى - نفسًا إلاّ وسعها، وقد قال سبحانه: «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر»، وقد رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً قد سقط من طوله، وظلله الناس، فسأل، فقيل له: صائم، وكان ذلك فى السفر، فقال عليه الصلاة والسلام هذا الحديث الذى رواه البخارى وغيره: «ليس من البر الصيام فى السفر»، وقال عليه الصلاة والسلام لعثمان بن مظعون، رضى الله عنه - أبى السائب - وكان قد بلغه أنه عزم على اعتزال الحياة وزينتها، والتفرغ الكامل للعبادة، فيما رواه البخارى أيضًا: «أتؤمن بما نؤمن؟ قال: نعم يا رسول الله، قال: أنا أصلى وأنام، وأُصوم وأفطر، وأتزوج النساء وهذه سنتى»، فجعل صلى الله عليه وسلم من الإيمان اعتدال المعادلة بين العبادة، وأخذ الحظ المشروع من الدنيا: «قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة». وقد جاء فى الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلم - أن الله يحب العبد يأكل اللقمة ويحمده عليها، ويشرب الشربة ويحمده عليها، وأنت إذا قلت لكثير من الناس «احمدوا الله»، أجابوك: «على ماذا؟»، يريدون أن يسمعوا منك أن كذا مليونًا فى الطريق إليهم فإذا قلت: على عين تبصرون بها، وعلى أذن تسمعون بها، وعلى كبد باسم الله ما شاء الله ليس فى حاجة إلى زرع، وعلى.. وعلى، هز إليك كثير منهم رأسه، وقالوا: طبعًا الحمد لله، ولكنك تعرف طعمها، وتشعر بنبرها، وترى لونها ليس على الوجه المطلوب، وسبب ذلك أننا نرى أن النعمة تكمن فقط فى المال، وليس فى المال أى مال، لا، فى المال الغزير، فإن حضر فنحن فى نعمة، ونقّبل ظاهر أكفّنا وباطنها، وإن غاب عمينا عن سائر النعم، وكأن وجودها وعدمها سواء وهى عظيمة، ولكن المأساة بحق فى قولنا: لا نعرف عظمة النعمة إلاّ بعد أن نفقدها، فما يفيد الشكر بعد زوالها، ولم يعد هناك من أمل فى رجوعها، إنما يفيد عند حضورها ولن يكون إلا إذا أحسسنا بقيمتها وهى بين أيدينا، وسوف نتعرف على مزيد تفصيل فى ضوء حرف الجر «فى» المتعلق بهذا الموضوع، لأننا بلا مبالغة فى أشد الحاجة إليه، لقول الله تعالى: «وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابى لشديد» والكفر بالنعمة من العمى، والإسلام يعالج العمى.
|
ساحة النقاش