الحب بين العلم ومنهج الإسلام
بقلم: د. محمد الفار جامعة المنصورة
غرس الله الحب والمحبة في روح البشر, وجعل الانسان السوي مفطورا علي الحب, فهو يتعلق بأمه ويحبها منذ بداية مولده وحتي مماته. وللمحبة درجات متعددة..
وأفضلها جميعا وأجلها هي المحبة في الله ولله, وخير دليل علي وجودها وتبادلها بين الخالق ومخلوقية المؤمنين في قوله تعالي[... فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه...]( المائدة54). ومزيدا من تشريف المولي لهذا فلقد قدم الله حبه لهم علي حبهم له, بل وقدم رضاه عنهم علي رضاهم عنه سبحانه[... رضي الله عنهم ورضوا عنه...]( المائدة119).
ثم نجد محبة ما أحب الله, وأولهم حبيبه ورسوله محمد( عليه الصلاة والسلام), فجعل إتباع رسوله موجبا لمحبته سبحانه[قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله]( آل عمران31). أما حب الناس المؤمنين بعضهم لبعض فهو موصول بحب الله, ونلمس ذلك من الحديث الشريف:( ماتحاب اثنان في الله تعالي الا كان افضلهما أشدهما حبا لصاحبه). ويجدر بنا هنا ان نشير لحقيقة علمية وهي ان الإفصاح عن المشاعر الدافئة والعواصف الجياشة والصداقة الحقيقية لأمر ضروري وحيوي حتي تنطلق الشرارة والتي تنزع فتيل قنبلة الحب الكيميائية, لتنطلق مدوية في النفوس السوية, وصدق رسول الاسلام في حديثه( إذا أحب أحدكم أخاه فليقل له اني أحبك, فذلك يزيد الحب بينهما).
ولقد كشف العلم النقاب عن أهمية ومكانة المحبة, وآثر كيمياء لقاء الاحبة واشار العلماءبأنه كلما إزدادت أواصر التقارب والترابط الأسري والإجتماعي والزوجي فإن الخلايا العصبية المسئولة عن الشعور بالسعادة تقوي وتزداد, ووجدوا ان الحب مكانه وعشه هو المخ فعند رؤية المحبوب تنتقل صوره الي فصوص المخ وتم رصدها بإستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي, ويحدث ذلك في ثوان معدودة وعندما ينفعل المخ بالحب, وتنطلق إشارات منه وكنتيجة لسلسة من التفاعلات الكيميائية الحيوية فتطلق ما يطلق عليها بالأفيونات الطبيعية, ومواد هرمونية وكيميائية عديدة تبعث النشوة وتدخل البهجة والسعادة والسرور علي المحب والمحبوب وأشهر تلك المواد الاندروفين وتشبه لحد ما المورفين والافيون, ولكن تأثيرها أقوي منهم بكثير في منح البهجة والسرور. ولذا, فعند غياب المحبوب تضمحل وتقل نسبة هذه المواد الطبيعية الكيميائية بالجسد, ووقتها تستشعر النفس غيابها, فقد تتعذب وتتألم لفراقه وتتشوق لرؤية المحبوب حتي تعود معدلات الافيونات الطبيعية لأعلي معدلاتها, ولتعود معها البهجة والفرحة والسعادة والابتسامة, إنه إدمان الحب لشخص أو المجموعة, وتلك هي كيمياء الحب ولغته. وللعلم, فالمواد الحيوية الكيميائية منها مايؤثر علي القلب فتجعله يدق بقوة عند رؤية المحبوب, وقد يرتفع نبضه رغما عنه. ولذا فالحب يتمركز وينطلق من المخ, اما القلب فهو يتأثر به. وكخلاصة, ففي حالة الحب نجد العين ترصد المحبوب, والمخ يحبه, اما القلب فهو يدق بعنف طربا لرؤيته, ويرقص فرحا له. ولقد وجد العلماء ايضا ان بعض المركبات الكيميائية الحيوية يمكن اعتبارها مسئولة بصورة كبيرة عن سخونة المشاعر العاطفية, ومنها السيروتينين, والفينيل إيثيل امين, وكذلك الدوبامين, واطلق عليها البعض عقاقير الحب, وهنا يأتي دور الكيمياء في السعادة الزوجية, ولقاء الاحباء, فالتفاعل الفكري والجنسي يطلق تلك المواد, فيستشعر طرفي الحب والسعادة الكاملة كنتيجة وقوة التفاعل النفسي والجسدي.
وهناك انواع من المحبة لايوجد لها تفسير علمي دقيق ـ علي حد علمي المتواضع ـ ونجدها في أجمل درجات المحبة وهي المحبة الروحية, وخير دليل عليها حديث رسول الاسلام( الارواح جنود مجندة ما ائتلف منها تعارف وما اختلف منها تنافر), وللحق, فالمثل الي مثله مائل وإليه صائر, والضد عن ضده هارب وعنه نافر.
الحب حقا هو أساس بناء المجتمع الصالح, فعن طريق المحبة يتواصل البشر, وإذا تواصلوا تعاونوا, وإذا تعاونوا عملوا, وإذا عملوا عمروا. فالحب أصل كل عمران, وخير دليل ان الكون نشأ بآدم وزوجته حواء, وأصبح عامرا الآن بالبشر في جميع الاقطار وبعد ان كان أصله في الأساس أثنين, ولذا جعل الله المودة بين الازواج بإذنه[... وجعل بينكم مودة ورحمة]( الروم21), حتي يعمر الكون كله ـ فالحب يعمر الكون, فحب إلتقاء نطفة الرجل( الحيوان المنوي) وإختلاطها وإرتباطها بنطفة الانثي( البويضة) حمل معه سر إستمرار الحياة للإنسان[ إنا خلقنا الإنسان من نطفة امشاج](الانسان2).
وعلم الكيمياء يشير بجلاء إلي أن المواد وأجسادنا تتألف من الذرات, وإتصال الذرات ببعضها يعطي مايعرف بالجزئيات, مثل جزيء الأوكسجين.. والمتكون من ذرتين متحابتين ـ وله كل الفوائد للجسد. ولكن الأوكسجين ـ كمثال أيضا ـ يحب الإرتباط والاندماج مع غيره, فيتحد مع غيره من ذرات الهيدروجين بنسبة محددة ليعطي الماء, والذي هو سر من اسرار الحياة[ وجعلنا من الماء كل شيء حي]( الانبياء30), وسبحان الذي أودع حب الارتباط بين الذرات. بالحب تصل للإيمان والجنة, وصدق رسول الاسلام( والذي نفسي بيده لاتدخلوا الجنة حتي تؤمنوا, ولاتؤمنوا حتي تحابوا..). فلا حياة بدون حب, ومقالي دعوة لإعادة مفهوم الحب الشامل للأذهان ولدائرة الإهتمام وكمحاولة لإيقاظ المشاعر المتجمدة والنائمة لكي تطرق برفق وخفة مسابح الوجدان لتفتح نوافذها لأنوار الحب, افتحوا نوافذ النفس لتشرف فيها شمس حب الله, وحب البشر والوطن.
ساحة النقاش