العلم في القرآن الكريم
بقلم : د‏.‏ محمد عادل عبد العزيز


كل ما حولك يذهب‏,‏ وكل ما حصلت عليه في حياتك عرضة للضياع‏,‏ إلا العلم‏,‏ فهو معك أينما كنت‏,‏ وذاهب معك إذا ذهبت‏,‏ لذلك كان العلم هو المقياس الحقيقي لمكانة الفرد أو الأمة.

 

ومن هنا كانت أهمية العلم‏,‏ ومن هنا أيضا ندرك السبب في أن تكون‏(‏ اقرأ‏)‏ هي أول كلمة تنزل من القرآن الكريم‏.‏
والعلم في القرآن الكريم ليس فطريا في الإنسان حيث يقول سبحانه في سورة النحل‏:(‏ والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا‏),‏ ولهذا يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم إنما العلم بالتعلم‏,‏ والحلم بالتحلم‏.‏
وإذا كانت الأبحاث الحديثة تدعي تمكنها من تسجيل البيانات الأولية للذاكرة السمعية للأجنة في بطون أمهاتهم باستخدام أدوات طبية متطورة تقيس المجال المغناطيسي والتغيرات التي تحدث لمخ الجنين وفقا لما يسمعه ويستطيع التعرف عليه من أصوات وكلمات‏,‏ وإذا كانت الأبحاث الحديثة تدعي أيضا‏,‏ أن الأجنة لم تتعرف فقط علي الاختلاف بين الأصوات التي تسمعها‏,‏ بل بدأت هذه الأجنة في استرجاع الكلمات التي سمعوها‏,‏ وأنهم في الأسابيع الأخيرة للحمل والتي تسبق الولادة يستطيعون التفريق بين حروف العلة مثل الألف والواو والياء‏.‏ فإن هذا كله ليس معناه أن الطفل قد بدأ تعلم اللغات في بطن أمه‏,‏ فنحن جميعا نسمع نباح الكلاب‏,‏ ويمكننا استرجاع أصواتها والتفريق بينها‏,‏ لكننا مع ذلك لا نعلم لغتها لأن العلم لا يقف عند السمع فقط‏,‏ أو البصر‏,‏ لأن العلم في القرآن الكريم لا يقف عند الاحاطة السمعية أو البصرية‏,‏ وإنما بالقدرة علي تبين ما تعنيه الأصوات التي نسمعها من معان‏.‏ ولهذا يقول المولي عزوجل في سورة البقرة‏(‏ فلما تبين له قال أعلم‏).‏
وإذا كان السمع هو عمل الأذن‏,‏ والبصر هو عمل العين‏,‏ والفؤاد هو عمل القلب‏,‏ فإن أدوات تحصيل العلم في القرآن الكريم‏,‏ هي السمع والبصر والفؤاد‏,‏ فيقول تعالي في سورة الإسراء‏:(‏ ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا‏)‏ فقد أثبت العلم الحديث أن العلاقة بين المخ والقلب إنما هي علاقة ذات اتجاهين ذهابا وإيابا‏,‏ وليس كما كنا نعتقد من أنها علاقة ذات اتجاه واحد من المخ إلي القلب فقط وليس العكس‏,‏ وأدخل لأول مرة في تاريخ الطب تعبير مخ القلب‏HeartBrain‏ وأثبت أن للقلب بالفعل جهازا عصبيا خاصا به في غاية التعقيد يتكون من خلايا وموصلات عصبية وبروتينات وتعمل بشكل مستقل عن الأعصاب المخية‏,‏ ولها مستقبلات خاصة بها‏,‏ ويستطيع القلب من خلاله أن يتعلم ويتذكر ويشعر ويحس ويخاف ويؤمن ويطمئن‏,‏ وتترجم هذه المعلومات علي شكل إشارات عصبية ترسل من القلب إلي المخ‏(‏ علي عكس ما كنا نعتقد‏.‏ ويضيف القرآن الكريم وسيلة رابعة لتحصيل العلم‏,‏ وهي السؤال حيث يقول سبحانه في سورة النحل‏:(‏ فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون‏),‏ الأمر الذي يدعوننا إلي أن نتيح للطلبة في قاعات الدرس وقتا لأسئلتهم‏.‏ وتكمن أهمية العلم في أنه الأساس الذي يقوم عليه العقل‏,‏ فيقول سبحانه في سورة العنكبوت‏:(‏ وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون‏).‏ أن العلم قوة‏,‏ لقوله تعالي في سورة القصص‏:(‏ قال إنما أوتيته علي علم عندي أو لم يعلم أن الله قد اهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة‏).‏
أما الأهم من ذلك كله فهو حاجتنا إلي الأدلة العقلية للتعرف علي وحدانية الله لأن التوحيد يحتاج إلي برهان عقلي ولهذا يأتي العقل علي رأس الضرورات الخمس التي يلزم الإسلام الفرد والجماعة بتطبيقها وهي‏:‏ العقل والنفس والدين والعرض والمال‏.‏
والعلم هو أفضل ما يؤتي للعبد‏,‏ لقوله تعالي في سورة النمل‏:(‏ ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا علي كثير من عباده‏).‏ والعلم أيضا هو أفضل من الملك ومن المال‏,‏ لقوله سبحانه في سورة النمل‏:(‏ قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون‏.‏ وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون‏.‏ فلما جاء سليمان قال أتمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون‏).‏
لذلك كان طبيعيا أيضا أن يرفع الله تبارك وتعالي من مكانة العلماء‏,‏ فيقول في سورة الزمر‏:(‏ قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون‏),‏ ويقول سبحانه في سورة المجادلة‏:(‏ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات‏),‏ وكفي العلماء شهادة المولي عزوجل أن اختصهم بخشيته حين قال في سورة فاطر‏:(‏ إنما يخشي الله من عباده العلماء‏).‏ وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل العلم والعلماء فقد ورد في الحديث الشريف فضل العالم علي الشهيد درجة وفضل الشهيد علي العابد درجة‏,‏ كما جاء في الحديث‏:‏ العالم يستغفر له كل شئ حتي الحوت في الماء والطير في الهواء‏,‏ وفي حديث آخر ساعة من عالم يتكئ علي فراشه ينظر في علمه خير من عبادة العابد سبعين عاما‏,‏ ويقول النبي صلي الله عليه وسلم لكل شيء عماد وعماد الإسلام العلم‏,‏ وقد كرم الرسول العلماء ورفعهم إلي أعلي منزلة عندما قال‏:‏ العلماء ورثة الأنبياء‏.‏

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 140 مشاهدة
نشرت فى 25 ديسمبر 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,687,561