السلام بين الأديان
بقلم:د. محمد الشحات الجندي
بالقدر الذي تزايد فيه الاتجاه للانفتاح بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات في العالم المعاصر مقارنة بحالة الانغلاق والشكوك وسوء الظنون التي سادت بين أتباع الأديان عبر فترة طويلة من الأزمان الماضية.
قبل حلول موجات من جديد دعوات البغضاء والصراع نقول علي هذا القدر من حالة الانفتاح التي أشاعت أجواء من التفاؤل, عادت روح الكراهية والعداء مرة أخري, وسادت حالة من المواجهات والصدام بين أتباع الأديان الابراهيمية الثلاثة اليهودية والمسيحية والاسلام, وانطلق المتطرفون في هذه الأديان إلي تأجيج الصدام, وإشعال الصراع في أنحاء عديدة, وعلي جبهات كانت بطبيعتها بمنأي عن الصراع, بل كانت نموذجا يحتذي في إشاعة العلاقات الطيبة, وروح الود والمسالمة, واحتضان الناس جميعا.
ومن يتأمل مجريات الأحداث في العقود الأخيرة خاصة في التطورات التي طرأت علي العلاقات بين الإسلام والغرب يهوله ذلك الزخم من تفجر أسباب العداء, وحملات التشكيك, ودعوات التعصب.
لكن الغريب في الأمر,ومصدر الدهشة هو تراجع, وعدم قدرة ملاحقة قادة الأديان, وأنصار الحوار فيها لذلك الكم الهائل من الحملات والإساءات بين مثيري هذا الشغب, ومؤججي نيران الفتن من هنا وهناك, وفشل التوصل إلي حلول عملية, وأساليب قابلة للتنفيذ والتطبيق لاحتواء هذه الخلافات, ونزع فتيل هذه المواجهات, ووأد الأسباب والعوامل المؤدية إليها.
وليس خفيا ولامجالا للإنكار كم أصاب الإسلام رموزه ومقدساته وعقيدته وكذلك المسلمون من ألوان التشوهات في السنوات الأخيرة بعد أحداث11 سبتمبر2001 م, وما تلاها من التعبئة والفزع والاستنفار ضد الدين الإسلامي وطعن في قلب عقيدته وشريعته, ونسبة الإرهاب وعدم التعايش مع الآخر, وكراهية المدنية الغربية, واستدعاء نموذج الدولة الدينية, والإساءة المتكررة ضد رسول الإسلام محمد صلي الله عليه وسلم في الرسوم الكاريكاتورية وكذلك الإساءة إلي القرآن بنعوت وأوصاف تمثل العدائية الفجة, ومحو دعوته الناصعة للسلام.
ولعل ذلك التطور المحزن يلقي بظلال من الكراهية والاستفزاز بين أتباع الأديان, ويكرس ظاهرة الإسلام فوبيا( الخوف من الإسلام) ويبرر لتنظيم القاعدة المرفوض, الذي يمثل فكر الخوارج الجدد مزاعمة في إشعال الحرب ضد الغرب واستثارة الجهال نحو اعتناق فكره المشئوم.
وقد أفرز هذا الوضع المأساوي تداعيات مدمرة تأباها نصوص الأديان الثلاثة, وتدينها بشدة, لما أدت إليه من وصم الأديان خاصة الإسلام بالعنف والفزع والرعب مع الآخر, وسري هذا الفكر للعامة والناس في الشارع وداخل البيوت, الذين كانوا في مأمن من هذا التشويش والتشكيك في الدين, وهو أمر بالغ الخطورة لأنه يظهر الدين لدي الجماهير بأنه دعوة إلي الخلاف والشقاق والصراع ونشر الحروب هنا وهناك.
هذا الوضع المأزوم بين أتباع الأديان في الشمال والجنوب وما تبعه من مأزق وأغاليط علي المستوي الدولي والإقليمي والمحلي, بات خطرا داهما علي السلام العالمي والوطني, يفرض مجابهته وحصاره وإجهاض مخططاته, مما يتعين رسم وسائل عملية تتسم بالإيجابية والفاعلية نورد بعضها في الأمور الآتية:
1ــ أن يتحمل قادة الأديان مسئولياتهم في توعية وتثقيف أبناء الدين بمباديء الدين الصحيحة التي تدين بالإيمان بالله تعالي وبالسلام بين البشر, فإن الأديان الإبراهيمية إنما جاءت بالتعايش والسلام بين أتباع اليهودية والمسيحية والإسلام بصفة خاصة ومع الناس بصفة عامة.
ففي القرآن الكريم جاء قوله ــ تعالي ــ:( وقولوا للناس حسنا)
وقوله:(يأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولاتتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين)
وجاء في المسيحية ــ في الإنجيل ــ:الله محبة, وعلي الأرض السلام.
فهذه التعاليم والمباديء المقدسة وما علي شاكلتها إذا أمكن لزعماء الأديان ترسيخها في أذهان الأتباع كفيلة بنشر المودة, والتعايش بين المسلمين والمسيحيين واليهود.
2ــ نبذ دعاوي الكراهية والتمييز والعنف والصراع, ووأد كل المخططات الداعية إليها, من غرس هذا الفكر لدي الناشئة والشباب والمرأة داخل دور العبادة والمؤسسات الدينية, واستبدال معاول الهدم تلك بقيم المودة والتكافؤ والحوار والأمان.
ــ ومما يحتم سرعة تجفيف منابع هذا الفكر المغلوط عن الأديان, امتداد لهيب هذه الفتن والصراعات إلي أصحاب الوطن الواحد, والدعوة إلي الشقاق واختراق الجبهة الداخلية والوحدة الوطنية بين شعوب ودول كانت مثالا يحتذي في التماسك والتلاحم بين مواطنيها, كما وقع في مصر أخيرا علي سبيل المثال, وغيرها من بعض دول وشعوب المنطقة العربية والافريقية, وبروز فكر الأقليات والطوائف الدينية والإثنية والعرقية.. إلخ.
3ــ تكريس الإيمان بخصوصية كل دين, الإسلام, المسيحية, اليهودية, وأن لكل منها شرعتها ومنهاجها في الإيمان والحياة:(لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا).
ــ الالتقاء علي المباديء والقواسم المشتركة بين الأديان وهي متعددة وكثيرة كالسلام, والتعايش, والتسامح, والمودة, والصدق, والتعاون, وغيرها, علي أساس أنها تنبع جميعا من مشكاة واحدة من عند الله تعالي.
ــ الكف عن التشكيك, ووقف صور الإساءة إلي الأديان علي أية صورة, ومحو تلك الأشكال السيئة عن عقائد ورموز ومقدسات الأيان, والعمل علي إحلال القيم الروحية والطهارة والتفاؤل والشفافية, وغرس الإشراقات النفسية والوجدانية النابعة من الإيمان بالله والرسل في نفوس المؤمنين بالأديان الإبراهيمية.
ساحة النقاش