انهيار الاتحاد السوفيتي فتح الباب علي مصراعيه لانفصال الأقليات في أوروبا حق تقرير المصير سلاح ذو حد ين.. ومخاطره أسوأ من المكاسب أسباب عديدة ومتنوعة وراء انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية مات "تيتو" فتحولت يوغوسلافيا السابقة إلي عدة دول مستقلة |
نهي حامد |
شهد العالم علي مدي أكثر من نصف قرن العديد من حالات الانفصال بين الدول.. بعضها كان ايجابيا وجاء من منظور حق تقرير المصير الذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من حقوق الانسان.. والبعض الآخر من حالات الانفصال كانت له آثار سلبية تجرعتها الشعوب التي تجاهلت ان تقرير المصير يكون أحياناً محفوفاً بالمخاطر والمشاكل. تبدأ فكرة الانفصال في الظهور بصفة أساسية في الدول التي تجمع علي أراضيها أعراقاً وأجناساً مختلفة يصعب معها العيش بسلام خاصة عندما يشعر طرف بعدم قبول الآخر وتزداد لديه الرغبة في الانفصال والابتعاد عنه. الصدمة الكبري مثل انهيار الاتحاد السوفيتي السابق صدمة كبري لدي دول العالم خاصة انه كان المنافس الوحيد للقوة العظمي الأولي وهي الولايات المتحدة.. وكان انقسام الاتحاد السوفيتي إلي عدة دول بمثابة الاعلان الرسمي للهيمنة الأمريكية علي العالم في ظل عدم وجود من يتصدي لها. في ديسمبر 1991 أعلن عن انهيار الاتحاد السوفيتي رسمياً وانقسامه إلي أكثر من عشر دول وانتهاء دور رئيسه ميخائيل جورباتشوف للأبد وقد تزامن الانفصال تاريخياً مع ظهور تجمعات سياسية واقتصادية وبرلمانية دولية واسعة النطاق ومع ظهور النزعة القوية نحو تخطي الحدود الجغرافية ومنح تسهيلات إقليمية كبيرة للتبادل التجاري والاقتصادي. رؤي مختلفة اختلف المراقبون حول تحديد سبب معين لانهيار القوي السوفيتية العظمي.. بعضهم رأي ان تراجع الفكر الشيوعي وعدم تلبيته الاحتياجات الروحية والفكرية للانسان السوفيتي كان بحاجة إلي "بديل يعمل علي تفعيل القوانين الاقتصادية وإثارة روح الإبداع والتنافس وبعث المصلحة في التطور وتجاوز التخلف في مواكبة العصر في مجال التعدد ووفرة الانتاج". البعض الآخر حمل سياسة ميخائيل جورباتشوف مسئولية الانهيار لدرجة أنه اتهم انه كان عميلا للولايات المتحدة وأنه جاء للسلطة لتنفيذ أجندة محددة تدمر المنافس الأكبر لها. تقلد جورباتشوف السلطة عام 1985 حيث وصف حكمه بأنه عصر التجديد.. فقد أعلن من البداية عدم استخدام القمع في التعامل مع مطالب الشعوب وهو ما دفع شعوب الجمهوريات الصغيرة داخل الاتحاد السوفيتي للمطالبة بالانفصال والعودة إلي الوضع الذي كان سائداً قبل الضم عام .1940 أسباب الانهيار كانت سياسة ميخائيل جورباتشوف الداخلية تسعي لإعادة البناء من أجل إنقاذ الاتحاد السوفيتي من أزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. أدي طرح جورباتشوف لبرنامج التغيير وإعادة البناء إلي اتجاه الشعوب السوفيتية ذات الأعراق المختلفة للتعبير عن مطالبهم الخاصة بالانفصال. البداية بدأت أولي النزعات الانفصالية في الاتحاد السوفيتي في منطقة البلطيق التي تضم ثلاث جمهوريات هي أستونيا. ولاتفيا. وليتوانيا.. كانت هذه الجمهوريات مستقلة خلال فترة ما بين الحربين العالميتين إلي ان أقدم الاتحاد السوفيتي علي ضمها عام 1940 أثناء الحرب العالمية الثانية بموجب اتفاق سري بين ستالين وهتلر في ..1939 بعد تولي جورباتشوف اتجهت جمهوريات البلطيق لاتخاذ إجراءات عملية لتأكيد استقلالها فأصدر برلمان لتوانيا إعلاناً بالاستقلال عن الاتحاد السوفيتي في مارس 1990 ثم أصدر برلمانا استونيا ولاتفيا القرار نفسه في مايو من نفس العام واتجه قادة الجمهوريات الثلاثة إلي تنسيق تحركاتهم. عندما أصرت ليتوانيا علي المضي قدما في تحقيق الاستقلال اضطرت موسكو إلي فرض عقوبات اقتصادية لاجبارها علي التراجع عن قرارها حيث نجحت الضغوط الاقتصادية في اجبار ليتوانيا علي تجميد قرار الاستقلال.. وفي عام 1991 اتجهت جمهوريات البلطيق إلي إجراء استفتاء عام حول الاستقلال فأيد ذلك 90% من سكان ليتوانيا كما أيده 79% من سكان استونيا و77% من سكان لاتفيا.. بعد الاستفتاء أقر جورباتشوف بحق الجمهوريات الثلاث في الانفصال عن الاتحاد السوفيتي وهو ما تم الاعتراف به رسمياً في سبتمبر .1991 أسباب أخري خلال فترة الحرب الباردة تحمل الاقتصاد السوفيتي العبء في توفير الأساس المادي لتنفيذ سياسة الدولة الخارجية وحماية مصالحها.. فكان عليه ان يضمن توفير قاعدة واسعة من الصناعات العسكرية وتوفير الموارد اللازمة للانفاق الضخم إضافة إلي تقديم المعونات الاقتصادية والعسكرية للحلفاء خاصة في العالم الثالث مع ضرورة ان يسعي الاقتصاد نحو تحسين الظروف المعيشية للشعب السوفيتي. وفي ظل تلك المتطلبات كان متوقعا للاقتصاد السوفيتي ان ينمو بمعدلات متزايدة إلا ان هذا لم يحدث حيث تعرض لتقلص معدلات النمو مما أثر بشكل سلبي علي قدرته علي ضخ المعونة الخارجية لتكون أداة أساسية لتنفيذ السياسة الخارجية ومن ثم عجز السوفيت عن منافسة الغرب في توفير بديل كاف للمعونة الاقتصادية. ومع تزايد حدة الأزمة الاقتصادية بدأ الاتحاد السوفيتي يعاني نقص الغذاء واحتمالات تعرض مناطق من الدولة للمجاعة كما أدت هذه الأزمة إلي انخفاض الناتج القومي منذ عام 1985 وبشكل مستمر وزيادة حجم التضخم الذي وصل في بعض الأحيان إلي 9% خلال عام .1990 المصير المشترك لم يكن المصير الذي آلت اليه جمهوريات الاتحاد السوفيتي هي النموذج الوحيد لحق تقرير المصير.. فقد تشابهت معها في نفس المصير يوغسلافيا ولكن باختلاف الأحداث. قامت جمهورية يوغسلافيا الاتحادية عام 1945 وكانت تضم ست جمهوريات هي صربيا. الجبل الأسود. سلوفينيا. كرواتيا. البوسنة والهرسك. مقدونيا إضافة إلي مقاطعتي كوسوفو ذات الأغلبية الألبانية المسلمة و"فوفودينا ذات الغالبية المجرية. ومعروف ان يوغسلافيا السابقة تقع في منطقة البلقان جنوب شرق أوروبا الشهيرة بتنوعها العرقي وتنافر طوائفها وقابلية هذه العرقيات للانفصال وتكوين دول مستقلة يضم كل منها غالبية عرقية معينة. عندما تولي الجنرال الكرواتي جوزيف بروز تيتو رئاسة يوغسلافيا اتسم حكمه بالدكتاتورية حيث كان يحكم بقوة الحديد والنار.. واستطاع خلال الحكم توحيد يوغسلافيا في اتحاد فيدرالي ضم الأعراق المختلفة. وكان لانهيار لاتحاد السوفيتي أثره علي تحفيز الجمهوريات اليوغسلافية علي الانفصال وبدأت تلك الرغبة في المضي قدما بعد وفاة تيتوعام ..1980 كانت سلوفينيا أول من انفصل عن الاتحاد وأعلن استقلاله عام 1991 تلتها مقدونيا ثم كرواتيا ثم البوسنة والهرسك بعد حرب شرسة راح ضحيتها الآلاف من المسلمين ثم الجبل الأسود. خرجت الجمهوريات المستقلة بنتيجة واحدة ان جمع الأعراق المتنافرة بالقوة يولد الكره والرغبة في الانفصال ويكون من الطبيعي الاستقلال في دولة واحدة بعرق واحد. الانفصال المخملي كان من أرقي حالات الانفصال في التاريخ ذلك الذي شهدته تشيكوسلوفاكيا عام 1993 عندما وجد السكان صعوبات في العيش معا جنبا إلي جنب واختاروا الشعور بدرجة من الاستقلالية فكان الطلاق المخملي بين جمهورية التشيك وسلوفاكيا الذي لم تتم فيه إراقة نقطة دم واحدة وكان برضا تام من المواطنين والمجتمع الدولي. نموذج تيمور الشرقية علي النقيض تماماً كان انفصال تيمور الشرقية عن اندونيسيا من أسوأ حالات الانفصال حيث لم تجن تيمور الشرقية أي مكاسب من الاستقلال سوي الحصول علي علم ونشيد وطني مستقلين. تعلق سكان تيمور بآمال كاذبة عندما عرضت فكرة الاستقلال لأول مرة عام 1999 حيث تورطت الدولة الوليدة في العنف لمدة ثلاث سنوات حتي أعلن الاستقلال رسمياً عام .2002 بعد الانفصال وجدت تيمور الشرقية نفسها في حالة عزلة دولية واحتجاجات واسعة بين السكان الذين تجرعوا قسوة الانفصال وتقاعس المجتمع الدولي عن تقديم المساعدات باستثناء استراليا التي زادت مطامعها في الجزيرة التي لديها احتياطي كبير من البترول والغاز.. أرادت أستراليا استغلال هذه الثروة ورأت ان الاتفاق مع دولة صغيرة أسهل منه مع دولة كبيرة متماسكة. وبالرغم من النتائج السلبية التي رافقت انفصال تيمور الشرقية إلا ان النتيجة الإيجابية الوحيدة للانفصال كانت توقف الدعوات الانفصالية التي طالبت بها الأقاليم الإندونيسية مثل أتشي وكلمنتان وأريان. العظة لمن يتعظ حين قرر أهل منطقة شرق نيجيريا في الستينيات الانفصال وتأسيس دولة بيافرا قاوم بقية أهل نيجيريا ذلك القرار وأرجعوا ذلك بشكل رئيسي إلي ان بيافرا كانت تحتوي علي أغلب بترول نيجيريا وأكدوا ان البترول ينتمي إلي كل الشعب النيجيري وليس أهل المنطقة الشرقية فقط فكانت الوحدة والعظة التي يسعي العقلاء لتوصيلها إلي أصحاب النزعات الانفصالية.. وعلي النقيض من كل ما سبق.. كان انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية التي كان يتزعمها.. فرصة العمر لتحقيق الحلم الألماني بتوحيد شطري ألمانيا في أواخر الثمانينيات وهي وحدة "كان ينتظرها الألمان ويحلمون بها منذ تقسيم ألمانيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية. |
نشرت فى 1 يناير 2011
بواسطة azazystudy
الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
4,831,248
ساحة النقاش