الهجرة النبوية ومعالم الدولة الراشدة
بقلم:د‏/‏ محمد عبد السلام كامل

 


تتجلي لنا في الهجرة النبوية الشريفة معالم الدولة الراشدة التي أسس قواعدها المصطفي صلي الله عليه وسلم‏,‏ ولعل أبرز هذه المعالم التي نحن بحاجة ماسة إلي الأخذ بها وتفعيلها ونحن نرنو لتحقيق إصلاح حقيقي معبر عن هويتنا ما يلي‏:‏

 

أولا‏:‏ التخطيط المدروس‏:‏ فلا بد للدولة العصرية من الاعتماد علي التخطيط وإعداد المستطاع من العدة وإزاحة المعوقات وتهيئة الأسباب‏,‏ ونستطيع أن نتلمس ذلك بوضوح في الهجرة إلي المدينة التي خطط لها بإتقان‏,‏ عن طريق اختيار دار الهجرة والأناس الذين سيهاجر إليهم‏,‏ والرواحل والرفيق والدليل والغار‏,‏ وأحيط ذلك كله بأسباب التوقي والاحتياط‏,‏ فتم الأخذ بكل الأسباب الممكنة والمتاحة‏,‏ وترك للإرادة الإلهية بعد ذلك ما لا حيلة للبشر فيه‏,‏ فبعد هذا التخطيط الفائق وجه الرسول الكريم خطابه للصديق قائلا يا أبا بكر‏,‏ ما ظنك باثنين الله ثالثهما‏,‏ لا تحزن إن الله معنا‏,‏ واستمر هذا التخطيط السليم سياجا لمعالم الدولة التي رادها رسول الله صلي الله عليه وسلم في كل مفردة من مفردات بناء الدولة‏.‏
ثانيا‏:‏ التماسك الاجتماعي‏:‏ وحتي تحقق الدولة التقدم المنشود لا بد أن يكون أفرادها علي قلب رجل واحد مستمسكين براية العمل الجماعي وحب الانتماء للوطن‏;‏ لذا حرص الرسول الكريم علي أن تكون هذه المعاني واضحة في الأذهان والسلوكيات‏,‏ فأرسي قواعد الإخاء بين المهاجرين والأنصار وبين الأوس والخزرج‏;‏ لتسيطر علي المجتمع روح المؤاخاة القائمة علي أحب لأخيك ما تحب لنفسك‏,‏ فالكل ينصهر في بوتقة واحدة انتماء وسعيا وراء تحقيق الأفضل لوطنه وأمته‏.‏
ثالثا‏:‏ العلم‏:‏ وهو علم مؤسس علي الإيمان بالله والارتباط به‏,‏ فكان من أول ما بدأ به الرسول الكريم عمله بالمدينة أن بني مسجدا ليكون مركز إشعاع علمي وثقافي‏,‏ ينهل منه الكل بلا استثناء‏,‏ فالمعرفة ليست حكرا علي أحد‏,‏ ويجب أن تكون مصادر المعلومات متوافرة أمام الجميع‏,‏ ولا بد أن تعتمد دولة العلم علي الإحصاء‏;‏ لتعرف حقيقة وضعها الإقليمي‏,‏ وكان رسولنا العظيم سباقا في هذا الميدان‏,‏ فقد أمرهم بعد الهجرة مباشرة أن يحصوا له عدد المسلمين‏;‏ ليعرف مقدار قوته الضاربة‏;‏ ليرتب عليها أموره المستقبلية‏,‏ وهو هنا يهدينا إلي أن الإحصاء مقدمة مهمة لأي تخطيط علمي سليم‏.‏
رابعا‏:‏ حسن الجوار‏:‏ وحتي تحقق الدولة معدلات التنمية الشاملة وتتفرغ للبناء والتعمير وتحسين أحوال مواطنيها لابد أن تقيم علاقات طيبة سلمية مع مجاوريها في المحيط الجغرافي‏;‏ لذا حرص الرسول الكريم علي أن يعقد معاهدة مع يهود المدينة تضمن حسن الجوار المؤسس علي العدالة واحترام الآخر وخصوصياته‏,‏ شرط أن يحترم هذا الآخر خصوصياتي وما بيننا من معاهدات‏,‏ فالأصل في العلاقات الخارجية بين الدول الإسلامية وغيرها من الدول هو‏(‏ السلم‏)‏ الذي تتعدد مظاهره وتتنوع لتشمل التفاوض وإبرام المعاهدات وغير ذلك مما يستعان به في العلاقات الدولية وقت السلم‏,‏ مما من شأنه أن يحقق التعاون والتعارف بين بني الإنسان قاطبة‏,‏ والسلم ليس معناه الخنوع والتبعية المقيتة‏,‏ وإنما هو سلم الأقوياء وهو السلم المسلح الذي ينشد الأمن والأمان للعالم بأسره‏,‏ ومن ناحية أخري يردع المعتدين وناكثي العهود عن عدوانهم ونكث عهودهم‏,‏ ويحفظ للدول المسالمة والمعتدلة هيبتها ورسالتها‏,‏ وبالله التوفيق‏.‏

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 22/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
7 تصويتات / 115 مشاهدة
نشرت فى 18 ديسمبر 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,827,735