د. مبروك عطية يكتب:الإسلام وعلاج العمى .. «ما يتذكر فيه من تذكر»

١٢/ ١١/ ٢٠١٠

تأمل معى هذه الآية الكريمة «٣٧» من سورة فاطر، حيث يقول ربنا- جل ثناؤه- (وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذى كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير) ومعناه أن أهل النار- والعياذ بالله- حين علا صراخهم من شدة العذاب سألوا الله أن يخرجهم منها لكى يعملوا صالحاً غير السيىء الذى عملوه، فاستحقوا به هذا العذاب فأجابهم الله عز وجل بأنه عمّرهم، العمر الذى كان فرصة للتذكر فيه، وجاءهم من الله نذير، فضيعوا العمر دون تذكر، وكذبوا رسولهم، فلا عود، وعليهم أن يذوقوا السوء بصدهم عن ذكر الله، وتذكر الإنسان فى عمره معنى عظيم كبير، حيث صار العمر ظرفاً للتذكر، وهناك فرق بين أن تتذكر عمرك وبين أن تتذكر ساعة من عمرك، صحيح أن البشر غير معصومين ووقوعهم فى المعاصى وارد، لكن التذكر ينتشلهم من تلك المعاصى إلى الطاعات بالتوبة النصوح، فبابها مفتوح ما عاشوا، والله يبسط يده بالليل ليتوب مسىء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل، لكن الوقوف عند سر هذا التعبير مهم جداً لإصلاح الناس خصوصاً من تجرفهم تيارات الهوى إلى محيط الرذائل، فلا يخرجون منها إلا بعد انقضاء الأنفاس واستيفاء الآجال.

ولا أقول فقط إن هذا التذكر وقف على تذكر الآخرة من حيث صرف الناس عن زينة الحياة الدنيا، فالله- تعالى- يقول: (قل مَن حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)، وإنما للتذكر أبعاد أخرى اجتماعية واقتصادية ونفسية وسياسية وكل ما من شأنه الارتقاء بحياة الفرد والأمة، فمن التذكر أن يسعى الإنسان لتحسين عيشه، ورفاهية حياته، والتوسيع على أهله وعياله، بأن ينتهز صحته وشبابه فرصة لهذا، فكم ضيع الناس أعمارهم التى فيها يسعون ويشقون، ويحصلون على رزق أوسع وعيش أرغد بعدم تذكرهم أن الدنيا دار الأغيار، تراهم يقولون- وما أكثرهم- ما كنا ندرى أن الأسعار سوف ترتفع، وأن هذه الأرض التى كان المتر منها يباع بجنيه صارت يباع المتر منها بخمسة آلاف، والمأساة أن تسمع هذا الحوار- عامها كنت قادراً على الشراء والبناء، ولكن قلت: (على إيه).

- قل الحمد لله، من الجائز أن تكون اشتريت وبنيت وحدث لك شر، ارض بما أنت فيه.

- لكن لو أنى

- لا تكمل فإن النبى- صلى الله عليه وسلم- يقول: لا تقل لو كان كذا لكان كذا، ولكن قل: قدّر الله وما شاء فعل، فما الذى قدر الله هنا؟ هل قدر الله على القادر على شراء أرض يبنيها، ويوسع على نفسه وولده أن ينصرف عن هذه الصفقة، أبداً، فالله يقدر الخير، ويدعو إلى التوسعة لا إلى الضيق وقال للذين يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله اقرءوا ما تيسر من القرآن، أى من أجل أن وراءكم ضرباً فى الأرض وابتغاء من فضل الله، وما عسى أن تكون النتيجة بعد ذلك أن تأكلوا كل ما جمعتم، وتظلوا قابعين فى الحجرة والصالة حتى تنفد أموالكم، وترتفع الأسعار من حولكم فتتحسروا، هل كتب الله الحسرة على العباد؟

ثم إن العلماء ذكروا جواز قول «لو» إظهاراً للندم على خير فات، وعزماً على تعويض هذا الخير الذى فات إن كان فى العمر بقية، لأن التذكر فى العمر يقتضى ذلك الإصلاح، ومن ثم تبدو أهمية النظر فى سر التعبير بـ«فى» الذى يدل على أصل معناها، وهو الظرفية، أى أن العمر كله ظرف للتذكر، فإن كان من تعثر جبره التذكر، أما أن ينسى الإنسان نفسه، ويغرق فى النسيان حتى يفوته قطار كل شىء، فيعصره الندم حيث عجز بعد قدرة، وافتقر بعد غنى، أو لم يعد العدة للقاء عدو ظالم أو لم يعمل حساب جائحة وكارثة وحادثة فهذا من العمى والإسلام يعالج العمى.

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 122 مشاهدة
نشرت فى 12 نوفمبر 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,792,027