د. مبروك عطية يكتب: الإسلام وعلاج العمى .. «وأدخلنا فى رحمتك» ٢٦/ ١١/ ٢٠١٠ |
ومن أسرار التعبير بـ«فى» قول الله - عزل وجل- فى آية «الأعراف» (١٥١): «قال رب اغفر لى ولأخى وأدخلنا فى رحمتك وأنت أرحم الراحمين» فقال تعالى «وأدخلنا فى رحمتك»، ومعنى هذا الدعاء الذى كان من موسى -عليه السلام- طلب الدخول فى رحمة الله، لا على عتبة الرحمة، ولا على بابها، وإنما فيها، بحيث يتقلب الداخل فى أجوائها ونواحيها، فأينما توجه كان فى رحمة الله، جلس أو قام أو قعد، سافر أو أقام، صح أو شعر بعلة عارضة، فهو فى رحمة الله عز وجل. والتعبير الكريم هكذا ورد فى كتاب الله -عز وجل- فى مواضع متعددة، منها قوله -عز وجل- فى لوط عليه السلام: «وأدخلناه فى رحمتنا إنه من الصالحين». ويقول تعالى فى إسماعيل وإدريس وذى الكفل: «وأدخلناهم فى رحمتنا إنهم من الصالحين». ومن ثم كان فى هذه الآيات الكريمة جواب عن سؤال: ما السبيل إلى الدخول فى رحمة الله تعالى؟ فالجواب فى كلمة واحدة هى «الصلاح» فمن أراد أن يدخل فى رحمة الله -عز وجل- حتى تصير الرحمة له كنفا وستراً وغطاء، وفراشاً، وسقفاً فعليه أن يكون صالحاً، ولعل كثيراً من الناس يرى الصلاح فى إقامة الصلاة وحدها دون غيرها، وفى الكتاب العزيز معنى للصلاح ربما غاب عن كثير من الناس، وهو رفع المشقة عن الناس، قال الله عز وجل «إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين على أن تأجر ثمانى حجج فإن أتممت عشراً فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدنى إن شاء الله من الصالحين». فتأمل قول الله عزل وجل: «وما أريد أن أشق عليك ستجدنى إن شاء الله من الصالحين» وتنبه إلى قوله «وما أريد أن أشق عليك» والإرادة من أعمال القلوب أى أن الصالح لا ينوى ابتداء أن يشق على عامله، ولا أن يشق على غيره، ولدينا صور من المشقة متعددة، حتى فى بيوت الناس، فالرجل يشق على زوجته، فيكلفها ما لا تطيق، والمرأة تشق على زوجها بما لا يحصى من مطالب، هات كذا ولا تنس كذا، واعمل حسابك على كذا، فضلاً عن اختيارات معينة مما هو غالى الثمن، نادر الوجود، ومن شق شق الله عليه، ألا ترى إلى بنى إسرائيل حين أمرهم ربنا تعالى بأن يذبحوا بقرة، هكذا بالتنكير، ولو ذبحوا أى بقرة لأجزأتهم، لكنهم شددوا على أنفسهم، فقالوا: ما هى؟ ثم قالوا: ما لونها؟ ثم قالوا: ما هى؟، حتى قال الله «لا ذلول تثير الأرض ولا تسقى الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون». ومع الأسى والأسف فى مجتمعاتنا الإسلامية تكون المشقة على الضعيف الذى لا يتحملها، فالفقير هو الذى يدفع الضرائب، وهو الذى يكن، وهو الذى يحمل أخطاء غيره، وتلميذ المرحلة الابتدائية وهو طفل صغير ضعيف يكن من حمل حقيبة الكتب وهو الذى يضرب بالصفع فوق وجهه، وبرفع ذراعيه، والوقوف ساعة إلى جنب السبورة، وأحياناً بركلة فى موضع موته، وكأن معلمه يستغل ضعفه ليسقط عليه إحباطه النفسى وخلخلة ضميره، وآثار يأسه، وكذا المرأة، التى يستغل ضعفها فى حملها على الفاحشة، وفى معاملتها أسوأ معاملة، وإذا كنا نحفظ جميعاً عبارة إن الدين يدعو إلى الرفق بالحيوان فإن الإسلام الذى بدأ بالإنسان يدعو إلى الرحمة به، والإحسان إليه، لأن الحيوان قد يترك فيأكل من خشاش الأرض، أما الإنسان فلو ترك مات جوعاً وعطشا.. أو تحول إلى مجرم وقاطع طريق، فيتأتى منه الضرر البالغ، الذى يلحق به، وبالمجتمع الذى يعيش فيه، وبعض القساة يعلل قسوته بالناس بأنه كان مثلهم ولولا القسوة عليه لما ارتقى فوقهم، علة شيطانية، أما العلة الربانية فقوله تعالى «كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا» أى أن من جرب العذاب لا يعذب غيره إن أراد أن يقيم الدين، ويدخل فى رحمة الله الرحيم. |
ساحة النقاش