<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:"Times New Roman"; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} </style> <![endif]-->
أن هذا الحديث صحيحٌ.
وقد ثبت من حديث أنسٍ، وأبي هريرة، وخباب بن الأرت رضي الله عنهم، وله شواهد عن آخرين من الصحابة في أسانيدها مقالٌ.
أمَّا كيف دعا الإمام البخاريُّ على نفسه، فلا بد من معرفة القصة على وجهها فاعلم أيها المسترشد أنه ثارت في أيام الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فتنةٌ عمياء، وداهيةٌ دهياء، وفكرةٌ صلعاء، ألا وهي فتنةُ خلق القرآن ووقف لها جمعٌ من العلماء الربانيين وعلى رأسهم الإمامُ أحمد، حتى كسر الله عز وجل بهم شوكة الجهمية، فحوروا مرادهم بطريقة أخرى وهو أنهم قالوا: "لفظي بالقرآن مخلوق" و"اللَّفظ" كلمة مجملةٌ فقد يقصد بها الملفوظ وهو القرآن وقد يُقصد بها حركة اللسان فوقف الإمامُ أحمد ومحمد بن يحىى الذهلي مع جماعةٍ من أهل العلم لهذه البدعة الجديدة بالمرصاد، فلما أراد البخاريُّ رحمه الله أن يدخل نيسابور، قال عالمُها وفاضلُها محمد بن يحىى الذهلي أحدُ مشايخ البخاري : إن العبد الصالح محمد بن إسماعيل سيأتينا غدًا، فمن أراد أن يستقبله، فإني مستقبلُهُ فاستقبله الناس على ثلاثة فراسخ، ونثروا الحلوى على رؤوس الناس ابتهاجًا بمقدم هذا العبد الصالح، ونزل في دار البخاريين في نيسابور، ثم بدأ يعقد مجالس الإملاء.
وقال أبو أحمد بنُ عدي. ذكر لي جاعةٌ من المشايخ أنَّ محمد بن إسماعيل لمَّا ورد نيسابور اجتمع الناسُ عليه، حَسَدَهُ بعضُ من كان في ذلك الوقتِ من مشايخِ نيسابور لمّا رأوا إقبال الناسِ إليه، واجتماعهم عليه، فقال لأصحاب الحديث: إن محمد بن إسماعيل يقول: اللفظ بالقرآن مخلوق، فامتحنوه في المجلس. فلما حضر الناسُ مجلسَ البخاري، قام إليه رجلٌ، فقال: يا أبا عبدِ الله، ما تقول في اللفظِ بالقرآن، مخلوقٌ هو أم غيرُ مخلوق؟ فأعرض عنه البخاريُّ ولم يُجِبْه. فقال الرجلُ: يا أبا عبد الله، فأعاد عليه القولَ، فأعرضَ عنه. ثم قال في الثالثة، فالتفَتَ إليه البخاريُّ، وقال: {القرآن كلام الله غير مخلوق وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة} فشغب الرجل وقال: قد قال لفظي بالقرآن مخلوق.
وذكر بعض أهل العلم أن هذا كان حسدًا من الذهلي على البخاري، وأنا أستبعد ذلك، فقد كان الذهلي من أفاضل أهل العلم وخيارهم، ولكن ما يُعابُ عليه أنه لم يتثبت من مقالة البخاري، فإن البخاري ما قال: لفظي بالقرآن مخلوق، إنما قال: أفعالُنا مخلوقة... ثم امتدت المحنة حتى خرج البخاريُّ من نيسابور، فاستقبلته محنةٌ أخرى عندما نزل بخارى. فقد قال بكر بن منير بن خليد بن عسكر: بعث الأمير خالد ابن أحمد الذهلي والي بخارى إلى محمد بن إسماعيل أن احملْ إليَّ كتاب "الجامع" و"التاريخ" وغيرهما لأسمع منك. فقال لرسوله: أنا لا أَذِلُّ العلمَ، ولا أَحْمِلُه إلى أبوابِ الناس. فإن كانت لكَ إلى شيءٍ منه حاجةٌ، فاحضُر في مسجدي، أو في داري. وإن لم يعجبْك هذا فإنك سلطانٌ، فامنعني من المجلس، ليكون لي عذرٌ عند الله يومَ القيامة، لأنّي لا أكتُم علم، لقول النبيِّ صلي الله عليه وسلم: "مَنْ سُئِل عَنْ عِلمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ بِلِجامٍ مِنْ نارٍ" فكان سبب الوحشة بينهما هذا.
فلما وقع هذا للإمام خشي على دينه، قال ابنُ عدي: سمعتُ عبد القدوس بن عبد الجبار السمرقندي يقول: جاء محمد بن إسماعيل إلى خَرْتَنْك وهي قريةٌ على فرسخين من سمرقند، وكان له بها أقرباء، فنزل عندهم، فسمعتُهُ ليلةً يدعو، وقد فرغ من صلاة الليل: اللهم إنه ضاقت عليَّ الأرض بما رحبت، فاقبضني إليك، فما تمَّ الشهر حتى مات. وقد جعل جماعةُ العلماء حديث النهي عن تمني الموت خاصًا بالمصائب التي يبتلى العبدُ بها في الدنيا، أمَّا إذا خشى ذهاب دينه، فيشرع له أن يدعو بالموت، وقد عقد البخاري في "كتاب الفتن" (13-7574) بابًا لذلك. فقال: "باب: لا تقوم الساعة حتى يغبط أهلُ القبور". ثم روى فيه حديث أبي هريرة مرفوعًا: "لا تقوم الساعة حتى يمرَّ الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانك". وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا. وقال ابنُ عبد البر: "ظنَّ بعضهم أن حديث أبي هريرة معارض للنهي عن تمني الموت، وليس كذلك، إنما في حديث أبي هريرة أن هذا القدر سيكون لشدةٍ تنزلُ بالناس من فساد الحال في الدين، أو ضعفه، أو خوف ذهابه، لا لضرر ينزل بالجسم، كما قال الحافظ، وكذلك أجاب القرطبيُّ وغيرُهُ. وقد أثر عن جماعة من السلف أنهم تمنوا الموت خوف الفتنة في الدين، وأنا أذكر ما يحضرني من ذلك. وقد ورد هذا المعنى في حديث ابن عباس مرفوعًا: "... وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون" أخرجه أحمد (1-368)، والترمذيُّ (3233) وصححه الألباني في (صحيح الترغيب 405، 451) وصحيح الجامع (59)، وعبد الرزاق في "تفسيره" (2-169)، وعبد بن حميد في "المنتخب" (682)، وابن خزيمة في "التوحيد" (ص218217) عن أبي قلابة، عن ابن عباسٍ، ولكنه لا يصح لاضطرابه، ولانقطاعٍ في سنده. وإنما نبهتُ على ذلك لأن بعض العلماء كابن كثيرٍ رحمه احتج به على هذا المعنى، وهو رائقٌ لو صحَّ الحديث.
أما الآثار عن السلف رحمهم الله، فمنها:
1 ما أخرجه الحاكم في "المستدرك" (4-518) من طريق بشر بن بكر حدثني الأوزاعي عن يحىى بن أبي كثير، حدثني أبو سلمة قال: عدتُ أبا هريرة، فسندتُهُ إلى صدري ثم قلتُ: اللهم اشف أبا هريرة. فقال: "اللهم لا ترجعها" ثم قال: إن استطعت يا أبا سلمة أن تموت فمُتْ. فقلت: يا أبا هريرة إنا لنحب الحياة. فقال: والذي نفسُ أبي هريرة بيده، ليأتين على العلماء زمانٌ الموت أحبُّ إلى أحدهم من الذهب الأحمر، ليأتين أحدُكم قبر أخيه فيقول: ليتني مكانه. وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" (1-384) من طريق عبيد الله بن عمر، ثنا حماد بن زيد، ثنا أيوب، عن يحىى بن أبي كثيرٍ بهذا باختصارٍ.
قال الحاكم: "صحيحٌ على شرط الشيخين، ولم يخرجاه". والصوابُ أنه على شرط البخاري، وبشر بن بكر لم يخرج له مسلمٌ شيئًا.
2 وما أخرجه أبو العباس الأصم في "الثاني من حديثه" (ق 169-1702-1) قال: أخبرنا العباس بن الوليد بن مزيد، أخبرني أبي، حدثني ابنُ جابرٍ، عن عمير بن هانئ، أنه حدثه قال: كان أبو هريرة يمشي في سوق المدينة وهو يقول: اللهُمَّ لا تدركني سنة الستين، اللَّهُمَّ لا تدركني إمارة الصبيان".
وأخرجه أبو زرعة الدمشقي في "تاريخه" (234) قال: أخبرنا أبو مُسهرٍ، قال: حدثني صدقةُ بنُ خالدٍ، عن ابن جابرٍ، عن عمير بن هانئ، قال: كان أبو هريرة يقول: تشبثوا بصُدغي معاوية! اللَّهُمَّ لا تدركني سنة ستين! ثم أخرجه أبو زرعة (235) من طريق الوليد بن مسلم عن ابن جابرٍ بهذا الإسناد.
ثم زاد: "فتوفي أبو هريرة فيها أو قبلها بسنةٍ".
وأخرج الطبرانيُّ في "الأوسط" (1397) قال: حدثنا أحمد هو: ابن محمد بن صدقة قال: حدثنا محمد بن معمر البَحْراني، قال حدثنا رَوْح بن عُبَادَةَ، قال حدثنا حماد بن سَلَمَةَ، عن علي بن زيد، عن أبي حازم.
عن أبي هريرة أنه قال: "في كيسي هذا حديث، لو حَدَّثْتُكُمُوْهُ لَرَجَمْتُمُوْني، ثم قال: اللهمَّ لا أَبْلُغَنَّ رأسَ السِّتِّيْنَ. قالوا: وما رأسُ الستينَ؟ قال: إِمارةُ الصبيانِ، وبَيْعُ الحُكْم، وكَثْرَةُ الشُّرَطِ، والشهادةُ بالمعرفةِ، ويَتَّخِذُونَ الأمانةَ غَنِيْمَةً، والصّدقةَ مَغْرَمًا، ونَشْوٌ يتَّخذونَ القرآنَ مَزَامِيْرَ، قال حماد: وأظنَّهُ قال: والتهاونُ بالدَّمِ".
قال الطبرانيُّ: "لم يرو هذا الحديث عن علي بن زيد، إلا حمادٌ، تفرَّد به روح بنُ عبادة". وسندُهُ حسنٌ في المتابعات، وعلي بن زيد ضعيفُ ولكن رواية حماد بن سلمة عنه أمثل من رواية غيره عنه كما قال أبو حاتم الرازي، قال الحافظ في "الفتح" (1-216): "يشيرُ يعني: أبا هريرة إلى خلافة يزيد بن معاوية، لأنها كانت سنة ستين من الهجرة".
وكأنه لأجل هذا ومثله كان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: "حفظت من رسول الله صلي الله عليه وسلم وعاءين: فأمَّا أحدُهما فبثثته، وأمَّا الآخر، فلو بثثتهُ قُطع هذا البلعوم". أخرجه البخاريُّ (1-216) من طريق عبد الحميد بن أبي أويس، والبزار في "مسنده" (ج2-ق177-2) من طريق بهلول بن مورق. وابنُ عدي في "الكامل" (1-33) من طريق ابن أبي فديك قالوا: ثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة.
وأخرجه البزار في "مسنده" (ج2-ق229-2) قال: حدثنا الوليد بن عمرو بن سكين، نا كثير بن هاشم، حدثنا جعفر بن بُرقان، عن يزيد الأصم، عن أبي هريرة قال: عندي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم جرابان، قد حدثتكم بأحدهما، ولو حدثتكم بالآخر لفعلتم بي وفعلتم.
وهناك آثار أخرى عن جمع من الصحابة فيها الحسنُ الثابت والضعيف ذكرها نعيم بن حماد في "الفتن" (1-7771)، وأبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن" (181178)، والحاكم (4-486).
رأيت أن لا أطيل الأمر بذكرها. والله نسأل أن يقبضنا على التوحيد الخالص إنَّه جوادٌ كريم.
والحمد لله رب العالمين