<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
الارتداد عن الإسلام يسلخ المرتد عن المجتمع ، ويسلبه حق الحياة! وهذا الحكم شغب عليه بعض الناس ، ورأوه مصادرة لحرية الرأي ، ولحق كل امرئ أن يؤمن إذا شاء وأن يكفر إذا شاء.
ونحن نحترم حق أي إنسان أن يؤمن وأن يكفر ، ولكن هذا الحق يتقرر لصاحبه وهو فرد لم تتضح له الأمور ، إن له أن يدرس ويوازن ويرجح ، وأن يبقى على ذلك طول عمره.
فإذا آثر الوثنية أو اليهودية أو النصرانية لم يعترضه أحد ، وبقي له حقه كاملاً في حياة آمنة هادئة.
وإذا آثر الإسلام فعليه أن يخلص له ، ويتجاوب معه في أمره ونهيه وسائر هديه.
فإن الإسلام بتلك العقوبة يجعل الفرد الذي يقدم على الدخول فيه لا يقدم إلا بعد اطلاع وإقتناع ودراية وفهم لجميع جوانبه ، فإن حصل الاقتناع فأهلاً وسهلاً به مسلماً مؤمناً له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين ، وإن لم تحصل عنده قناعة فله دينه الذي هو عليه ويبقى ذمياً في دولة الإسلام تُطبق عليه قوانين الذميين.
فالارتداد ليس مسألة شخصية وإن بدا ذلك في ظاهر الأمر ، فالارتداد عن الإسلام إذا بحثنا عنه نجد أن المرتدين الأوائل معظمهم قد ارتدوا بسبب ترك دفع الزكاة ، إنه ارتداد عن أداء فريضة جماعية ، فالضرر الذي ينتج منه يعود على الجماعة التي يستمتع المرتد بمزايا وجوده بين ظهرانيها ، ونضيف هنا أن خطر الارتداد في هذا المجتمع كخطر (القتل والزنا) فيه العدوى التي لو كانت من غير عقاب لا نتشرت وعمَّت في المجتمع.
فالارتداد تحلل من الالتزامات ، ولا يمكن أن يتحلل فرد من التزاماته نحو ربه والمجتمع ، لأن ترك الالتزامات نحو الخالق هي في الوقت ذاته التزامات نحو نفس المرتد وجماعته التي يعيش فيها ، فهو بتحلله خطر على بقية المجتمع.
فالأمة الإسلامية تحرص حرصاً شديداً على سلامتها الجسدية والعصبية والفكرية والروحية العقائدية ، فلا تبيح لفرد أن يجاهرها العداء ، ومن جاهرها العداء اعتبرته خارجاً عن القانون يُعاقب بعقوبة تنص عليها قوانين الدول كلٌّ بحسبها وأكثرها نصت على عقوبة الإعدام.
ففي الارتداد إساءة إلى الإسلام ، واستهزاء قد يكون مدروساً أو مخططاً له من فئات غير مسلمة من الداخل أو من الخارج ، فكأن المرتد يقول: (دخلتُ الإسلام وتركتُ ديني السابق ثم اطلعت على الإسلام عملياً وجربته طويلاً فوجدته لا يرقى إلى مرتبة الدين السابق فديني الأول أفضل!!) ، وهو يكون بهذا دعاية خطر هائل ليمنع دخول الشعوب في دين الإسلام الذي جرَّبه - هو بعقله الخرب - ولو اطلع عليه أي فرد بتجرد وموضوعية لاستغنى عن الدنيا به.
فالمرتد يعتبر نفسه أنه هو المهتدي والآخرون ? المؤمنون ? مغفلون ، يقيدون أنفسهم بالتزامات تحد من استمتاعهم بحيوانيتهم المطلقة ، إنه يدعوهم إلى الهدى ، ويبشرهم بالنور الجديد والاستجابة لدعوته ألا وهي الانطلاق من القيود دون إرهاق أو جهد.
فالارتداد عن دين الله بعد الإيمان معناه إفساد نظام لا مجرد تغيير عقيدة فردية ، فالإسلام نظام عملي قائم على عقيدة ، ومجتمع قائم على هذا النظام ، وأوامره مفروضة لصالح الفرد أولاً ، ولصالح المجتمع في الوقع ذاته ، فهي إذن مسألة شخصية وإنما يرجع الضرر والنفع فيها على المجتمع.
وهنا نتساءل هل من حرية الرأي عند اعتناق الإسلام أن نكسر قيوده ونهدم حدوده؟ أو بتعبير آخر هل حرية الرأي تعطي صاحبها في أي مجتمع إنساني حق الخروج على هذا المجتمع ونبذ قواعده ومشاقة أبنائه؟
هل خيانة الوطن أو التجسس لحساب أعدائه من الحرية؟ هل إشاعة الفوضى في جنباته والهزء بشعائره ومقدساته من الحرية؟
إن قضية الارتداد تحتاج إلى إيضاح لتعرف أبعادها ، فالإسلام معروض للأغمار والعباقرة على أنه عقيدة وشريعة ، وكتابه ونهج نبيه صلى الله عليه وسلم يقرران مثلاً أن الله واحد ، وأن الآخرة حق ، وأن القصاص حق ، وأن الصيام حق.
ومعنى ذلك أن الذي يدخل في الإسلام يرتضي كل هذه التعاليم وينفذها.
فإذا جاء من قال: أؤمن بالله وأرفض الآخرة ، أو أؤمن بهما وأرفض شريعة الصيام ، وشريعة القصاص ، وما أشبه ذلك .. فهل يترك هذا الشخص ليعبث بدين الله على هذا النحو؟ كلا.
إما أن يثوب إلى رشده ويرجع إلى الجماعة ، أو لا ، فالخلاص منه حتم ، ولا تتهم جماعة تؤمن بوجودها وتصون حقيقتها وتذود العبث عن كيانها.
لو أن إنساناً ثارت في صدره شبهة لوجب على الراسخين في العلم أن يزيلوها ، ولو بقيت في نفسه هذه الشبهة فاعتزل بها ما أحس أحد خطره ولا خطورتها.
أما أن تنبت في رأس أحد فكرة أن الرجل مثلاً لا يجوز أن يرأس البيت ولا أن يضاعف له الميراث ، أو تنبت في رأسه فكرة أن نظام الربا يجب أن يسود ويمتد ويوجه الاقتصاد كله. ثم يتحول هذا الشخص إلى داعية لفكرته ويحاول تنفيذها بشتى الطرق ... فذاك ما لا يمكن قبوله باسم الإسلام.
وإقناع الإسلام بقبول هذا الوضع سفه ، ومطالبته بتوفير حق الحياة والحركة لمن يريد نقض بنائه وتنكيس لوائه أمر عجيب.
لا يوجد في الدنيا مجتمع ينتحر بهذه الطريقة السقيمة ، ولذلك لا نرى أي غرابة في أن يستتاب المرتد فإذا لم يتب قتل.
والقرآن الكريم لم يذكر حد الارتداد صراحة .. ولكن جاء في السنة (من بدَّل دينه فاقتلوه) و (لا يحل دم المرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: زنا بعد إحصان ، وقتل النفس التي حرم الله بغير حق ، والتارك لدينه المفارق للجماعة).
وكشف القرآن الكريم أن اليهود جعلوا من حرية الارتداد وسيلة للطعن في الإسلام ، أعلنوا عن دخولهم فيه حتى ينفوا عن أنفسهم تهمة التعصب ، ثم قرروا الارتداد السريع كأنهم اكتشفوا فيه ما ينفر من البقاء عليه ، والأمر كله لعب بالدين واستهانة بحقه.
وما يقبل ذلك مبدأ محترم يشق لنفسه طريقاً في الحياة.
على أن النبي صلى الله عليه وسلم قَبِلَ أن يخرج من المدينة ويلحق بمكة من كره الإسلام ، وذلك في معاهدة الحديبية ، وما نعلم أحداً ارتد عن دينه ، ولا نعرف شخصاً طبيعياً فضل الشرك على التوحيد ، أو أهواء الأرض على شريعة السماء؟!
إلا ما ورد عن جبلة بن الأيهم الذي كره أن يقتص منه لما لطم رجلاً من العامة ، وقال: كيف وأنا أمير وهو سوقة؟ فلما قال له أمير المؤمنين: إن الإسلام سوى بينكما ، احتال حتى خرج من سلطان الإسلام ، ولحق بالروم متنصراً ، وهذا الأرعن لم يفعل ذلك لأن التثليث أرجح في نفسه من التوحيد ، ولكنها حمية غبية أفقدته الرشد وأضلته عن سواء السبيل.
ويروون عنه أنه راجع أمره وذكر ما كان منه وقال:
تنصرت الأشراف من عار لطمة وما كان فيها لو صبرت لها ضرر
تكنفني منها لجاج وغيره وبعت لها العين الصحيحة بالعور
فيا ليت أمي لم تلدني وليتني رجعت إلى الأمر الذي قال عمر
ونلفت النظر إلى أن قوى كثيرة تعمل الآن لنهش الكيان الإسلامي ، وتوهين عراه ، وإثارة لغط مفتعل حول شعب الإيمان كله ، أعلاها وأدناها.
وعلى المسلمين أن يدفعوا عن دينهم بالوسائل المشروعة كلها ، يُثبتون القلق ، ويقتلون الخائن ، ويحيون في جو من الوضوح والإخلاص.
إن سرقة العقائد والأخلاق أصبحت حرفة لعصابات من المنصِّرين الذين يكرهون الإسلام وكتابه ونبيه صلى الله عليه وسلم ويبعثرون أسباب الفتنة في كل ناحية حتى يقلبوا المجتمع كله رأساً على عقب.
ومن حق المسؤولين عن هذه الأمة المظلومة أن يحموا عقائدها وشرائعها ويردوا عنها كيد المتربصين ، ومؤامرات الحاقدين.
ويجب أن نتشبث بحدود الإسلام كلها ، مدركين أن الصحة العقلية والاجتماعية في إقامتها ، وكما جاء في الحديث الشريف: (لَحَدٌّ يقام في الأرض بحقه أبرك لها من أن تمطر أربعين صباحاً).
إن الغيث يحيي ما مات من الأرض ، ولكن الحدود تحيي ما مات من الأخلاق ، وتمنع أوبئة الفساد من الإتيان على الأمم ، وتدمير حاضرها ومستقبلها.
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
إن جريمة الزنا لهى من أقذر الجرائم حتى أنكرها كل دين ، بل وأنكرها العقلاء والراشدون من الناس ، كما أنكرها أصحاب المدنية الغربية جهرًا وإن قبلوها سرًا وذلك لما فيها من عدوان على حقوق الأزواج ومن اختلاط للأنساب وحل لروابط الأسرة وقتل لما فى قلوب الآباء من عطف وحنان على الأبناء ، ورعاية وبذلٍ سخى لهم بما يبلغ حد التضحية بالراحة والنفس ، الأمر الذى لا يكون إلا إذا ملأت عاطفة الأبوة قلوب الآباء وذلك لا يكون إلا إذا وقع فى قلوب الآباء وقوعًا محققًا أن هؤلاء الأبناء من أصلابهم.
ثم لعلك لا تعجب لما تقرأ من الأخبار الواردة إلينا من أمريكا وأوروبا عن آباء قتلوا أولادهم بأيديهم وأتوا على الأسرة كلها فى لحظة واحدة دون أن ينبض فيهم شعور بالتردد قبل الجريمة أو الندم بعدها ، وذلك شفاء لما فى نفوسهم من شكوك فى صحة نسب هؤلاء الأبناء إليهم حتى لقد تحولت هذه الشكوك إلى عواطف من الجنون الذى أفقد هؤلاء الآباء كل شعور إنسانى نحو الأبناء المشكوك فى نسبهم ، وهيهات أن يخلو شعور أوروبى من الشك فى نسبة أبنائه إليه مع هذه الإباحية المطلقة للجمع بين النساء والرجال فى أى مكان وأى زمان.
فإن أراد الإسلام أن يحارب هذه الجريمة برصد هذه العقوبة الرادعة ـ الرجم للمحصن ، والجلد لغير المحصن ـ كان ذلك عند أعداء الإسلام تهمة شنيعة يرمونه بها ويحاكمونه عليها ليخرجوه من حدود الإنسانية المتحضرة إلى عالم سكان الأدغال ورعاة الإبل والشياه فى الصحارى.
ويقولون: كيف يحكم الإسلام بإهدار آدمية الإنسان حتى يأمر بجلده على مرائى ومسمع من الناس ؟ ثم كيف تصل الوحشية فى قسوتها إلى أن يُلقى بالإنسان فى حفرة ثم تتناوله الأيدى رجماً بالحجارة إلى أن يموت.
هكذا يقولون (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً ) (1).
ولا ننكر أن فى شريعة الإسلام حكم الجلد والرجم يقول الله تعالى: (الزانية والزانى فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة فى دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) (2).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزانى ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ] (3).
والنظام الإسلامى كل متكامل لا تفهم جزئياته إلا فى نسق واحد.
فإن الإسلام قد حرّم النظر إلى " الأجنبيات " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة فمن تركها من خوف الله أثابه إيماناً يجد حلاوته فى قلبه ] (4). وكذلك أمر النساء ألا يظهرن الزينة إلا للأزواج أو الأقارب من الصلب الذين لا يُخشى منهم فتنة.قال الله تعالى: (يا أيها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) (5) ، وقال:
(وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ) (6). وأمر أيضاً ألا يختلى رجل بامرأة لا تحل له قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ما اجتمع رجل وامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما ].
وحرم أيضاً أن يمس الرجل امرأة لا تحل له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ لئن تضرب بمخيط فى رأسك فتدمى به رأس خير لك من أن تمس امرأة لا تحل لك ]. وقبل هذا كله فقد استطاع الإسلام أن يربى الضمير فى الرجل والمرأة على حد سواء على ضوء ما جاء فى قصة ماعزو الغامدية.
والإسلام كذلك حض الشباب على إخراج هذه الشهوة فى منفذها الشرعى بالزواج. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحفظ للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ] (7) أى قاطع للشهوة.
وكذلك رخص للرجل أن يتزوج بامرأة واحدة أو اثنين أو ثلاثة أو أربع مادام يملك النفقة ويستطيع العدل.
وأمر أولياء الأمور أن لا يغالوا فى مهور بناتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير ] (8). وأمر الأغنياء أن يساعدوا الشباب فى نفقات الزواج. وقد قام الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز بتزويج الشباب والفتيات من بيت مال المسلمين.
هذا كله هو بعض ملامح الإسلام فى تيسير أمر إخراج هذه الشهوة بطريق مشروع ، والحقيقة أن مثل هذه الشنيعة لا تحصل فى المجتمع المسلم ـ الذى تسوده الفضيلة ـ إلا بعد تدبير عظيم من كلا الطرفين يدل على إجرام كلا الطرفين ولكن مع كل هذا فإن شريعة الإسلام قد وضعت شروط من الصعب جدًا توافرها قبل إيقاع العقوبة.
فإن لم تتوفر مجتمعة لا يقام الحد على صاحب هذه الفعلة جلداً كان أو رجماً وهذه هى الشروط:
1 ـ لابد حتى تثبت الجريمة من شهادة أربعة شهود عدول يشهدون بأنهم رأوا من الرجل والمرأة ما يكون بين الرجل وزوجته من اتصال مباشر ، الأمر الذى لا يكاد يراه أحدٌ من البشر.
وكأن الشريعة لا ترصد هذه العقوبة على هذه الفعلة بوصفها ولكنها ترصدها على شيوع هذه الفعلة على الملأ من الناس بحيث لا يبغى بين الناس من يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً.
2 ـ إن الشريعة الإسلامية تقرر درء الحدود بالشبهات بمعنى أن أى شك فى شهادة الشهود يفسر لصالح المتهم فيسقط بذلك الحد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ادرءوا الحدود بالشبهات ] (9).
3 ـ فرضت الشريعة عقوبة الجلد ثمانين جلدة على من قذف محصنة ثم لم يأت بأربعة يشهدون بأنهم رأوا منها ومن المقذوف بها ما يكون بين الزوج وزوجته قال الله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون ) (10).
4 ـ رغبت الشريعة الإسلامية فى التستر على عورات المسلمين وإمساك الألسنة عن الجهر بالفواحش وإن كانت وقعت ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ لرجل جاء يشهد: هلا سترتهما بثوبك ] يقول الله تعالى: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا لهم عذاب أليم فى الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) (11).
أبعد هذا كله يتخرص متخرص ويقول: إن الإسلام يظلم الإنسان ويهدر أدميته حين يأخذ أولئك الذين يأتون الفاحشة على أعين بما يأخذهم به من جلد بالسياط. وفضح بين الملأ من الناس.
أفلا يسأل هؤلاء المتخرصون أنفسهم ماذا يبقى للإنسان من آدميته وكرامته إذا تركت هذه الفاحشة يعالى بها بعض الآدميين من غير استحياء ثم لا يضرب على أيديهم أحد. إن إنساناً توفرت له كل هذه الميسرات وتجرأ على الترتيب لهذه الفعلة الشنيعة. ثم افتضح حاله حين يراه هذا العدد فى هذا الوضع. إن إنساناً فى مثل هذا الحال لهو إنسان مفسد ضال مضل ولو لم يتم بتره أو تربيته فإن هذا يشكل خطراً على المجتمع كله.
والمتحدثون عن حقوق الإنسان يقولون لا بأس من أن يحبس قترة من الزمن ثم يخرج لكى يمارس عمله ولا يعلمون أن مثل هذا الحبس سوف يمكنه من أن يخالط من هو أجرم منه ليتعلم منه ويعلمه ويخرجان إلى المجتمع بعد أن أصبحا إمامين فى الضلال ليضلا الناس عن طريق رب الناس وهذا هو المشاهد.
فضلاً عن الذى يترتب على الحد من تكفير لهذا الذنب.
وإن المتتبع لا يجد هذه العقوبة قد نفذت " حال تنفيذ العقوبات " إلا فى أعداد محدودة ولا ضرر فى هذا مادام قد وفر الأمن والاستقرار للمجتمع.
---------------------
(1) الكهف: 5.
(2) النور: 2.
(3) رواه مسلم.
(4) رواه الحاكم فى المستدرك.
(5) الأحزاب: 59.
(6) النور: 31.
(7) رواه البخارى.
(8) رواه ابن ماجه.
(9) رواه الترمذى.
(10) النور: 4.
(11) النور: 19.
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
لماذا حرّم الإسلام الحرير والذهب على الرجال ؟
الرد على الشبهة:
1 ـ يعتمد القول بتحريم لبس الحرير والتختم بالذهب للرجال فى الإسلام على العديد من المرويات عن النبى صلى الله عليه وسلم ـ كما ذهب إلى ذلك جمهور العلماء ـ وتتلخص وجهة نظرهم فى أن من طبيعة الرجل الصلابة والقوة. والإسلام يريد أن يتربى الرجال بعيدًا عن مظاهر الضعف ، وبعيدًا أيضًا عن مظاهر الترف الذى يحاربه الإسلام ويعده مظهرًا من مظاهر الظلم الاجتماعى ، وذلك حتى يكون الرجل قادرًا على الكفاح والانتصار فى معارك الحياة وميادين القتال أيضًا إذا اقتضى الأمر. ولما كان التزين بالذهب وارتداء الحرير يُعدان من مظاهر الترف فقد حرمهما الإسلام على الرجال. ولكنه أباحهما للمرأة مراعاة لمقتضى أنوثتها وما فطرت عليه من حب للزينة (1).
2 ـ وعلى الرغم من هذا التحريم فإنه إذا كانت هناك ضرورة صحية تقضى بلبس الرجل للحرير فإن الإسلام يبيح له ذلك ولا يمنعه. فقد أذن النبى صلى الله عليه وسلم لكل من عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام فى لبس الحرير لأنهما كانا يشكوان من حكة فى جسمهما (2).
3 ـ وقد ذهب الإمام الشوكانى (توفى حوالى عام 1840م) فى كتابه الشهير " نيل الأوطار " إلى القول بأن أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم فى النهى عن لبس الحرير تدل على الكراهية فقط وليس على التحريم. والكراهية هنا درجة أخف من التحريم. ويقوى الشوكانى رأيه هذا بأن هناك ما لا يقل عن عشرين صحابيًّا منهم أنس والبراء بن عازب قد لبسوا الحرير. ومن غير المعقول أن يقدم هؤلاء الصحابة على ما هو محرّم ، كما يبعد أيضًا أن يسكت عنهم سائر الصحابة وهم يعلمون تحريمه (3).
4 ـ أما التختم بالذهب أى اتخاذه كخاتم ونحوه للرجال فقد ذهب جمهور العلماء إلى تحريمه أيضًا اعتمادًا على بعض الأحاديث النبوية. ولكن هناك جماعة من العلماء ذهبوا إلى القول بكراهة التختم بالذهب للرجال كراهة تنزيه فقط. وكراهة التنزيه بعيدة عن التحريم وقريبة من الإباحة أو الجواز ، واعتمدوا فى ذلك أيضًا على أن هناك عددًا من الصحابة قد تختموا بالذهب منهم سعد بن أبى وقاص ، وطلحة بن عبيد الله ، وصهيب ، وحذيفة ، وجابر بن سمرة ، والبراء بن عازب. الذين فهموا أن النهى للتنزيه وليس للتحريم (4).
-------------
(1) راجع: الحلال والحرام فى الإسلام للدكتور القرضاوى ص 80 وما بعدها ـ الدوحة ـ قطر 1978م.
(2) راجع: نيل الأوطار للشوكانى ج2 ص81 ـ دار الجيل ، بيروت 1973م.
(3) نيل الأوطار ج2 ص73 وما بعدها. راجع أيضًا: فقه السنة للشيخ سيد سابق ج3 ص 481 وما بعدها. بيروت 1971م.
(4) راجع: فقه السنة للشيخ سيد سابق ـ المجلد الثالث ص 482 وما بعدها ، 488 وما بعدها.
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
الرد على الشبهة:
1 ـ الصوم من العبادات التى لم ينفرد بها الإسلام. فقد أخبر القرآن الكريم أن الصوم كان مفروضًا أيضًا على الأمم السابقة: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ) (1). ولا تزال هناك ديانات أخرى حتى يومنا هذا تَعرِف شعيرة الصوم. ولكن هناك فرقًا واضحًا بين الصوم فى الإسلام والصوم فى غيره من الديانات. ويتمثل هذا الفرق فى أن الصوم فى الإسلام يأتى فى شهر معين من العام طبقًا للتقويم الهجرى ، ويبدأ صيام كل يوم بالامتناع التام عن الطعام والشراب وعن كل الشهوات من طلوع الفجر حتى غروب الشمس. وهذا يعنى أن المسلم يقضى نهار يومه كله ـ وهو وقت العمل المعتاد ـ وهو صائم على النحو المشار إليه. ولعل هذا هو السبب الذى من أجله يتوهم البعض أن الصوم الإسلامى بهذه الطريقة يقلل حركة الإنتاج لدى الفرد والمجتمع.
2 ـ والصوم فى حقيقة الأمر برئ من هذه التهمة. فالصوم يفترض فيه أنه يعمل على تصفية النفوس والتسامى بالأرواح. وهذا من شأنه أن يمد الفرد بطاقة روحية تجعله أقدر على الإنتاج والعمل أكثر مما لو لم يكن صائمًا. وهذه الطاقة الروحية قوة لا يستهان بها. وقد حارب المسلمون فى غزوة بدر أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وهم صائمون وانتصروا ، وحارب الجنود المصريون عام 1973م وهم صائمون حيث كان ذلك فى شهر رمضان وانتصروا. ولم يقلل الصوم من نشاطهم ، بل كان العكس هو الصحيح تمامًا.
3 ـ ما نراه فى بعض البلاد الإسلامية من قلة الإنتاج فى شهر الصوم يرجع إلى أسباب أخرى غير الصوم. فمن عادة الكثيرين أن يظلوا متيقظين فى شهر الصوم معظم الليل. ولا يأخذون قسطًا كافيًا من النوم ، فنجدهم ـ نظرًا لذلك ـ متعبين أثناء النهار. ومن هنا يقل إنتاجهم ، ويقبلون على أعمالهم ببطء وفى تثاقل. ويعتذرون عن ذلك بأنهم صائمون. وقد يكون اعتذارهم هذا فى أول النهار. فلو كان للصوم أى تأثير على النشاط ـ كما يزعمون ـ فإن ذلك لا يكون فى أول النهار ، بل يكون فى فترة متأخرة منه.
4 ـ لقد ثبت أن للصوم فوائد كثيرة صحية وروحية واجتماعية وتربوية. فالمفروض أنه فرصة سنوية للمراجعة والتأمل والتقييم والنقد الذاتى على المستويين الفردى والاجتماعى بهدف القضاء على السلبيات والتخلص من الكثير من الأمراض الاجتماعية ، وهذا من شأنه أن يدفع حركة المجتمع بخطى أسرع ، وبإخلاص أكثر ، وبوعى أفضل.
<!--<!--<!--
هل الإسلام مسئول عن تخلف المسلمين ؟
الرد على الشبهة:
1 ـ حقائق التاريخ تبين بما لا يدع مجالاً للشك أن الإسلام قد استطاع بعد فترة زمنية قصيرة من ظهوه أن يقيم حضارة رائعة كانت من أطول الحضارات عمرًا فى التاريخ. ولا تزال الشواهد على ذلك ماثلة للعيان فيما خلفه المسلمون من علم غزيز فى شتى مجالات العلوم والفنون ، وتضم مكتبات العالم آلافًا مؤلفة من المخطوطات العربية الإسلامية تبرهن على مدى ما وصل إليه المسلمون من حضارة عريقة. يضاف إلى ذلك الآثار الإسلامية المنتشرة فى كل العالم الإسلامى والتى تشهد على عظمة ما وصلت إليه الفنون الإسلامية.
وحضارة المسلمين فى الأندلس وما تبقى من معالمها حتى يومنا هذا شاهد على ذلك فى أوروبا نفسها. وقد قامت أوروبا بحركة ترجمة نشطة فى القرنين الثانى عشر والثالث عشر لعلوم المسلمين. وكان ذلك هو الأساس الذى بنت عليه أوروبا حضارتها الحديثة.
2 ـ يشتمل القرآن الكريم على تقدير كبير للعلم والعلماء وحث على النظر فى الكون ودراسته وعمارة الأرض. والآيات الخمس الأولى التى نزلت من الوحى الإلهى تنبه إلى أهمية العلم والقراءة والتأمل (1). وهذا أمر كانت له دلالة هامة انتبه إليها المسلمون منذ البداية. وهكذا فإن انفتاح الإسلام على التطور الحضارى بمفهومه الشامل للناحيتين المادية والمعنوية لا يحتاج إلى دليل.
3 ـ أما تخلف المسلمين اليوم فإن الإسلام لا يتحمل وزره ، لأن الإسلام ضد كل أشكال التخلف. وعندما تخلف المسلمون عن إدراك المعانى الحقيقية للإسلام تخلفوا فى ميدان الحياة. ويعبر مالك بن نبى ـ المفكر الجزائرى الراحل ـ عن ذلك تعبيرًا صادقًا حين يقول: " إن التخلف الذى يعانى منه المسلمون اليوم ليس سببه الإسلام ، وإنما هو عقوبة مستحقة من الإسلام على المسلمين لتخليهم عنه لا لتمسكهم به كما يظن بعض الجاهلين ". فليست هناك صلة بين الإسلام وتخلف المسلمين.
4 ـ لا يزال الإسلام وسيظل منفتحًا على كل تطور حضارى يشتمل على خير الإنسان. وعندما يفتش المسلمون عن الأسباب الحقيقية لتخلفهم فلن يجدوا الإسلام من بين هذه الأسباب ، فهناك أسباب خارجية ترجع فى جانب كبير منها إلى مخلفات عهود الاستعمار التى أعاقت البلاد الإسلامية عن الحركة الإيجابية ، وهذا بدوره ـ بالإضافة إلى بعض الأسباب الداخلية ـ أدى أيضًا إلى نسيان المسلمين للعناصر الإيجابية الدافعة لحركة الحياة فى الإسلام.
5 ـ لا يجوز الخلط بين الإسلام والواقع المتدنى للعالم الإسلامى المعاصر. فالتخلف الذى يعانى منه المسلمون يُعد مرحلة فى تاريخهم ، ولا يعنى ذلك بأى حال من الأحوال أنهم سيظلون كذلك إلى نهاية التاريخ. ولا يجوز اتهام الإسلام بأنه وراء هذا التخلف ، كما لا يجوز اتهام المسيحية بأنها وراء تخلف دول أمريكا اللاتينية.
إن الأمانة العلمية تقتضى أن يكون الحكم على موقف الإسلام من الحضارة مبنيًّا على دراسة موضوعية منصفة لأصول الإسلام وليس على أساس إشاعات واتهامات وأحكام مسبقة لا صلة لها بالحقيقة.
<!--<!--<!--<!--
الإسلام انتشر بالسيف ، ويحبذ العنف
الرد على الشبهة:
وهى من أكثر الشبه انتشارًا ، ونرد عليها بالتفصيل حتى نوضح الأمر حولها:
يقول الله تعالى مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (1).
إن هذا البيان القرآنى بإطاره الواسع الكبير ، الذى يشمل المكان كله فلا يختص بمكان دون مكان ، والزمان بأطواره المختلفة وأجياله المتعاقبة فلا يختص بزمان دون زمان ، والحالات كلها سلمها وحربها فلا يختص بحالة دون حالة ، والناس أجمعين مؤمنهم وكافرهم عربهم وعجمهم فلا يختص بفئة دون فئة ؛ ليجعل الإنسان مشدوها متأملاً فى عظمة التوصيف القرآنى لحقيقة نبوة سيد الأولين والآخرين ، (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) رحمة عامة شاملة ، تجلت مظاهرها فى كل موقف لرسول الله صلى الله عليه وسلم تجاه الكون والناس من حوله.
والجهاد فى الإسلام حرب مشروعة عند كل العقلاء من بنى البشر ، وهى من أنقى أنواع الحروب من جميع الجهات:
1- من ناحية الهدف.
2- من ناحية الأسلوب.
3- من ناحية الشروط والضوابط.
4- من ناحية الإنهاء والإيقاف.
5- من ناحية الآثار أو ما يترتب على هذه الحرب من نتائج.
وهذا الأمر واضح تمام الوضوح فى جانبى التنظير والتطبيق فى دين الإسلام وعند المسلمين.
وبالرغم من الوضوح الشديد لهذه الحقيقة ، إلا أن التعصب والتجاهل بحقيقة الدين الإسلامى الحنيف ، والإصرار على جعله طرفاً فى الصراع وموضوعاً للمحاربة ، أحدث لبساً شديداً فى هذا المفهوم ـ مفهوم الجهاد ـ عند المسلمين ، حتى شاع أن الإسلام قد انتشر بالسيف ، وأنه يدعو إلى الحرب وإلى العنف ، ويكفى فى الرد على هذه الحالة من الافتراء ، ما أمر الله به من العدل والإنصاف ، وعدم خلط الأوراق ، والبحث عن الحقيقة كما هى ، وعدم الافتراء على الآخرين ، حيث قال سبحانه فى كتابه العزيز: (لِمَ تَلبِسُونَ الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون ) (2).
ولقد فطن لبطلان هذا الادعاء كاتب غربى كبير هو توماس كارليل ، حيث قال فى كتابه " الأبطال وعبادة البطولة " ما ترجمته: " إن اتهامه ـ أى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ـ بالتعويل على السيف فى حمل الناس على الاستجابة لدعوته سخف غير مفهوم ؛ إذ ليس مما يجوز فى الفهم أن يشهر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس ، أو يستجيبوا له ، فإذا آمن به من يقدرون على حرب خصومهم ، فقد آمنوا به طائعين مصدقين ، وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها " (3).
ويقول المؤرخ الفرنسى غوستاف لوبون فى كتابه " حضارة العرب " وهو يتحدث عن سر انتشار الإسلام فى عهده صلى الله عليه وسلم وفى عصور الفتوحات من بعده ـ: " قد أثبت التاريخ أن الأديان لا تفرض بالقوة ، ولم ينتشر الإسلام إذن بالسيف بل انتشر بالدعوة وحدها ، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التى قهرت العرب مؤخراً كالترك والمغول ، وبلغ القرآن من الانتشار فى الهند ـ التى لم يكن العرب فيها غير عابرى سبيل ـ ما زاد عدد المسلمين إلى خمسين مليون نفس فيها.. ولم يكن الإسلام أقل انتشاراً فى الصين التى لم يفتح العرب أى جزء منها قط ، وسترى فى فصل آخر سرعة الدعوة فيها ، ويزيد عدد مسلميها على عشرين مليونا فى الوقت الحاضر " (4).
هذا وقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثة عشر عاماً ، يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وقد كان نتاج هذه المرحلة أن دخل فى الإسلام خيار المسلمين من الأشراف وغيرهم ، وكان الداخلون أغلبهم من الفقراء ، ولم يكن لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثروة عظيمة يغرى بها هؤلاء الداخلين ، ولم يكن إلا الدعوة ، والدعوة وحدها ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تحمَّل المسلمون ـ لاسيما الفقراء والعبيد ومن لا عصبية له منهم ـ من صنوف العذاب وألوان البلاء ما تعجز الجبال الرواسى عن تحمله ، فما صرفهم ذلك عن دينهم وما تزعزعت عقيدتهم ، بل زادهم ذلك صلابة فى الحق ، وصمدوا صمود الأبطال مع قلتهم وفقرهم ، وما سمعنا أن أحداً منهم ارتدّ سخطاً عن دينه ، أو أغرته مغريات المشركين فى النكوص عنه ، وإنما كانوا كالذهب الإبريز لا تزيده النار إلا صفاء ونقاء ، وسنتكلم هنا على الجانبين التنظيرى والتطبيقى ، ونقصد بالتنظيرى ما ورد فى مصادر الإسلام (الكتاب والسنة) ، ونعنى بالتطبيقى ما حدث عبر القرون ابتداء من الحروب التى شارك فيها النبى صلى الله عليه وسلم ، وانتهاء بعصرنا الحاضر ، ثم نختم ببيان هذه النقاط الخمسة التى ذكرناها سابقاً.
أولاً: الجانب التنظيرى
ورد فى القرآن الكريم وفى السنة النبوية آيات وأحاديث تبين شأن الجهاد فى الإسلام ، ويرى المطالع لهذه الآيات والأحاديث ، أن المجاهد فى سبيل الله ، هو ذلك الفارس النبيل الأخلاقى المدرب على أخلاق الفروسية العالية الراقية ؛ حتى يستطيع أن يمتثل إلى الأوامر والنواهى الربانية التى تأمره بضبط النفس قبل المعركة وأثناء المعركة وبعد المعركة ، فقبل المعركة يجب عليه أن يحرر نفسه من كل الأطماع ، وألا يخرج مقاتلا من أجل أى مصلحة شخصية ، سواء كانت تلك المصلحة من أجل نفسه أو من أجل الطائفة التى ينتمى إليها ، أو من أجل أى عرض دنيوى آخر ، وينبغى أن يتقيد بالشروط التى أحل الله فيها الجهاد ، وأن يجعل ذلك لوجه الله تعالى ، ومعنى هذا أنه سوف يلتزم بأوامر الله ، ويستعد لإنهاء الحرب فوراً ، إذا ما فقدت الحرب شرطاً من شروط حلها أو سبباً من أسباب استمرارها ، وسواء أكان ذلك الفارس منتصراً ، أو أصابه الأذى من عدوه ، فإن الله يأمره بضبط النفس ، وعدم تركها للانتقام ، والتأكيد على الالتزام بالمعانى العليا ، وكذلك الحال بعد القتال ، فإنه يجب عليه أن يجاهد نفسه الجهاد الأكبر ؛ حتى لا يتحول الفارس المجاهد إلى شخصٍ مؤذٍ لمجتمعه أو لجماعته أو للآخرين ، وبالرغم من أن لفظة الجهاد إذا أطلقت انصرف الذهن إلى معنى القتال فى سبيل الله. إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أسماه بالجهاد الأصغر ، وسمى الجهاد المستمر بعد القتال بالجهاد الأكبر ؛ لأن القتال يستمر ساعات أو أيام ، وما بعد القتال يستغرق عمر الإنسان كله.
وفيما يلى نورد الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى تحدثت عن هذه القضية ، ثم بعد ذلك نستخرج منها الأهداف والشروط والضوابط والأساليب ، ونعرف منها متى تنتهى الحرب ، والآثار المترتبة على ذلك:
أولاً: القرآن الكريم:
1- (وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين * واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين) (5).
2- (فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم * وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين) (6).
3- (كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) (7).
4- (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ) (8).
5- (وكأين من نبى قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم فى سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين ) (9).
6- (ولا تحسبن الذين قُتِلُوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يُرْزَقُون ) (10).
7- (فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا فى سبيلى وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ) (11).
8- (فليقاتل فى سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل فى سبيل الله فيُقتل أو يَغِلب فسوف نؤتيه أجرا عظيماً ) (12).
9- (وما لكم لا تقاتلون فى سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيراً ) (13).
10- (فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً ) (14).
11- (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين * ليحق الحق ويبطل الباطل ولوكره المجرمون ) (15).
12- (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) (16).
13- (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير) (17).
14 (ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط) (18).
15- (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم ) (19).
16- (يا أيها النبى قل لمن فى أيديكم من الأسرى إن يعلم الله فى قلوبكم خيرا يؤتكم خيراً مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم ) (20).
17- (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم * وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون ) (21).
18- (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيل الله فَيَقتُلُون وَيُقتَلُون ) (22).
19- (أُذِنَ للذين يُقَاتَلُون بأنهم ظُلِمُوا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أُخْرِجُوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا رَبُّنَا الله) (23).
ثانياً: الأحاديث النبوية الشريفة:
1- عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " تكفل الله لمن جاهد فى سبيله لا يخرجه من بيته إلا جهاد فى سبيله وتصديق كلمته بأن يدخله الجنة أو يرجعه إلى مسكنه الذى خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة " (24).
2- عن وهب بن منبه ، قال: سألت جابراً عن شأن ثقيف إذ بايعت ، قال: اشترطت على النبى صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد ، وأنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يقول: " سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا " (25).
3- عن سعد بن زيد بن سعد الأشهلى أنه أهدى إلى رسول صلى الله عليه وسلم سيفاً من نجران فلما قدم عليه أعطاه محمد بن مسلمة ، وقال: " جاهد بهذا فى سبيل الله فإذا اختلفت أعناق الناس فاضرب به الحجر ، ثم ادخل بيتك وكن حلساً ملقى حتى تقتلك يد خاطئة أو تأتيك منية قاضية. قال الحاكم: فبهذه الأسباب وما جانسها كان اعتزال من اعتزل عن القتال مع على ـ رضى الله عنه ـ وقتال من قاتله " (26).
4- عن سعيد بن جبير قال: " خرج علينا أو إلينا ابن عمر فقال رجل كيف ترى فى قتال الفتنة فقال وهل تدرى ما الفتنة كان محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين وكان الدخول عليهم فتنة وليس كقتالكم على الملك " (27).
5- عن عبد الله بن عمرو ـ رضى الله عنهما ـ قال: جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: إنى أريد الجهاد فقال: " أحى والداك ؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد " (28).
ويتضح من هذه الآيات والأحاديث أن هدف الحرب فى الإسلام يتمثل فى الآتى:
1- رد العدوان والدفاع عن النفس.
2- تأمين الدعوة إلى الله وإتاحة الفرصة للضعفاء الذين يريدون اعتناقها.
3- المطالبة بالحقوق السليبة.
4- نصرة الحق والعدل.
ويتضح لنا أيضا أن من شروط وضوابط الحرب:
(1) النبل والوضوح فى الوسيلة والهدف.
(2) لا قتال إلا مع المقاتلين ولا عدوان على المدنيين.
(3) إذا جنحوا للسلم وانتهوا عن القتال فلا عدوان إلا على الظالمين.
(4) المحافظة على الأسرى ومعاملتهم المعاملة الحسنة التى تليق بالإنسان.
(5) المحافظة على البيئة ويدخل فى ذلك النهى عن قتل الحيوان لغير مصلحة وتحريق الأشجار ، وإفساد الزروع والثمار ، والمياه ، وتلويث الآبار ، وهدم البيوت.
(6) المحافظة على الحرية الدينية لأصحاب الصوامع والرهبان وعدم التعرض لهم.
الآثار المترتبة على الجهاد
يتضح لنا مما سبق أن الجهاد فى الإسلام قد اتسم بنبل الغاية والوسيلة معا ، فلا غرو أن تكون الآثار والثمار المتولدة عن هذا الجهاد متناسقة تماما فى هذا السياق من النبل والوضوح ؛ لأن النتائج فرع عن المقدمات ، ونلخص هذه الآثار فى النقاط التالية:
(1) تربية النفس على الشهامة والنجدة والفروسية.
(2) إزالة الطواغيت الجاثمة فوق صدور الناس ، وهو الشر الذى يؤدى إلى الإفساد فى الأرض بعد إصلاحها.
(3) إقرار العدل والحرية لجميع الناس مهما كانت عقائدهم.
(4) تقديم القضايا العامة على المصلحة الشخصية.
(5) تحقيق قوة ردع مناسبة لتأمين الناس فى أوطانهم.
يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة الحج:
(الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز ) (29).
قال الإمام القرطبى عند تفسيره لهذه الآية:
(ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض) أى لولا ما شرعه الله تعالى للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء ، لاستولى أهل الشرك وعطلوا ما بينته أرباب الديانات من مواضع العبادات ، ولكنه دفع بأن أوجب القتال ليتفرغ أهل الدين للعبادة. فالجهاد أمر متقدم فى الأمم ، وبه صلحت الشرائع واجتمعت المتعبدات ؛ فكأنه قال: أذن فى القتال ، فليقاتل المؤمنون. ثم قوى هذا الأمر فى القتال بقوله: (ولولا دفع الله الناس) الآية ؛ أى لولا القتال والجهاد لتغلب على الحق فى كل أمة. فمن استشبع من النصارى والصابئين الجهاد فهو مناقض لمذهبه ؛ إذ لولا القتال لما بقى الدين الذى يذب عنه. وأيضاً هذه المواضع التى اتخذت قبل تحريفهم وتبديلهم وقبل نسخ تلك الملل بالإسلام إنما ذكرت لهذا المعنى ؛ أى لولا هذا الدفع لهُدمت فى زمن موسى الكنائس ، وفى زمن عيسى الصوامع والبيع ، وفى زمن محمد صلى الله عليه وسلم المساجد. " لهدمت " من هدمت البناء أى نقضته فانهدم. قال ابن عطية: هذا أصوب ما قيل فى تأويل الآية " (30).
ثانياً: الناحية التطبيقية
(1) حروب النبى صلى الله عليه وسلم:
(أ) الحرب ظاهرة اجتماعية:
الحرب ظاهرة إنسانية قديمة قدم الإنسان على ظهر هذه البسيطة ، فمنذ وُجد الإنسان وهو يصارع ويحارب ، وكعلاقة من العلاقات الاجتماعية الحتمية نشأت الحرب ، فالاحتكاك بين البشر لابد وأن يُوَلِّد صداماً من نوع ما ، لقد جبل الإنسان على غريزة التملك التى تدعوه إلى التشبث بما يملكه ، حيث إن هذه الغريزة هى التى تحفظ عليه البقاء فى الحياة ، وهى بالتالى التى تتولد عنها غريزة المقاتلة ، فى أبسط صورها دفاعاً عن حقه فى الاستمرار والحياة ، وقد تتعقد نفسية الإنسان وتصبح حاجاته ومتطلباته مركبة ، فلا يقاتل طالباً للقوت أو دفاعاً عنه فقط ، وإنما يقاتل طلباً للحرية ورفعاً للظلم واستردادا للكرامة. ويُفَصِّل العلامة ابن خلدون هذه الحقيقة فى مقدمته فيقول: " اعلم أن الحروب وأنواع المقاتلة لم تزل واقعة فى الخليقة منذ برأها الله ، وأصلها إرادة انتقام بعض البشر من بعض ويتعصب لكل منها أهل عصبيته ، فإذا تذامروا لذلك وتوافقت الطائفتان ؛ إحداهما تطلب الانتقام والأخرى تدافع ، كانت الحرب وهو أمر طبيعى فى البشر ، إما غيرة ومنافسة وإما عدوان وإما غضب لله ولدينه ، وإما غضب للملك وسعى فى تمهيده " (31).
(ب) الحرب فى الكتب المقدسة قبل الإسلام:
إذا ما تجاوزنا الأمم والحضارات البشرية ، وتأملنا فى الكتب السماوية المقدسة (التوراة ـ الإنجيل) ، نرى أن هذه الكتب المقدسة قد تجاوزت الأسباب المادية الغريزية التى يقاتل الإنسان من أجلها إلى أسباب أكثر رُقِيًّا وحضارة ، فبعد أن كان الإنسان يقاتل رغبة فى امتلاك الطعام أو الأرض ، أو رغبة فى الثأر الشخصى من الآخرين ، أو حتى ردا للعدوان ، نرى أن الكتب المقدسة قد أضافت أسباباً أخرى ، أسباباً إلهية تسمو بالبشرية عن الدنايا وظلم الآخرين ، إلى بذل النفس إقامة للعدل ، ونصرة للمظلوم ، ومحاربة للكفر والخروج عن منهج الله ، لقد حددت الكتب السماوية المناهج والأطر التى يُسْمَح فيها بإقامة القتال وعبرت بالإنسان مرحلة بناء المجد الشخصى المؤسس على الأنا ، إلى مرحلة التضحية من أجل المبادئ والمثل الإلهية العليا ، التى تعمل فى إطار الجماعة البشرية لا فى محيط الفرد الواحد.
الحرب فى العهد القديم:
وردت أسباب الحرب فى ست وثلاثين آية تقع فى ثمانية أسفار من أسفار العهد القديم هى: (التكوين ـ العدد ـ التثنية ـ يوشع ـ القضاة ـ صموئيل الأول ـ الملوك الثانى ـ حزقيال).
(1) ففى سفر العدد ـ الإصحاح الثالث عشر ، ورد ما يفيد أن موسى ـ عليه السلام ـ بعد خروجه بقومه من مصر بعث رسلا يتحسسون أمر أرض كنعان ـ فلسطين ـ ليستقروا فيها:
" فساروا حتى أتوا موسى وهارون وكل جماعة بنى إسرائيل إلى برية فاران إلى قادش ، وردوا إليهما خبرًا وإلى كل الجماعة ، وأروهم ثمر الأرض وأخبروه ، وقالوا: قد ذهبنا إلى الأرض التى أرسلتنا إليها وحقا إنها تفيض لبناً وعسلاً وهذا ثمرها غير أن الشعب الساكن فى الأرض معتز والمدن حصينة عظيمة جداً وأيضا قد رأينا بنى عناق هناك " (32).
(2) وجاء فى سفر صموئيل الأول ـ الإصحاح الخامس والعشرون:
" فأجاب نابال عبيد داود وقال: من هو داود ومن هو ابن يسى قد كثر اليوم العبيد الذين يقحصون كل واحد من أمام سيده ، أآخذ خبزى ومائى وذبيحى الذى ذبحت لجارى وأعطيه لقوم لا أعلم من أين هم ؟ فتحول غلمان داود إلى طريقهم ورجعوا وجاءوا وأخبروه حسب كل هذا الكلام ، فقال داود لرجاله: ليتقلد كل واحد منكم سيفه وتقلد داود سيفه وصعد وراء داود نحو أربعمائة رجل ومكث مائتان مع الأمتعة " (33).
(3) وفى سفر الملوك الثانى ـ الإصحاح الثالث:
" وكان ميشع ملك موآب الثانى صاحب مواش ، فأدى لملك إسرائيل مائة ألف خروف ومائة ألف كبش بصوفها ، وعند موت آخاب عصى ملك موآب على ملك إسرائيل وخرج الملك يهورام فى ذلك اليوم من السامرة وعد كل إسرائيل وذهب وأرسل إلى يهو شافاط ملك يهوذا يقول: قد عصى على ملك موآب ، فهل تذهب معى إلى موآب للحرب ؟ " (34).
(4) جاء فى حزقيال الإصحاح الواحد والعشرون:
" وكان إلى كلام الرب قائلا: يا ابن آدم اجعل وجهك نحو أورشليم وتكلم على المقادس وتنبأ على أرض إسرائيل وقل لأرض إسرائيل هكذا قال الرب هأنذا عليك وأستل سيفى من غمده فأقطع منه الصديق والشرير من حيث إنى أقطع منك الصديق والشرير فلذلك يخرج سيفى من غمده على كل بشر من الجنوب إلى الشمال فيعلم كل بشر أنى أنا الرب سللت سيفى من غمده لا يرجع أيضاً " (35).
(5) وجاء فى سفر يوشع الإصحاح الثالث والعشرون:
" وأنتم قد رأيتم كل ما عمل الرب إلهكم هو المحارب عنكم انظروا: قد قسمت لكم بالقرعة هؤلاء الشعوب الباقين ملكاً حسب أسباطكم من الأردن وجميع الشعوب التى قرضتها والبحر العظيم نحو غروب الشمس والرب إلهكم هو ينفيهم من أمامكم ويطردهم من قدامكم فتملكون أرضهم كما كلمكم الرب إلهكم " (36).
(6) وجاء فى سفر القضاة الإصحاح الأول:
" وحارب بنو يهوذا أورشليم وأخذوها وضربوا بحد السيف وأشعلوا المدينة بالنار وبعد ذلك نزل بنو يهوذا لمحاربة الكنعانيين سكان الجبل وسكان الجنوب والسهل ".
(7) وفى سفر القضاة الإصحاح الثامن عشر:
" فأما هم فقد أخذوا ما صنع ميخاً والكاهن الذى له وجاءوا إلى لايش إلى شعب مستريح مطمئن فضربوهم بحد السيف وأحرقوا المدينة بالنار ولم يكن مَنْ ينقذ لأنها بعيدة عن صيدون ولم يكن لهم أمر مع إنسان وهى فى الوادى الذى لبيت رحوب فبنوا المدينة وسكنوا بها ودعوا اسم المدينة دان باسم دان أبيهم الذى ولد لإسرائيل ولكن اسم المدينة أولا: لايش " (37).
(8) وفى صموئيل الأول الإصحاح الرابع:
" وخرج إسرائيل للقاء الفلسطينيين للحرب ونزلوا عند حجر المعونة ، وأما الفلسطينيون فنزلوا فى أفيق واصطف الفلسطينيون للقاء إسرائيل واشتبكت الحرب فانكسر إسرائيل أمام الفلسطينيين وضربوا من الصف فى الحقل نحو أربعة آلاف رجل " (38).
(9) وفى التكوين الإصحاح الرابع والثلاثون: " فحدث فى اليوم الثالث إذ كانوا متوجعين أن ابنى يعقوب شمعون ولاوى أخوى دينة أخذ كل واحد منهما سيفه وأتيا على المدينة بأمن وقتلا كل ذكر وقتلا حمور وشكيم ابنه بحد السيف لأنهم بخسوا أختهم ، غنمهم وبقرهم وكل ما فى المدينة وما فى الحقل أخذوه وسبوا ونهبوا كل ثروتهم وكل أطفالهم ونسائهم وكل ما فى البيوت " (39).
(10) وفى سفر التكوين الإصحاح الرابع عشر:
" فلما سمع إبرام أن أخاه سبى جر غلمانه المتمرنين ولدان بيته ثلاثمائة وثمانية عشر وتبعهم إلى دان وانقسم عليهم ليلاً هو وعبيده فكسرهم وتبعهم إلى حوبة التى من شمال دمشق واسترجع كل الأملاك واسترجع لوطاً أخاه أيضاً وأملاكه والنساء أيضاً والشعب " (40).
(11) وفى سفر العدد الإصحاح الواحد والعشرون:
" فقال الرب لموسى لا تخف منه لأنى قد دفعته إلى يدك مع جميع قومه وأرضه فتفعل به كما فعلت بسيحون ملك الأموريين الساكن فى حبشون فضربوه وبنيه وجميع قومه حتى لم يبق لهم شارد وملكوا أرضه " (41)
(12) وفى سفر العدد الإصحاح الخامس والعشرون:
" ثم كلم الرب موسى قائلا ضايقوا المديانيين واضربوهم لأنهم ضايقوكم بمكايدهم التى كادوكم بها " (42).
(13) وفى سفر العدد الإصحاح الثالث والثلاثون:
تطالعنا التوراة ، أن الله قد أمر موسى ـ عليه السلام ـ أن يشن حرباً على أقوام قد عبدوا غير الله ـ سبحانه وتعالى ـ: " وكلم الرب موسى فى عربات مو آب على أردن أريحا قائلا: " كلم بنى إسرائيل وقل لهم: إنكم عابرون الأردن إلى أرض كنعان فتطردون كل سكان الأرض من أمامكم وتمحون جميع تصاويرهم وتبيدون كل أصنامهم المسبوكة وتخربون جميع مرتفعاتهم " (43).
(14) وشبيه به ما ورد فى سفر صموئيل الإصحاح السابع عشر آية 45: 47
" فقال داود للفلسطينى: أنت تأتى إلى بسيف وبرمح وبترس ، وأنا آتى إليك باسم رب الجنود إله صفوف إسرائيل الذين عيرتهم 000 فتعلم كل الأرض أنه يوجد إله لإسرائيل " (44).
(15) وفى سفر صموئيل الأول الإصحاح الثالث والعشرون:
" فذهب داود ورجاله إلى قعيلة وحارب الفلسطينيين وساق مواشيهم وضربهم ضربة عظيمة وخلص داود سكان قعيلة " (45).
(16) فى سفر المزامير المزمور الثامن عشر:
يسبح داود الرب ويمجده لأنه يعطيه القوة على محاربة أعدائه: " الذى يعلم يدى القتال فتحنى بذراعى قوس من نحاس.. أتبع أعدائى فأدركهم ولا أرجع حتى أفنيهم أسحقهم فلا يستطيعون القيام ، يسقطون تحت رجلى تمنطقنى بقوة للقتال تصرع تحتى القائمين على وتعطينى أقفية أعدائى ومبغضى أفنيهم " (46).
هذه بعض من حروب بنى إسرائيل التى سجلتها نصوص كتبهم وأسفارهم ، فمفهوم الحرب والقتال ، ليس مفهوماً كريهاً من وجهة النظر التوراتية ، وكأنها حروب مستمدة من الشريعة الدينية التوراتية ، وهى كانت دائما تتم بمباركة الرب ومعونته وكأن الرب ـ حسب تعبير التوراة ـ قد استل سيفه من غمده فلا يرجع (47).
الحرب فى العهد الجديد:
كذلك نرى الإنجيل لم يهمل الكلام عن الحروب بالكلية ، بل جاء نص واضح صريح ، لا يحتمل التأويل ولا التحريف يقرر أن المسيحية على الرغم من وداعتها وسماحتها التى تمثلت فى النص الشهير " من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر " ـ إلا أنها تشير إلى أن السيد المسيح ـ عليه السلام ـ قد يحمل السيف ويخوض غمار القتال إذا دعته الظروف لذلك ؛ فجاء فى الإنجيل على لسان السيد المسيح:
" لا تظنوا أنى جئت لأرسى سلاماً على الأرض ، ما جئت لأرسى سلاماً ، بل سيفاً ، فإنى جئت لأجعل الإنسان على خلاف مع أبيه ، والبنت مع أمها والكنة مع حماتها وهكذا يصير أعداء الإنسان أهل بيته " (48).
ولعلنا نلاحظ التشابه الكبير بين هذه المقولة وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: [ بعثت بالسيف بين يدى الساعة حتى يعبد الله وحده ] (49).
مما سبق يتبين لنا واضحاً وجليا أن الحرب والقتال سنة كونية سرت فى الأمم جميعاً، ولم نر فى تاريخ الأمم أمة خلت من حروب وقتال ، ورأينا من استعراض الكتب المقدسة ـ التوراة والإنجيل ـ أنه سنة شرعية لم تخل شريعة من الشرائع السماوية السابقة على الإسلام من تقريره والقيام به كما مر.
لقد كان هذا القدر كافيا فى إثبات أن محمداً صلى الله عليه وسلم سائر على سنن من سبقه من الأنبياء ، وأن الجهاد لتقرير الحق والعدل مما يمدح به الإسلام ؛ لا مما به يشان ، وأن ما هو جواب لهم فى تبرير هذه الحروب وسفك الدماء كان جواباً لنا فى مشروعية ما قام به النبى صلى الله عليه وسلم من القتال والجهاد.
ولنشرع الآن فى تتميم بقية جوانب البحث مما يزيل الشبهة ويقيم الحجة ويقطع الطريق على المشككين ، فنتكلم عن غزوات النبى صلى الله عليه وسلم ، ممهدين لذلك بالحالة التى كانت عليها الجزيرة العربية من حروب وقتال وسفك للدماء لأتفه الأسباب وأقلها شأناً ، حتى يبدو للناظر أن القتال كان غريزة متأصلة فى نفوس هؤلاء لا تحتاج إلى قوة إقناع أو استنفار.
الحرب عند العرب قبل الإسلام سجلت كتب التاريخ والأدب العربى ما اشتهر وعرف بأيام العرب ، وهى عبارة عن مجموعة من الملاحم القتالية التى نشبت بين العرب قبل مبعث النبى صلى الله عليه وسلم ، وليس يعنينا سرد هذه الملاحم وتفاصيلها ولكن الذى يعنينا هنا أن نقف على بعض الجوانب التى تصلح للمقارنة (الأسباب ـ الزمن المستغرق ـ الآثار التى خلفتها هذه الحروب).
قال العلامة محمد أمين البغدادى: " اعلم أن الحروب الواقعة بين العرب فى الجاهلية أكثر من أن تحصر ، ومنها عدة وقائع مشهورة لا يتسع هذا الموضع لذكرها ولنذكر بعضاً منها على سبيل الإجمال " (50).
وقد ذكرت كتب التواريخ أياماً كثيرة للعرب (البسوس ـ وداحس والغبراء ـ يوم النسار ـ يوم الجفار ـ يوم الفجار ـ يوم ذى قار ـ يوم شعب جبلة ـ يوم رحرحان 000 إلخ) والمتأمل فى هذه الملاحم والأيام يرى أن الحماسة الشديدة والعصبية العمياء وعدم الاكتراث بعواقب الأمور والشجاعة المتهورة التى لا تتسم بالعقل ، كانت هى الوقود المحرك لهذه الحروب ، هذا فضلاً عن تفاهة الأسباب التى قامت من أجلها هذه المجازر ، والمدة الزمنية الطويلة التى استمرت فى بعضها عشرات السنين ، والآثار الرهيبة التى خلفتها هذه الحروب ، وعلى الرغم من أننا لم نقف على إحصاء دقيق لما خلفته هذه الحروب إلا أن الكلمات التى قيلت فى وصف آثارها من الفناء والخراب وتيتم الأطفال وترمل النساء 000 إلخ لتوقفنا على مدى ما أحدثته الحرب فى نفوس الناس من اليأس والشؤم ، ويصف لنا الشاعر زهير بن أبى سلمى طرفاً من ذلك فى معلقته المشهورة وهو يخاطب الساعين للسلام بين عبس وذبيان:
تداركتما عبسا وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
فهو يقول للساعين للسلام: إنكما بتحملكما ديات الحرب من مالكما ، أنقذتما عبسا وذبيان بعدما يأسوا ، ودقوا بينهما عطر منشم ، ومنشم هو اسم لامرأة كانت تبيع العطر يضرب بها المثل فى التشاؤم ، دليل على عظم اليأس الذى أصاب نفوس الناس من انتهاء هذه الحرب (51).
هذه إطلالة سريعة ومختصرة على الحروب وأسبابها لدى العرب قبل الإسلام والآن نشرع فى الكلام على تشريع الجهاد فى الإسلام ثم نتبع ذلك بتحليل موثق لغزوات النبى صلى الله عليه وسلم.
الجهاد فى شرعة الإسلام:
لما استقر النبى صلى الله عليه وسلم بالمدينة وأسس حكومته النبوية بها ، بعد ثلاثة عشر عاماً من الدعوة إلى الله وتحمل الأذى والعذاب فى سبيل ذلك تخللتها ثلاث هجرات جماعية كبيرة ـ هاجت ثائرة قريش وحقدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أحرزه من استقرار ونجاح لهذه الدولة الوليدة ـ دون ظلم أو استبداد أو سفك للدماء ـ ولذلك فقد كان صلى الله عليه وسلم مقصوداً بالقتل ، إذ ليس معقولاً أن تنام أعينهم على هذا التقدم والنمو ، ومصالحهم قائمة على الزعامة الدينية فى جزيرة العرب ، وهذه الدولة الجديدة قائمة على أساس دينى ربما يكون سبباً فى زوال هذه الزعامة الدينية الوثنية الموروثة. وإذا كان الإسلام ديناً بلغت الميول السلمية فيه مداها فى قوله تعالى: (فاصفح عنهم وقل سلام ) (53) إلا أن الميول السلمية لا تتسع لمنع القائمين بهذا الدين الجديد من الدفاع عن أنفسهم وعن دينهم الذى أنزله الله للإنسانية كافة ، فى عالم يضيع فيه الحق والعدل إن لم يكن لهما قوة تحميهما، فكان لا مناص من السماح للمسلمين بحماية أنفسهم ودينهم بالسلاح الذى يشهره خصومهم فى وجوههم ، ولذلك كان التعبير بقوله تعالى:(أُذِنَ للذين يُقَاتَلُونَ بأنهم ظُلِمُوا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز ) (53).
أقول: كان التعبير بالإذن الذى يدل على المنع قبل نزول الآية يدل على طروء القتال فى الإسلام وأنه ظل ممنوعاً طيلة العهد المكى وبعضاً من العهد المدنى.
" هذا ولم يغفل الإسلام حتى فى هذا الموطن ـ موطن الدفاع عن النفس والدين ـ أن ينصح لأتباعه بعدم العدوان ؛ لأن الموضوع حماية حق لا موضوع انتقام ولا شفاء حزازات الصدور ، وهذا من مميزات الحكومة النبوية ، فإن القائم عليها من نبى يكون كالجراح يضع مشرطه حيث يوجد الداء لاستئصاله ، مع عدم المساس بالأعضاء السليمة ، ومقصده استبقاء حياة المريض لا قتله ، والعالم كله فى نظر الحكومة النبوية شخص مريض تعمل لاستدامة وجوده سليماً قوياً.. إن طبيعة هذا العالم مبنية على التدافع والتغالب ليس فيما بين الناس فحسب ، ولكن فيما بينهم وبين الوجود المحيط بهم ، وبين كل فرد والعوامل المتسلطة عليه من نفسه ، ولا أظن أن قارئاً من قرائنا يجهل الناموس الذى اكتشفه دارون وروسل ولاس ودعوه ناموس تنازع البقاء وبنوا عليه كل تطور أصاب الأنواع النباتية والحيوانية والإنسان أيضاً " (54).
" ألم تر كيف تصدى خصوم الدين النصرانى للمسيح ، وما كان يدعو إلا للصلاح والسلام حتى إنهم استصدروا أمراً بصلبه فنجاه الله منهم ، وما زالوا بالذين اتبعوه يضطهدونهم ويقتلونهم حتى مضت ثلاثة قرون وهم مشردون فى الأرض لا تجمعهم جامعة ، إلى أن حماهم من أعدائهم السيف على يد الإمبراطور قسطنطين الذى أعمل السيف فى الوثنيين من أعدائهم.. أفيريد مثيرو هذه الشبهة أن يقوم دين على غير السنن الطبيعية فى عالم مبنى على سنن التدافع والتنازع واستخدام القوة الحيوانية لطمس معالم الحق ودك صروح العدل " ؟
" يقول المعترضون: وماذا أعددتم من حجة حين تجمع الأمم على إبطال الحروب وحسم منازعاتها عن طريق التحكيم ، وهذا قرآنكم يدعوكم إلى الجهاد وحثكم على الاستبسال فيه ؟
نقول: أعددنا لهذا العهد قوله تعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم) (55).
" هذه حكمة بالغة من القرآن ، بل هذه معجزة من معجزاته الخالدة ، وهى أدل دليل على أنه لم يشرع الحرب لذاتها ، ولكن لأنها من عوامل الاجتماع التى لابد منها ما دام الإنسان فى عقليته ونفسيته المأثورتين عنه ، غير أنه لم ينف أن يحدث تطور عالمى يتفق فيه على إبطال الحرب فصرح بهذا الحكم قبل حدوثه ليكون حُجة لأهله من ناحية ، وليدل على أنه لا يريد الحرب لذاتها من ناحية أخرى ، ولو كان يريدها لذاتها لما نوه لهذا الحكم " (56).
ثانياً: نظرة تحليلية لغزوات النبى صلى الله عليه وسلم:
إذا تتبعنا هذه الغزوات وقسمناها حسب الطوائف التى ضمتها ، أمكننا التعرف على القبائل التى حدثت معها هذه المعارك وهى كالآتى:
(1) قريش مكة:
وهى القبيلة التى ينتمى إليها النبى صلى الله عليه وسلم ، حيث أن قريش هو فهر بن مالك ، وقيل النضر بن كنانة ، وعلى كلا القولين فقريش جد للنبى صلى الله عليه وسلم ، وكانت معهم الغزوات: سيف البحر ـ الرابغ ـ ضرار ـ بواط ـ سفوان ـ ذو العشيرة ـ السويق ـ ذو قردة ـ أحد ـ حمراء الأسد ـ بدر الآخرة ـ الأحزاب ـ سرية العيص ـ سرية عمرو بن أمية ـ الحديبية ـ سيف البحر الثانية 8هـ ـ فتح مكة.
(2) قبيلة بنو غطفان وأنمار:
غطفان من مضر ، قال السويدى: " بنو غطفان بطن من قيس ابن عيلان بن مضر ، قال فى العبر: وهم بطن متسع كثير الشعوب والبطون " (57) ، قال ابن حجر فى فتح البارى: " تميم وأسد وغطفان وهوازن جميعهم من مضر بالاتفاق " (58) ، أما أنمار فهم يشتركون فى نفس النسب مع غطفان ، قال ابن حجر: " وسيأتى بعد باب أن أنمار فى قبائل منهم بطن من غطفان " (59) ، أى أن أنمار ينتسبون إلى مضر أيضاً ونسبهم كالتالى: أنمار بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر (60).
والغزوات التى ضمتها هى: قرقرة الكدر ـ ذى أمر ـ دومة الجندل ـ بنى المصطلق ـ الغابة ـ وادى القرى ـ سرية كرز بن جابر ـ ذات الرقاع ـ تربة ـ الميفعة ـ الخربة ـ سرية أبى قتادة ـ عبد الله بن حذافة (61).
(3) بنو سليم:
قال السويدى: " بضم السين المهملة قبيلة عظيمة من قيس عيلان والنسبة إليهم سلمى ، وسليم من أولاد خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر (62) ، والغزوات التى خاضها صلى الله عليه وسلم مع بنى سليم هى: بئر معونة ـ جموم ـ سرية أبى العوجاء ـ غزوة بنى ملوح وبنى سليم (63).
(4) بنو ثعلبة:
ثعلبة هو ابن سعد بن ضبة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر (64) ، نسبه الدكتور على الجندى إلى مر بن أد هكذا: ثعلبة بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر (65) ، والغزوات التى غزاها صلى الله عليه وسلم معهم هى: غزوة ذى القصة ـ غزوة بنى ثعلبة ـ غزوة طرف ـ سرية الحسمى (66).
(5) بنو فزارة وعذرة:
قال فى سبائك الذهب: " بنو فزارة بطن من ذبيان من غطفان ، قال فى العبر: وكانت منازل فزارة بنجد ووادى القرى ، ونسب فزارة: فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر.
أما بنو عذرة: بنوه بطن من قضاعة ، ونسبهم هكذا: عذرة بن سعد بن جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحافى بن قضاعة (67). ونسبهم إلى قضاعة أيضاً الدكتور على الجندى معتمداً على أنساب ابن حزم هكذا: عذرة بن سعد بن أسلم بن عمران بن الحافى بن قضاعة (68) ، وعلى هذا فبنو عذرة ليسو من مضر وإنما كانوا موالين لبنى فزارة وهم من مضر. وكان معهما الغزوات والسرايا الآتية:
سرية أبى بكر الصديق ـ سرية فدك ـ سرية بشير بن سعد ـ غزوة ذات أطلح (69).
(6) بنو كلاب وبنو مرة:
أما بنو كلاب فهم: بنو كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر ، وبنو مرة هم أبناء كعب بن لؤى فيكون كلاب بطن من مرة ، وهذه نفس سلسلة النسب التى ذكرها الدكتور على الجندى معتمداً على أنساب ابن حزم (70) ، والغزوات التى كانت معهم: غزوة قريظة ـ غزوة بنى كلاب ـ غزوة بنى مرة ـ سرية ضحاك (71).
(7) عضل والقارة:
قال فى سبائك الذهب: "عضل بطن من بنى الهون من مضر" ، ونسبهم هكذا: عضل بن الهون بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر ، وأما القارة فلم يذكرها السويدى فى السبائك ولا الدكتور الجندى ، إلا أن الأستاذ الشيخ محمد الخضرى نسبها
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
إن الحرية الحقة هي التحرر من ضغط شطحات النفس وهواها وشهواتها ، وهي التحرر من تقاليد المجتمع المنحرفة ، وأعرافه الضالة ، وهي التحرر من القوى ، والمصالح الاقتصادية الطاغية ، المهيمنة على الحياة ، المواجهة لسلوك الإنسان في هذا العصر.
الحرية هي التحرر من أغلال السيطرة ، وقوى الضغوط الموجهة للإنسان من داخل نفسه ومن خارجها على السواء.
إن الحرية الحقة كما يراها دعاة الإصلاح هي المستمدة من العبودية المطلقة لله وحده ، المرتكزة عليها ، فإذا استشعر الإنسان بهذه العبودية تحرر من كل عبودية سواها ، وأحس من لحظته بضآلة كل قوة أخرى على الأرض ، وكل قيمة أخرى ، وكل جاه ، وكل سلطان.
وهذه الحرية ، لا ينافيها أن يخضع الإنسان لنظام ، ويتقيد بقيود ذلك النظام ، لأن الحياة لا بد لها من نظام يحكمها ، والنظام لا بد له من قيود ، وهو حين يخضع للنظام الذي يرتضيه الله ، إنما يخضع ? في الحقيقة ? لله ، ومن ثم يطيع ولي الأمر ، ويطيع نظامه المستمد من شريعة الله.
وهذه الحرية لا يعارضها أن تطيع المرأة زوجها ، وتقر بأحقيته في القوامة عليها ، في الحدود المرسومة في شريعة الله ، لأنها حين تطيعه لا تفقد كيانها ، ولا شخصيتها.
ولا ينقص من تلك الحرية للمرأة أن تكون في البيت ترعى شؤونه وتربي صغاره وتوفر فيه السكينة.
وليس نقصاً لتلك الحرية حينما تؤمر المرأة بالحجاب الشرعي لتستر بذلك مفاتنها عن الأجانب وليُقضي على مثيرات الشهوة ومحركاتها في المجتمع ، ولا ينقص من تلك الحرية ولا ينافيها ? ولن يكون ذلك ? حينما يُحَدّ للرجال والنساء على سواء طريق يسلكونه ومعالم ينتهون إليها لتضبط تصرفاتهم ويحد من شطحاتهم.
لا ينافي شيء من هذه الأشياء جميعها الحرية الحقة ، لأنها حرية الإنسان الراقي المنظم ، ذي الرسالة السامية ، المنظمة ، والمنظمة للحياة أيضاً ، ولكن ليس المقصود من الحجاب ? كما يتخيله الجاهلون أو يصوره المغرضون ? أن تحبس المرأة في بيتها لا ترى الناس ، ولا تتنسم الهواء ، وأن تختفي عن الحياة في الخارج اختفاء كاملاً.
وليس معنى القرار في البيت ، أن تدخله عروساً ، ولا تخرج منه إلا إلى القبر ، لا بل إنها تخرج ، لا بد أن ترى الرجال ويرونها لأن الحياة وضروراتها تحتم ذلك ، ولكن بضوابط الإسلام وفي إطار حدوده.
فليس الخروج هو الممنوع في ذاته ، وإنما الهدف منه هو موضع السؤال ، هل تخرج لتتعلم؟ أو لتعمل؟ أو لترى الشمس وتشم الهواء لا بأس في هذا كله في الشرع.
أما أن يكون في باطن إحساسها إثارة الفتنة ، ويكون العلم والعمل والنزهة ساتراً لكل ذلك ، فهنا يقع الحجر.
وهي تتعامل مع الرجل ويتعامل معها ، ويكلمها وتكلمه ، ويتبادلان الخدمات التي تحتمها ضرورات الحياة ، في هذا الجو النظيف المكشوف الذي لا يخفي وراءه الفتنة ، ولا دفع إليه غرض دنيء.
أما العواطف التي تثير في نفسها الحنين الفطري إلى الجنس الآخر ، فهي شيء طبيعي ، تستلزمه الفطرة ، فلا تحتقر ، ولا تكبت ، ولا تستقذر ، فليس الجنس دنساً في ذاته ، ولا هو حرام ، ولكن يجب أن يوضع في إطاره الصحيح النظيف ، وفي الزواج يجد الجنس مصرفه الطبيعي ، يجده مرتبطاً بهدف أعلى وأسمى ، وليس هو في ذاته كل الهدف المطلوب.
أما إذا لم يكن زواج فهناك علاج مؤقت ، للتخفيف من سَورة تلك الغريزة وتحد من فورتها حتى يحين الزواج:
أولاً: يجب أن ينظف المجتمع من دواعي الإثارة المجنونة التي تستفز الشهوة وتحركها.
ثانياً: يجب أن تجعل للحياة أهداف جادة تستنقذ الطاقة النفيسة ، وترفعها عن الدنس المحظور.
ثالثاً: تستنفذ الطاقة الحيوية الفائضة في أعمال جسدية دائمة ، فيشغل الشباب بالرياضة والعمل ، والفتاة في تدبير المنزل وشؤونه ، وكلاهما جيد يرفع المشاعر ويشغلها إلى حين.
رابعاً: إن العبادة جزء من النشاط الحي للإنسان وهي وسيلة ناجحة للتسامي والارتفاع بالإنسان إلى أعلى.
وبهذا يُخفف من سورة تلك الغريزة ويُحد من اندفاعها ، حتى يُقدر لهما الزواج فهو العلاج الحاسم.
هذا هو التحرير الحقيقي للمرأة وللرجل كما رسمه الإسلام ، وكما ينادي به دعاته ، أما التحرير المزعوم الذي وصلت إليه المرأة في الغرب ، والذي ينادي به دعاة التحرير في الشرق الإسلامي بدافع التقليد فهو مسخ للمرأة ، ومسخ للرجل ، ومسخ للأجيال.
<!--<!--<!--
لماذا تقدس الكعبة؟
?لماذ يقبل الحجر الأسود؟
?الصلاة لماذا شرعت؟ وما قيمتها في عصر العلم والتقدم؟
تقدس الكعبة:
- دعا إبراهيم عليه السلام ربه (فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم) فاستجاب له ربه وجعل من بيت إبراهيم محجة ومكان التقاء تهوي إليه أفئدة البشر في مشارق الأرض ومغاربها.
- إن الله تعالى كرم العرب بأن جعل عاصمتهم قبلة يتوجه إليها الناس.
- فيه رمز لتكريم إبراهيم ومحمد عليهما السلام (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلتولينك قبلة ترضاها فولّ وجهك شهر المسجد الحرام ..)
- فيه رمز لتوحيد الفكر والقلب.
-في اتجاه المسلمين اتجاهاً واحداً رمزاً لوحدة العقيدة والهدف.
-الاتجاه إلى الكعبة إنما يتم بالجسد وحده أما القلب والروح فإلى الله اتجاههما وبه تعلقهما.
-روحانية الاتجاه فالمسلم لا يتجه إلى الكعبة بذاتها بل يدرك بأنه يتجه بفكره وروحه إلى الله تعالى.
-أن الجسد يطوف بالبيت الجامد واللسان والقلب يلهجان بقولهما (لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك)
الحجر الأسود:
-اتخذ العرب آلهتهم من أشياء لا تحصى ومع ذلك لم يكن الحجر الأسود ضمن آلهتهم.
-كان للحجر الأسود مكانة محترمة لأنه من بقايا بناء إبراهيم للكعبة.
-اعتماد الإسلام على الحجر مع أن الإسلام لا يقر (وثنية) كانت في الجاهلية.
-أن استلام الحجر الأسود يرجع إلى اعتبار رمزي لا إلى تقديس الحجر ذاته.
-أعاد محمد الحجر إلى مكانه بيده الشريفة قبل بعثته وأنهى مشكلة حرجة كادت أن تقع بين قريش.
-وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً أمام هذا الحجر وقال: (إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أنني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك).
-ليس تقبيله واجباً على الناس ، ولا يشترط على الحاج أو المعتمر تقبيله.
الصلاة لماذا شرعت؟ وما قيمتها في عصر العلم والتقدم؟
?تتحقق فيها أهداف عظيمة منها:
1-وحدة الهدف وذلك باتجاه المصلين إلى قبلة واحدة ، وتلاوة واحدة ، وحركة واحدة ، قال فيليب حتي: (وإذا نظرت إلى العالم الإسلامي في ساعة الصلاة بعين طائر في الفضاء وقدّر لك أن تستوعب جميع أنحائه بقطع النظر عن خطوط الطول والعرض لرأيت دوائر عديدة من المتعبدين تدور حول مركز واحد وهو الكعبة وتنتشر في مساحة تزداد قدراً وحجماً).
2-في الصلاة مساواة:حيث لا فرق بين غني وفقير ، صغير وكبير ، وفي هذا تحقق عملي للمساواة.
3-تدارس لأحوال الحي:فيُتساءل عن من غاب وما سبب غيابه ، فإن كان مريضاً عادوه ، وإن كان محتاجاً ساعدوه.
4-في الصلاة ثورة روحية لا يعرفها إلا من تذوق حلاوتها.
?الإنسان العصري أصبح جزءاً من آلة وتكالبت عليه الدنيا فأصبح أحوج ما يكون إلى الصلاة ليجد فيها راحته ، ويتمم فيها إنسانيته بعالميها المادي والروحي.
?المسلم الذي يتذوق طعم هذا اللقاء الذي يكون خمس مرات في اليوم الواحد يتمنى أن يطول.
?الصلاة اليوم عند الكثيرين طقوس وحركات جسدية فقدت فيها الصلة الروحية بين العبد وربه وليست الصلاة التي يريدها الإسلام.
?الصلاة التي يريدها الإسلام لقاء مع الله ووقوف في حضرته.
?الصلاة الحية ترقي الإنسان إلى مصاف الملائكة فتدعوه إلى ترك الصفات الذميمة وتنهاه عنها وتدعوه إلى كل صفة حميدة.
?قال مونتسكيو:(إن المرء لأشد ارتباطاً بالدين الحافل بكثير من الشعائر منه بأي دين آخر أقل منه احتفالاً بالشعائر ، وذلك لأن المرء شديد التعلق بالأمور التي تسيطر دائماً على تفكيره).
?كتب سعيد بن الحسن أحد يهود الإسكندرية الذي اعتنق الإسلام:(إذا كان الله قد تحدث مرتين إلى بني إسرائيل في كل العصور ، فإنه يتحدث إلى هذه الجماعة في كل وقت من أوقات الصلاة ، وأيقنت في نفسي أني خلقت لأكون مسلماً)
يقول رينان:(ما دخلت مسجداً قط دون أن تهزني عاطفة حارة ، أو بعبارة أخرى دون أن يصيبني أسف على أنني لم أكن مسلماً)
? كانت الصلاة سبب انتشار الإسلام في كثير من بلدان العالم.فهل تجد في الكعبة أو الحجر الأسود أو الصلاة أية رواسب وثنية؟
أم أنها تمام السعادة البشرية التي لا تتحقق إلا بها؟
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
أما الشبهة الثانية والزائفة التى تثار حول موقف الإسلام من شهادة المرأة.. التى يقول مثيروها: إن الإسلام قد جعل المرأة نصف إنسان ، وذلك عندما جعل شهادتها نصف شهادة الرجل ، مستدلين على ذلك بآية سورة البقرة:(يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئاً فإن كان الذى عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دُعُوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرًا أو كبيرًا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شىء عليم) (1).
ومصدر الشبهة التى حسب مثيروها إن الإسلام قد انتقص من أهلية المرأة ، بجعل شهادتها على النصف من شهادة الرجل: [ فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ] هو الخلط بين " الشهادة " وبين " الإشهاد " الذى تتحدث عنه هذه الآية الكريمة.. فالشهادة التى يعتمد عليها القضاء فى اكتشاف العدل المؤسس على البينة ، واستخلاصه من ثنايا دعاوى الخصوم ، لا تتخذ من الذكورة أو الأنوثة معيارًا لصدقها أو كذبها ، ومن ثم قبولها أو رفضها.. وإنما معيارها تحقق اطمئنان القاضى لصدق الشهادة بصرف النظرعن جنس الشاهد ، ذكرًا كان أو أنثى ، وبصرف النظر عن عدد الشهود.. فالقاضى إذا اطمأن ضميره إلى ظهور البينة أن يعتمد شهادة رجلين ، أو امرأتين ، أو رجل وامرأة ، أو رجل وامرأتين ، أو امرأة ورجلين ، أو رجل واحد أو امرأة واحدة.. ولا أثر للذكورة أو الأنوثة فى الشهادة التى يحكم القضاء بناءً على ما تقدمه له من البينات..
أما آية سورة البقرة ، والتى قالت: [ واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى] فإنها تتحدث عن أمر آخر غير" الشهادة " أمام القضاء.. تتحدث عن " الإشهاد " الذى يقوم به صاحب الدين للاستيثاق من الحفاظ على دَيْنه ، وليس عن " الشهادة " التى يعتمد عليها القاضى فى حكمه بين المتنازعين.. فهى - الآية - موجهة لصاحب الحق الدَّيْن وليس إلى القاضى الحاكم فى النزاع.. بل إن هذه الآية لا تتوجه إلى كل صاحب حق دَيْن ولا تشترط ما اشترطت من مستويات الإشهاد وعدد الشهود فى كل حالات الدَّيْن.. وإنما توجهت بالنصح والإرشاد فقط النصح والإرشاد إلى دائن خاص ، وفى حالات خاصة من الديون ، لها ملابسات خاصة نصت عليها الآية.. فهو دين إلى أجل مسمى.. ولابد من كتابته.. ولابد من عدالة الكاتب. ويحرم امتناع الكاتب عن الكتابة..ولابد من إملاء الذى عليه الحق.. وإن لم يستطع فليملل وليه بالعدل.. والإشهاد لا بد أن يكون من رجلين من المؤمنين.. أو رجل وامرأتين من المؤمنين.. وأن يكون الشهود ممن ترضى عنهم الجماعة.. ولا يصح امتناع الشهود عن الشهادة.. وليست هذه الشروط بمطلوبة فى التجارة الحاضرة.. ولا فى المبايعات..
ثم إن الآية ترى فى هذا المستوى من الإشهاد الوضع الأقسط والأقوم.. وذلك لا ينفى المستوى الأدنى من القسط..
ولقد فقه هذه الحقيقة حقيقة أن هذه الآية إنما تتحدث عن " الإشهاد" فى دَيْن خاص ، وليس عن الشهادة.. وإنها نصيحة وإرشاد لصاحب الدَّيْن ذى المواصفات والملابسات الخاصة وليست تشريعاً موجهاً إلى القاضى الحاكم فى المنازعات.. فقه ذلك العلماء المجتهدون..
ومن هؤلاء العلماء الفقهاء الذين فقهوا هذه الحقيقة ، وفصّلوا القول فيها شيخ الإسلام ابن تيمية [661728 هجرية /1263 1328] وتلميذه العلامة ابن القيم [691751 هجرية / 1292 1350م ] من القدماء والأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده [ 12651323 هجرية ] والإمام الشيخ محمود شلتوت [13101383 هجرية /18931963م] من المحدثين والمعاصرين فقال ابن تيمية فيما يرويه عنه ويؤكد عليه ابن القيم:
قال عن " البينة " التى يحكم القاضى بناء عليها.. والتى وضع قاعدتها الشرعية والفقهية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " البينة على المدعى ، واليمين على المدعى عليه " رواه البخارى والترمذى وابن ماجه:
" إن البينة فى الشرع ، اسم لما يبيّن الحق ويظهره ، وهى تارة تكون أربعة شهود ، وتارة ثلاثة ، بالنص فى بينة المفلس ، وتارة شاهدين ، وشاهد واحد ، وامرأة واحدة ، وتكون نُكولاً (2) ، ويمينًا، أو خمسين يميناً أو أربعة أيمان ، وتكون شاهد الحال.
فقوله صلى الله عليه وسلم: " البينة على المدعى " ، أى عليه أن يظهر ما يبيّن صحة دعواه ، فإذا ظهر صدقه بطريق من الطرق حُكِم له.. " (3) فكما تقوم البينة بشهادة الرجل الواحد أو أكثر ، تقوم بشهادة المرأة الواحدة ، أو أكثر، وفق معيار البينة التى يطمئن إليها ضمير الحاكم - القاضى -..
ولقد فصّل ابن تيمية القول فى التمييز بين طرق حفظ الحقوق ، التى أرشدت إليها ونصحت بها آية الإشهاد - الآية 282 من سورة البقرة وهى الموجهة إلى صاحب " الحق الدَّين " وبين طرق البينة ، التى يحكم الحاكم القاضى بناء عليها.. وأورد ابن القيم تفصيل ابن تيمية هذا تحت عنوان [ الطرق التى يحفظ بها الإنسان حقه ].. فقال:
" إن القرآن لم يذكر الشاهدين ، والرجل والمرأتين فى طرق الحكم التى يحكم بها الحاكم ، وإنما ذكر النوعين من البينات فى الطرق التى يحفظ بها الإنسان حقه ، فقال تعالى: ??(يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئاً فإن كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء ) (4).. فأمرهم ، سبحانه ، بحفظ حقوقهم بالكتاب (5) ، وأمر من عليه الحق أن يملى الكاتب ، فإن لم يكن ممن يصح إملاؤه أملى عنه وليه ، ثم أمر من له الحق أن يستشهد على حقه رجلين ، فإن لم يجد فرجل وامرأتان ، ثم نهى الشهداء المتحملين للشهادة عن التخلف عن إقامتها إذا طُلبوا لذلك ، ثم رخّص لهم فى التجارة الحاضرة ألا يكتبوها ، ثم أمرهم بالإشهاد عند التبايع ، ثم أمرهم إذا كانوا على سفر ولم يجدوا كاتباً ، أن يستوثقوا بالرهان المقبوضة.
كل هذا نصيحة لهم ، وتعليم وإرشاد لما يحفظون به حقوقهم ، وما تحفظ به الحقوق شئ وما يحكم به الحاكم [ القاضى ] شئ ، فإن طرق الحكم أوسع من الشاهد والمرأتين ، فإن الحاكم يحكم بالنكول ، واليمين المردودة ولا ذكر لهما فى القرآن وأيضاً: فإن الحاكم يحكم بالقرعة بكتاب الله وسنة رسوله الصريحة الصحيحة.. ويحكم بالقافة (6) بالسنة الصريحة الصحيحة التى لا معارض لها ويحكم بالقامة (7) بالسنة الصحيحة الصريحة ، ويحكم بشاهد الحال إذا تداعى الزوجان أو الصانعان متاع البيت والدكان ، ويحكم ، عند من أنكر الحكم بالشاهد واليمين بوجود الآجر فى الحائط ، فيجعله للمدعى إذا كان جهته وهذا كله ليس فى القرآن ، ولا حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحد من أصحابه..
فإن قيل: فظاهر القرآن يدل على أن الشاهد والمرأتين بدلٌ عن الشاهدين ، وأنه لا يُقْضَى بهما إلا عند عدم الشاهدين.
قيل: القرآن لا يدل على ذلك ، فإن هذا أمر لأصحاب الحقوق بما يحفظون به حقوقهم ، فهو سبحانه أرشدهم إلى أقوى الطرق ، فإن لم يقدروا على أقواها انتقلوا إلى ما دونها.. وهو سبحانه لم يذكر ما يحكم به الحاكم ، وإنما أرشدنا إلى ما يحفظ به الحق ، وطرق الحكم أوسع من الطرق التى تُحفظ بها الحقوق " (8)..
وبعد إيراد ابن القيم لهذه النصوص نقلاً عن شيخه وشيخ الإسلام ابن تيمية علق عليها ، مؤكداً إياها ، فقال: " قلت [ أى ابن القيم ]: وليس فى القرآن ما يقتضى أنه لا يُحْكَم إلا بشاهدين ،أو شاهد وامرأتين ، فإن الله سبحانه إنما أمر بذلك أصحاب الحقوق أن يحفظوا حقوقهم بهذا النِّصاب ، ولم يأمر بذلك الحكام أن يحكموا به ، فضلاً عن أن يكون قد أمرهم ألا يقضوا إلا بذلك. ولهذا يحكم الحاكم بالنكول ، واليمين المردودة ، والمرأة الواحدة ، والنساء المنفردات لا رجل معهن ، وبمعاقد القُمُط (9) ، ووجوه الآجرّ ، وغير ذلك من طرق الحكم التى تُذكر فى القرآن..فطرق الحكم شئ ، وطرق حفظ الحقوق شئ آخر ، وليس بينهما تلازم ، فتُحفظ الحقوق بما لا يحكم به الحاكم مما يعلم صاحب الحق أنه يحفظ به حقه ، ويحكم الحاكم بما لا يحفظ به صاحب الحق حقه ، ولا خطر على باله.. " (10).
فطرق الإشهاد ، فى آية سورة البقرة التى تجعل شهادة المرأتين تعدل شهادة رجل واحد هى نصيحة وإرشاد لصاحب الدَّين ذى الطبيعة الخاصة -.. وليست التشريع الموجه إلى الحاكم القاضى والجامع لطرق الشهادات والبينات.. وهى أيضاً خاصة بدَيْن له مواصفاته وملابساته ، وليست التشريع العام فى البينات التى تُظهر العدل فيحكم به القضاة..
* وبعد هذا الضبط والتمييز والتحديد.. أخذ ابن تيمية يعدد حالات البينات والشهادات التى يجوز للقاضى الحاكم الحكم بناء عليها.. فقال: " إنه يجوز للحاكم ? [ القاضى ] ? الحكم بشهادة الرجل الواحد إذا عرف صدقه فى غير الحدود ، ولم يوجب الله على الحاكم ألا يحكم إلا بشاهدين أصلاً ، وإنما أمر صاحب الحق أن يحفظ حقه بشاهدين ، أو بشاهد وامرأتين ، وهذا لا يدل علىأن الحاكم لا يحكم بأقل من ذلك ، بل قد حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بالشاهد واليمين ، وبالشاهد فقط ، وليس ذلك مخالفاً لكتاب الله عند من فهمه ، ولا بين حكم الله وحكم رسوله خلاف.. وقد قبل النبى صلى الله عليه وسلم شهادة الأعرابى وحده على رؤية هلال رمضان ، وتسمية بعض الفقهاء ذلك إخباراً ، لا شهادة ، أمر لفظى لا يقدح فى الاستدلال ، ولفظ الحديث يردّ قوله ، وأجاز صلى الله عليه وسلم شهادة الشاهد الواحد فى قضية السَّلَب (11) ، ولم يطالب القاتل بشاهد آخر ، واستحلفه ، وهذه القصة [وروايتها فى الصحيحين] صريحة فى ذلك.. وقد صرح الأصحاب: أنه تُقبل شهادة الرجل الواحد من غير يمين عند الحاجة ، وهو الذى نقله الخِرَقى [334 هجرية 945م ] فى مختصره ،فقال: وتِقبل شهادة الطبيب العدل فى الموضحة (12) إذا لم يقدر على طبيبين ، وكذلك البيطار فى داء الدابة.." (13).
* وكما تجوز شهادة الرجل الواحد فى غير الحدود.. وكما تجوز شهادة الرجال وحدهم في الحدود ، تجوز عند البعض شهادة النساء وحدهن فى الحدود.. وعن ذلك يقول ابن تيمية ، فيما نقله ابن القيم: " وقد قبل النبى صلى الله عليه وسلم شهادة المرأة الواحدة فى الرضاع ، وقد شهدت على فعل نفسها ، ففى الصحيحين عن عقبة ابن الحارث: " أنه تزوج أم يحيى بنت أبى إهاب ، فجاءت أَمَةٌ سوداء ، فقالت: قد أرضعتكما. فذكرتُ ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم ، فأعرض عنى ، قال: فتنحيتُ فذكرتُ ذلك له ، قال: فكيف ؟ وقد زعمتْ أنْ قد أرضعتكما ! ".
وقد نص أحمد على ذلك فى رواية بكر بن محمد عن أبيه ، قال: فى المرأة تشهد على مالا يحضره الرجال من إثبات استهلال الصبى (14)، وفى الحمّام يدخله النساء ، فتكون بينهن جراحات.
وقال إسحاق بن منصور: قلتُ لأحمد فى شهادة الاستدلال: " تجوز شهادة امرأة واحدة فى الحيض والعدة والسقط والحمّام ، وكل مالا يطلع عليه إلا النساء ".
فقال: "تجوز شهادة امرأة إذا كانت ثقة ، ويجوز القضاء بشهادة النساء منفردات فى غير الحدود والقصاص عند جماعة من الخَلَف والسلف ". وعن عطاء [27-114 هجرية /647 732م ] أنه أجاز شهادة النساء فى النكاح. وعن شريح [78 هجرية / 697م ] أنه أجاز شهادة النساء فى الطلاق. وقال بعض الناس: تجوز شهادة النساء فى الحدود. وقال مهنا: قال لى أحمد بن حنبل: قال أبو حنيفة: تجوز شهادة القابلة وحدها ، وإن كانت يهودية أو نصرانية.." (15).
ذلك أن العبرة هنا فى الشهادة إنما هى الخبرة والعدالة ، وليست العبرة بجنس الشاهد ذكراً كان أو أنثى ففى مهن مثل الطب.. والبيطرة.. والترجمة أمام القاضى.. تكون العبرة "بمعرفة أهل الخبرة " (16).
* بل لقد ذكر ابن تيمية فى حديثه عن الإشهاد الذى تحدثت عنه آية سورة البقرة أن نسيان المرأة ، ومن ثم حاجتها إلى أخرى تذكرها (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى(ليس طبعًا ولا جبلة فى كل النساء ، وليس حتمًا فى كل أنواع الشهادات.. وإنما هو أمر له علاقة بالخبرة والمران ، أى أنه مما يلحقه التطور والتغيير.. وحكى ذلك عنه ابن القيم فقال:
" قال شيخنا ابن تيمية ، رحمه الله تعالى: قوله تعالى::(فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى(فيه دليل على أن استشهاد امرأتين مكان رجل واحد إنما هو لإذكار إحداهما للأخرى ، إذا ضلت ، وهذا إنما يكون فيما فيه الضلال فى العادة ، وهو النسيان وعدم الضبط.. فما كان من الشهادات لا يُخافُ فيه الضلال فى العادة لم تكن فيه على نصف الرجل.." (17).
فحتى فى الإشهاد ، يجوز لصاحب الدَّيْن أن يحفظ دَينه وفق نصيحة وإرشاد آية سورة البقرة بإشهاد رجل وامرأة ، أو امرأتين ، وذلك عند توافر الخبرة للمرأة فى موضوع الإشهاد.. فهى فى هذا الإشهاد ليست شهادتها دائماً على النصف من شهادة الرجل..
ولقد كرر ابن القيم وأكد هذا الذى أشرنا إلى طرف منه ، فى غير كتابه [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] فقال فى كتابه " إعلام الموقعين عند رب العالمين" أثناء حديثه عن " البينة " وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " البينة على المدعى واليمين على من أنكر " خلال شرحه لخطاب عمر بن الخطاب إلى أبى موسى الأشعرى [ 21ق هجرية 44 هجرية 602- 665م ] فى قواعد القضاء وآدابه - قال: " إن البينة فى كلام الله ورسوله ، وكلام الصحابة اسم لكل ما يبين الحق.. ولم يختص لفظ البينة بالشاهدين.. وقال الله فى آية الدَّيْن: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان (فهذا فى التَّحمل والوثيقة التى يحفظ بها صاحب المال حقه ، لا فى طرق الحكم وما يحكم به الحاكم ، فإن هذا شئ وهذا شئ ، فذكر سبحانه ما يحفظ به الحقوق من الشهود ، ولم يذكر أن الحكام لا يحكمون إلا بذلك.. فإن طرق الحكم أعم من طرق حفظ الحقوق.. وقال سبحانه:(ممن ترضون من الشهداء (لأن صاحب الحق هو الذى يحفظ ماله بمن يرضاه.. ".
وعلل ابن تيمية حكمة كون شهادة المرأتين فى هذه الحالة تعدلان شهادة الرجل الواحد ، بأن المرأة ليست مما يتحمل عادة مجالس وأنواع هذه المعاملات.. لكن إذا تطورت خبراتها وممارساتها وعاداتها ، كانت شهادتها حتى فى الإشهاد على حفظ الحقوق والديون مساوية لشهادة الرجل.. فقال:
" ولا ريب أن هذه الحكمة فى التعدد هى فى التحمل ، فأما إذا عقلت المرأة ، وحفظت وكانت ممن يوثق بدينها فإن المقصود حاصل بخبرها كما يحصل بأخبار الديانات ، ولهذا تُقبل شهادتها وحدها فى مواضع ، ويُحكم بشهادة امرأتين ويمين الطالب فى أصح القولين ، وهو قول مالك [ 93-179 هجرية 712-795م ] وأحد الوجهين فى مذهب أحمد.. "
والمقصود أن الشارع لم يَقِف الحكم فى حفظ الحقوق البتة على شهادة ذكرين ، لا فى الدماء ولا فى الأموال ولا فى الفروج ولا فى الحدود.. وسر المسألة ألا يلزم من الأمر بالتعدد فى جانب التحمل وحفظ الحقوق الأمر بالتعدد فى جانب الحكم والثبوت ، فالخبر الصادق لا تأتى الشريعة برده أبداً.
وهذا الذى قاله ابن تيمية وابن القيم فى حديثهما عن آية سورة البقرة هو الذى ذكره الإمام محمد عبده ، عندما أرجع تميز شهادة الرجال على هذا الحق الذى تحدثت عنه الآية على شهادة النساء ، إلى كون النساء فى ذلك التاريخ كن بعيدات عن حضور مجالس التجارات ، ومن ثم بعيدات عن تحصيل التحمل والخبرات فى هذه الميادين.. وهو واقع تاريخى خاضع للتطور والتغير ، وليس طبيعة ولا جبلة فى جنس النساء على مر العصور.. ولو عاش الإمام محمد عبده إلى زمننا هذا ، الذى زخر ويزخر بالمتخصصات فى المحاسبة والاقتصاد وإدارة الأعمال ، وب " سيدات الأعمال " اللائى ينافسن " رجال الأعمال " لأفاض وتوسع فيما قال ، ومع ذلك ، فحسبه أنه قد تحدث قبل قرن من الزمان فى تفسيره لآية سورة البقرة هذه رافضاً أن يكون نسيان المرأة جبلة فيها وعامًّا فى كل موضوعات الشهادات ، فقال:
" تكلم المفسرون فى هذا ، وجعلوا سببه المزاج ، فقالوا: إن مزاج المرأة يعتريه البرد فيتبعه النسيان ، وهذا غير متحقق ، والسبب الصحيح أن المرأة ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات ، فلذلك تكون ذاكرتها ضعيفة ،ولا تكون كذلك فى الأمور المنزلية التى هى شغلها ، فإنها أقوى ذاكرة من الرجل ، يعنى أن من طبع البشر ذكراناً وإناثاً أن يقوى تذكرهم للأمور التى تهمهم ويكثر اشتغالهم بها " (18).
ولقد سار الشيخ محمود شلتوت الذى استوعب اجتهادات ابن تيمية وابن القيم ومحمد عبده مع هذا الطريق ، مضيفاً إلى هذه الاجتهادات علماً آخر عندما لفت النظر إلى تساوى شهادة الرجل فى " اللعان ".. فكتب يقول عن شهادة المرأة وكيف أنها دليل على كمال أهليتها ، وذلك على العكس من الفكر المغلوط الذى يحسب موقف الإسلام من هذه القضية انتقاصًا من إنسانيتها.. كتب يقول:
إن قول الله سبحانه وتعالى: (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان (ليس وارداً فى مقام الشهادة التى يقضى بها القاضى ويحكم ، وإنما هو فى مقام الإرشاد إلى طرق الاستيثاق والاطمئنان على الحقوق بين المتعاملين وقت التعامل(يأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولايأب كاتب أن يكتب كما علمه الله (إلى أن قال: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) (19).
فالمقام مقام استيثاق على الحقوق ، لا مقام قضاء بها. والآية ترشد إلى أفضل أنواع الاستيثاق الذى تطمئن به نفوس المتعاملين على حقوقهم.
وليس معنى هذا أن شهادة المرأة الواحدة أو شهادة النساء اللاتى ليس معهن رجل ، لايثبت بها الحق ، ولا يحكم بها القاضى ، فإن أقصى ما يطلبه القضاء هو " البينة ".
وقد حقق العلامة ابن القيم أن البينة فى الشرع أعم من الشهادة ، وأن كل ما يتبين به الحق ويظهره ، هو بينة يقضى بها القاضى ويحكم. ومن ذلك: يحكم القاضى بالقرائن القطعية ، ويحكم بشهادة غير المسلم متى وثق بها واطمأن إليها.
واعتبار المرأتين فى الاستيثاق كالرجل الواحد ليس لضعف عقلها ، الذى يتبع نقص إنسانيتها ويكون أثراً له ، وإنما هو لأن المرأة كما قال الشيخ محمد عبده " ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المعاوضات ، ومن هنا تكون ذاكرتها فيها ضعيفة ، ولا تكون كذلك فى الأمور المنزلية التى هى شغلها ، فإنها فيها أقوى ذاكرة من الرجل ، ومن طبع البشر عامة أن يقوى تذكرهم للأمور التى تهمهم ويمارسونها ، ويكثر اشتغالهم بها.
والآية جاءت على ما كان مألوفاً فى شأن المرأة ، ولا يزال أكثر النساء كذلك ، لا يشهدن مجالس المداينات ولا يشتغلن بأسواق المبايعات ، واشتغال بعضهن بذلك لا ينافى هذا الأصل الذى تقضى به طبيعتها فى الحياة.
وإذا كانت الآية ترشد إلى أكمل وجوه الاستيثاق ، وكان المتعاملون فى بيئة يغلب فيها اشتغال النساء بالمبايعات وحضور مجالس المداينات ، كان لهم الحق فى الاستيثاق بالمرأة على نحو الاستيثاق بالرجل متى اطمأنوا إلى تذكرها وعدم نسيانها على نحو تذكر الرجل وعدم نسيانه.
هذا وقد نص الفقهاء على أن من القضايا ما تقبل فيه شهادة المرأة وحدها ، وهى القضايا التى لم تجر العادة بإطلاع الرجال على موضوعاتها ، كالولادة والبكارة ، وعيوب النساء والقضايا الباطنية.
وعلى أن منها ما تقبل فيه شهادة الرجل وحده ، وهى القضايا التى تثير موضوعاتها عاطفة المرأة ولا تقوى على تحملها ، على أنهم قدروا قبول شهادتها فى الدماء إذا تعينت طريقاً لثبوت الحق واطمئنان القاضى إليها. وعلى أن منها ما تقبل شهادتهما معاً.
ومالنا نذهب بعيداً ، وقد نص القرآن على أن المرأة كالرجل سواء بسواء فى شهادات اللعان ، وهو ما شرعه القرآن بين الزوجين حينما يقذف الرجل زوجه وليس له على ما يقول شهود (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين * والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين * ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) (20).
أربع شهادات من الرجل ، يعقبها استمطار لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، ويقابلها ويبطل عملها ، أربع شهادات من المرأة يعقبها استمطار غضب الله عليها إن كان من الصادقين.. فهذه عدالة الإسلام فى توزيع الحقوق العامة بين الرجل والمرأة ، وهى عدالة تحقق أنهما فى الإنسانية سواء.. (21).
هكذا وضحت صفحة الإسلام.. وصفحات الاجتهاد الإسلامى فى قضية مساواة شهادة المرأة وشهادة الرجل ، طالما امتلك الشاهد أو الشاهدة مقومات ومؤهلات وخبرة هذه الشهادة.. لأن الأهلية الإنسانية بالنسبة لكل منهما واحدة ، ونابعة من وحدة الخلق ، والمساواة فى التكاليف ، والتناصر فى المشاركة بحمل الأمانة التى حملها الإنسان ، أمانة استعمار وعمران هذه الحياة.
*وأخيراً وليس آخراً فإن ابن القيم يستدل بالآية القرآنية: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً ) (22). على أن المرأة كالرجل فى هذه الشهادة على بلاغ الشريعة ورواية السنة النبوية.. فالمرأة كالرجل فى " رواية الحديث " ، التى هى شهادة على رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وإذا كان ذلك مما أجمعت عليه الأمة ، ومارسته راويات الحديث النبوى جيلاً بعد جيل " والرواية شهادة " فكيف تقبل الشهادة من المرأة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تقبل على واحد من الناس ؟.. إن المرأة العدل [ بنص عبارة ابن القيم ] كالرجل فى الصدق والأمانة والديانة (23).
ذلكم هو منطق شريعة الإسلام وكلها منطق وهذا هوعدلها بين النساء والرجال وكلها عدل وكما يقول ابن القيم:" وما أثبت الله ورسوله قط حكماً من الأحكام يُقطع ببطلان سببه حسًّا أو عقلاً ، فحاشا أحكامه سبحانه من ذلك ، فإنه لا أحسن حكمًا منه سبحانه وتعالى ولا أعدل. ولا يحكم حكماً يقول العقل: ليته حكم بخلافه ، بل أحكامه كلها مما يشهد العقل والفِطَر بحسنها ، ووقوعها على أتم الوجوه وأحسنها ، وأنه لا يصلح فى موضعها سواها " (24).
هذا.. ولقد تعمدنا فى إزالة هذه الشبهة أمران:
أولهما: أن ندع نصوص أئمة الاجتهاد الإسلامى هى التى تبدد غيوم هذه الشبهة ، لا نصوصنا نحن.. وذلك حتى لا ندع سبيلاً لشبهات جديدة فى هذا الموضوع !
وثانيهما: أن تكون هذه النصوص للأئمة المبرزين فى إطار السلف والسلفيين.. وذلك حتى نقطع الطريق على أدعياء السلفية الذين حملوا العادات الراكدة لمجتمعاتهم على دين الإسلام ، فاستبدلوا هذه العادات بشريعة الإسلام !.. وحتى نقطع الطريق كذلك على غلاة العلمانيين والعلمانيات ، الذين استبدلوا البدع الفكرية الوافدة بحقائق وحقيقة الإسلام ، والذين يتحسسون مسدساتهم إذا ذكرت مصطلحات السلفية والسلفيين !..
فإنصاف المرأة ، وكمال واكتمال أهليتها هو موقف الإسلام ، الذى نزل به الروح الأمين على قلب الصادق الأمين.. وهو موقف كل تيارات الاجتهاد الإسلامى ، على امتداد تاريخ الإسلام.
(1) البقرة: 282.
(2) النكول: هو الامتناع عن اليمين.
(3) ابن القيم [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص34. تحقيق محمد جميل غازى. طبعة القاهرة سنة 1977م.
(4) سورة البقرة: 282.
(5) أى الكتابة.
(6) القافة: مفردها قائف هو الذى يعرف الآثار آثار الأقدام ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه..
(7) القامة: الأيمان ، تقسم على أهل المحلة الذين وجد المقتول فيهم.
(8) [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ]ص 103-105 ، 219،236.
(9) مفردها قمط بكسر القاف وسكون الميم: ما تشد به الإخصاص ومكونات البناء ولبناته.
(10) [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص 198.
(11) السَّلب بفتح السين مشددة ، وفتح اللام -: هو متاع القتيل وعدته ، يأخذه قاتله.. وفى الحديث: " من قتل قتيلاً فله سَلَبُهُ ".
(12) الموضحة: هى الجراحات التى هى دون قتل النفس.
(13) [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص 98 ، 113 ، 123.
(14) استهلال الصبى: هو أن يحدث منه ما يدل على حياته ساعة الولادة من رفع صوت أو حركة عضو أو عين ، وهو شرط لتمتعه بحقوق الأحياء.
(15) [الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص 115-117.
(16) المصدر السابق. ص 188 ، 193.
(17) [ إعلام الموقعين عن رب العالمين ] ج1 ص 90-92، 94-95 ،103،104. طبعة بيروت سنة 1973م.
(18) [ الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده ] ج4 ص732. دراسة وتحقيق: د. محمد عمارة. طبعة القاهرة سنة 1993م.
(19) البقرة: 282.
(20) النور:69.
(21) [ الإسلام عقيدة وشريعة ] ص 239- 241. طبعة القاهرة سنة 1400 هجرية سنة 1980م.
(22) البقرة: 143.
(23) [ الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية ] ص236، 244.
(24) المصدر السابق ، ص329.
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
يقول المتقولون على الإسلام: إن الإسلام يجعل الرجل قواماً على المرأة (الرجال قوامون على النساء) ، قد فرض وصايته عليها ، وسلبها بذلك حريتها وأه]ليتها ، وثقتها بنفسها.
ونقول: ليس الأمر كما يرون ويفهمون من القوامة ، فليس قوامة الرجل في الإسلام قوامة السطوة والاستبداد والقوة والاستعباد ، ولكنها قوامة التبعات ، والالتزامات والمسؤوليات ، قوامة مبينة على الشورى والتفاهم على أمور البيت والأسرة ، قوامة ليس منشؤها تفضيل عنصر الرجل على عنصر المرأة ، وإنما منشؤها ما ركب الله في الرجل من ميزات فطرية ، تؤهله لدور القوامة لا توجد في المرأة ، بينما ركب في المرأة ميزات فطرية أخرى ، تؤهلها للقيام بما خلقت من أجله ، وهو الأمومة ورعاية البيت وشؤونه الداخلية.
فهو أقوم منها في الجسم ، وأقدر على الكسب والدفاع عن بيته وعرضه ، لا شك في ذلك ، وهو أقدر منها على معالجة الأمور ، وحل معضلات الحياة بالمنطق والحكمة وتحكيم العقل ، والتحكم بعواطفه لا شك في ذلك أيضاً ، والأمومة والبيت في حاجة إلى نوع آخر من الميزات الفطرية ، في حاجة إلى العاطفة الدافقة والحنان الدافئ ، والإحساس المرهف ، لتضفي على البيت روح الحنان والحب ، وتغمر أولادها بالعطف والشفقة.
وإذا سألنا هؤلاء المدعين: أيهما أجدر أن تكون له القوامة بما فيها من تبعات: الفكر والعقل ، أم العاطفة والانفعال؟ لا شك أنهم يوافقوننا أن الفكر هو الأجدر ، لأنه هو الذي يستطيع تدبير الأمور ، بعيداً عن الانفعال الحاد الذي كثيراً ما يلتوي بالتفكير ، فيحيد به عن الصراط المستقيم ، فالرجل بطبيعته المفكرة لا المنفعلة ، وبما هيأه الله له من قدرة على الصراع واحتمال أعصابه لنتائجه وتبعاته ، أصلح من المرأة في أمر القوامة على البيت ، بل إن المرأة نفسها ، لا تحترم الرجل الذي تسيّره ، فيخضع لرغباتها بل تحتقره بفطرتها ، ولا تقيم له أي اعتبار.
والرجل أيضاً أب الأولاد ، وإليه ينتسبون ، وهو المسؤول عن نفقتهم ورعاية سائر شئونهم ، وهو صاحب المسكن ، عليه إيجاده وحمايته ونفقته.
ونسأل هؤلاء أيضاً ، أليس من الإنصاف والعدل أن يكون من حُمّل هذه التبعات وكُلف هذه التكاليف من أمور البيت وشئونه ، أحق بالقوامة والرياسة ، ممن كُفلت لها جميع أمورها ، وجعلت في حل من جميع الالتزامات؟ لا شك أن المنطق وبداهة الأمور ، يؤيدان ذلك.
فرياسة الرجل إذاً ، إنما نشأت له في مقابل التبعات التي كلف بها ، وما وهبه الله من ميزات فطرية ، تجعله مستعداً للقوامة.
ثم إن القوامة التي جعلها الإسلام للرجل ، لا استبداد فيها ، ولا استعباد للمرأة ، بل هي مبينة على الشورى والتفاهم بين الشريكين.
وقد نبه الإسلام الرجال لذلك ، ووجههم إلى تحقيق معنى القوامة التي يعنيها قال الله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (خيرك خيركم لأهله) ، ويُشعر الرجال أن النساء بحاجة إلى الرعاية ، لا إلى التسلط والتشدد: (استوصوا بالنساء خيراً ، فإنهن عوان عندكم) ، قال هذا في حجة الوداع ، وهو من آخر ما قال صلى الله عليه وسلم عن النساء ، ويقول صلى الله عليه وسلم: (خياركم ، خياركم لنسائهم) ، ويوصيهم بالصبر والاحتمال ، والصبر والاحتمال من مقومات القوامة (لا يفرك مؤمن مؤمنة ، إن كره منها خُلقاً ، رضي منها آخر).
وجماع القول: أن نظرية الإسلام في المرأة أنها إنسان قبل كل شيء ، والإنسان له حقوقه الإنسانية ، وأنها شقيقة الرجل ، خلقت من نفس عنصره الذي خلق منه ، فهو وهي سيان في الإنسانية ، (إنما النساء شقائق الرجال) ، هكذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقول الله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً).
وإذا استشعر الزوج ذلك ، وامتثل ما أمره الله ، وأمره رسوله به ، لا شك أنه سينصف المرأة ، ومن شذ عن ذلك ، واستبد ، وتعالى ، وجار على المرأة ، فإن الإسلام لا يرضى منه ذلك ، ولا يؤخذ الإسلام بجريرة الشواذ ، العاصين لأوامره ولا يمكن أن يحكم على الإسلام وصلاحه بأفعالهم.
===================
القوامة.. دكتاتورية وتسلط أم تهذيب وتبسط؟
ما هي القوامة؟
سبب قوامة الرجل على المرأة
هل تعني القوامة إلغاء شخصية المرأة؟
القوامة: دكتاتورية وتسلط أم تهذيب وتبسط؟
استجابة المرأة الزوجة سرّ نجاح زواجها!
هل قوامة الرجل على المرأة مقصورة على الحياة العائلية؟
الحمد لله رب العالمين على نعمه وآلائه المتوالية، وأصلي وأسلم على نبيه الأمين الذي هدى البشرية والإنسانية لدين رب العالمين، وبعد:
فقد خلق الله ـ عز وجل ـ الإنسان، وجعل منه الزوجين الذكر والأنثى، وحثنا على التعارف، فقال سبحانه:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}،وبيَّن تعالى أنَّ ميزان كرامة الإنسان لديه، ذكراً وأنثى، هو التقوى، فقال سبحانه: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ...} [الحجرات/13].
وكتاب الله تعالى جاء بتحقيق مصالح الناس، ودرء المفاسد عنهم، في الدنيا والآخرة، فقال تعالى: { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ}41{ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت:43،42].
وقال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ..} [النحل:90].
وقال جلَّ في علاه: { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ...} [الأنعام:38].
ومن هذه الأمور التي جاء الشرع المطهر ببيانها بياناً وافياً (في القرآن والسنة)، ثم أفاض علماء الأمة في شرحها وتفسير مجملها للناس: أمر" القوامة"، فقال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}34{ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء/ 35،34].
ماهي القوامة؟
إذاً كان الله ـ عز وجل ـ ذكر أنَّ الرجل قوَّام على المرأة ـ وهذا لا يجادل فيه عاقل ـ ولكن الجدال والنقاش مع الذين يدورون في رحى الخلاف: التحديد لماهية القوامة، وكيف يقوم الرجل على امرأته؟ وما معنى القوامة هذه؟
إنَّ أهل العلم السابقين تكلموا عن ذلك ، وشرحوا النصوص الربانية القرآنية بكل تحقيق وتدقيق، فأحسنوا وأبدعوا في إيصال معانيها وفوائدها النفيسة.
وهم أعلم بمقصود الآية منَّا؛ لأنهم قريبون من عهد النبوة، ولأنَّ كثيراً منهم تلقى العلم عن الصحابة والتابعين، فسألوهم عن مراد الله ورسوله في كل آية، ثم إنَّ الرسول تكلم عن القرون التي عاشوا فيها فمدحها وأثنى عليها، فقال: "خير أمتي القرن الذي بُعثتُ فيه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يخلف قوم يحبون السَّما، يشهدون قبل أن يُستشهدوا" (1)
وقد تكلم المفسرون في شرح آية القوامة السابقة كلاماً بديعاً، وها أنذا ألتقط شيئاً من درر كلامهم في شرحهم لماهية القوامة وكيفيتها:
قال ابن كثير في تفسيره عن هذه الآية:
{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} أي: الرجل قيم على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}: يعني: أمراء: عليها أن تطيعه فيما أمرها به من طاعته، وطاعته أن تكون محسنة لأهله، حافظة لماله، وكذا قال مقاتل والسدي والضحاك.. وقال الشعبي في هذه الآية: ) الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء( قال: "الصداق الذي أعطاها... (2)
وقال الشوكاني في تفسيره عن هذه الآية الكريمة:
"والمراد: أنَّهم يقومون بالذب عنهن، كما تقوم الحكام والأمراء بالذب عن الرعية، وهم أيضاً يقومون بما يحتجن إليه من النفقة، والكسوة، والمسكن، وجاء بصيغة المبالغة قوله: {قَوَّامُونَ} ليدل على أصالتهم في هذا الأمر" اهـ.
وقال أبوبكر العربي في كتابه "أحكام القرآن":
"قوله: {قَوَّامُونَ} يقال: قوَّام وقيِّم، وهو فعال وفيعل من قام، المعنى هو أمين عليها، يتولى أمرها، ويصلحها في حالها، قاله ابن عباس، وعليها له الطاعة.. ثم قال عندما ذكر القوامة: "فعليه أن يبذل المهر والنفقة، ويحسن العشرة، ويحجبها، ويأمرها بطاعة الله، ويرغب إليها شعائر الإسلام من صلاة وصيام إذا وجبا على المسلمين، وعليها الحفظ لماله، والإحسان إلى أهله، والالتزام لأمره في الحجة وغيرها إلا بإذنه، وقبول قوله في الطاعات" اهـ.
وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره:
"يخبر الله تعالى أنَّ {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} أي: قوَّامون عليهن بإلزامهن بحقوق الله تعالى، من المحافظة على فرائضه، وكفهن عن المفاسد، والرجال عليهم أن يلزموهم بذلك، وقوَّامون عليهن أيضاً، بالإنفاق عليهن،والكسوة، والمسكن" اهـ.
وبمجموع كلام هؤلاء المفسرين نستنتج أنَّ معنى القوامة يدور على خمسة أشياء:
• أنَّ الرجل كالرئيس على المرأة والحاكم عليها والأمير.
• مؤدبها إذا اعوجت وأخطأت وضلَّت طريق الهدى.
• أنَّ الرجل يبذل لها المهر والصداق.
• أنَّ الرجل يتولى أمرها ويصلح حالها، ويحسن عشرتها، ويأمرها بالاحتجاب عن الأجانب وأهل الشر والفتنة.
• إلزامهن بحقوق الله تعالى، بالمحافظة على فرائضه، والكف عما نهى عنه.
وهذا يجرنا إلى الحديث عن:
سبب قوامة الرجل على المرأة
ذكر أبوبكر ابن العربي ـ رحمه الله ـ فيتفسيره أحكام القرآن(3) أنَّ سبب تفضيل الرجل على المرأة في القوامة ثلاثة أشياء ، فقال: "وذلك لثلاثة أشياء:
الأول: كمال العقل والتمييز.
الثاني: كمال الدين والطاعة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على العموم، وغير ذلك، وهذا الذي بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أسلب للبّ الرجل الحازم منكن. قلن: وما ذلك يا رسول الله؟ قال: أليس إحداكن تمكث الليالي لا تصلي ولا تصوم، فذلك من نقصان عقلها". وقد نصَّ الله سبحانه على ذلك بالنقص، فقال: { أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى }.
الثالث: بذلهُ لها المال من الصداق والنفقة، وقد نصَّ الله عليها ها هنا" اهـ.
قال الشوكاني (4) في قوله تعالى: { بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } قال: { بِمَا فَضَّلَ اللّهُ } للسببية، والضمير في قوله: { بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } للرجال والنساء، أي: إنما استحقوا هذه المزية لتفضيل الله للرجال على النساء بما فضَّلهمبه من كون فيهم الخلفاء، والسلاطين، والحكام، والأمراء، والغزاة، وغير ذلك من الأمور.
قوله: ){ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } أي: وبسبب ما أنفقوا من أموالهم، وما مصدرية، أو موصولة، وكذلك هي في قوله: { بِمَا فَضَّلَ اللّهُ } ومن تبعيضية، والمراد: ما أنفقوه في الإنفاق على النساء، وبما دفعوه في مهورهن من أموالهم، وكذلك ما ينفقونه في الجهاد، وما يلزمهم في العقل".
وقال الشيخ محمد رشيد رضا (5) : "وسبب ذلك أنَّ الله تعالى فضَّل الرجال على النساء في أصل الخلقة، وأعطاهم ما لم يعطهن من الحول والقوة، فكان التفاوت في التكاليف والأحكام أثر التفاوت في الفطرة والاستعداد، ومن ثم سبب آخر كسبي، يدعم السبب الفطري، وهو ما أنفق الرجال على النساء من أموالهم، فإنَّ في المهور تعويضاً للنساء ومكافأة على دخولهن بعقد الزوجية تحت رياسة الرجال، فالشريعة كرَّمت المرأة إذ فرضت لها مكافأة عن أمر تقتضيه الفطرة ونظام المعيشة، وهو أن يكون زوجها قيِّماً عليها، فجعل هذا الأمر من قبيل الأمور العرفية التي يتواضع النَّاس عليها بالعقود لأجل المصلحة، كأنَّ المرأة تنازلت باختيارها عن المساواة التامة وسمحت له بأن يكون للرجل عليها درجة واحدة هي درجة القوامة والرياسة، ورضت بعوض مالي عنها... ".
وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي في تفسيره عن آية { بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ }: "أي: بسبب فضل الرجال على النساء، وإفضالهم عليهم.. فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة؛ من كون الولايات مختصة بالرجال، والنبوة والرسالة، واختصاصهم بكثير من العبادات، كالجهاد،والأعياد، والجمع، وبما خصَّهم الله به من العقل، والرزانة، والصبر، والجَلَد، الذي ليس للنساء مثله، وكذلك خصَّهم بالنفقات على الزوجات، بل وكثير من النفقات يختص بها الرجال، ويتميزون عن النساء. (6)
ولعلّ هذا سر قوله: { وَبِمَا أَنفَقُواْ } وحذف المفعول، ليدلّ على عموم النفقة، فعلم من هذا كله أنَّ الرجل كالوالي والسيد لامرأته، وهي عنده عانية أسيرة، فوظيفته أن يقوم بما استرعاه الله به..." اهـ.
وبعد هذا التتبع والاستقراء، نستنبط من كلام هؤلاء العلماء سبب قوامة الرجل على المرأة:
• كمال عقل الرجل وتمييزه.
• كمال دينه كله ؛فطبيعة التي خلق عليها جعلت تكليفه أكثر من المرأة .
• إعطاء المرأة صداقها ومهرها، والنفقة عليها.
• أن الرجال عادة يكون منهم الأنبياء والرسل والخلفاء والغزاة والأمراء.
• أنَّ الرجل بطبيعته أقوى من المرأة قوة بدنية، ونفسية، فهو يتحمَّل المشاق والمتاعب والأعباء.
هل تعني القوامة إلغاء شخصية المرأة؟
قال سيد قطب ـ رحمه الله ـ: "ينبغي أن نقول: إنَّ هذه القوامة ليس من شأنها إلغاء شخصية المرأة في البيت ولا في المجتمع الإنساني، ولا إلغاء وضعها المدني.. وإنَّما هي وظيفة داخل كيان الأسرة لإدارة هذه المؤسسة الخطيرة، وصيانتها وحمايتها، ووجود القيم في مؤسسة ما لا يلغي وجود ولا شخصية ولا حقوق الشركاء فيها، والعاملين في وظائفها، فقد حدَّد الإسلام في مواضع أخرى صفة قوامة الرجل وما يصاحبها من عطف ورعاية وصيانة وحماية، وتكاليف في نفسه وماله، وآداب في سلوكه مع زوجه وعياله"(7)
القوامة: دكتاتورية وتسلط أم تهذيب وتبسط؟
يسيء بعض الناس فهم آية { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} فهذا الرجل تجده يشتم ويلطم ويضرب زوجته المسكينة، ثم إذا اعترضت عليه يقول:قال تعالى:{ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء}، وقد يكون لا يحفظ من القرآن إلا القليل، وهذه الآية؛ لأنَّها ـ على زعمه ـ آية واضحة في أنَّ الرجل قوَّام على زوجته فليفعل بها ما شاء.
وهذا فهم سقيم، وتأويل فاسد؛ فإنَّ معنى الآية ليس هكذا، بل المعنى هو ما سبق بيانه في تفاسير العلماء.
لذلك بعض النساء قد تحصل لهن ردة فعل أمام هذه التأويلات الخاطئة، فلا يثبتن للرجل القوامة، بل قد نجد نساء بدورهن يؤولن هذه الآية تأويلاً مضحكاً وغريباً، كأن يرين أنَّ هذه الآية مناسبة للعصر الذي كان يعيشه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده، أمَّا الآن (في عصر العولمة) فإنَّ النساء يستطعن أن يستظللن ببيوتهن وآرائهن.
وقد حدَّثني أحد الإخوة الذين ذهبوا للدراسة في "باكستان" وقال لي: توجد بعض المناطق هناك.. المرأة فيها هي التي تدفع المهر للرجل، وهي التي تقود به في السيـارة، وهي التي تحاسب عند محل "البنزين" وعند السـوق ونحوها.. فالله المستعان!
وعود على بدء: إنَّ قوامة الرجل على المرأة تعني تهذيبها وأمرها بما تطيق وتستطيع ، وليس من القوامة: الظلم والتسلط.
وقد قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ...} [التحريم:6] فالقوامة هنا تعليم الرجل امرأته وأولاده دين الله؛ حتى يقيهم نار يوم القيامة.
وقال صلى الله عليه وسلم: "خياركم خياركم لنسائهم" وقال صلى الله عليه وسلم: "خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله".(8)
وقال صلى الله عليه وسلم كما رواه عنه ابن عمر: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيِّته، والرجل راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيته، فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته".(9)
ففي هذا الحديث أنَّ الرجل راع، وكذلك أنَّ المرأة راعية فهي ترعى الأبناء وترعى زوجها وتحفظ بيتها من كل سوء ومنكر.
وقالصلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء خيراً، فإنَّ المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً"(10). ففي هذا الحديث ما يدل على أنَّ القوامة تعني الأمر بالمعروف بمحبة وألفة، والنهي عن المنكر برفق وتلطف، لا بغلظة وتعسف.
إن المرأة بطبيعة الحال والخلقة التي ركبها الله فيها ضعيفة، ولذا فإنَّ الله أسقط عنها الجهاد والقضاء وسائر الولايات، كالولاية في النكاح، وقد خصَّ الدين الإسلامي الرجال بفروض وأسقطها عن النساء، مثل الجمع والجماعات والأذان والإقامة، وجعل الطلاق بيد الرجل لا بيدها.
بل إنَّ الميراث جعل الله الرجل له حظ الأنثيين، وليس ذلك ظلم في الإسلام للمرأة ومصادرة حقوقها، بل هو العدل والإنصاف؛ لأنَّه تدبير من عزيز عدل رحيم رؤوف حكيم ـ سبحانه وبحمده ـ، ومن الحكم التي نلتمسها في أن الله جعل الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين أنَّ الرجل صاحبنفقات، فهو الذي ينفق على أهله، والمرأة لا تنفق في بيت زوجها ـ إلا برضا الطرفين ـ والرجل مشاغله كثيرة، والمرأة ليست كذلك، بل إنَّ الله أمرها بالقرار في البيت، فقال:{ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } إلى غير ذلك من الحكم. وقد تكون الحكمة في ذلك تعبدية، ولذا فإنَّ سبب نزول قول الله تعالى: { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } [النساء/32].
وسبب نزولها ما رواه مجاهد(11) قال: قالت أم سلمة: أي رسول الله: أيغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث؟ فنزلت: { ولا تتمنوا ما فضَّل الله }
كما أن المرأة - بحكم ضعفها التكويني الطبيعي- تحتاج لمن يقوم عليها ويكرمها بهذا القيام،حتى بلغ ببعض النساء في الغرب إلى أن تعطي الرجل المهر حتى تكن-هي- تحت رئاسته!، فهل هذا إلا بدافع الفطرة التي جُبل عليها الإنسان؟!
استسلام الزوجة سرّ نجاح زواجها!
هذا عنوان كتاب ألَّفته امرأة أمريكية تبلغ من العمر (32) سنة، اسمها "لوردا دويل"،يقول الأستاذ "جاسم المطوع" (في مجلة المجتمع (12) بمقالٍ لهُ بعنوان: "القوامة على الطريقة الأمريكية" :
".. وفكرة هذا الكتاب أنَّها عرضت فيه تجربتها الشخصية مع زوجها، وكيف كانت متسلطة تريد أن تتحكَّم في كل شيء وباستمرار، إلى أن بدت تشعر بأنَّ زوجها في طريقه إلى الفشل، واكتشفت ذلك عندما شعرت بأنَّ زوجها بدأ يتهرَّب منها، ثم غيَّرت منهجها في الحياة إلى الحوار الهادئ معه وعدم التدخل في كل شؤونه وعدم مضايقته، والمسارعة إلى السمع والطاعة في كل ما يطلبه، وتقول للزوجات: كفوا عن التحكم في حياة أزواجكن..!"
إنَّ هذا الكلام قد ذكره الله من قبل (1400) سنة، ولكن الكفار لا يعلمون { يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون } [الروم/7]. وقد قيل قديماً: "والحق ما شهدت به الأعداء".
ويقول الدكتور "عبدالله وكيل الشيخ" في كتابه "المرأة وكيد الأعداء":
"أمَّا قوامة الرجل، فالمرأة أحوج إليها من الرجل؛ لأنَّ المرأة لا تشعر بالسعادة وهي في كنف رجل تساويه أو تستعلي عليه، حتى لقد ذهبت إحداهن إلى القاضي تطلب طلاقها من زوجها، وحجتها في ذلك أنَّها سئمت من نمط الحياة مع هذا الرجل الذي لم تسمع له رأياً مستقلاً، ولم يقل لها يوماً من الأيام كلمة: "لا"، أو "هكذا يجب أن تفعلي"، فقال لها القاضي مستغرباً: أليس في هذا الموقف من زوجك ما يعزز دعوة المرأة إلى الحرية والمساواة؟ فصرخت قائلة: كلا.. كلا.. أنا لا أريد منافساً، بل أريد زوجاً يحكمني ويقودني"(13)اهـ.
فيا سبحان الله! من هذه المرأة التي تعرف حق قوامة الزوج على زوجته وإن لم يفعل معها زوجها تلك القوامة؟
وهكذا المرأة الصالحة التي تستسلم لأوامر زوجها إن كانت بطاعة الله عز وجل ولا تحاول أن تعصيه، وقد ورد عن الترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعاً للنبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها"(14)
ومن اللطيف الظريف ما ذكره الشيخ "مازن الفريح" في كتابه أسرة بلا مشاكل: (قال الزوج لصاحبه: من عشرين لم أرَ ما يغضبني من أهلي.. فقال صاحبه متعجباً: وكيف ذلك؟ قال الزوج: من أول ليلة دخلت على امرأتي، قمت إليها فمددت يدي نحوها، فقالت: على رسلك يا أبا أمية.. كما أنت، ثم قالت: الحمد لله وصلاة على رسول الله.. إني لامرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك، فبيِّن لي ما تحبه فآتيه، وما تكره فأتركه، ثم قالت: أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك.
قال الزوج لصاحبه: فأحوجتني والله إلى الخطبة في ذلك الموضع، فقلت: الحمد لله وأصلي على النبي وآله وأسلم، وبعد:
فإنك قلتِ كلاماً إن ثَبَتِّ عليه يكن ذلك حظك، وإن تدعيه يكن حجةً عليك.. أحب كذا وكذا، وأكره كذا وكذا.. وما رأيت من حسنة فانشريها، وما رأيت من سيئة فاستريها، فقالت: كيف محبتك لزيارة أهلي؟ قال: ما أحب أن يملني أصهاري.. (يعني لا يريدها أن تكثر من الزيارة) فقالت: فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك فآذن له؟ ومن تكره فأكره؟ قلت: بنو فلان قومٌ صالحون، وبنو فلان قوم سوء.. قال الزوج لصاحبه: فبت معها بأنعم ليلة، وعشت معها حولاً لا أرى إلا ما أحب.. فلما كان رأس الحول.. جئت من عملي.. وإذا بأمَّ الزوجة في بيتي فقالت أم الزوجة لي: كيف رأيت زوجتك؟ قلت: خير زوجة.. قالت: يا أبا أمية.. والله ما حاز الرجال في بيوتهم شراً من المرأة المدللة.. فأدب ما شئت أن تؤدب، وهذب ما شئت أن تهذب.. قال الزوج: فمكثت معي عشرين عاماً لم أعتب عليها في شيء إلا مرة وكنت لها ظالماً).
قال الشيخ مازن الفريح: "ما أسعدها من حياة.. والله لا أدري أأعجب من الزوجة وكياستها، أم من الأم وتربيتها، أم من الزوج وحكمته؟! ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".
هل قوامة الرجل على المرأة مقصورة على الحياة العائلية؟
أي: هل قوامة الرجل على المرأة مقتصرة على الحياة العائلية فقط أم على غيرها من أمور الخلافة والقضاء والسلطة وغيرها.
والجواب على ذلك أن يُقال: إنَّ قوامة الرجل على المرأة ليست مقتصرة على الحياة العائلية، بل على كل شيء، فمثلاً الخلافة لا يجوز للمرأة أن تتولاها، وقد قال الإمام ابن حزم ـ رحمه الله ـ في كتابه "الفصل في الملل والأهواء والنحل" ما نصَّه: "ولا خلاف بين أحد أنَّهالا تجوز للمرأة".(15)
يقول الأستاذ أبو الأعلى المودودي -رحمه الله-في قوله تعالى: { وللرجال عليهن درجة }: "فالدرجة هي القوامة، وهي ليست مقصورة على الحياة العائلية، لأنَّ قوامة الدولة أخطر شأناً من قوامة البيت، ولأنَّ النص القرآني لم يقيد هذه القوامة بالبيوت".
ثم قال: "إنَّ قوامة الرجال على النساء لا تقتصر على البيوت بدليل أنَّه لم يذكر البيوت في الآية، فهي إذاً قوامة عامة لسائر البيوت كذلك، ثمَّ إذا جعل الله قوامة على المرأة المفردة في بيتها فهل يظن بالله أن يجعل قوامة على ملايين في حين أنه لم يجعلها لها على بيت هو بيتها" (16)
وإن أقوى الأدلة في ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن النبيصلى الله عليه وسلمحين علم أنَ أهل فارس قد ملِّكوا عليهم بنت كسرى قال:"لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"(17)
والعجب من أناس يقولون عن هذا الحديث: هذا مقيَّد بزمان النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان الحكم فيه لأبي جهل استبدادياً أمَّا الآن فلا. والله المستعان.
بل إن الهدهد (الغيور على التوحيد) عندما رأى الملكة بلقيس تحكم قوماً جاء عند سليمان عليه السلام وقال له: { إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم..} فبعد ذلك جاء سليمان وأبطل حكمها ودخلت تحت ولايته وقالت:{أسلمت مع سليمان لله رب العالمين} بعد أن قال سليمان: { أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين}.
ولذا فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُوَلِّ المرأة في حياته ولا أوصى بعد مماته بأن تتولى المرأة أي منصب رفيع.
ولذا يتبين لنا،أنَّ من ينادي بتحرير المرأة وأنَّ لها أن تتولى مناصب في الدولة ويكون تحتها أناس من الرجال تدير شؤونهم قد أخطؤوا خطأً بيناً، وخالفوا هذه النصوص الواردة في ذلك
ولقد ألف أحد المفكرين العالميين وهو"بليرداجو" ـ رئيس مدرسة التحليل النفسي العلمي، ومقرها سويسرا ـ كتاباً اسمه "المرأة: بحث في سيكولوجيا الأعماق" وذكر في هذا الكتاب أنَّ أهم خدعة خدعت بها المرأة في هذا العصر هي التحرر والحرية، وفي الواقع أنَّ المرأة، ولو علت وادعي أنَّها متحررة وتمارس شؤونها بنفسها إنَّما هي قد سقطت أكثر في عبودية الرجل.
فتأملي ـ أختاه ـ رعاك الله، واعلمي أنَّ الخير كل الخير في إخلاص الوجه والعبادة لله وحده، واتباع نبيه محمَّد صلى الله عليه وسلم، والرضا بأحكام الله تعالى وأحكام رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى:{ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور:52،51]
ولنحذر جميعاً من دعاة السوء والفتنة والشر والرذيلة { ولتعرفنهم في لحن القول }.
لا يخدعنك عن دين الهدى نفر *** لم يرزقوا في التماس الحق تأييدا
عمي القول عروا عن كل قائدة *** لأنهم قــــــــد كفـــــروا بالله تقليدا
وابتعدي عن كل ما يمسُّ عرضك من الدعوة إلى التبرج،أو الاختلاط، أو تنكر لفطرتكِ التي فُطرتي عليها، وذودي حن حريتك وحقك بقلمك ولسانك، ورُدِّي عليهم في الجرائد والمجلات ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، فإنَّ دين الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه.
من الدين كشف الستر عن كل كاذب *** وعن كل بدعي أتى بالعجائب
ولولا رجــــــال مؤمــــــنون لهدمت *** صوامع دين الله من كل جانب
وأقول لكل من قرأ ماكتبت ـ رجلاً كان أو امرأة ـ: ليؤدِّ كل منكم حقوق الله عزّ وجل التي فرضها ؛ فمن الرجل القوامة والأمر بالمعروف بمعروف والنهي عن المنكر بلا غضب ومنكر، ومن المرأة أداء حقوق زوجها عليها.
وأختم بكلام للإمام ابن باز رحمه الله،هذا نصه:
"ومعلوم أنَّ الذي جعل الرجال قوامين على النساء هو الله عزّ وجل في قوله تعالى في سورة النساء: )الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ(. فالطعن في قوامة الرجال على النساء اعتراض على الله عزّ وجل، وطعن في كتابه الكريم وفي شريعته الحكيمة، وذلك كفر أكبر بإجماع علماء الإسلام، كما نصَّ على ذلك غير واحد من أهل العلم..) اهـ(18)
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
------------------------
(1) (رواه مسلم). (انظر صحيح الجامع الصغير:1/622 ـ 624 فقد ذكر روايات عدة في هذا الموضوع).
(2) من تفسير ابن كثير
(3) (ذكرها في مجلد 1/416)
(4) "فتح القدير" (1/414)
(5) "تفسير المنار" 5/67
(6) ص142
(7) في ظلال القرآن2/652.
(8) رواه الترمذي وصححه الألباني
(9) رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني
(10) متفق عليه
(11) رواه الطبري، والإمام أحمد، والحاكم، وغيرهم
(12) العدد: 14/10/1422
(13) ص25
(14) حديثٌ صحيح صححه الإمام الألباني وغيره ، ينظر سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم:3366
(15)4/129 ، وذكر الإمام الماوردي نحو هذا الكلام في كتابه (الأحكام السلطانية ص46).
(16) ذكره في كتابه (نظرية الإسلام وهديه ص319)
(17) (فتح الباري 8/159 حديث 4425).
(18)[مجلة البحوث العلميــة، العــدد 32 سنة 1412هـ]
خباب بن مروان الحمد
=====================
القوامة
إن الحمد لله نحمده ، و نستعينه ، و نستهديه و نستغفره ، ونسترشده ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، و سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمداً عبده ورسوله .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران:102) .
و قال أيضاً : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1) .
وقال جل جلاله :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً )
(يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب: 70-71) .
أما بعد :
فإن أحسن الكلام كلام الله ، عز و جل ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، و كل بدعة ضلالة ، و كل ضلالة في النار .[1]
و بعد :
حاول الكثير من أعداء الإسلام التشنيع على الدين الإسلامي من خلال آية القوامة كدليل على التمييز ضد المرأة , و لعل أطرف ما قيل [2]:
1- أن الإسلام قد سلب المرأة حريتها ، و أهليتها و ثقتها بنفسها إذ جعل الرجل قواما على المرأة .
2- أن القوامة تمثل بقايا من عهد استعباد المرأة و إذلالها , يوم أن كانت المرأة كما مهملا في البيت , و فكرة مجهولة في المجتمع و أماً ذليلة مهينة للزوج .
3- ليس من المستساغ ، و لا من العدل أن ينفرد الرجل بالقوامة ، و رياسة الأسرة من دون المرأة ، و هي قد حطمت أغلال الرق ، و الاستعباد ، وتساوت مع الرجل في كل الحقوق ، و الالتزامات .
و للرد على هذه الشبهات والمغالطات , نرى أن نبسط القول في قوامة الرجل على المرأة في الشريعة الإسلامية :
قال تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) (النساء:34)
إن القوامة في الشريعة الإسلامية ما هي إلا آلية تنظيمية تفرضها ضرورة السير الآمن للأسرة المسلمة القائمة بين الرجل ، و المرأة و ما ينتج عنهما من نسل طيب ، و ما تستتبعه من تبعات .
و في شأن القوامة ما بين الرجل و المرأة هناك فروض ثلاثة : فإما أن يكون الرجل هو القيم ، أو تكون المرأة هي القيم ، أو يكونا معا قيمين .
و حيث إن وجود رئيسين للعمل الواحد يؤدي إلى التنازع والإفساد , لذلك سنستبعد هذا الفرض منذ البدء .
قال تعالى : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الأنبياء:22) .
و الفرض الثاني - أن تعطى المرأة القوامة ، و رئاسة الأسرة :
و الأم –كقاعدة عامة- عاطفية انفعالية تتغلب عاطفتها على عقلها في أي أزمة تمر بها هي ، أو أحد أفراد أسرتها , و الذي يدبر أموره ، و أمور غيره بالانفعال كثيرا ما يحيد عن الطريق المستقيم ، و يعرض نفسه ، وغيره لأزمات كان بالإمكان تخطيها ، و عدم الوقوع بها .
و العاقل الذي لا يحكمه هواه يستبعد هذا الفرض الذي لا يصلح لقوامة ، و رياسة الأسرة .
قال الشيخ محمد قطب ، حفظه الله : ( أن المرأة ذاتها لا تحترم الرجل الذي تسيره فيخضع لرغبتها بل تحتقره لفطرتها ، و لا تقيم له أي اعتبار ، فهذه هي المرأة الأمريكية بعد أن ساوت الرجل مساواة كاملة ، و صار لها كيان ذاتي مستقل عادت فاستعبدت نفسها للرجل فأصبحت هي التي تغازله ، وتتلطف له ليرضى ! و تتحسس عضلاته المفتولة ، و صدره العريض ، ثم تلقي بنفسها بين أحضانه حيث تطمئن إلى قوته بالقياس إلى ضعفها [3].
و حيث إننا استبعدنا الفرض الأول والثاني لم يبق إلا الفرض الذي حكم به الإسلام لسببين :
1- أن الرجل بناء على طبيعته التي خلقها الله تعالى عليها يتمتع بقدرات جسمية ، و عقلية أكبر بكثير على - وجه العموم - من المرأة التي تكون عادة أقل حجما وقوة ، و يتحكم بانفعالاتها و أفعالها ، العواطف الإيجابية و السلبية أكثر من حكمة العقل ورجحانه .
( و قد أثبتت الأبحاث الطبية أن دماغ الرجل أكبر من دماغ المرأة ، و أن التلافيف الموجودة في مخ الرجل هي أكثر بكثير من تلك الموجودة في مخ المرأة ، و تقول الأبحاث أن المقدرة العقلية و الذكاء تعتمدان إلى حد كبير على حجم ، و وزن المخ و عدد التلافيف الموجودة فيه ) [4] .
2- الإسلام فرض على الزوج الإنفاق على أسرته بالمعروف , كما كلفه بدفع المهر ، و غيره من الالتزامات ، و الواجبات , و ليس من العدالة و الإنصاف في شيء أن يكلف الإنسان بالإنفاق على أسرته دون أن يكون له حق القوامة ، و الإشراف و التربية .
و قد ذكر الله سبحانه و تعالى إلى هذين السببين الرئيسيين لاختيار الإسلام الرجل للقوامة .
بقوله تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) (النساء:34)
قال الإمام ابن كثير عليه رحمة الله : ( أي هو رئيسها ، وكبيرها و الحاكم عليها و مؤدبها إذ اعوجت , بما فضل الله بعضهم على بعض أي لأن الرجال أفضل من النساء و الرجل خير من المرأة ، و لهذا كانت النبوة مختصة بالرجال ، و كذلك الملك الأعظم لقوله صلى الله عليه وسلم : (لم يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ...)[5]. و كذا منصب القضاء ، وغير ذلك ، ( و بما أنفقوا من أموالهم ) أي من المهور ، و النفقات و الكلف التي أوجبها الله عليهن في كتابه ، وسنة نبيه صلى الله عليه و سلم ، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه ، و له الفضل عليها ، والإفضال , فناسب أن يكون قيما عليها كما قال الله تعالى : ( و للرجال عليهن درجة ).
و قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهم : ( الرجال قوامون على النساء ) (( يعني أمراء عليها أن تطيعه فيما أمرها به من طاعته ، و طاعته أن تكون محسنة لأهلها حافظة لماله ))[6]
و قال الإمام البغوي عليه رحمة الله : ( بما فضل الله بعضهم على بعض ) , يعني الرجال على النساء بزيادة العقل ، و الدين و الولاية , و قيل : بالشهادة ، لقوله تعالى : (فإن لم يكونا رجلين فرجل و امرأتان , و قيل بالجهاد و قيل بالعبادات من الجمعة و الجماعة ، و قيل هو الرجل ينكح أربعا . و لا يحل للمرأة إلا زوج واحد , و قيل : بأن الطلاق بيده , و قيل : بالميراث , و قيل : بالدية ، و قيل , بالنبوة ) [7].
و قال البيضاوي عليه رحمة الله : ( الرجال قوامون على النساء : ( يقومون عليهن قيام الولاية على الرعية وعلل ذلك بأمرين , و هبي ، وكسبي , فقال : (بما فضل الله بعضهم على بعض ) , بسبب تفضيله تعالى الرجال على النساء بكمال العقل , و حسن التدبير , و مزيد القوة في الأعمال و الطاعات , و لذلك خصوا بالنبوة و الإمامة و الولاية , و إقامة الشعائر و الشهادة في المجامع القضايا ، و وجوب الجهاد و الجمعة و نحوها ، و زيادة السهم في الميراث ، و بأن الطلاق بيده ( و بما أنفقوا من أموالهم في نكاحهن كالمهر ، و النفقة ) [8].
فالإسلام إذا جعل القوامة للرجل على المرأة , لم يشرع استبداد الرجل بالمرأة , و لا بإرادة الأسرة , ولم يرد أن تكون تلك القوامة سيف مسلط على المرأة , و إنما شرع القوامة القائمة على الشورى ، و التعاون و التفاهم ، و التعاطف المستمر بين الزوج و زوجته .
قال تعالى (( و عاشروهن بالمعروف ))[9] سورة النساء من الآية 19.
و لقوله صلى الله عليه وسلم (خيركم خير للنساء ولبناته))[10]
و لقوله صلى الله عليه و سلم (( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا و ألطفه بأهله ))[11].
و لقوله صلى الله عليه وسلم ( الصلاة الصلاة , و ما ملكت إيمانكم لا تكلفوهم ما لا يطيقون الله الله في النساء , فإنهن عوان بين أيديكم أخذتموهن بأمانة الله , و استحللتم فروجهم بكلمة الله ) [12] .
و لا يمكننا أن ننسى ق�
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
1 كورنت 11: 1) قال بولس: وأمّا كلّ امرأة تصلّي أو تتنبّأ ورأسها غير مغطّى فتشين رأسها لأنّها والمحلوقة شيء واحد بعينه. إذ المرأة إن كانت لا تتغطّى: فليُقص شعرُها.
(1كورنث 11: 30) احكموا في أنفسكم: هل يليق بالمرأة أن تصلّي إلى الله وهي غير مغطّاة؟!
(1تيمو 2: 9) النّساء يزيِن ذواتهن بلباس الحشمة لا بضفائر أو ذهب أو لآلئ أو ملابس كثيرة الثّمن
=====================
لماذا تنكرون التعدد في الزوجات في الإسلام وكتابكم المقدس
يقول :
زوجات إبراهيم هن :
1- سارة أخته لأبيه (تكوين 20: 12)
2- هاجر (تكوين 16: 15)
3- قطورة (تكوين 25: 1)
4- حجور (الطبرى ج1 ص 311)
5- يقول سفر التكوين : (( وَأَمَّا بَنُو السَّرَارِيِّ اللَّوَاتِي كَانَتْ لإِبْرَاهِيمَ فَأَعْطَاهُمْ إِبْرَاهِيمُ عَطَايَا وَصَرَفَهُمْ عَنْ إِسْحَاقَ ابْنِهِ شَرْقاً إِلَى أَرْضِ الْمَشْرِقِ وَهُوَ بَعْدُ حَيٌّ.)) تكوين 25: 6
ومعنى ذلك أنه كان سيدنا إبراهيم يجمع على الأقل ثلاث زوجات بالإضافة إلى السرارى التي ذكرها الكتاب بالجمع.
وإذا علمنا أن سليمان كلن عنده 300 من السرارى ، وداود ترك جزء من سراريه لحفظ البيت ، ويبلغ عددهن 10 سرارى (صموئيل الثاني 15: 16).
فإذا ما افترضنا بالقياس أن سيدنا إبراهيم كان عنده 10 سرارى فقط بالإضافة إلى زوجاته، يكون قد جمع تحته 13 زوجة وسريرة.
وزوجات يعقوب هن :
1- ليئة
2- راحيل
3- زلفة
4- بلهة
وبذلك يكون سيدنا يعقوب قد جمع 4 زوجات في وقت واحد.
وزوجات موسى هن:
1- صفورة (خروج 2: 11-22)
2- امرأة كوشية (وهو في سن التسعين) عدد 12: 1-15
وبذلك يكون نبي الله موسى قد تزوج من اثنتين (يؤخذ في الإعتبار أن اسم حمى موسى جاء مختلفاً: فقد أتى رعوئيل (خروج 2: 28) ويثرون (خروج 3: 1) وحوباب القينى قضاة 1: 16) وقد يشير هذا إلى وجود زوجة ثالثة لموسى عليه السلام ؛ إلا إذا اعترفنا بخطأ الكتاب في تحديد اسم حمى موسى عليه السلام.
وزوجات جدعون هن : (( كان لجدعون سبعون ولداً خارجون من صلبه ، لأن كانت له نساء كثيرات )) قضاة 8: 30-31
وإذا ما حاولنا استقراء عدد زوجاته عن طريق عدد أولاده ، نقول: أنجب إبراهيم 13 ولداً من 4 نساء. فيكون المتوسط التقريبى 3 أولاد لكل امرأة.
وكذلك أنجب يعقوب 12 ولداً من 4 نساء ، فيكون المتوسط التقريبى 3 أولاد لكل امرأة.
ولما كان جدعون قد أنجب 70 ولداً: فيكون عدد نسائه إذن لا يقل عن 23 امرأة.
وزوجات داود هن:
1- ميكال ابنة شاول (صموئيل الأول 18: 20-27)
2- أبيجال أرملة نابال (صموئيل الأول 25: 42)
3- أخينوعيم اليزرعيلية (صموئيل الأول 25: 43)
4- معكة ابنت تلماى ملك جشور (صموئيل الثاني 3: 2-5)
5- حجيث (صموئيل الثاني 3: 2-5)
6- أبيطال (صموئيل الثاني 3: 2-5)
7- عجلة (صموئيل الثاني 3: 2-5)
8- بثشبع أرملة أوريا الحثى (صموئيل الثاني 11: 27)
9- أبيشج الشونمية (ملوك الأول 1: 1-4)
وجدير بالذكر أن زوجة نبي الله (أبيشج الشونمية) كانت في عُمر يتراوح بين الخامسة عشر والثامنة عشر ، وكان داود قد شاخ ، أى يتراوح عمره بين 65 و 70 سنة. أى أن العمر بينه وبين آخر زوجة له كان بين 45 و 50 سنة.
وكذلك كان عمر إبراهيم عندما تزوج هاجر 85 (أنجب إسماعيل وعمره 86 سنة [تكوين 16: 16]). وكان عمر هاجر عندما تزوجها إبراهيم حوالى 25 إلى 30 سنة (فقد أُعطِيت لسارة من ضمن هدايا فرعون له ، وتزوجها بعد هذا الموعد بعشر سنوات هى مدة إقامته في أرض كنعان. فمتوسط عمرها عندما أُهدِيت لسارة بين 15 - 20 سنة).
وبذلك يكون الفرق في العمر بين إبراهيم وهاجر بين 55 و 60 سنة.
(( وَعَلِمَ دَاوُدُ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَثْبَتَهُ مَلِكاً عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَأَنَّهُ قَدْ رَفَّعَ مُلْكَهُ مِنْ أَجْلِ شَعْبِهِ إِسْرَائِيلَ. 13وَأَخَذَ دَاوُدُ أَيْضاً سَرَارِيَ وَنِسَاءً مِنْ أُورُشَلِيمَ بَعْدَ مَجِيئِهِ مِنْ حَبْرُونَ، فَوُلِدَ أَيْضاً لِدَاوُدَ بَنُونَ وَبَنَاتٌ.)) صموئيل الثاني 5: 12-13
ويمكن استقراء عدد نساء داود في أورشليم كالآتى:
ملك داود في حبرون على سبط يهوذا نحو 7 سنين ، تزوج فيها ست زوجات ، أى بمعدل زوجة جديدة كل سنة.
ولما نتقل داود إلى أورشليم ملكاً على إسرائيل ، كان عمره 37 سنة ، وقد بدأت المملكة تستقر. فمن المتوقع أن يستمر معدل إضافة الزوجات الجدد كما كان سلفاً، أى زوجة جديدة كل سنة.
وإذا أخذنا عامل السن في الاعتبار ، فإننا يمكننا تقسيم مدة حياته في أورشليم ، التي بلغت 33 سنة إلى ثلاث فترات ، تبلغ كل منها احدى عشر سنة ، ويكون المعدل المقبول في الفترة الأولى زوجة جديدة كل سنة ، وفى الفترة الثانية زوجة جديدة كل سنتين ، وفى الفترة الثالثة زوجة جديدة كل ثلاث سنوات.
وبذلك يكون عدد زوجات داود الجدد الائى أخذهن في أورشليم 20 زوجة على الأقل.
أما بالنسبة للسرارى فيقدرها العلماء ب 40 امرأة على الأقل. فقد هرب داود خوفاً من الثورة التي شنها عليه ابنه أبشالوم مع زوجاته وسراريه وترك عشر نساء من سراريه لحفظ البيت (صموئيل الثاني 15: 12-16).
وبذلك يكون لداود 29 زوجة و 40 سرية ، أى 69 امرأة على الأقل. وهذا رقم متواضع إذا قورن بحجم نساء ابنه سليمان الذي وصل إلى 1000 امرأة.
نساء رحبعام هن:
(( وَأَحَبَّ رَحُبْعَامُ مَعْكَةَ بِنْتَ أَبْشَالُومَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ نِسَائِهِ وَسَرَارِيهِ لأَنَّهُ اتَّخَذَ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ امْرَأَةً وَسِتِّينَ سُرِّيَّةً وَوَلَدَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ ابْناً وَسِتِّينَ ابْنَةً.)) أخبار الأيام الثاني 11: 21
نساء هوشع هن :
زوجتين (هوشع 1: 2-3 و هوشع 3: 1-2
=====================
عمل المرأة في الميزان
إن الأصل في عمل المرأة في الإسلام أن تكون في البيت راعية لمال زوجها ، مدبرة لأمره ، قائمة على شؤون بيتها ، عاملة لتحقيق أهداف الزوجية ، والأمومة النبيلة بكل صدق وإخلاص ، فإذا كان على زوجها كسب المال ، فإن عليها إنفاق ذلك لتدبير شؤون المنزل ، قال صلى الله عليه وسلم: (المرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها).
وقد ألزم الإسلام الزوج بالإنفاق عليها ، مهما كان مستواه المادي ، هذا إذا كانت ذات زوج ، وإذا لم تكن ذات زوج فقد ألزم الإسلام أقاربها: أباها ، أو أخاها ، أو غيرهما ممن تلزمها إعالتها ، ألزمهم بالإنفاق عليها ، وإذا لم يكن هذا ولا ذاك ، وهي فقيرة ، فقد جعل الإسلام حق الإنفاق عليها وكفالتها ، على ولي أمر المسلمين من بيت المال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة ، اقرؤوا إن شئتم: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) ، فأيما مؤمن ترك مالاً فلورثته ، وإن ترك ديناً أو ضياعاً ، فليأتني ، فأنا مولاه).
كل ذلك حرصاً من الإسلام على أن تبقى المرأة في مكانها الطبيعي (البيت) لا تبرحه ، تكريماً لها ، وتقديراً لرسالتها في الحياة وصوناً لها من الابتذال في زحمة الحياة ، ومتاهات البحث عن مصدر للرزق ، لكن قد لا يتيسر للمرأة من يقوم بإعالتها ممن ذكرنا ، أو تضطرها بعض الظروف إلى العمل مع وجود العائل مثل خصاصة قيّم الأسرة أو ضآلة معاشه أو مرضه أو عجزه أو سبب آخر من هذا القبيل ، حينئذ يكون الخروج من البيت ضرورة لا بد منها.
وقد راعى الإسلام هذه الضرورات ، فأباح لذلك خروجها من البيت ، والبحث عن مصدر للرزق ، تقضي به حاجتها وتسد عوزها ، على أن يكون في مجال الأعمال المشروعة التي تحسن أداءها.
ولا تتنافر مع طبيعتها ، وأن تؤديه وهي في وقار وحشمة ، وفي صورة بعيدة عن مظان الفتنة ، وأن لا يكون من شأن هذا العمل أن يؤدي إلى ضرر اجتماعي ، أو خلقي ، أو يعوقها عن أداء واجباتها الأخرى ، نحو زوجها ، وأولادها ، وبيتها ، ويكلفها ما لا تطيقه ، ولا تخرج في زيها وزينتها ، وستر أعضاء جسمها ، واختلاطها بغيرها أثناء أدائها لعملها في الخارج عما سنته الشريعة الإسلامية في هذه الشؤون.
هذا هو هدي الإسلام في عمل المرأة ، أما إتاحة الفرصة للمرأة للعمل ، وإباحته لها مطلقاً ، لضرورة ولغيرها ، فذلك مما يتنافى مع الشريعة ، ومع الفطرة السليمة ، التي فطر الله عليها المرأة ، ويتنافى مع رسالتها الأساسية في الحياة ، ومعطل لأسمى خصائص المرأة من ووظائفها الطبيعية ، والاجتماعية ، ومعطل لقوامة الرجل على المرأة.
وقد برر دعاة عمل المرأة مطلقاً في أي حال بمبررات أعتقد أنها لا تصمد أمام البحث والمناقشة ،
فمما قالوا: إن عمل المرأة يقيها السأم القاتل الذي يورثها إياه بقاؤها الطويل الذي تقضيه بين جدران البيت!!
ونقول:
إن قيام المرأة في بيت زوجها ، راعية لماله ، مدبرة لأمره ، مدركة لأهداف زوجيتها ، وأمومتها ، عاملة لها في وعي ، وصدق ، وإخلاص ، كاف لملء فراغ قلبها وعقلها ووقتها ، الذي يدّعون أنها تشكو منه ، وكفيل بأن يملأ عليها بيتها بهجة ، ويحوله إلى جنة وارفة ، فيها من أنواع المتع النفسية ، والعقلية ، ما يُذهب عنها السأم والملل الذي يدّعونه ، ويملأ نفسها بشعور السعادة والارتياح ، إن حققت رسالتها كاملة وقامت بواجبها كما ينبغي.
وقد شهدت بذلك واحدة ممن نصّبوا أنفسهم للدفاع عن المرأة: (فيليس ماكجنلي) كاتبة أمريكية ، قالت في مقال لها بعنوان: (البيت مملكة المرأة بدون منازع):
(وهل نُعَدّ – نحن النساء – بعد أن نلنا حريتنا أخيراً ، خائنات لجنسنا إذا ارتددنا لدورنا القديم في البيوت).
وتجيب على هذا السؤال بقولها:
(إن لي آراء حاسمة في هذه النقطة ، فإنني أصر على أن للنساء أكثر من حق في البقاء كربات بيوت ، وإنني أقدر مهنتنا ، وأهميتها في الحقل البشري ، إلى حد أدنى أراها كافية لأن تملأ الحياة والقلب).
إنه تقرير امرأة مثقفة ، غربية ، بإملاء واقعها وتجربتها ، وهي أدرى بمهام الأنثى وفطرتها من غيرها من غير جنسها.
وقالوا أيضاً:
إن مجد الأمة بكثرة الأيدي العاملة ، وأن المرأة نصف المجتمع ، وليس مما يتحقق به هذا المجد أن يكون نصف المجتمع عاطلاً.
ونقول:
لا تعطيل لهذا النصف كما تدّعون ، بل إنه موكول إليه من المهام ما هو أصعب ، وأشق ، وأهم من المهام الموكولة إلى الرجال ، فإذا كان بناء مجد الأمة في حاجة إلى الأيدي العاملة ، والأدمغة المفكرة ، وينشئها ويتعهدها بالرعاية والتوجيه حتى تخرج إلى معترك الحياة سوية قوية ، تخدم الأمة ، وتبني المجد ، ثم يؤمن لها العش الدافئ ، والسكن النفسي ، عند أوبتها من معترك الحياة متعبة ، مرهقة الأعصاب ، فيجد في عشه ما ينسّيه ومن ينسيه ذلك التعب ، بل ويهبه العزم ، والتصميم على مواصلة السير.
لا شك أنه عمل شاق ، ومهمة صعبة ، ورسالة سامية ، ومن لهذا كله سوى المرأة.
فلا تعطيل لهذا النصف إذاً ، بل هو قائم برسالته التي أوجد من أجلها ، وفي اليوم الذي حدث في هذه الرسالة تقصير وإهمال ، ظهرت نتائج ذلك على الأبناء ، بُناة المجد: انحرافاً في الأخلاق ، وتشرداً في الآفاق ، وتفككاً في الأسرة ، وانحلالاً وتدهوراً في المجتمعات ، وبالتالي تهدماً وسقوطاً للمجد الذي بُني.
فما هو العمل في رأي هؤلاء إن لم يكن ذلك منه ، بل أهمه وأشقه وإذا كان مقياس العمل والعطل هو الإنتاج للحياة ، فإن عمل المرأة – من حيث ذلك – هو المقدم ، أما أن يكون عمل الرجل هو كل شيء ، وعمل المرأة لا شيء ، فذلك الظلم بعينه لها ولرسالتها الجليلة في الحياة.
وسياسة الدولة كلها ليست بأعظم شأناً ، ولا بأخطر عاقبة من سياسة البيت ، لأنهما عدلان متقاربان ، عالم العراك والجهاد ، يقابله عالم السكينة والاطمئنان ، وتدبير الجيل الحاضر ، يقابله تدبير الجيل المقبل ، وكلاهما في اللزوم ، وجلالة الخطر سواء ، ولولا مركب النقص في المرأة لكان لها فخر بمملكة البيت وتنشئة المستقبل فيه ، ولا يقل عن فخر الرجال بسياسة الحاضر ، وحسن القيام على مشكلات المجتمع ، وإنما كانت الآفة كلها من حب المحاكاة بغير نظر إلى معنى المحاكاة.
فلكلٍّ من الرجل والمرأة مسؤولية ، واختصاصه في بناء هذا المجد ، كما قسمه الله بينهما ، وكل من هذين الاختصاصين مهم ، ولا يمكن أن يحقِّر منه ، أو يهون من شأنه ، أو يستغني عنه ، فالرجل إلى الإنتاج ، وتنمية الثروة ، وكسب الرزق ، وحماية العرين ، والمرأة إلى الأسرة ، إلى عمل أشق: تحمل الجنين ، وتلد وترضع ، وتربي ، وترعى الزوج والولد ، وتُمرِّض ، وتدبر شؤون المنزل ، وتثمر السكن ، والمودة والرحمة ، وتبذل من ذات نفسها ، وجهدها الحسي ما تبذل ، لتوفر للزوجية والأمومة ظروف عملها الملائمة.
وهذا الافتراق في العمل والمهام ، الذي هو مقتضى ما أُهِّل به كل منهما ، هو عين التقائهما على الإسهام ، بأدنى ما يكون ، في بناء الأمة ومجدها ، فإذا أدى كل منهما ما وجه إليه بحق ، استقامت مصلحة الأمة على أكمل وجه.
ومما قالوا أي أيضاً:
قد تكون المرأة لا عائل لها ، وقد يتوفى عنها زوجها ، ويترك لها أطفالاً صغاراً ، ولا شيء لها ولا لهم ، فتجد في العمل عصمة لها ولأولادها من الضياع.
ونقول:
إن الإسلام قد أوجب على أقارب المرأة الفقيرة إعالتها ، والنفقة عليها ، كما أوجب على أقارب أطفالها ذلك ، وإن لم يوجد لها ولأطفالها أقارب ، فقد أوجب لهما حقاً في بيت مال المسلمين ، فيقوم الحاكم بإعالتها ، والنفقة عليها ، وعلى أولادها الصغار الفقراء ، حتى يشبوا ويقدروا على العمل ، هذا هو الأصل في الإسلام.
وإذا لم يحصل لها ذلك فقد أبيح لها القيام بعمل تقيم به أودها ، وأود أطفالها ، في حدود ما شرعه الإسلام ، وضمن آدابه وتعاليمه.
على أن ثمة عوارض أخرى طبيعية ، تشترك في تقرير عجز المرأة عن عمل التكسب في الخارج ، تلك هي ما يعتور المرأة من العادة الشهرية ، والحمل تسعة أشهر ، والولادة وما تتركه من الآثار النفسية والعقلية والبدنية ، في كيان المرأة العام كما يقرر ذلك علم الطب.
وتدل مشاهدات أساطين علمي الأحياء والتشريح ، على أن المرأة تطرأ عليها في مدة حيضها التغيرات الآتية:
1- تقل في جسمها قوة إمساك الحرارة ، فتنخفض حرارتها.
2- يبطئ النبض ، وينقص ضغط الدم ، ويقل عدد خلاياه.
3- وتصاب الغدد الصماء واللوزتان ، والغدد اللمفاوية بالتغير.
4- ويختل الهضم ، وتضعف قوة التنفس.
5- يتلبد الحس ، فتتكاسل الأعضاء ، وتتخلف الفطنة ، وقوة تركيز الفكر.
وكل هذه التغيرات ، تدني المرأة الصحيحة إلى حالة المرض إدناء يستحيل معه التمييز بين صحتها ومرضها.
وأشد على المرأة من مدة الحيض زمان الحمل ، فيكتب الطبيب (ريبريت):
(لا تستطيع قوى المرأة أن تتحمل من مشقة الجهد البدني والعقلي ما تتحمله في عامة الأحوال ، وأن عوارض الحامل لو عرضت لرجل ، أو امرأة غير حامل لحكم عليه أو عليها بالمرض بدون شك ، ففي هذه المدة يبقى مجموعها العصبي مختلاً على أشهر متعددة ، ويضطرب فيها الاتزان الذهني ، وتعود جميع عناصرها الروحية في حالة فوضى دائمة).
أما عقب وضع الحمل ، فتكون المرأة عرضة لأمراض متعددة إذ تكون جراح نفاسها مستعدة أبداً للتسمم ، وتصبح أعضاؤها الجنسية في حركة لتقلصها إلى حالتها الطبيعية قبل الحمل ، مما يختل به نظام جسمها كله ، ويستغرق بضعة أسابيع في عودته إلى نصابه.
وبذلك تبقى المرأة سكناً للرجل ، ولا يمكن أن يجد ذلك السكن لدى امرأة ، يحضر فلا يجدها ، لأنها في عملها ، أو يجدها ، ولكنها – مثله – مثقلة بتعب الفكر والنفس والجسم ، وقد أفقدها العمل رهافة الحس ، ورقة الأنوثة ، بسبب قسوة العمل ومسؤولياته ، واعتبرت نفسها أنها صنوه ، ومساوية له في الكسب ، وفي تبعات البيت ولوازمه ، وفقد الرجل لذلك قوة البأس ، الذي كان يمارسه ، ولذة الرضا منها بذلك البأس ، والاستسلام لرجولته والشعور بحمايته ، وفقد تبعاً لذلك القوامة عليها ، والله يقول: (الرجال قوامون على النساء) ، وإذا فقد الرجل هذا الحق اختل نظام الأسرة ، والمجتمع ، لأنه من القوانين التي لا تنعقد روابط الأسرة إلا بها
ثم إن عمل المرأة خارج البيت مدعاة لإثارة المشاكل في البيت ، مما ينتج عنه تفكك الأسرة ، فكثيراً ما تثور المشكلات بين الزوجين بسبب العمل ، فمثلاً قد ترغب الزوجة في العمل والزوج لا يرغب ، أو العكس ، وقد تقصِّر المرأة بحق الزوجية ، والبيت بسبب عملها بدون رضى زوجها ، وقد ينشأ الخلاف على مدى مساهمة الزوجة المادية ، بمتطلبات البيت ، ومدى التزامات الرجل المادية نحو زوجته وبيته ، إلى غير ذلك ، هذا بالإضافة إلى المشاكل التي تنشأ بين الزوجين بسبب احتكاكها واختلاطها بالرجال الآخرين في العمل.
<!--<!--<!--
إن " الولاية " بكسر الواو وفتحها هى " النُّصْرَة ".. وكل من ولى أمر الآخر فهو وليه(1)(الله ولىُّ الذين آمنوا ) (2) (إن وَلِيِّىَ الله ) (3) (والله ولىُّ المؤمنين) (4) (قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لِلَّهِ من دون الناس فتمنوا الموت ) (5) (ما لكم من وَلايتهم من شىء ) (6).
وإذا كانت " النصرة " هى معنى " الولاية " ، فلا مجال للخلاف على أن للمرأة نصرة وسلطاناً ، أى ولاية ، فى كثير من ميادين الحياة..
فالمسلمون مجمعون على إن الإسلام قد سبق كل الشرائع الوضعية والحضارات الإنسانية عندما أعطى للمرأة ذمة مالية خاصة ، وولاية وسلطانا على أموالها ، ملكا وتنمية واستثمارا وإنفاقاً ، مثلها فى ذلك مثل الرجل سواء بسواء.. والولاية المالية والاقتصادية من أفضل الولايات والسلطات فى المجتمعات الإنسانية ، على مر تاريخ تلك المجتمعات.. وفى استثمار الأموال ولاية وسلطان يتجاوز الإطار الخاص إلى النطاق العام.. والمسلمون مجمعون على أن للمرأة ولاية على نفسها ، تؤسس لها حرية وسلطانا فى شئون زواجها ، عندما يتقدم إليها الراغبون فى الاقتران بها ، وسلطانها فى هذا يعلو سلطان وليها الخاص والولى العام لأمر أمة الإسلام..
والمسلمون مجمعون على أن للمرأة ولاية ورعاية وسلطاناً فى بيت زوجها ، وفى تربية أبنائها.. وهى ولاية نص على تميزها بها وفيها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى فصّل أنواع وميادين الولايات:
[ كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالأمير الذى على الناس راع عليهم وهو مسئول عنهم ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم ، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهى مسئولة عنهم ، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ] (7).
لكن قطاعا من الفقهاء قد وقف بالولايات المباحة والمفتوحة ميادينها أمام المرأة عند " الولايات الخاصة " ، واختاروا حجب المرأة عن " الولايات العامة "، التى تلى فيها أمر غيرها من الناس ، خارج الأسرة وشئونها..
ونحن نعتقد أن ما سبق وقدمناه فى القسم الأول من هذه الدراسة من وقائع تطبيقات وممارسات مجتمع النبوة والخلافة الراشدة لمشاركات النساء فى العمل العام بدءاً من الشورى فى الأمور العامة.. والمشاركة فى تأسيس الدولة الإسلامية الأولى. وحتى ولاية الحسبة والأسواق والتجارات ، التى ولاّها عمر بن الخطاب رضى الله عنه " للشِّفاء بنت عبد الله بن عبد شمس [ 20 هجرية /641م ].. وانتهاء بالقتال فى ميادين الوغى.. وأيضًا ما أوردناه من الآيات القرآنية الدالة على أن الموالاة والتناصر بين الرجال والنساء فى العمل العام سائر ميادين العمل العام وهى التى تناولها القرآن الكريم تحت فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) (8).
نعتقد أن ما سبق وأوردناه حول هذه القضية - قضية ولاية المرأة ومشاركتها مع الرجل فى ولايات العمل العام كاف وواف فى الردِّ على الذين يمارون فى ولاية المرأة للعمل العام.
أما الإضافة التى نقدمها فى هذا القسم من هذه الدراسة قسم إزالة الشبهات فهى خاصة بمناقشة الفهم المغلوط للحديث النبوى الشريف: [ ما أفلح قوم يلى أمرهم امرأة ].. إذ هو الحديث الذى يستظل بظله كل الذين يحرّمون مشاركة المرأة فى الولايات العامة والعمل العام..
ولقد وردت لهذا الحديث روايات متعددة ، منها: [ لن يفلح قوم تملكهم امرأة ].. [ لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ].. [ ولن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة ] رواها: البخارى والترمذى والنسائى والإمام أحمد..
وإذا كانت صحة الحديث من حيث " الرواية " هى حقيقة لا شبهة فيها.. فإن إغفال مناسبة ورود هذا الحديث يجعل " الدراية " بمعناه الحقيقى مخالفة للاستدلال به على تحريم ولاية المرأة للعمل العام..
ذلك أن ملابسات قول الرسول صلى الله عليه وسلم ، لهذا الحديث تقول: إن نفراً قد قدموا من بلاد فارس إلى المدينة المنورة ، فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- " من يلى أمر فارس " ؟ - " قال [ أحدهم ]: امرأة.
- فقال صلى الله عليه وسلم " ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ".
فملابسات ورود الحديث تجعله نبوءة سياسية بزوال ملك فارس وهى نبوءة نبوية قد تحققت بعد ذلك بسنوات– أكثر منه تشريعاً عاما يحرم ولاية المرأة للعمل السياسى العام..
ثم إن هذه الملابسات تجعل معنى هذا الحديث خاصاً " بالولاية العامة " أى رئاسة الدولة وقيادة الأمة..
فالمقام كان مقام الحديث عن امرأة تولت عرش الكسروية الفارسية ، التى كانت تمثل إحدى القوتين الأعظم فى النظام العالمى لذلك التاريخ.. ولا خلاف بين جمهور الفقهاء باستثناء طائفة من الخوارج على اشتراط " الذكورة " فيمن يلى " الإمامة العظمى " والخلافة العامة لدار الإسلام وأمة الإسلام.. أما ماعدا هذا المنصب بما فى ذلك ولايات الأقاليم والأقطار والدول القومية والقطرية والوطنية فإنها لا تدخل فى ولاية الإمامة العظمى لدار الإسلام وأمته.. لأنها ولايات خاصة وجزئية ، يفرض واجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر المشاركة فى حمل أماناتها على الرجال والنساء دون تفريق..
فالشبهة إنما جاءت من خلط مثل هذه الولايات الجزئية والخاصة بالإمامة العظمى والولاية العامة لدار الإسلام وأمته وهى الولاية التى اشترط جمهور الفقهاء " الذكورة " فيمن يليها.. ولا حديث للفقه المعاصر عن ولاية المرأة لهذه الإمامة العظمى ، لأن هذه الولاية قد غابت عن متناول الرجال ، فضلاً عن النساء ، منذ سقوط الخلافة العثمانية [ 1342 هجرية 1924م ] وحتى الآن !..
وأمر آخر لابد من الإشارة إليه ، ونحن نزيل هذه الشبهة عن ولاية المرأة للعمل العام ، وهو تغير مفهوم الولاية العامة فى عصرنا الحديث ، وذلك بانتقاله من:" سلطان الفرد " إلى " سلطان المؤسسة " ، والتى يشترك فيها جمع من ذوى السلطان والاختصاص..
لقد تحوّل " القضاء " من قضاء القاضى الفرد إلى قضاء مؤسسى ، يشترك فى الحكم فيه عدد من القضاة..
فإذا شاركت المرأة فى " هيئة المحكمة " فليس بوارد الحديث عن ولاية المرأة للقضاء ، بالمعنى الذى كان وارداً فى فقه القدماء ، لأن الولاية هنا الآن لمؤسسة وجمع ، وليست لفرد من الأفراد ، رجلاً كان أو امرأة.. بل لقد أصبحت مؤسسة التشريع والتقنين مشاركة فى ولاية القضاء ، بتشريعها القوانين التى ينفذها القضاة.. فلم يعد قاضى اليوم ذلك الذى يجتهد فى استنباط الحكم واستخلاص القانون ، وإنما أصبح " المنفذ " للقانون الذى صاغته وقننته مؤسسة ، تمثل الاجتهاد الجماعى والمؤسسى لا الفردى فى صياغة القانون..
وكذلك الحال مع تحول التشريع والتقنين من اجتهاد الفرد إلى اجتهاد مؤسسات الصياغة والتشريع والتقنين..
فإذا شاركت المرأة فى هذه المؤسسات ، فليس بوارد الحديث عن ولاية المرأة لسلطة التشريع بالمعنى التاريخى والقديم لولاية التشريع..
وتحولت سلطات صنع " القرارات التنفيذية " فى النظم الشورية والديمقراطية عن سلطة الفرد إلى سلطان المؤسسات المشاركة فى الإعداد لصناعة القرار.. فإذا شاركت المرأة فى هذه المؤسسات ، فليس بوارد الحديث عن ولاية المرأة لهذه السلطات والولايات ، بالمعنى الذى كان فى ذهن الفقهاء الذين عرضوا لهذه القضية فى ظل " فردية " الولايات ، وقبل تعقد النظم الحديثة والمعاصرة ، وتميزها بالمؤسسية والمؤسسات..
لقد تحدث القرآن الكريم عن ملكة سبأ - وهى امرأة - فأثنى عليها وعلى ولايتها للولاية العامة ، لأنها كانت تحكم بالمؤسسة الشورية لا بالولاية الفردية (قالت يا أيها الملأ أفتونى فى أمرى ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون) (9).. وذم القرآن الكريم فرعون مصر - وهو رجل لأنه قد انفرد بسلطان الولاية العامة وسلطة صنع القرار(قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) (10).. فلم تكن العبرة بالذكورة أو الأنوثة فى الولاية العامة حتى الولاية العامة وإنما كانت العبرة بكون هذه الولاية " مؤسسة شورية " ؟ أم " سلطانا فردياً مطلقاً " ؟ أما ولاية المرأة للقضاء.. والتى يثيرها البعض كشبهة على اكتمال أهلية المرأة فى الرؤية الإسلامية..
فإن إزالة هذه الشبهة يمكن أن تتحقق بالتنبيه على عدد من النقاط:
أولها: أن ما لدينا فى تراثنا حول قضية ولاية المرأة لمنصب القضاء هو " فكر إسلامى " و " اجتهادات فقهية " أثمرت " أحكاماً فقهية ".. وليس "دينا " وضعه الله سبحانه وتعالى وأوحى به إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، فالقرآن الكريم لم يعرض لهذه القضية ، كما لم تعرض لها السنة النبوية ، لأن القضية لم تكن مطروحة على الحياة الاجتماعية والواقع العملى لمجتمع صدر الإسلام ، فليس لدينا فيها نصوص دينية أصلاً ، ومن ثم فإنها من مواطن ومسائل الاجتهاد..
ثم إن هذه القضية هى من " مسائل المعاملات " وليست من " شعائر العبادات ".. وإذا كانت " العبادات توقيفية " تُلْتَمس من النص وتقف عند الوارد فيه ، فإن " المعاملات " تحكمها المقاصد الشرعية وتحقيق المصالح الشرعية المعتبرة..والموازنة بين المصالح والمفاسد فيها.. ويكفى فى " المعاملات " أن لا تخالف ما ورد فى النص ، لا أن يكون قد ورد فيها نص..
ومعلوم أن " الأحكام الفقهية " التى هى اجتهادات الفقهاء ، مثلها كمثل الفتاوى ، تتغير بتغير الزمان والمكان والمصالح الشرعية المعتبرة..
فتولى المرأة للقضاء قضية فقهية ، لم ولن يُغْلَق فيها باب الاجتهاد الفقهى الإسلامى..
وثانيها: أن اجتهادات الفقهاء القدماء حول تولى المرأة لمنصب القضاء هى اجتهادات متعددة ومختلفة باختلاف وتعدد مذاهبهم واجتهاداتهم فى هذه المسألة ، ولقد امتد زمن اختلافهم فيها جيلاً بعد جيل..
ومن ثم فليس هناك " إجماع فقهى " فى هذه المسألة حتى يكون هناك إلزام للخلف بإجماع السلف ، وذلك فضلاً عن أن إلزام الخلف بإجماع السلف هو أمر ليس محل إجماع.. ناهيكم عن أن قضية إمكانية تحقق الإجماع أى اجتماع سائر فقهاء عصر ما على مسألة من مسائل فقه الفروع كهذه المسألة هو مما لا يُتَصَوَّر حدوثه حتى لقد أنكر كثير من الفقهاء إمكانية حدوث الإجماع فى مثل هذه الفروع أصلاً.
ومن هؤلاء الإمام أحمد بن حنبل [ 164 241 هجرية 780 855 م ] الذى قال: " من ادعى الإجماع فقد كذب ! ".
فباب الاجتهاد الجديد والمعاصر والمستقبلى فى هذه المسألة وغيرها من فقه الفروع مفتوح.. لأنها ليست من المعلوم من الدين بالضرورة أى المسائل التى لم ولن تختلف فيها مذاهب الأمة ولا الفِطر السليمة لعلماء وعقلاء الإسلام..
وثالثها: أن جريان " العادة " فى الأعصر الإسلامية السابقة ، على عدم ولاية المرأة لمنصب القضاء لا يعنى " تحريم " الدين لولايتها هذا المنصب ، فدعوة المرأة للقتال ، وانخراطها فى معاركه هو مما لم تجربه " العادة " فى الأعصر الإسلامية السابقة ، ولم يعن ذلك " تحريم " اشتراك المرأة فى الحرب والجهاد القتالى عند الحاجة والاستطاعة وتعيُّن فريضة الجهاد القتالى على كل مسلم ومسلمة.. فهى قد مارست هذا القتال وشاركت فى معاركه على عصر النبوة والخلافة الراشدة.. من غزوة أُحد [ 3 هجرية 625م ] إلى موقعة اليمامة [ 12 هجرية 633 م ] ضد ردة مسيلمة الكذاب [ 12 هجرية 633 م ].. وفى " العادة " مرتبطة " بالحاجات " المتغيرة بتغير المصالح والظروف والملابسات ، وليست هى مصدر الحلال والحرام..
رابعها: أن علة اختلاف الفقهاء حول جواز تولى المرأة لمنصب القضاء ، فى غيبة النصوص الدينية – القرآنية والنبوية – التى تتناول هذه القضية ، كانت اختلاف هؤلاء الفقهاء فى الحكم الذى " قاسوا " عليه توليها للقضاء. فالذين " قاسوا " القضاء على: "الإمامة العظمى " التى هى الخلافة العامة على أمة الإسلام ودار الإسلام مثل فقهاء المذهب الشافعى قد منعوا توليها للقضاء ، لاتفاق جمهور الفقهاء باستثناء بعض الخوارج على جعل " الذكورة " شرطا من شروط الخليفة والإمام ، فاشترطوا هذا الشرط " الذكورة " – فى القاضى ، قياساً على الخلافة والإمامة العظمى.
ويظل هذا " القياس " قياساً على " حكم فقهى " – ليس عليه إجماع وليس " قياساً " على نص قطعى الدلالة والثبوت..
والذين أجازوا توليها القضاء ، فيما عدا قضاء " القصاص والحدود " مثل أبى حنفية " [ 80 150 هجرية / 699 767 م ] وفقهاء مذهبه قالوا بذلك " لقياسهم " القضاء على " الشهادة " ، فأجازوا قضاءها فيما أجازوا شهادتها فيه ، أى فيما عدا " القصاص والحدود ".
فالقياس هنا أيضاً على " حكم فقهى " وليس على نص قطعى الدلالة والثبوت..وهذا الحكم الفقهى المقيس عليه وهو شهادة المرأة فى القصاص والحدود.. أى فى الدماء ليس موضع إجماع.. فلقد سبق وذكرنا فى رد شبهة أن شهادة المرأة هى على النصف من شهادة الرجل إجازة بعض الفقهاء لشهادتها فى الدماء ، وخاصة إذا كانت شهادتها فيها هى مصدر البينة الحافظة لحدود الله وحقوق الأولياء..
أما الفقهاء الذين أجازوا قضاء المرأة فى كل القضايا مثل الإمام محمد بن جرير الطبرى [ 224310 هجرية / 839 923م ] فقد حكموا بذلك " لقياسهم " القضاء على " الفتيا ".. فالمسلمون قد أجمعوا على جواز تولى المرأة منصب الإفتاء الدينى أى التبليغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من أخطر المناصب الدينية وفى توليها للإفتاء سنة عملية مارستها نساء كثيرات على عهد النبوة من أمهات المؤمنين وغيرهن فقاس هؤلاء الفقهاء قضاء المرأة على فتياها ، وحكموا بجواز توليها كل أنواع القضاء ، لممارستها الإفتاء فى مختلف الأحكام.
وهم قد عللوا ذلك بتقريرهم أن الجوهرى والثابت فى شروط القاضى إنما يحكمه ويحدده الهدف والقصد من القضاء ، وهو: ضمان وقوع الحكم بالعدل بين المتقاضين.. وبعبارة أبى الوليد بن رشد الحفيد [ 520595 هجرية / 1126 1198م ]: فإن " من رأى حكم المرأة نافذا فى كل شئ قال: إن الأصل هو أن كل من يأتى منه الفصل بين الناس فحكمه جائز ، إلا ما خصصه الإجماع من الإمامة الكبرى " (11).
وخامسها: أن " الذكورة " لم تكن الشرط الوحيد الذى اختلف حوله الفقهاء من بين شروط من يتولى القضاء..
فهم مثلا اختلفوا فى شرط " الاجتهاد " فأوجب الشافعى [ 150204 هجرية / 767820م ] وبعض المالكية أن يكون القاضى مجتهداً.. على حين أسقط أبو حنيفة هذا الشرط ، بل وأجاز قضاء " العامى " أى الأمى فى القراءة والكتابة وهو غير الجاهل ووافقه بعض الفقهاء المالكية قياسا على أمية النبى صلى الله عليه وسلم (12).
واختلفوا كذلك فى شرط كون القاضى " عاملا " وليس مجرد " عالم " بأصول الشرع الأربعة: الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والقياس.. فاشترطه الشافعى ، وتجاوز عنه غيره من الفقهاء (13).
كما اشترط أبو حنيفة ، دون سواه أن يكون القاضى عربيا من قريش (14).
فشرط " الذكورة " فى القاضى ، هو واحد من الشروط التى اختلف فيها الفقهاء ، حيث اشترطه البعض فى بعض القضايا دون البعض الآخر ، وليس فيه إجماع.. كما أنه ليس فيه نصوص دينية تمنع أو تقيد اجتهادات المجتهدين..
وسادسها: أن منصب القضاء وولايته قد أصابها هى الأخرى ما أصاب الولايات السياسية والتشريعية والتنفيذية من تطور انتقل بها من " الولاية الفردية " إلى ولاية " المؤسسة " فلم تعد " ولاية رجل " أو " ولاية امرأة " ، وإنما أصبح " الرجل " جزءاً من المؤسسة والمجموع ، وأصبحت " المرأة " جزءاً من المؤسسة والمجموع.. ومن ثم أصبحت القضية فى " كيف جديد " يحتاج إلى " تكييف جديد " يقدمه الاجتهاد الجديد لهذا الطور المؤسسى الجديد الذى انتقلت إليه كل هذه الولايات.. ومنها ولاية المرأة للقضاء..
(1) الراغب الأصفهانى ، أبو القاسم الحسين بن محمد [ المفردات فى غريب القرآن ] طبعة دار التحرير ، القاهرة 1991م.
(2) البقرة: 257.
(3) الأعراف: 196.
(4) آل عمران: 68.
(5) الجمعة: 6.
(6) الأنفال: 72.
(7) رواه البخارى ومسلم والإمام أحمد..
(8) التوبة: 71.
(9) النمل: 32.
(10) غافر: 29.
(11) [ بداية المجتهد ونهاية المقتصد ] ج2 ص 494. طبعة القاهرة سنة 1974م. والماوردى [ أدب القاضى ] ج1 ص 625-628 طبعة بغداد سنة 1971م. والأحكام السلطانية ص65 طبعة القاهرة سنة 1973م.
(12) [ بداية المجتهد ونهاية المقتصد ] ج2 ص 493،494.
(13)[ أدب القاضى ] ج 1 ص 643.
(14) محمد محمد سعيد [ كتاب دليل السالك لمذهب الإمام مالك ] ص 190 طبعة القاهرة سنة 1923 م.
الكاتب: أ.د محمود حمدى زقزوق، وزير الأوقاف
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <mce:style><! /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} --> <!--[endif]-->شُبهات حول حديث : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " وردّها
روى البخاري – بإسناده - عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم - أيام الجمل بعد ما كِدت أن ألْحَق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم - قال : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملّكوا عليهم بنت كسرى قال : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة
ويُورِد بعض أعداء الملّة – من المستشرقين ومن نَحَا نَحْوَهم ولَفّ لفّهم – عِدّة شُبهات حول هذا الحديث ، وسأورِد بعض ما وقَفْتُ عليه من تلك الشبهات ، وأُجيب عنها – بمشيئة الله – .
الشبهة الأولى :
لماذا لم يتذكر أبو بكرة راوية الحديث هذا الحديث إلا بعد ربع قرن وفجأة وفى ظل ظروف مضطربة ؟
الجواب :
لم ينفرد أبو بكرة رضي الله عنه بهذا الأمر ، فقد جاء مثل ذلك عن عدد من الصحابة ، أي أنهم تذكّروا أحاديث سمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يرووها إلا في مناسباتها ، أو حين تذكّرها .
فمن ذلك :
1 – ما قاله حذيفة رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً ما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلاَّ حدَّث به ، حَفِظَه مَنْ حَفِظَه ، ونَسِيَه مَنْ نَسِيَه ، قد علمه أصحابي هؤلاء ، وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه فأذكُره كما يذكُر الرجل وجْـهَ الرَّجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عَرَفَـه . رواه مسلم .
2 – وروى مسلم عن عمرو بن أخطب قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس فأخبرنا بما كان وبما هو كائن فأعلمنا أحفظنا
3 – ما فعله عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما حينما تولّى الخلافة سنة 64 هـ ، فإنه أعاد بناء الكعبة على قواعد إبراهيم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما تَرَك ذلك إلا لحدثان الناس بالإسلام ، فلما زالت هذه العِلّة أعاد ابن الزبير بناء الكعبة .
وشكّ عبد الملك بن مروان في ذلك فهدم الكعبة ، وأعاد بناءها على البناء الأول .
روى الإمام مسلم أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال : قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين ، يقول سمعتها تقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عائشة لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتى أزيد فيه من الحِجْر ، فإن قومك قصروا في البناء ، فقال الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة : لا تقل هذا يا أمير المؤمنين فأنا سمعت أم المؤمنين تحدِّث هذا . قال : لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير .
فهذا عبد الملك يعود إلى قول ابن الزبير ، وذلك أن ابن الزبير لم ينفرد بهذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها ، وإنما رواه غيره عنها .
هذا من جهة
ومن جهة أخرى لم يقُل عبد الملك بن مروان لِمَ لَمْ يتذكّر ابن الزبير هذا إلا بعد أن تولّى ، وبعد ما يزيد على خمسين سنة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم !
إلى غير ذلك مما لا يُذكر إلا في حينه ، ولا يُذكر إلا في مناسبته .
ثم إن أبا بكرة رضي الله عنه لم ينفرِد برواية الحديث ، شأنه كشأن حديث عائشة في بناء الكعبة على قواعد إبراهيم ، إذ لم ينفرد به ابن الزبير عن عائشة .
فحديث : لا يُفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة قد رواه الطبراني من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه .
فزالت العِلّة التي علّلوا بها ، وهي تفرّد أبو بكرة بهذا الحديث ، ولو تفرّد فإن تفرّده لا يضر ، كما سيأتي – إن شاء الله – .
الشبهة الثانية :
زعم بعضهم أن الحديث مكذوب ، فقال : الكذب في متن الحديث فهو القول بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قاله لما بلغه أن الفرس ولوا عليهم ابنة كسرى . في حين أنه ليس في تاريخ الفرس أنهم ولوا عليهم ابنة كسرى ولا أية امرأة أخرى .
الجواب : هذا أول قائل إن في البخاري حديثا موضوعا مكذوبا ، ولولا أنه قيل به لما تعرّضت له ! لسقوط هذا القول ، ووهاء هذه الشبهة !
فإن كل إنسان يستطيع أن يُطلق القول على عواهنه ، غير أن الدعاوى لا تثبت إلا على قدم البيِّنة وعلى ساق الإثبات .
فإن قوله : ( في حين أنه ليس في تاريخ الفرس أنهم ولوا عليهم ابنة كسرى ولا أية امرأة أخرى )
دعوى لا دليل عليها ولا مستند سوى النفي العام !
في حين أن القاعدة : الْمُثبِت مُقدَّم على النافي .
وكُتب التاريخ قبل كُتب الحديث تنص على ذلك .
قال ابن جرير الطبري في التاريخ :
ثم ملكت بوران بنت كسرى أبرويز بن هرمز بن كسرى أنو شروان .
وقال ابن الجوزي في المنتَظَم :
ومن الحوادث ملك ( بوران ) بنت كسرى أبرويز . اهـ .
وقد عَقَد ابن الأثير في كتابه ( الكامل في التاريخ ) باباً قال فيه :
ذكر ملك ( بوران ) ابنة ابرويز بن هرمز بن أنو شروان .
ثم قال : لما قُتِل شهريراز مَلَّكَتْ الفرس ( بوران ) لأنهم لم يجدوا من بيت المملكة رجلا يُمَلِّكونه ، فلما أحسنتْ السيرة في رعيتها ، وعدلتْ فيهم ، فأصلحت القناطر ، ووضعت ما بقي من الخراج ، وردّت خشبة الصليب على ملك الروم ، وكانت مملكتها سنة وأربعة أشهر . اهـ .
وفي البدء والتاريخ للمقدسي ما نصّه :
وكان باذان بعث برجلين إلى المدينة كما أمره ابرويز لياتياه بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فبينما هما عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال لهما : إن ربى أخبرني إنه قَتَل كسرى ابنه هذه الليلة لكذا ساعات مضين منها ، فانصرف الرجلان ونظرا فإذا هو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم وثب شهرابراز الفارسي الذي كان بناحية الروم فَمَلَك عشرين يوما ثم اغتالته بوران دخت بنت ابرويز فقتلته ، وملكت بوران دخت سنة ونصف سنة ، فأحسنت السيرة وعَدَلَتْ في الرعية ولم تَجْبِ الخراج ، وفرّقت الأموال في الأساورة والقوّاد ، وفيها يقول الشاعر :
دهقانة يسجد الملوك لها *** يجبى إليها الخراج في الجرب اهـ .
بل ذَكَر ابن كثير رحمه الله أنه مَلَك فارس أكثر من امرأة في أزمنة متقارِبة
قال ابن كثير في البداية والنهاية :
فملكوا عليهم ابنة كسرى بوران بنت ابرويز ، فأقامت العدل وأحسنت السيرة ، فأقامت سنة وسبع شهور ، ثم ماتت ، فملّكوا عليهم أختها ازرميدخت زنان ، فلم ينتظم لهم أمر ، فملّكوا عليهم سابور بن شهريار وجعلوا أمره إلى الفرخزاذ بن البندوان فزوَّجه سابور بابنة كسرى ازرميدخت ، فكرِهَتْ ذلك ، وقالت : إنما هذا عبد من عبيدنا ! فلما كان ليلة عرسها عليه هَمُّوا إليه فقتلوه ، ثم ساروا إلى سابور فقتلوه أيضا ، وملّكوا عليهم هذه المرأة ، وهي ازرمدخيت ابنة كسرى ، ولعبت فارس بملكها لعبا كثيرا ، وآخر ما استقر أمرهم عليه في هذه السنة أن ملّكوا امرأة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة . اهـ .
وقال الذهبي في التاريخ : ومات قتلا ملك الفرس شهر براز ابن شيرويه قتله أمراء الدولة وملكوا عليهم بوران بنت كسرى . اهـ .
ولا يخلو كتاب تاريخ من ذِكر تولِّي ( بوران ) الْحُـكُم .
فقد ذَكَرها خليفة بن خياط ، واليعقوبي ، وابن خلدون ، واليافعي ، وكُتب تواريخ المدن ، كتاريخ بغداد ، وغيرها .
على أنه لو صحّ (أنه ليس في تاريخ الفرس أنهم ولوا عليهم ابنة كسرى ولا أية امرأة أخرى)
لكان فيه دليل على قائله وليس له !
كيف ذلك ؟
يكون قد أثبت أنه لا يُعرف لا في جاهلية ولا في إسلام أن امرأة تولّت مَنْصِباً !!
الشبهة الثالثة :
قول القائل : هل من المعقول أن نعتمد في حديث خطير هكذا على راوية قد تم جلده (أبو بكرة) في عهد عمر بن الخطاب تطبيقاً لحد القذف ؟!
الجواب :
سبق أن علِمت أن أبا بكرة رضي الله عنه لم ينفرد برواية الحديث .
ثم الجواب عن هذه الشبهة أن يُقال :
أولاً : لا بُـدّ أن يُعلم أن أبا بكرة رضي الله عنه صحابي جليل .
ثانياً : الصحابة كلّهم عدول عند أهل السنة ، عُدُول بتزكية الله لهم وبتزكية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أغْنَتْ عن كل تزكية .
ثالثاً : أبو بكرة رضي الله عنه لم يفسق بارتكاب كبيرة ، وإنما شهِد في قضية ، فلما لم تتم الشهادة أقام عمر رضي الله عنه الْحَدّ على من شهِدوا ، وكان مما قاله عمر رضي الله عنه : قبلت شهادته .
وقال لهم : من أكْذَبَ نفسه قَبِلْتُ شهادته فيما يُستَقْبَل ، ومن لم يفعل لم أُجِـزْ شهادته .
فعمر رضي الله عنه لم يقُل : لم أقبل روايته .
وفرق بين قبول الشهادة وبين قبول الرواية .
والفروق ذكرها القرافي في كتابه : الفُروق .
رابعاً : مما يؤكِّد الفرق بين الرواية والشهادة ما نقله ابن حجر عن المهلّب حينما قال :
واستنبط المهلب من هذا أن إكذاب القاذف نفسه ليس شرطا في قبول توبته ، لأن أبا بكرة لم يُكذب نفسه ، ومع ذلك فقد قبل المسلمون روايته وعمِلُوا بها .
على أن آية القذف في قبول الشهادة .
وعلى أن هناك فَرْقاً بين القاذِف لغيره ، وبين الشاهد – كما سيأتي – .
خامساً : أبو بكرة رضي الله عنه لم يَـرَ أنه ارتكب ما يُفسِّق ، ولذا لم يَرَ وجوب التوبة عليه ، وكان يقول : قد فسَّقوني !
وهذا يعني أنه لم يَرَ أنه ارتكب ما يُفسِّق .
قال البيهقي : إن صح هذا فلأنه امتنع من التوبة من قَذْفِه ، وأقام على ذلك .
قال الذهبي : قلت : كأنه يقول لم أقذِف المغيرة ، وإنما أنا شاهد ، فجنح إلى الفرق بين القاذف والشاهد ، إذ نصاب الشهادة لو تمّ بالرابع لتعيَّن الرجم ، ولما سُمُّوا قاذِفين .
سادساً : في الرواية تُقبل رواية المبتدع ، إذا لم تكن بدعته مُكفِّرة ، وهذا ما يُطلق عليه عند العلماء ( الفاسق الْمِلِّي ) ، الذي فِسقه متعلق بالعقيدة ، لا بالعمل .
وروى العلماء عن أُناس تكلّموا في القدر ، ورووا عن الشيعة ، وليس عن الرافضة الذين غَلَوا في دين الله !
ورووا عن الخوارج لِصِدقِهم .
ورووا عمّن يشرب النبيذ .
وعن غيرهم من خالَف أو وقع في بدعة
فإذا كان هؤلاء في نظر أهل العلم قد فسقوا بأفعالِهم هذه ، فإنه رووا عنهم لأن هؤلاء لا يرون أنهم فسقوا بذلك ، ولو رأوه فسقاً لتركوه !
فتأمّل الفرق البيِّن الواضح .
وأبو بكرة رضي الله عنه مع كونه صحابياً جاوز القنطرة ، إلا أنه يرى بنفسه أنه لم يأتِ بما يُفسِّق ، ولو رأى ذلك لَتَاب منه .
وهو – حقيقة – لم يأتِ بما يُفسِّق .
غاية ما هنالِك أنه أدى شهادة طُلِبت منه ، فلم يقذِف ابتداء ، كما علِمت .
والصحابة قد جاوزوا القنطرة ، والطّعن في الصحابة طَعن فيمن صحِبوا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
فإن القدح في خير القرون الذين صحِبُوا الرسول صلى الله عليه وسلم قَدْحٌ في الرسول عليه السلام ، كما قال مالك وغيره من أئمة العلم : هؤلاء طعنوا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما طعنوا في أصحابه ليقول القائل : رجل سوء كان له أصحاب سوء ، ولو كان رجلا صالحا لكان أصحابه صالحين ، وأيضا فهؤلاء الذين نَقَلُوا القرآن والإسلام وشرائع النبي صلى الله عليه وسلم . . اهـ .
فإن مرتبة الصُّحبة كافية في العَدَالَة .
ولذا قيل لهم ما لم يُقَل لغيرهم
ونالوا من شرف المراتب ما لم يَنَلْه غيرهم
فإنه لا يوجد أحد قيل له : اعمل ما شئت فقد غُفِر لك ، سوى أصحاب بدر .
روى البخاري ومسلم عن علي رضي الله عنه قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال ائتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها ، فانطلقنا تعادي بنا خيلنا فإذا نحن بالمرأة فقلنا : اخرجي الكتاب . فقالت : ما معي كتاب ، فقلنا : لتخرجنّ الكتاب أو لتلقين الثياب ، فأخرجته من عقاصها ، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا حاطب ما هذا ؟ قال : لا تعجل عليَّ يا رسول الله إني كنت أمرا مُلصقاً في قريش - قال سفيان كان حليفا لهم - ولم يكن من أنفسها وكان ممن كان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن اتّخِذ فيهم يَـداً يَحْمُون بها قرابتي ، ولم أفعله كُفرا ، ولا ارتدادا عن ديني ، ولا رضا بالكفر بعد الإسلام ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صَدَق ، فقال عمر : دعني يا رسول الله اضرب عنق هذا المنافق ! فقال : إنه قد شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم .
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : إن الله عز وجل اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم . رواه الإمام أحمد .
فأنت ترى أن هذا الصحابي فَعَل ما فَعَل ، ولو فَعَله غيره ممن لم يَنَل شرف شهود غزوة بدر ، لربما كان له شأن آخر .
ويُقال مثل ذلك في حق أبي بكرة رضي الله عنه ، فإنه نال شرف الصحبة ، وكفى بهذا الشَّرَف تعديلا وتوثيقاً .
ثم إن أبا بكرة الثقفي له أربعة عشر حديثا في صحيح البخاري !
فلِمَ لم يُطعَن إلا في هذا الحديث ؟
أنا أُخبِرك !
لأنه عارَض أهواء أقوام يُريدون إخراج المرأة !
الشبهة الرابعة :
ذِكر بلقيس ملكة سبأ في القرآن الكريم .
حيث قال القائل : (ويكفينا إشادة القرآن ببلقيس ملكة سبأ وهى امرأة)
والجواب عن هذه الشُّبهة من عدّة أوجه :
الوجه الأول : أن يُقال أين هي الإشادة ؟
أفي نسبتها للضلال والكُـفر ؟
كما في قوله تعالى : (وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ)
أم في ذِكر بعثها للرشوة باسم الهدية ؟!
كما في قوله تعالى : (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ)
وربما يُقصد بالإشادة ما ذُكِر عنها أنها كانت عاقلة حكيمة
وهذا يُجاب عنه في :
الوجه الثاني : أن يُقال إنها كانت كافرة ، فهل إذا أُثني على كافر بِعَدْلٍ أو بِعَقْلٍ يكون في هذا إشادة بِكُفره ؟!
بل وفي نفس القصة : (قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ) فهل يُمكن أن يُقال : هذا فيه ثناء على العفاريت ! فتُولَّـى المناصِب ! وتُحكّم في الناس ؟!!!
الوجه الثالث : أن هذا لو صحّ أن فيه إشادة – مع ما فيه من ذمّ – فليس فيه مستند ولا دليل .
أما لماذا ؟
فلأن هذا من شرع من قبلنا ، وجاء شرعنا بخلافه .
الوجه الرابع :
أن هذا الْمُلك كان لِبلقيس قبل إسلامها ، فإنها لما أسلمت لله رب العالمين تَبِعَتْ سُليمان عليه الصلاة والسلام ، فقد حكى الله عنها أنها قالت : (قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
فلما أسلمت مع سليمان لم يعُد لها مُلك ، بل صارت تحت حُكم سليمان عليه الصلاة والسلام .
أخيراً :
إلى كل من خاض في مسألة تولية المرأة للمناصِب ، ومن يُطالِب أن تكون المرأة ( قاضية ) !
بل ويستدل بعضهم بما كان من الكفّار قديما وحديثا .
أما قديما فيستدلّون بقصة بِبلقيس !
وأما حديثاً فيستشهدون بحُكم ( اليزابيث ) !
وعجيب ممن ترك الكتاب والسنة وأصبح يستدلّ على صحة أقواله بأحوال الكفار قديما وحديثاً !
ومتى كانت أفعال الكفار مصدراً للتشريع ؟؟!!
أما حُكم ملكة بريطانيا فإنه في الواقع تشريفي وراثي فحسب .
ثم إن المتنفِّذِين في السياسة والحياة العامة هم مِن الرجال سواء بسواء في بقية الدول الأوربية .
ولو لم يكن كذلك فإنه من أفعال النصارى التي لا مستند فيها ولا دليل ولا شُبهة أصلاً !
ثم إنهم يزعمون أن المرأة الغربية أكثر حصولاً على الحقوق من غيرها ، وهي لا تتولّى المناصب الكبرى ذات الخطورة والأهمية .
" وحتى الآن فجميع رؤساء الولايات المتحدة هم من الرِّجال البِيض ذوي نفوذ مالي واجتماعي كبير "
كما قال د . المسلاتي في كتابه ( أمريكا كما رأيتها ) .
وهذا يؤكِّـد أن الدعاوى في وادٍ والواقع في وادٍ آخر !!
ويؤكِّد أيضا أن شُبهات القوم إنما تُثار في بلاد الإسلام فحسب !
وإلا فما معنى أن تُطالَب المرأة أن تتولّى القضاء والمناصِب القيادية ، وهي لا تأخذ نصيبها من قيادة وإدارة دفّـة الْحُـكْـم ؟؟؟!!!
والله نسأل أن يهدينا سواء السبيل .
كتبه / عبد الرحمن السحيم
الرياض – 15/8/1425 هـ .
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
<!--<!--<!--
أسباب تعدد الزوجات قبل الإسلام
حديث الأرقام
يأبى الله جل وعلا إلا أن يظهر آيات قدرته ودلائل رحمته حينا بعد حين ..
وإذا كان على المؤمن أن يخضع لحكم ربه ولو لم يدرك علة الحكم ، فإن غير المؤمنين يكتشفون في كل حين من أسرار التشريع الإلهي وحكمته ، ما يجعل المنصفين منهم ينحنون إجلالا للرب العظيم ..
والمثال الواضح هنا إباحة تعدد الزوجات ..
ففي آخر الإحصاءات الرسمية لتعداد السكان بالولايات المتحدة الأمريكية تبين أن عدد الإناث يزيد على عدد الرجال بأكثر من ثمانية ملايين امرأة .. وفى بريطانيا تبلغ الزيادة خمسة ملايين امرأة ، وفى ألمانيا نسبة النساء إلى الرجال هي 3 : 1 .. وفى إحصائية نشرتها مؤخرا جريدة (( الميدان )) الأسبوعية (1) أكدت الأرقام أنه من بين كل عشر فتيات مصريات في سن الزواج ( الذي تأخر من 22 إلى 32 سنة ) تتزوج واحدة فقط !! والزوج دائما يكون قد تخطى سن الخامسة والثلاثين وأشرف على الأربعين ، حيث ينتظر الخريج ما بين 10 إلى 12 سنة ليحصل على وظيفة ثم يدخر المهر ثم يبحث عن نصفه الآخر !!
وقالت الصحيفة : إن العلاقات المحرمة تزيد ، وكذلك ظاهرة الزواج العرفي في ظل وجود ملايين من النساء بلا زواج .. وأكدت الباحثتان غادة محمد إبراهيم و داليا كمال عزام في دراستهما (2) تراجع حالات الزواج بين الشباب بنسبة 90 % بسبب الغلاء والبطالة وأزمة المساكن .
***
وتقول إحصائية رسمية أمريكية : إنه يولد سنويا في مدينة نيويورك طفل غير شرعي من كل ستة أطفال يولدون هناك [ صحيفة الأخبار المصرية عدد 2/ 7 / 1968 ] ، ولا شك أن العدد على مستوى الولايات المتحدة يبلغ الملايين من مواليد السفاح سنويا .
وفى كل من العراق وإيران اختل التوازن العددي بين الرجال والنساء بصورة مفزعة بسبب الحرب الضارية التي استمرت بين البلدين ثماني سنوات .. فالنسبة تتراوح بين 1 إلى 5 في بعض المناطق ( رجل لكل خمسة نساء ) و 1 إلى 7 في مناطق أخرى .. والأمر شديد الغرابة والخطورة في جمهورية البوسنة والهرسك التي فرضت عليها حرب عنصرية قذرة طحنت البلاد أربع سنوات كاملة ( من عام 1992 حتى عام 1996 ) .. فالنسبة في معظم أنحاء البوسنة والهرسك هي رجل لكل 27 امرأة !! نعم 1 إلى 27 !!! ولنا أن نتخيل حجم المأساة الاجتماعية التي يعيشها حاليا هذا البلد المسلم الذي فرضت عليه الشيوعية عشرات السنين ، ثم تحرر من الشيوعية المجرمة ليقع بين أنياب صليبية أشد فتكا وإجراما .. فماذا تفعل الفتيات المسلمات اللائي لا يجدن أزواجا من المسلمين ؟ وهل نتركهن ليتزوجن من شباب الصرب الأرثوذكس أو الكروات الكاثوليك ، لأن بعض المتنطعين و المتنطعات يأبون تعدد الزوجات ؟!! أو أن هؤلاء يفضلون ويفضلن أن تتخذ الفتيات المسلمات عشاقا ( زناة من خلف الستار ) على النمط الغربي المنحل ؟!!
***
وفى تحقيق ساخن عن (( انفجار العوانس )) تذكر السيدة تهاني البرتقالي مراسلة الأهرام في الكويت ما حدث منذ سنوات عندما انتشرت ظاهرة إرسال مئات الخطابات من فتيات إلى زوجات كويتيات تطالب كل فتاة في رسالتها المرأة المتزوجة بقبول مشاركة امرأة أخرى لها في زوجها لحل مشكلة العنوسة في المجتمع الكويتي والخليجي بصفة عامة .. ويقول التحقيق الذي نشرته مجلة الأهرام العربي في عددها الأول : إن عدد عوانس الكويت حوالي 40 ألف فتاة .
وهو عدد ليس بالقليل بالمقارنة بتعداد الشعب الكويتي ككل ، وهو نصف مليون نسمة ( أي أن نسبة العوانس في الكويت تبلغ 16 % من عدد النساء في الكويت ، الذي يزيد على الربع مليون نسمة ) .
***
حرمان المرأة من العواطف أشد خطورة من حرمانها الجنسي .. فمتعة الإشباع الجنسي بدون عواطف ليس لها أي تأثير لدى المرأة .. بينما الكلمة الرقيقة واللمسة الحانية تأثيرها أكثر بكثير ، وتجعلها تنعم بالإشباع الجنسي .. هذا ما يؤكده الدكتور سعيد عبد العظيم – أستاذ الأمراض النفسية و العصبية بطب القاهرة – ويضيف أن الحرمان العاطفي عند المرأة هو الطريق السريع إلى الانحراف أو البرود الجنسي ، بالإضافة إلى العديد من الأمراض الجسدية والنفسية وغيرها .. (3)
$ يقول الدكتور محمد هلال الرفاعى أخصائي أمراض النساء والتوليد :
عدم الزواج أو تأخيره يعرض المرأة لأمراض الثدي أكثر من المتزوجة ، وكذلك سرطان الرحم والأورام الليفية .. وقد سألت كثيرا من المترددات على العيادة : هل تفضلين عدم الزواج أم الاشتراك مع أخرى في زوج واحد ؟
كانت إجابة الأغلبية الساحقة هي تفضيل الزواج من رجل متزوج بأخرى على العنوسة الكئيبة ، بل إن بعضهن فضلت أن تكون حتى زوجة ثالثة أو رابعة على البقاء في أسر العنوسة .
وإذا كان هذا هو رأى العلم ، فإن المرأة الطبيبة تكون أقدر على وصف الحال بأصدق مقال .. تقول طبيبة في رسالة بعثت بها إلى الكاتب الكبير أحمد بهجت (( إنها قرأت إحصائية تقول : إن هناك ما يقرب من عشرة ملايين سيدة وآنسة بمصر يعشن بمفردهن .. وهن إما مطلقات أو أرامل لم ينجبن أو أنجبن ، ثم كبر الأبناء وتزوجوا أو هاجروا ، أو فتيات لم يتزوجن مطلقا ..
وتقول الطبيبة : هل يستطيع أحد أن يتخيل حجم المأساة التي يواجهها عالم (النساء الوحيدات) ؟ إن نساء هذا العالم لا يستطعن إقامة علاقات متوازنة مع الآخرين ، بل يعشن في حالة من التوتر والقلق والرغبة في الانزواء بعيدا عن مصادر العيون و الألسنة والاتهامات المسبقة بمحاولات خطف الأزواج من الصديقات أو القريبات أو الجارات .. وهذا كله يقود إلى مرض الاكتئاب ، ورفض الحياة ، وعدم القدرة على التكيف مع نسيج المجتمع .
وتدق الطبيبة ناقوس الخطر محذرة مما يواجه هؤلاء النسوة من أمراض نفسية وعضوية مثل الصداع النصفي و ارتفاع ضغط الدم والتهابات المفاصل وقرحة المعدة والإثنى عشر والقولون العصبي واضطرابات الدورة الشهرية وسقوط الشعر والانحراف الخلقي .. ويضطر الكثير منهن للارتباط برجل متزوج .(4)
و الطريف أن بعض الدول الغربية التي تعانى من المشكلة المزعجة ، وهى زيادة عدد النساء فيها على عدد الرجال ، اضطرت إلى الإقرار بمبدأ تعدد الزوجات ، لأنه الحل الوحيد أمامها لتفادى وقوع انفجار اجتماعي لا قبل لها بمواجهته ، أو علاج آثاره المدمرة .. حدث هذا في ذات الوقت الذي يرفع فيه بعض المسلمين – اسما فقط – راية الحرب على تعدد الزوجات وشرعيته !!
يحكى الدكتور محمد يوسف موسى ما حدث في مؤتمر الشباب العالمي الذي عقد عام 1948 ، بمدينة ميونخ الألمانية .. فقد وجهت الدعوة إلى الدكتور محمد يوسف وزميل مصري له للمشاركة في حلقة نقاشية داخل المؤتمر كانت مخصصة لبحث مشكلة زيادة عدد النساء أضعافا مضاعفة عن عدد الرجال بعد الحرب العالمية الثانية .. وناقشت الحلقة كل الحلول المطروحة من المشاركين الغربيين ، وانتهت إلى رفضها جميعا ، لأنها قاصرة عن معالجة واحتواء المشكلة العويصة . وهنا تقدم الدكتور محمد موسى وزميله الآخر بالحل الطبيعي الوحيد ، وهو ضرورة إباحة تعدد الزوجات ..
في البداية قوبل الرأي الإسلامي بالدهشة و النفور .. ولكن الدراسة المتأنية المنصفة العاقلة انتهت بالباحثين في المؤتمر إلى إقرار الحل الإسلامي للمشكلة ، لأنه لا حل آخر سواه .. وكانت النتيجة اعتباره توصية من توصيات المؤتمر الدولي ..
وبعد ذلك بعام واحد تناقلت الصحف ووكالات الأنباء مطالبة سكان مدينة (( بون )) العاصمة الألمانية الغربية بإدراج نص في الدستور الألماني يسمح بتعدد الزوجات (5) وهكذا يتبين الحق ولو كره العلمانيون !!
***
والأخذ بنظام تعدد الزوجات جنَّب المجتمعات الإسلامي شرورا ومصائب لا حصر لها .. وتكفى مقارنة بسيطة بين المجتمع السعودي مثلا – الذي تندر فيه الجرائم الخلقية مثل الاغتصاب والدعارة – وبين المجتمع الأمريكي الذي تكاد نسبة العشيقات فيه تزيد على نسبة الزوجات .. كما تبلغ نسبة الأطفال غير الشرعيين فيه أكثر من 45 % من نسبة المواليد سنويا !! وتقول الإحصاءات الرسمية الأمريكية إن عدد الأطفال غير الشرعيين كان 88 ألف مولود سنة 1938 ، ثم ارتفع إلى 202 ألف عام 1957 ، ووصل إلى ربع مليون مولود من الزنا عام 1958 .. ثم قفز الرقم إلى الملايين من ثمرات الزنا في التسعينيات !! والأرقام الحقيقية تكون عادة أضعاف الأرقام الرسمية التي تذكرها الحكومات .. وما خفي كان أعظم !!
ولكل هذا تساءل الكاتب الشهير الفرنسي أتيين دينيه : (( هل حظر تعدد الزوجات له فائدة أخلاقية ؟! ويجيب بنفسه : إن هذا الأمر مشكوك فيه .. لأن الدعارة النادرة في أكثر الأقطار الإسلامية سوف تتفشى بآثارها المخربة ، وكذلك سوف تنتشر عزوبة النساء بآثارها المفسدة ، على غرار البلاد التي تحظر التعدد . (6)
ضوابط التعدد
قال الله تعالى : { وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا } . (7)
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية التي نصت على إباحة تعدد الزوجات: أي أنه إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف ألا يعطيها مهر مثلها فليعدل إلى ما سواها من النساء فإنهن كثير ولم يضيق الله عليه . (8)
وروى البخاري – بإسناده – أن عروة بن الزبير سأل خالته السيدة عائشة – رضي الله عنها – عن هذه الآية فقالت : ( يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط [ يعدل ] في صداقها [ مهرها ] فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهى الأولياء عن نكاح من عنده من اليتامى إلا أن يقسطوا إليهن ، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق [ أي يعطوهن أعلى مهر تحصل عليه نظائرهن ] ، وأمروا [ وفى حالة خشية عدم العدل ] أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن [ من غير اليتامى الموجودات في كفالة هؤلاء ] ).
وروى أبو جعفر محمد بن جرير في تفسيره عن ربيعة في معنى الآية ، قال تعالى عن اليتامى : اتركوهن فقد أحللت لكم أربعا .. وقال أبو جعفر أيضا نقلا عن آخرين : انكحوا غيرهن من الغرائب اللواتي أحلهن الله لكم وطيبهن من واحدة إلى أربع ، فإن خفتم أن تظلموا إذا تزوجتم من الغرائب أكثر من واحدة ، فتزوجوا منهن واحدة فقط ، أو ما ملكت أيمانكم .. وقال آخرون : بل معنى ذلك النهي عن نكاح ما فوق الأربع حرصا على أموال اليتامى أن يتلفها الأولياء ، وذلك أن قريشا – في الجاهلية – كان الواحد منهم يتزوج العشرة من النساء أو أكثر أو أقل ، فإذا أنفق ماله كله على زوجاته العشر و صار معدما تحول إلى مال اليتامى فأنفقه على نسائه أو تزوج به أخريات فنهاهم الله تعالى عن ذلك . (9)
وقال الإمام النسفى في تفسيره : (( قيل : كانوا – في الجاهلية – لا يتحرجون من الزنا ، ويتحرجون من ولاية اليتامى ، فقيل لهم إن خفتم ظلم اليتامى فخافوا كذلك من الزنا فتزوجوا ما حل لكم من النساء ، ولا تحوموا حول المحرمات .. أو أنهم كانوا يتحرجون من الولاية في أموال اليتامى ، ولا يتحرجون من الاستكثار من النساء مع أن الظلم يقع بينهن إذا كثرن عن أربع ، فكأنما يقال لهم : إذا تحرجتم من ظلم اليتامى فتحرجوا أيضا من ظلم النساء الكثيرات ، فإن خفتم من عدم العدل بين الزوجات فالزموا واحدة أو الإماء [ الجواري ] بلا حصر حتى لا تظلموا أحدا .. (10)
وأما معنى { خفتم } فهو : إذا غلب على الظن عدم القسط [ عدم العدل ] في اليتيمة فاعدلوا عنها [ اتركوها إلى غيرها ] .. وليس القيد هنا لازما ، بمعنى أنه حتى في حالة من لم يخف الظلم في اليتامى فله أن يتزوج أكثر من واحدة [ اثنتين أو ثلاثا أو أربعا ] مثل من يخاف الظلم تماما (11) فإباحة التعدد حكم عام لكل المسلمين بضوابطه .
أما معنى قوله تعالى : { ذلك أدنى ألا تعولوا } أي أقرب إلى ألا تظلموا ، وليس كما ذهب إليه البعض : (أدنى ألا تكثر عيالكم ) فقد نقل الطبري عن ابن عباس ومجاهد وابن عمير أن العول هو الجور [ الظلم ] ، والميل كما أن المعنى ليس كما قال آخر ذلك أدنى ألا تفتقروا ، فالمعنى لا يستقيم بذلك ، وإنما الصحيح هو ما ذهب إليه جمهور العلماء من أن الهدف هو ألا تظلموا ولا تميلوا عن الحق .
عدم الزيادة على أربع
يستفاد من نص الآية الكريمة وأقوال المفسرين – رضي الله عنهم – أن الله تعالى أحل للمسلم من زوجة إلى أربع .. فلا تجوز الزيادة على أربع في وقت واحد ، فإذا خاف الزوج أن يظلم إذا تزوج أكثر من واحدة فإن عليه أن يكتفي بزوجة واحدة فقط .
وكذلك إذا خاف ألا يعدل إن تزوج ثلاثة فعليه الاكتفاء باثنين .. وإذا خاف زوج الثلاث الظلم إن تزوج بالرابعة فعليه الاقتصار على الثلاث فقط .
والشريعة الغراء تحظر حتى الزواج بواحدة فقط إذا خاف الزوج أن يظلمها .. ف الإسلام العظيم حريص على العدل في كل الظروف و الأحوال .
وهناك إجماع بين العلماء على عدم جواز الجمع بين أكثر من أربع زوجات (12) وإذا كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد جمع بين تسع زوجات ، فهذا حكم خاص به عليه السلام ، ولا يجوز القياس عليه أو تعميمه .
وسوف نورد فيما بعد أسباب اقترانه عليه السلام بكل زوجة وظروف كل زيجة ، لإزالة اللبس وسوء الفهم والرد على أكاذيب المستشرقين واليهود بهذا الصدد ..
قال الإمام الشافعي – رضي الله عنه – في مسنده : (( وقد دلت سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) المبينة عن الله تعالى أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة )) .. وذهب بعض الشيعة إلى جواز الجمع بين تسع نسوة لكل مسلم ( مثنى + ثلاث + رباع فيكون المجموع تسعا ) !!
وفى رأى أخر شاذ ، بل يجوز الجمع بين 18 زوجة ( على أساس مثنى تفيد 2+2 وثلاث تفيد 3+3 ، ورباع تفيد 4+4 فيكون المجموع 18 زوجة ) !!!
ولكن نصوص السنة القاطعة وعمل الصحابة والتابعين ، تفيد اقتصار المسلم على أربع فقط ، كما أجمع علماء أهل السنة من السلف والخلف على أنه لا يجوز لغير النبي (صلى الله عليه وسلم) الزيادة على أربع زوجات . ونشير هنا إلى الأحاديث التي سبق أن أوردناها في الفصل الأول من هذا الكتاب ، ومنها حديث الإمام البخاري – رضي الله عنه – [ كما رواه مالك والنسائي والدارقطنى ] ، أن غيلان الثقفي قد أسلم وله عشر زوجات فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم) : ( اختر منهن أربعا وفارق سائرهن ) .
وكذلك حديث أبى داود أن حارث بن قيس الأسدى قال : أسلمت وعندي ثمان نسوة ، فذكرت ذلك للنبي (صلى الله عليه وسلم) فقال : ( اختر منهن أربعا) .(13)
وقال ابن كثير موضحا معنى { مثنى وثلاث ورباع } : انكحوا من شئتم من النساء إن شاء أحدكم اثنين وإن شاء ثلاثا وإن شاء أربعا ، كما قال تعالى : { جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع } (14) أي منهم من له جناحان ، ومنهم من له ثلاثة أجنحة ، ومنهم من له أربعة أجنحة .. والمقام هنا كما يقول ابن عباس – رضي الله عنه – وجمهور العلماء وهو مقام امتنان وإباحة ، فلو كان يجوز للرجال الجمع بين أكثر من أربع زوجات لذكره تعالى . (15)
ورد الإمام القرطبى على من زعم إباحة أكثر من أربع قائلا : (( قال هذا من بعد فهمه للكتاب والسنة ، وأعرض عما كان عليه سلف هذه الأمة ، وزعم أن (( الواو )) في الآية جامعة ، والذي صار إلى هذه الجهالة وقال هذه المقالة هم الرافضة وبعض أهل الظاهر . وذهب البعض إلى أقبح منها فقالوا بإباحة الجمع بين ثماني عشر زوجة ، وهذا كله جهل باللسان [ اللغة ] والسنة ، ومخالفة لإجماع الأمة ، إذ لم يُسمع عن أحد من الصحابة أو التابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع )) .
وبعد أن أورد الأحاديث التي أمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) الصحابة المشار إليهم بإمساك أربع وتطليق ما زاد عليهن ، أكد القرطبى (16) أن ما أبيح للرسول (صلى الله عليه وسلم) من الجمع بين تسع زوجات هو من خصوصياته (صلى الله عليه وسلم) ثم قال القرطبى : الله تعالى خاطب العرب بأفصح اللغات ، والعرب لا تدع أن تقول تسعة وتقول اثنين ثلاثة أربعا ، وكذلك تستقبح من يقول : أعط فلانا أربعة ستة ثمانية ولا يقول ثمانية عشر . وإنما الواو في الآية الكريمة { مثنى وثلاث ورباع } ، هي بدل انحكوا ثلاثا بدلا من مثنى ، ورباعا بدلا من ثلاث )) .. فإذا تزوج بخامسة يبطل العقد ، ويقام عليه الحد على اختلاف بين العلماء في ذلك .. وقيل ولماذا لم يستخدم الله تعالى لفظ ( أو ) في الآية ؟ ورد عليه القرطبى بأن ( أو ) لو استخدمت لجاز أن يمنع زوج الاثنين من اتخاذ ثالثة وزوج الثلاث من اتخاذ رابعة ، بينما هذا مباح له .
القدرة على التعديد
أشرنا من قبل إلى أن القدرة شرط لاستخدام رخصة تعدد الزوجات .. وذلك لأن زواج الثانية أو الثالثة أو الرابعة هو مثل زواج الأولى ، فيشترط فيه الاستطاعة المالية والصحية والنفسية .. فإذا انتفى شرط القدرة أو الاستطاعة فلا يجوز التعدد .
وذلك بديهي ، لأن من لا يستطيع الإنفاق على بيتين يجب عليه الاقتصار على واحدة . وزوج الاثنين عليه الاكتفاء بهما إذا لم يكن في استطاعته أن يعول زوجة ثالثة أو رابعة وهكذا ..
والإنفاق الذي نقصده إنما يمتد أيضا إلى أولاده من الزوجة أو الزوجات والاستطاعة الصحية – في رأينا – هي القدرة على ممارسة الجماع مع الزوجات ، لأن واجب الزوج أن يلبى الرغبات الطبيعية للزوجة أو الزوجات حتى يساعدهن على التزام العفة والطهارة .. فإذا كان الزوج عاجزا جنسيا مثلا فإنه لا يتصور السماح له بإمساك حتى ولو زوجة واحدة ، لأن في ذلك ظلما فادحا لها ..
ونرى كذلك أن الرجل الذي تؤهله قدرته الجنسية للزواج بواحدة فقط يحظر عليه الاقتران بغيرها حتى لا يظلمها ، ويفوت مصلحتها من الزواج ، والأمر في ذلك يتوقف على ظروف كل حالة على حدة ، ويعتمد أولا على ضمير الزوج وصدقه مع النفس ، وورعه في دينه سوف يمنعه من ظلم زوجته أو زوجاته
فإذا أصر الرجل على إمساك زوجة أو زوجات لا يقدر على إمتاعهن بالجماع بالقدر المعقول ، فإن لها أو لهن الحق في اللجوء إلى القضاء لطلب التطليق للضرر وخشية الفتنة .. وللقاضي هنا سلطة واسعة في تقدير مدى الضرر حسب كل حالة على حدة ..
أما القدرة النفسية فنعنى بها القدرة على تطبيق معايير العدالة بين الزوجات في كل شئ ممكن بغير محاباة لإحداهن أو لأولاده منها ، على حساب زوجته أو زوجاته الأخريات وأولادهن منه ..
فإذا تخلف أحد مقومات الاستطاعة أو المقدرة الثلاثة المذكورة لا يجوز تعديد الزوجات مطلقا .
العدل بين الزوجات
يقول الله تبارك وتعالى : { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة .. } (17)
ويقول عز من قائل : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما ) (18) فكيف يمكن التوفيق بين النصين ؟ وما هي العدالة المطلوبة ؟
يقول الإمام القرطبى : (( أخبر الله تعالى بعدم استطاعة تحقيق العدل بين النساء في ميل الطبع في المحبة والجماع والحظ من القلب ، فوصف الله تعالى حالة البشر وأنهم بحكم الخلقة لا يملكون ميل قلوبهم إلى بعض دون بعض .
ولهذا كان (صلى الله عليه وسلم) يقسم بين زوجاته [ في النفقات ] ، فيعدل ثم يقول : ( اللهم إن هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) .. ثم نهى الله تعالى عن المبالغة في الميل فقال : { فلا تميلوا كل الميل } أي لا تتعمدوا الإساءة – كما قال مجاهد – الزموا التسوية في القسم والنفقة لأن هذا مما يستطاع )) .(19)
وروى قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبى هريرة قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ( من كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ) (20) . والمقصود هنا الذي لا يعدل في النفقة والمبيت وليس في الحب وهوى القلب ، فلا أحد يملك القلوب سوى رب القلوب ). وقال ابن عباس وابن جرير والحسن البصري : { كالمُعَلقة } أي تتركونها لا هي مطلقة [ فتبتغى زوجا آخر ] ولا هي ذات زوج [ يرعاها ويقوم على شئونها ويعطيها حقوقها ] ، وقال قتادة { كالمعلقة } أي كالمسجونة .. وكان أبى بن كعب – رضي الله عنه – يقرأ الآية هكذا : { فتذروها كالمسجونة } ..
وقرأ ابن مسعود – رضي الله عنه – { فتذروها كأنها معلقة } وهى قراءات لتوضيح المعنى فحسب ، وليست تغييرا في نصوص المصحف الشريف أو ألفاظه – حاشا لله ..
يقول الشيخ السيد سابق : (( فإن العدل المطلوب هو العدل الظاهر المقدور عليه ، وليس هو العدل في المحبة و المودة و الجماع )) . (21)
قال محمد بن سيرين – رضي الله عنه – (( سألت عبيدة عن هذه الآية فقال : العدل المنفى في الحب والجماع )) . وقال أبو بكر بن العربي [ عن الحب ] : ذلك لا يملكه أحد إذ قلبه بين إصبعين من أصابع الرحمن يصرفه كيف يشاء ، وكذلك الجماع فقد ينشط للواحدة ما لا ينشط للأخرى .. فإن لم يكن ذلك بقصد منه فلا حرج عليه فيه ، فإنه لا يستطيعه فلا يتعلق به تكليف )) .
وقال الإمام الخطابي : (( يجب القسم بين الحرائر الضرائر ، وإنما المكروه في الميل هو ميل العشرة الذي يترتب عليه بخس الحقوق [ المادية ] دون ميل القلوب )) ،ويقول الشيخ سيد قطب رحمة الله عليه : (( المطلوب هو العدل في المعاملة والنفقة والمعاشرة والمباشرة .. أما العدل في مشاعر القلوب وأحاسيس النفوس فلا يطالب به أحد من بنى الإنسان ، لأنه خارج عن إرادة الإنسان ، وهو العدل الذي قال الله عنه { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء } هذه الآية التي يحاول بعض الناس أن يتخذ منها دليلا على تحريم التعدد ، والأمر ليس كذلك .. وشريعة الله ليست هازلة حتى تشرع الأمر في آية وتحرمه في آية أخرى .. ولأن الشريعة لا تعطى باليمين وتسلب بالشمال !!
فالعدل المطلوب في الآية هو العدل في النفقة والمعاملة و المعاشرة و المباشرة ، ويدونه يتعين عدم التعدد ، فهو يشمل سائر الأوضاع الظاهرة بحيث لا ينقص زوجة شيئا منها ، وبحيث لا تؤثر إحدى الزوجات على الأخريات بشيء من نفقة أو معاشرة أو مباشرة ، وذلك على النحو الذي كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) – وهو أرفع إنسان عرفته البشرية – يفعله ويقوم به ، في الوقت الذي كان الجميع لا يجهلون أنه عليه السلام كان يحب عائشة لكن هذا لم يجعله يفضلها على غيرها في القسم أو النفقة .(22)
***
والخلاصة أن الميل القلبي أو الحب لزوجة أكثر من غيرها – فيما نرى – يجب أن يظل في مكانه داخل الصدر ، ولا يترجم إلى تصرفات أو من أفعال من شأنها أن تجرح أحاسيس باقي الزوجات أو تضر بمصالحهن ومصالح أولادهن لحساب الزوجة المحظية وأولادها ..
ونحن أولا وأخيرا بشر ولسنا ملائكة ، ولهذا يجب أن يقنع الجميع بالعدالة فيما يستطاع ، فالعدل المطلق لا مكان له إلا في الآخرة عند الله تعالى الذي لا يظلم عنده أحد .. ولا سبيل إلى إجبار أحد من البشر على العدل في المشاعر والأحاسيس ..
والله تعالى بعدله ورحمته سوف يعوض تلك التي لا تحظى بقدر كبير من الحب أو الجاذبية أو محبة زوجها ، سوف يعوضها إن صبرت واتقت كل الخير في الدنيا والآخرة .. ولعل هذا الوضع يكون اختبارا لها وابتلاء من الله تؤجر عليه إن صبرت وامتثلت لأمر الله ، ونذكر هنا مثل هذه الزوجة بأن بقاءها مع زوجها وتمتعها بقدر منقوص من حبه ، مع كل حقوقها الأخرى وحقوق أولادها ، خير لها ألف مرة من الطلاق البغيض والحرمان التام من كل ذلك .. فالدنيا ليست دار بقاء ومتاعها ناقص وزائل في النهاية ، والنعيم المقيم والسعادة التامة مكانها الجنة وليست الأرض ..
وأخيرا فإنه لو كان صحيحا أن الآية 129 من سورة النساء تحظر التعدد [ لأنها كما زعموا : قطعت بأن العدل بين النساء مستحيل ] نقول لو كان هذا صحيحا لكان واجبا أن يطلق الرسول عليه السلام وأصحابه زوجاتهم فور نزول الآية ويكتفي كل منهم بواحدة ، لكنهم لم يفعلوا ، وحاشا لله أن يخالف النبي (صلى الله عليه وسلم) وصحابته أمر الله في مثل هذه الحالة أو غيرها ..
ولهذا فالصحيح أن التعدد مسموح به ومباح إلى قيام الساعة .. خاصة وأن من علامات الساعة أن ( تبقى النساء ويذهب الرجال حتى يكون لخمسين امرأة قيم [ رجل ] واحد ) حديث شريف (23)
القسم بين الزوجات
القَسم – بفتح القاف وسكون السين – لغةً هو : توزيع الأنصاب على عدد من الناس .. أما القِسم – بكسر القاف – فهو النصيب ذاته والجمع أقسام .
وأما في اصطلاح الفقهاء فمعناه العدل بين الزوجات في المبيت والنفقة وغيرها (24) والعدل أو القسم واجب على الزوج في الطعام والسكن والكسوة والمبيت [ عند كل واحدة مثل الأخرى ] ، وسائر الأمور المادية بلا تفرقة بين غنية وفقيرة أو عظيمة وحقيرة ، فإذا خاف عدم العدل وعدم الوفاء بحقوقهن جميعا فإنه يحرم عليه الجمع بينهن . (25)
والعبرة في النفقة – طبقا للراجح من مذهب الأحناف – هي بحالة الزوج يسرا أو عسرا بغض النظر عن حال الزوجات . وعلى ذلك تجب التسوية بينهن في النفقة وتشمل المأكل والمشرب والملبس والمسكن ..
لأن القول بغير ذلك من شأنه أن يتسبب في الخلافات و الأحقاد والعداوات بين الزوجات وأولاد كل منهن ، وهم أولاد رجل واحد .
ولذلك نشدد على ضرورة العدل التام في النفقات وسائر الأمور المادية . كما يجب – في رأينا – أن يجتهد الأب لإخفاء مشاعره ومحبته لإحدى زوجاته عن الأخريات ، فالفطنة والكياسة والحكمة مطلوبة من الزوج حماية لكيان الأسرة ومنعا للخلافات ..
وضع الفقهاء شروطا للقسم ... أولها العقل : إذ لا يجب القسم على المجنون ، أما الزوجة المجنونة فيجب القسم لها إذا كانت هادئة قائمة بمنزل زوجها بحيث يمكنه مباشرتها ، وإلا فلا قسم لها .
والشرط الثاني للقسم أن يكون الزوج بالغا ، أما الزوجة فلا يشترط لها البلوغ ، بل يكفى أن تكون مطيقة للوطء ، فإذا لم يكن الزوج بالغا وظلم أحدى زوجاته ، فإن الإثم يقع على وليه ، لأنه هو الذي زوجه ، وهو الذي احتمل مسئولية ذلك ، فعليه أن يدور به على نسائه ليعدل بينهن .(26)
والشرط الثالث للقسم : ألا تكون المرأة ناشزا .. فإن كانت عاصية خارجة على طاعة زوجها فلا حق لها في القسم .. ولا يسقط القسم وجود مانع يمنع الوطء ، سواء كان هذا المانع بالزوجة مثل الحيض أو النفاس أو المرض ، أو كان المانع بالزوج مثل المرض أو الضعف الجنسي ، لأن الوطء ليس لازما للقسم ، فالمبيت الغرض منه الأنس وليس الجماع بالضرورة .. فإذا كان الزوج مريضا مرضا لا يستطيع معه الانتقال فيجوز له أن يقيم عند من يستريح لخدمتها وتمريضها .. وذلك مأخوذ من فعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما داهمه مرض الموت فأذنت له زوجاته – رضي الله عنهن – بأن يقيم في منزل السيدة عائشة – رضي الله عنها – لما يعلمن من حبه لها وارتياحه لتمريضها له وخدمتها إياه ..
ولا يجوز مطلق ترك إحدى الزوجات بغير جماع عمدا بحجة عدم الحب لها ، لأن هذا يؤدى إلى تعريضها للفتنة و الفساد .. فإذا لم يجامعها بالقدر الكافي لعفتها وإحصانها فلا مفر من الطلاق ، ولعل الله يبدلها زوجا خيرا منه ، ويبدله زوجا خيرا له منها .
وهناك رأى وجيه يحدد حق كل زوجة في المبيت عندها بليلة كل أربع ليال على اعتبار أنه يحق له الزواج من أربع .. وهو ذات الحق بالنسبة للمتزوج بواحدة الذي تشغله العبادة أو العمل فعليه أن يبيت عند زوجته ليلة واحدة كل أربع ليال ، وله أن يتعبد الثلاث ليال الباقيات ..
وهناك الرأي الراجح الذي ذكرناه من قبل وذهب إلى ضرورة أن يجامع الرجل كل زوجة بالقدر المعقول الذي يكفى لعفافها وصرفها عن التعلق بغيره .. ويرى بعض الأحناف أنه يجب الحكم للزوجة قضاء بالوطء من وقت لأخر ، بما يراه القاضي كافيا لإعفافها وإحصانها ..
ويرى المالكية أنه يحرم على الزوج الامتناع عمدا عن جماع إحدى الزوجات في نوبتها ليوفر قوته وحيويته لجماع أخرى أجمل منها يتلذذ بها أكثر .. فإذا كان عند صاحبة النوبة ووجد في نفسه الميل والقدرة على الجماع ثم امتنع عامدا ليوفر قوته للأجمل فنه يأثم بذلك ، لأنه إضرار متعمد منه بصاحبة النوبة ، حتى ولو لم تتضرر بالفعل ولم تبادر بالشكوى ..
وللزوج أن يقسم بين زوجاته حسب حالة .. فإن كان يعمل بالنهار قسم بينهن بالليل ، ولو كان عمله الذي يكسب قوته منه ليلا [ مثل الحارس وغيره ] ، قسم بينهن بالنهار .. أي لكل واحدة ليلة أو يوم مثلا ، أو لكل واحدة يومان أو ليلتان .. ويجوز أن يقسم بينهن : لكل واحدة أسبوع أو أكثر بالتراضي بينهن ، على تفصيل واختلاف في الآراء بين المذاهب .(27)
ويحرم على الزوج أن يجامع غير صاحبة النوبة ، ولا أن يُقبّل ضرتها .. ويجوز له الدخول على زوجاته من غير صاحبة اليوم أو الليلة للضرورة أو لقضاء حاجة أو إذا احتاجت منه شيئا من المصروفات أو لرعاية الأولاد وغير ذلك من المصالح الضرورية .
ويرى الحنابلة أن القسم يجب أن يكون ليلة و ليلة ، بحيث لا تزيد عن ذلك إلا بالتراضي عليه .. وله أن يخرج في ليلة كل واحدة منهن لقضاء ما جرت عليه العادة من صلوات وأداء حقوق وواجبات وغيرها .. وليس له أن يتعمد الخروج الكثير في ليلة إحداهن دون الأخرى ، لأن ذلك ظلم وإجحاف بها [ إلا إذا رضيت بذلك ] .
ويضيف الحنابلة حكما طريفا آخر هو : أنه لا يجوز للزوج الدخول على أي زوجة أخرى غير صاحبة النوبة ليلا إلا في النوازل الشديدة ، مثل مرض الموت إذا كانت تريد أن توصى إليه وغير ذلك من الأمور الخطيرة فحسب .. أما في النهار فيجوز له الدخول على غير صاحبة النوبة لقضاء حاجة بشرط ألا يطيل البقاء عندها ، فإن أطال البقاء عندها يقضى اليوم لضرتها ، وإذا جامع غير صاحبة النوبة فإنه يلتزم بقضاء الجماع لصاحبة النوبة [ أي يجامعها مرة بدلا وعوضا عن جماعه لغيرها ] خلافا لرأى الشافعية .
وبالنسبة للزوجة الجديدة نحن نرجح رأى الأحناف الذي لا يعطى لأي زوجة قديمة أو جديدة استثناء في المبيت ، وكذلك لا فرق بين البكر والثيب [ من سبق لها الزواج ] ولو تزوج بكرا جديدة أو ثيبا جديدة يبدأ المبيت عندها : سبع ليال للبكر وثلاث ليال إذا كانت الجديدة ثيبا ، ثم يعوض نساءه الباقيات عن هذه المدة ، فذلك هو ما يقتضيه مبدأ العدل بين الزوجات .. وسنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) تدل على التسوية في القسم ، ولكن يكون البدء بالدور للجديدة فهذا جائز ، ثم يعطى الأخريات من الأيام والليالي مثل ما أمضى عند الجديدة ..
ويجوز للزوجة أن تتنازل لضرتها عن نصيبها بمقابل أو بغير مقابل .. وإذا تنازلت لها ثم رجعت يجوز هذا الرجوع . (28)
وقد تنازلت أم المؤمنين سودة بنت زمعة – رضي الله عنها – عندما كبرت في السن عن ليلتها للسيدة عائشة – رضي الله عنها – لما تعلمه من حب النبي (صلى الله عليه وسلم) لها .. وهكذا ضربت السيدة سودة أروع الأمثلة ، واكتفت بأن تحشر يوم القيامة ضمن أزواج المصطفى (صلى الله عليه وسلم) وكفى بها نعمة .
وفى حالة سفر الزوج هناك تفرقة بين سفر الانتقال من بلد إلى بلد آخر للاستقرار فيه [ مثل من يسافر من الريف للاستقرار بمدينة معينة ، أو يهاجر نهائيا من دولة إلى أخرى ] ، وبين السفر العارض المؤقت الذي يرجع بعده إلى بلده الذي به زوجاته .
فإذا كان الزوج مسافرا إلى البلد الآخر ليستقر به نهائيا فيجب عليه اصطحاب كل الزوجات معه إن تيسر ذلك ، أو إجراء قرعة بينهن ليأخذ الفائزة في القرعة معه بعض الوقت ثم يعيدها وتسافر إليه أخرى ، وهكذا .. فإن تعذر عليه هذا الحل أيضا لا مفر من تطليق من لا يريدها وإمساك من يريد اصطحابها معه إلى حيث يستقر نهائيا ، فهذه الحالة ليست سفرا بالمعنى الدقيق وإنما هي هجرة في حقيقة الأمر ، فلا يجوز هنا هجر بعض الزوجات واصطحاب البعض الآخر إلا برضا الجميع ، وهو يكاد يكون مستحيلا في هذه الحالة ، لأن الزوجة المرغوب عنها سوف تفقد زوجها نهائيا برحيله إلى البلد الآخر . (29)
أما إذا كان السفر مؤقتا لغرض التجارة أو الحج أو الغزو أو العلاج أو السياحة وغيرها ، فالرأي الذي نرجحه هو أنه يجب على الزوج إجراء قرعة بين الزوجات لتحديد من تسافر معه .. ومدة السفر المؤقت هنا تسقط من الحساب ، بمعنى أنها تعتبر من نصيب الفائزة في القرعة وحدها ولا تعويض للأخريات عنها عند العودة من السفر .. وإذا سافرت الزوجة وحدها فلا تعويض لها عما فاتها في غيابها .. أما إذا سافرت كل الزوجات مع زوجهن فإن عليه القسم بينهن كما كان يفعل في بلده الأول ..
وأخيرا : هل يجوز للزوج أن يجمع بين زوجاته في مكان واحد ؟
يرى الفقهاء أنه إذا كان المنزل يحتوى على عدة شقق أو أدوار لكل منها باب خاص بها ولها منافع تامة مستقلة عن بقية الشقق [ دورة مياه و مطبخ ومنشر لتجفيف الملابس المغسولة ] فإنه يجوز للزوج أن يجمع بين زوجاته في هذا المنزل ولو بدون رضا كل منهن ، طالما أن كل واحدة سوف تسكن في شقة منفصلة ومستقلة عن الأخريات . (30)
أما إذا كان المسكن له باب واحد ودورة مياه واحدة ومطبخ واحد ، وبه عدة حجرات أو حجرة واحدة فلا يجوز للرجل أن يجمع كل زوجاته في مثل هذا المنزل إلا برضائهن جميعا .. وكذلك لو كانوا جميعا على سفر وأقاموا في غرفة أو خيمة واحدة [ مثل السفر للحج مثلا ] فيجوز في هذه الحالة برضاهن أو بدون رضاهن في حالة الضرورة [ مثل تكدس الخيام في منى وعرفات ] .
وأفتى المالكية بأن مجامعة الرجل زوجته أمام الأخرى أو الأخريات حرام ، وليس مكروها ، والحرمة تشمل كل الحالات سواء كانت الزوجة محل الجماع مكشوفة العورة للأخريات أم لا (31)... ونحن نؤيد هذا الرأي المالكي السديد ، فالحقيقة أنه لا يجوز مثل هذا الجماع من الناحية الإنسانية ، لأن فيه جرحا عميقا لمشاعر الأخريات ، وإثارة سخيفة للغريزة والأحقاد فيما بينهن .. كما أن فيه خدشا لحياء من يجامعها زوجها أمام الأخريات ..
والإنسان الذي كرمه الله يختلف عن الحيوانات العجماوات ، ولهذا ترفض الفطرة الإنسانية السليمة مثل هذا الجماع أمام أخريات .. بل إن بعض الحيوانات مثل القطط يستحيل عليها ممارسة الجنس إذا كان هناك من يراقبها أو يراها ، أو حتى يقف قريبا منها ، ولو لم يكن يراها !! وسبحان الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ...
ونرى أنه يمكن للزوج زيادة نفقة إحدى الزوجات عن الأخريات في حالات وظروف خاصة ، منها زيادة عدد أولادها عن الأخريات .
فإذا أعطى مثلا ستة أرغفة لزوجة عندها خمسة أطفال بينما أعطى من لها ثلاثة أربعة أرغفة فإنه لا يكون ظالما بداهة .. بل هذا هو صميم العدل ، إذ القسمة هنا على أساس أن لكل فرد رغيفا .. وكذلك إذا كانت أحدى الزوجات مريضة مرضا شديدا يحتاج إلى علاج . وعلى الزوجات الأخريات أن يحمدن الله على نعمة العافية ، ولا يطلبن مقابلا لما تكلفه علاج أختهن المريضة .
***
وإذا اشترطت المرأة في عقد الزواج ألا يتزوج عليها ، فإن على الزوج احترام العقد وعدم الاقتران بأخرى إلا برضا الزوجة الأولى وتنازلها عن الشرط .. ففي الحديث الشريف : ( إن أحق الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج ) [رواه البخاري ومسلم] .. ومعنى الحديث الواضح أن الشروط المدرجة في عقد الزواج هي أولى الشروط بالاحترام والالتزام .
...
(1) عدد الثلاثاء 6 مايو 1997 .
(2) أعدت تحت أشراف أساتذة المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.
(3) مجلة طبيبك الخاص عدد مايو 1997 .
(4) صندوق الدنيا – الأهرام – عدد 13 مايو 1997 م .
(5) السيد سابق – فقه السنة – نظام الأسرة – المجلد الثاني – ط مكتبة المسلم – ص 104.
(6) كتاب محمد رسول الله ، ترجمة المرحوم الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق
(7) الآية 3 من سورة النساء .
(8) ابن كثير – تفسير القرآن العظيم – تفسير الآية 3 من سورة النساء .
(9) راجع جامع البيان في تفسير القرآن لابن جرير الطبري تفسير سورة النساء .
(10) تفسير النسفى – سورة النساء .
(11) السيد سابق - فقه السنة – المجلد الثاني نظام الأسرة – ط مكتبة المسلم ص 95 الهامش .
(12) السيد سابق – المرجع السابق .
(13) راجع الفصل الأول "التعدد قبل الإسلام" من هذا الكتاب.
(14) الآية الأولى من سورة فاطر
(15) ابن كثير... المرجع المشار إليه من قبل
(16) الجامع لأحكام القرآن – القرطبى – ط الريان – ص 1578 .
(17) الآية 3 من سورة النساء .
(18) الآية 129 من سورة النساء .
(19) الجامع لأحكام القرآن للقرطبى – الآية 129 من سورة النساء .
(20) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي .
(21) فقه السنة – المجلد الثاني – نظام الأسرة ص 99 .
(22) سيد قطب – في ظلال القرآن – الجزء الأول – ط دار الشروق – ص 582 .
(23) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه .
(24) الفقه على المذاهب الأربعة – الجزء الرابع – قسم الأحوال الشخصية – ط الريان – ص 213 وما بعدها .
(25) السيد سابق – فقه السنة – ط مكتبة المسلم – المجلد الثاني ص 98 .
(26) الفقه على المذاهب الأربعة .
(27) الفقه على المذاهب الأربعة – الجزء الرابع ص 216 وما بعدها ..
(28) المرجع السابق ص 219
(29) لمرجع السابق ص 220 .
(30) راجع التفاصيل في المرجع السابق ص 223 .
(31) المرجع السابق ص 224 .
====================
قضية تعدد الزوجات بأعين الأمم المعاصرة
قضية تعدد الزوجات بأعين الأمم المعاصرة .. ( نصرانية ترى التعدد ضرورة ) !!!
[ موضوع طويل ولكن أرجو قراءته حتى نهايته ، فقد تضمّن حقائق و.. و ... ]
أولاً :
هذه القضية أجلب عليهـا أعداء الإسلام بخيلهـم ورَجِلِهم زاعمين أن هذا الفعل – أي التعدد – وحشية لا ترتضى وشهوانيـة غير مقبولـة ، وانتقـاص لحـقِّ المـرأة لا يُستساغ ، و ظُلْمٌ لها ، و … إلخ تلك الافتراءات .
ثانياً : التعدد من منظور عصري !
"كيف يجوز أن يجـرؤ الغربيون على الثورة ضد تعدد الزوجات المحدود عند الشرقيين ما دام البغاء شائعاً في بلادهـم ؟ … فلا يَصحّ أن يُقـال عن بيئة : أن أهلها ( موحِّدون للزوجـة ) ما دام فيها إلى جانب الزوجة الشرعية خدينات من وراء ستار!
ومتى وَزَنَّـا الأمور بقسطاس مستقيم ظهـر لنا أن تعـدد الزوجات الإسلامي الذي
يَحـفــظ
ويَحمــي
ويُغــذي
ويَكسو النساء
أرجح وَزْنـاً من البغـاء الغربي الذي يسمح بأن يَتّخِـذ الرجل امرأة لمحض إشباع شهواته ، ثم يقـذف بها إلى الشـارع متى قضى منها أوطاره "
[ ليس هذا من قول أحـد دعـاة الإسـلام !!
إنما هو من قول ( أني بيزانت ) زعيمة التيوصوفية العالمية ، وذلك في كتابهـا : الأديان المنتشرة في الهند فاعتبروا يا أولي الأبصار ! ]
قـال ( اليوتنان كولـونيل كـادي ) :
إن تعـدد الزوجـات تُجيزه الشريعة الإسلامية بشروط محدودة ، وبالفع�
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
بسم الله الرحمن الرحيم
درج اعداء الإسلام منذ قيامه على مهاجمته و محاولة الصاق تهم به هو منها براء .... و لعل من اطرف وسائلهم فى ابتكار الاكاذيب : نزع جلودهم القذرة و الصاقها ب الإسلام ثم مهاجمتها ...!!!
و فى هذا الموضوع نناقش احدى تلك القضايا التى اثارها اعداء الإسلام بهذه الطريقة ذرا للرماد فى العيون عن حقيقة عقائدهم الوثنية و عاداتهم التى اختلط فيها عهر النساء بدياثة الرجال .
ذلك هو : قضية المرأة و حقوقها
ادعى اعداؤنا إن الإسلام قد سلب من المراة كل ما لها من حقوق و الغى ادميتها و جعل منها اداة للمتعة و غيرها من الاتهامات التى القيت جزافا .
لكن بداية و قبل ان ابدا موضوعى و مناقشتى فقد حددت هدفه موجها اياه الى طرفين : المسلمون ثم الطرف الاخر هو ( اليهود و النصارى ) .
فالموضوع لم اكتبه لمناقشة العلمانيين او الملحدين .
ذلك اننا لو قبلنا هجوما من هؤلاء الملحدين على موقف الإسلام من المراة فمن المستحيل ان نتقبله من اليهود و النصارى .
ذلك ان العلمانى الذى لا دين له ليس له فكرة محددة او تصور مسبق ثابت يمكننا مناقشته من خلاله فى وجهة نظره فى الحقوق المفترضة للمراة .
اما اليهود و النصارى : فبين ايدينا كتبهم التى يؤمنون بها و احتوت على ما يرون انه امر الله فى التعامل مع النساء .
و فى هذا الموضوع مناقشتنا ستكون حول : المقارنة بين وضع المرأة فى الإسلام ووضعها فى اليهودية و النصرانية .
بماذا نبدأ ؟؟؟؟
فلنبدأ من اكثر النقاط شهرة ... المرأة ... انسان ام اداة للهو و المتعة ؟؟؟ بين الإسلام و اليهودية و النصرانية .
و لنبدأ بموقف الإسلام من المراة ....
و كما يعلم الجميع : ان مصدر المسلمين و معينهم هو القران و السنة ... و سيكونان مرجعنا فى المناقشة عن موقف الإسلام و قد نضيف بعض الحوادث التاريخية .
فماذا يقول القران فى تلك المسألة ؟؟؟
نجد فى سورة النساء :
الآية: 124 {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا}.
و فى سورة النحل :
الآية: 97 {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}.
و فى سورة غافر :
{ يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار، من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب }
فيا سبحان الله ...!!! هذا هو قول القران الفصل .
مقياس التفاضل بين البشر جميعا رجالا او نساءا على قدم المساواة هو : الايمان و العمل الصالح .
فاذا اتجهنا الى سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم وجدنا المزيد ...
يقول المعصوم صلى الله عليه و سلم : ( إنما النساء شقائق الرجال) و فسر العلماء كلمة ( شقائق ) بالامثال ... فالنساء فى التكاليف و فى الحساب و العقاب و الثواب سواء مع الرجال .
و انطلاقا من هذه المفاهيم الإسلامية الاصيلة شهد التاريخ اسماء بنت ابى بكر رضى الله عنها تلك الفتاة المسلمة التى تربت على يد خير خلق الله - محمد صلى الله عليه و سلم - تقف ثابتة الجنان امام الطاغية الكافر ابو جهل و هو يعنفها و يسالها عن مكان رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم يصفعها صفعة تنشق لها اذنها و يسقط قرطها لشدة الصفعة فلا تهتز تلك الفتاة و لا تضطرب .... ثم يشهدها التاريخ و هى تحمل الطعام فى غفلة من الكفار الى رسول الله صلى الله عليه و سلم و صاحبه فى الغار .
و يشهد التاريخ تلك المسلمة : نسيبة بنت كعب ...
تلك المراة التى حملت السيف و قاتلت فى غزوة احد و فاقت بطولتها شجاعة صناديد قريش من المشركين ... تلك المراة التى شهد لها رسول الله صلى الله عليه و سلم و شهد لها الفاروق عمر رضى الله عنه...
و يذكر القران بالتعظيم و التوقير نماذجا لنساء ارتقين بطاعتهن لله فيقول عز وجل فى سورة التحريم :
(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {11} وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ {12 )
ذلك هو مقياس الافضلية فى الإسلام ... التقوى و الطاعة ... و ليس الجنس .
فاذا كان هذا هو موقف الإسلام و صور لنساء تربين على الإسلام ... فما موقف اعدائه ؟؟؟ و ما هى صورة المراة التى افرزها و يفرزها العهد القديم و العهد الجديد ؟؟؟
لنقرا عن تلك الصورة للمراة كما تراها كتب اليهود و النصارى المقدسة .... لنقرا عن المرأة - البطلة - او بطولة المرأة كما تصفها كتب اليهود و النصارى .
يبدأ موقف اليهودية و النصرانية من المرأة من لدن امنا حواء .... فقد حملها العهد القديم وزر الخطيئة الاولى بالكامل .
و لنقرأ من العهد القديم سفر التكوين ذلك الحوار بين اله الكتاب المقدس و بين ادم ( الرجل الاول ) و حواء ( المرأة الاولى ) و الحية ( الشيطان ) :
11 فقال من اعلمك انك عريان.هل اكلت من الشجرة التي اوصيتك ان لا تأكل منها.
12 فقال آدم المرأة التي جعلتها معي هي اعطتني من الشجرة فأكلت.
13 فقال الرب الاله للمرأة ما هذا الذي فعلت.فقالت المرأة الحيّة غرّتني فاكلت.
14 فقال الرب الاله للحيّة لانك فعلت هذا ملعونة انت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية.على بطنك تسعين وترابا تأكلين كل ايام حياتك.
15 واضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها.هو يسحق راسك وانت تسحقين عقبه.
16 وقال للمرأة تكثيرا اكثر اتعاب حبلك.بالوجع تلدين اولادا.والى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك.
17 وقال لآدم لانك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي اوصيتك قائلا لا تأكل منها ملعونة الارض بسببك.بالتعب تأكل منها كل ايام حياتك.
18 وشوكا وحسكا تنبت لك وتأكل عشب الحقل.
19 بعرق وجهك تأكل خبزا حتى تعود الى الارض التي أخذت منها.لانك تراب والى تراب تعود
نقرا بوضوح من هذا النص من العهد القديم ان خطأ ادم كان بسبب حواء ..!!! و ما عوقب ادم الا ل( سماعه لقول امرأته )...!!! فالشيطان اغوى المراة و المراة اغوت ادم ...!!!
و هكذا صار حمل المرأة وولادتها عقابا لها على اغوائها لادم ...!!! و هكذا يرينا النص نقطة مهمة من نظرة اليهود و النصارى الى المراة .
انها فى نظرهم ( عميل الشيطان ) لاغواء الرجل ...!!! فهى السبب فى اخراج الرجل الاول ( ادم ) من الجنة .
و لنقارن ايها الاخوة بين هذا النص و بين ما ورد فى القران الكريم الذى اكد المسئولية الفردية عن الخطأ و لم يجعل الذنب ذنب حواء ...
لنقرا من سورة طه :
( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا {115} وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى {116} فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى {117} إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى {118} وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى {119} فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى {120} فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى {121})
و السؤال ... ايهما اكرم المراة ؟؟؟
اليهود و النصارى الذين ( لبسوا الخطيئة ) بالكامل لحواء و بناتها ...!!! اما القران الذى نفى عنها هذه التهمة و جعل المسئولية و الامانة و التكليف مشتركة ؟؟
ثمة ملاحظة اخرى فى نفس النص ...
ان الكتاب ( المقدس ؟؟!!!) يعلن بوضوح ان الحمل و الولادة و الامهما عقاب للمرأة على اغوائها لادم ...!!! و على هذا فكلما حملت امرأة او اشتاقت الى رجلها فعليها ان تتذكر ان هذا عقاب لها على ذنبها و جرمها فى حق الرجل الذى اخرجته من الجنة ...!!!
فاين هذا من القران الذى جعل هذه الالام فضيلة لها و سببا لاكرامها ؟؟
يقول القران الكريم فى سورة لقمان :
( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {14} وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {15})
و بهذا الوهن و الضعف و الام الحمل قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم حسن صحبتها على حسن صحبة الوالد .
فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : { جاء رجل فقال : يارسول الله من أحقُّ الناس بحسن صحابتي ؟؟ قال : أُمُّك قال : ثم مَنْ قال : أمك قال : ثم مَنْ ؟؟ قال أُمُّك قال ثم مَنْ قال : أبوك }
و لا زال السؤال ساريا ... من انصف المرأة ؟؟؟
و العجيب ان اضطهاد المرأة و قهرها ليس فقط باشعارها ان حملها وولادتها و الامها عقابا على خطيئتها بل يمتد هذا الاضطهاد الى حالة ما اذا انجبت انثى ...!!!
و لنرى من الكتاب المقدس ما يحدث للمراة التى تنجب انثى و نقارنه بتلك التى تنجب ذكرا ....!!!
يقول الكتاب ( المقدس ) فى سفر اللاويين :
2 كلم بني اسرائيل قائلا.اذا حبلت امرأة وولدت ذكرا تكون نجسة سبعة ايام.كما في ايام طمث علتها تكون نجسة.
3 وفي اليوم الثامن يختن لحم غرلته
4 ثم تقيم ثلاثة وثلاثين يوما في دم تطهيرها.كل شيء مقدس لا تمسّ والى المقدس لا تجيء حتى تكمل ايام تطهيرها.
5 وان ولدت انثى تكون نجسة اسبوعين كما في طمثها.ثم تقيم ستة وستين يوما في دم تطهيرها.
6 ومتى كملت ايام تطهيرها لاجل ابن او ابنة تأتي بخروف حولي محرقة وفرخ حمامة او يمامة ذبيحة خطية الى باب خيمة الاجتماع الى الكاهن
هكذا ...!!! المرأة ( نجسة ) طوال ايام طمثها ثم عندما تلد تصير ( نجسة ) ...!!!
فاين هذا من قول رسول الله صلى الله عليه و سلم ( لا ينجس المؤمن حيا و لا ميتا ) ...؟؟؟؟
و الاغرب : كون المراة التى تلد انثى ( نجسة ) ضعف الفترة التى تبقى فيها ( نجسة ) حال ولادتها ذكرا ...!!!
لا زال السؤال يلح بقوة ... ايهما انصف المرأة ؟؟؟
فاذا كنا قد ذكرنا امثلة حية من التاريخ الإسلامى لنساء تربين فى مدرسة القران و السنة ففى المقابل دعونا نبحث عن امثلة لنساء افتخرت بهن كتب اليهود و النصارى و جعلت منهن بطلات و امثلة تحتذى لجميع نسائهم .
فلنبدأ بامرأة خلدتها التوراة - العهد القديم - فى سفر كامل افرد لها و باسمها ليحكى قصتها ...
يهوديت .... تلك المرأة اليهودية التى نجحت فى سطر اسمها فى الكتاب المقدس ... تلك المراة التى يردد ملايين اليهود و النصارى قصتها فى قراءتهم لكتبهم المقدسة ... بل و يتعبدون بتلك القراءة ...
ترى من هى تلك البطلة ؟؟؟ و ما هى جلائل الاعمال التى قامت بها لتستحق كل هذا التقدير ؟؟؟
لنقرا قصتها من ذلك السفر المسجل باسمها ... يصفها ذلك السفر قائلا :
4 و كانت يهوديت قد بقيت ارملة منذ ثلاث سنين و ستة اشهر
5 و كانت قد هيات لها في اعلى بيتها غرفة سرية و كانت تقيم فيها مع جواريها و تغلقها
6 و كان على حقويها مسح و كانت تصوم جميع ايام حياتها ما خلا السبوت و رؤوس الشهور و اعياد ال اسرائيل
ثم يقول :
8 و كانت لها شهرة بين جميع الناس من اجل انها كانت تتقي الرب جدا و لم يكن احد يقول عليها كلمة سوء
و لا ينسى ذلك السفر ان يصف جمالها الاخاذ فيقول :
7 و كانت جميلة المنظر جدا و قد ترك لها بعلها ثروة واسعة و حشما كثيرين و املاكا مملوءة باصورة البقر و قطعان الغنم
الى هنا نجد ان تلك المراة امرأة مثالية ... فهى تتقى الله و لا يشوب سمعتها شائبة و ليس للناس اى مأخذ عليها .
فما هى حقيقة تلك التقوى و تلك الاوصاف الجليلة ؟؟؟ و ما هو العمل العظيم الذى جعل من تلك المرأة تحوذ سفرا كاملا من اسفار العهد القديم ؟؟؟ الواقع ان تلك المرأة ظهرت فى ظروف قرر فيها اليهود تسليم مدينتها الى الاشوريين ... فغضبت و قررت التدخل لمحاولة منع هذه الهزيمة من الحلول بشعب الله المختار ... و يمضى ذلك السفر فيصف صلاتها و تضرعها لكى توفق فيما هى مقبلة عليه من عمل بطولى ... فماذا كان ذلك العمل و تلك البطولة التى قامت بها يهوديت ؟؟؟
لنقرا من سفرها :
2 و دعت وصيفتها و نزلت الى بيتها و القت عنها المسح و نزعت عنها ثياب ارمالها
3 و استحمت و ادهنت باطياب نفيسة و فرقت شعرها و جعلت تاجا على راسها و لبست ثياب فرحها و احتذت بحذاء و لبست الدمالج و السواسن و القرطة و الخواتم و تزينت بكل زينتها
4 و زادها الرب ايضا بهاء من اجل ان تزينها هذا لم يكن عن شهوة بل عن فضيلة و لذلك زاد الرب في جمالها حتى ظهرت في عيون الجميع ببهاء لا يمثل
5 و حملت وصيفتها زق خمر و اناء زيت و دقيقا و تينا يابسا و خبزا و جبنا و انطلقت
6 فلما بلغتا باب المدينة وجدتا عزيا و شيوخ المدينة منتظرين
7 فلما راوها اندهشوا و تعجبوا جدا من جمالها
فيؤيدها شيوخ اليهود فيما علموا انها مقبلة عليه ...!!!
8 (غير انهم لم يسالوها عن شيء بل تركوها تجوز قائلين اله ابائنا يمنحك نعمة و يؤيد كل مشورة قلبك بقوته حتى تفتخر بك اورشليم و يكون اسمك محصى في عداد القديسين و الابرار...!!!!)
ثم يمضى ذلك السفر فى وصف العمل البطولى الذى حملته تلك المراة على عاتقها ....!!! فهو يصف خداعها لقائد جيوش الاشوريين بجمالها و بالخمر حتى تستدرجه بهاتين الوسيلتين الرخيصتين الى الفراش ...!!! و حين يصيبه الضعف و ينام تقوم بالاجهاز عليه ...!!!
لنقرأ :
12 فدخل حينئذ بوغا على يهوديت و قال لا تحتشمي ايتها الفتاة الصالحة ان تدخلي على سيدي و تكرمي امام وجهه و تاكلي معه و تشربي خمرا بفرح
13 فاجابته يهوديت من انا حتى اخالف سيدي
14 كل ما حسن و جاد في عينيه فانا اصنعه و كل ما يرضى به فهو عندي حسن جدا كل ايام حياتي
15 ثم قامت و تزينت بملابسها و دخلت فوقفت امامه
16 فاضطرب قلب اليفانا لانه كان قد اشتدت شهوته
17 و قال لها اليفانا اشربي الان و اتكئي بفرح فانك قد ظفرت امامي بحظوة
18 فقالت يهوديت اشرب يا سيدي من اجل انها قد عظمت نفسي اليوم اكثر من جميع ايام حياتي
19 ثم اخذت و اكلت و شربت بحضرته مما كانت قد هياته لها جاريتها
20 ففرح اليفانا بازائها و شرب من الخمر شيئا كثيرا جدا اكثر مما شرب في جميع حياته
1 و لما امسوا اسرع عبيده الى منازلهم و اغلق بوغا ابواب المخدع و مضى
2 و كانوا جميعهم قد ثقلوا من الخمر
3 و كانت يهوديت وحدها في المخدع
4 و اليفانا مضطجع على السرير نائما لشدة سكره
5 فامرت يهوديت جاريتها ان تقف خارجا امام المخدع و تترصد
6 و وقفت يهوديت امام السرير و كانت تصلي بالدموع و تحرك شفتيها و هي ساكتة
7 و تقول ايدني ايها الرب اله اسرائيل و انظر في هذه الساعة الى عمل يدي حتى تنهض اورشليم مدينتك كما وعدت و انا اتم ما عزمت عليه واثقة باني اقدر عليه بمعونتك
8 و بعد ان قالت هذا دنت من العمود الذي في راس سريره فحلت خنجره المعلق به مربوطا
9 و استلته ثم اخذت بشعر راسه و قالت ايدني ايها الرب الاله في هذه الساعة
10 ثم ضربت مرتين على عنقه فقطعت راسه و نزعت خيمة سريره عن العمد و دحرجت جثته عن السرير
و هكذا صارت هذه العاهرة القديسة نموذجا يحتذى لبطولة المرأة فى الكتاب المقدس ...!!! و هذا هو دور المرأة كما يراه اليهود و النصارى ...!!!
اداة للجنس و المتعه لهم .... ووسيلة رخيصة للحرب و التسلل الى فراش اعدائهم ...!!!
و لعل البعض يظن ان يهوديت كانت العاهرة الوحيدة التى دخلت الكتاب المقدس من اوسع ابوابه ... باب الجنس و العهر .... الا ان هذا غير حقيقى ... توجد اخرى نجحت فى انتزاع سفر اخر من اسفار الكتاب المقدس باسمها ...!!! حتى لكأن الكتاب المقدس صار كتابا يتتبع اخبار الساقطات و قصص الشذوذ و العهر ...!!!
و تلك الاخرى هى استير ... تلك المرأة ( البطلة ) التى نجحت فى انقاذ شعب الله المختار من اعدائه مستفيدة بمواهبها ( الجنسية ) الخارقة ...!!!! و منعا للتطويل فاننا نحيل القارئ مباشرة الى سفر استير ليقرأ قصة تلك العاهرة البطلة ....
و لمن لا يملك ذلك الكتاب ( المقدس ) يمكنه قراءة قصة العاهرة فى اى رواية من روايات ( الف ليلة و ليله ) مع ابدال اسم ( شهرزاد ) باسم ( استير ) ...!!! سفران من اسفار الكتاب المقدس تم تسميتهما باسماء عاهرتين ...!!!
و مع هذا ظل اسمه ( الكتاب المقدس ) ....!!!
ثم بطلة اخرى من بطلات الكتاب المقدس تم تكريمها فى العهد القديم و نجحت فى انتزاع الحظوة لدى بولس - كبير محرفى دين المسيح -
راحاب الزانية الجاسوسة ...!!!
اعطاها العهد القديم التكريم و حق الحياة بعد ابادة اهل مدينتها بالكامل :
يشوع 6:17 فتكون المدينة وكل ما فيها محرّما للرب.راحاب الزانية فقط تحيا هي وكل من معها في البيت لانها قد خبأت المرسلين اللذين ارسلناهما.
يشوع 6:23 فدخل الغلامان الجاسوسان واخرجا راحاب واباها وامها واخوتها وكل ما لها واخرجا كل عشائرها وتركاهم خارج محلّة اسرائيل.
يشوع 6:25 واستحيا يشوع راحاب الزانية وبيت ابيها وكل ما لها.وسكنت في وسط اسرائيل الى هذا اليوم.لانها خبأت المرسلين اللذين ارسلهما يشوع لكي يتجسّسا اريحا
ثم يجدد بولس - القديس ؟؟!!!- تكريمها فيقول :
عبرانيين 11:31 بالايمان راحاب الزانية لم تهلك مع العصاة اذ قبلت الجاسوسين بسلام..!!!!!
هذا هو دور المرأة عند اليهود و النصارى ...!!! عاهرة و اداة متعة و جاسوسة ...!!!
و لا عزاء لنساء اليهود و النصارى لانشغالهن بالتدريب على فنون الدعارة المقدسة ....!!!
دعونا بعد هذا نستمر فى مقارنة وضع المرأة فى الإسلام بوضعها فى كتب اليهود و النصارى المقدسة ....
و لنبدأ بالميراث ..
يقول المولى عز وجل فى سورة النساء :
الآية: 7 {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا}.
فجعل الله عز وجل للمرأة حقا معلوما فى الميراث كما ان للرجل حقا ...
يقول الامام القرطبى فى مناسبة نزول هذه الاية :
( لما ذكر الله تعالى أمر اليتامى وصله بذكر المواريث. ونزلت الآية في أوس بن ثابت الأنصاري، توفي وترك امرأة يقال لها: أم كجة وثلاث بنات له منها؛ فقام رجلان هما ابنا عم الميت ووصياه يقال لهما: سويد وعرفجة؛ فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته وبناته شيئا، وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكرا، ويقولون: لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الحيل، وطاعن بالرمح، وضارب بالسيف، وحاز الغنيمة. فذكرت أم كجة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهما، فقالا: يا رسول الله، ولدها لا يركب فرسا، ولا يحمل كلا ولا ينكأ عدوا. فقال عليه السلام: (انصرفا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن). فأنزل الله هذه الآية ردا عليهم، وإبطالا لقولهم وتصرفهم بجهلهم؛ فإن الورثة الصغار كان ينبغي أن يكونوا أحق بالمال من الكبار، لعدم تصرفهم والنظر في مصالحهم، فعكسوا الحكم، وأبطلوا الحكمة فضلوا بأهوائهم، وأخطؤوا في آرائهم وتصرفاتهم. )
ارايتم دفاعا عن المرأة و حقوقها كهذا ؟؟؟ تلك المراة لم تجد ناصرا و لا حاميا لها الا شرع الله عز وجل .
و يقول ايضا فى سورة النساء :
{يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا}.
و حدد الله عز وجل نصيب كل من الرجل و المرأة فى الميراث :
يقول عز وجل فى سورة النساء :
{يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما، ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم، تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم، ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين}
فجعل الله للمرأة حقا معلوما محددا فلا يعتدى عليه فهو ظالم جعل الله عقابه نار جهنم و العذاب المهين .
و مع هذا النصيب المفروض للمرأة فى الميراث لم يكلفها الله بنفقة بل جعل الانفاق وظيفة الرجل .
فالرجل مسئول عن نفقات ما تحته من النساء .
يقول عز وجل :
(الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم )
و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( حق المرأة على الزوج: أن يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه، ولا يقبح، ولا يهجر إلا في البيت)
و فى عطايا الاباء لابنائهم يقول صلى الله عليه و سلم :
(ساووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء)
و اعطى الإسلام للمرأة الحرية المالية الكاملة و جعلها مستقلة بمالها عن زوجها فان شاءت اعطته و ان شاءت منعته
قال عز وجل : ( وَآتُواْالنَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا {4})
و من المواقف التى تؤكد هذه الاستقلالية المالية الكاملة هذا الموقف :
عن حَفْصُ بنُ عُمَرَ أخبرنا شُعْبَةُ وأخبرنا ابنُ كَثِيرٍ أنْبأنَا شُعْبَةُ عن أيّوبَ عن عَطَاءِ قال: "أشْهَدُ عَلَى ابنِ عَبّاسٍ وَشَهِدَ ابنُ عَبّاسٍ عَلَى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنّهُ خَرَجَ يَوْمَ فِطْرٍ فَصَلّى ثُمّ خَطَبَ ثُمّ أتَى النّسَاءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ ـ قال ابنُ كَثِيرٍ: أكْبَرُ عِلْمِ شُعْبَةَ ـ فأمَرَهُنّ بالصّدَقَةِ فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ"
فالمرأة فى نظر الإسلام عاقلة رشيدة لا تحتاج وصاية مالية عليها ... بل هى قادرة على التصرف فى اموالها بمعرفتها و لها مطلق الحرية و مطلق الاهلية فى هذه المسالة .
هذا موقف الإسلام رايناه فى القران و السنة .
فما موقف كتب اليهود و النصارى فى المقابل ؟؟؟
هنا يمكننا ان نقول ان موقف النصارى ملخص فى هذه الجملة من انجيل متى : ( متى 5:17 لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الانبياء.ما جئت لانقض بل لاكمّل.)
و عليه فوجهة النصارى تابعة لوجهة اليهود و مستمدة من شرائع العهد القديم .
فلننظر الى كتاب اليهود و النصارى المقدس لنتعرف على وجهة نظرهم فى تلك المسالة كجزأ من نظرتهم الى المرأة .
فالمراة فى كتبهم لا ميراث لها و لا حق .... فلا يحق لها ان ترث الا فى حال واحد : الا يكون لها اخوة ذكور .
و لنقرأ هذا من سفر العدد :
8 وتكلم بني اسرائيل قائلا أيّما رجل مات وليس له ابن تنقلون ملكه الى ابنته.
9 وان لم تكن له ابنة تعطوا ملكه لاخوته.
10 وان لم يكن له اخوة تعطوا ملكه لاخوة ابيه.
11 وان لم يكن لابيه اخوة تعطوا ملكه لنسيبه الاقرب اليه من عشيرته فيرثه.فصارت لبني اسرائيل فريضة قضاء كما امر الرب موسى
هكذا نرى ان كتابهم المقدس جعل الميراث كاملا للابن الذكر ... فان لم يكن للمتوفى ابن ذكر ففى هذه الحالة فقط : ترث الانثى .
بل الاسوا للانثى انها ليست فقط محرومة من الميراث ... بل انها ايضا محرومة من المهر ذلك الحق الذى اعطاه لها الإسلام ... بل و الاسوا و الانكى انها مطالبة بدفع بائنة ( دوطة ) لمن يتقدم لها للزواج ... فهى تدفع حتى يرضى الرجل بالزواج منها و الا كانت العنوسة مصيرها .
و الواقع اننى حينما اتحدث عن قضية ميراث المراة فى كتب اليهود و النصارى المقدسة انما اتحدث عنه من نافلة القول ... ذلك ان المراة ذاتها جزء من الميراث عند اليهود و النصارى .
فالمرأة التى يموت عنها زوجها جزء من ميراث اخو الزوج ..... يتزوجها و ان لم ترض به و ان كانت كارهة له .
و الواقع ان هذه العملية لا تعتبر زواجا بالمعنى المفهوم بل هى ( ميراث ) او بالادق ( اغتصاب ) .
لنقرا هذا من كتابهم المقدس فى سفر التثنية :
5 اذا سكن اخوة معا ومات واحد منهم وليس له ابن فلا تصر امرأة الميت الى خارج لرجل اجنبي.اخو زوجها يدخل عليها ويتخذها لنفسه زوجة ويقوم لها بواجب اخي الزوج.
6 والبكر الذي تلده يقوم باسم اخيه الميت لئلا يمحى اسمه من اسرائيل
7 وان لم يرضى الرجل ان يأخذ امرأة اخيه تصعد امرأة اخيه الى الباب الى الشيوخ وتقول قد ابى اخو زوجي ان يقيم لاخيه اسما في اسرائيل.لم يشأ ان يقوم لي بواجب اخي الزوج.
ان هؤلاء جعلوا المراة مجرد حيوان يرثه اهل المتوفى و لهم مطلق الحرية فى التصرف فيه .
هل راى احد القراء او سمع او تخيل امتهان للمراة و انسانيتها و انوثتها بل و عفتها ابشع من ذلك ؟؟؟
فان كان النص السابق من سفر التثنية هو القانون او القاعدة فدعونا نقرا من سفر التكوين تطبيق هذه النظرية :
6 واخذ يهوذا زوجة لعير بكره اسمها ثامار.
7 وكان عير بكر يهوذا شريرا في عيني الرب.فأماته الرب.
8 فقال يهوذا لأونان ( ادخل على امرأة اخيك وتزوج بها واقم نسلا لاخيك.)
9 فعلم أونان (ان النسل لا يكون له).فكان اذ دخل على امرأة اخيه انه افسد على الارض لكيلا يعطي نسلا لاخيه.
10 فقبح في عيني الرب ما فعله.فاماته ايضا.
11 فقال يهوذا لثامار كنته اقعدي ارملة في بيت ابيك حتى يكبر شيلة ابني.لانه قال لعله يموت هو ايضا كاخويه.فمضت ثامار وقعدت في بيت ابيها
يحكى النص هنا عن تطبيق نظرية ميراث اخو المتوفى لارملة اخيه ....
و المثال هنا هو : ان ( عير) ابن ( يهوذا ) توفى عن امراته ( ثامار ) فامر ( يهوذا ) ابنه ( اونان ) اخو ( عير) ان يدخل على امراة اخيه حتى تلد ابنا يحمل اسم ( عير ) .
ارايتم انحلالا اشد من هذا ؟؟؟
لكن دعونا نستكمل فالبقية اشد و انكى ...
فلما علم اونان ان ابناءه من ثامار لن يكونوا باسمه بل باسم اخيه المتوفى لم يقرب ثامار .... فغضب ( اله الكتاب المقدس ) على اونان فاماته ...
فامر يهوذا امراة ابنه ثامار ان تعود لبيت ابيها حتى يكبر ابنه الثالث فيرثها هو الاخر .
ثم نتابع بقية القصة من سفر التكوين :
12 ولما طال الزمان ماتت ابنة شوع امرأة يهوذا.ثم تعزّى يهوذا فصعد الى جزاز غنمه الى تمنة هو وحيرة صاحبه العدلامي.
13 فاخبرت ثامار وقيل لها هوذا حموك صاعد الى تمنة ليجزّ غنمه.
14 فخلعت عنها ثياب ترملها وتغطت ببرقع وتلفّفت وجلست في مدخل عينايم التي على طريق تمنة.لانها رأت ان شيلة قد كبر وهي لم تعط له زوجة.
15 فنظرها يهوذا وحسبها زانية.لانها كانت قد غطت وجهها.
16 فمال اليها على الطريق وقال هاتي ادخل عليك.لانه لم يعلم انها كنته.فقالت ماذا تعطيني لكي تدخل عليّ.
17 فقال اني ارسل جدي معزى من الغنم.فقالت هل تعطيني رهنا حتى ترسله.
18 فقال ما الرهن الذي اعطيك.فقالت خاتمك وعصابتك وعصاك التي في يدك.فاعطاها ودخل عليها.فحبلت منه.
19 ثم قامت ومضت وخلعت عنها برقعها ولبست ثياب ترملها
20 فارسل يهوذا جدي المعزى بيد صاحبه العدلامي ليأخذ الرهن من يد المرأة.فلم يجدها.
21 فسأل اهل مكانها قائلا اين الزانية التي كانت في عينايم على الطريق.فقالوا لم تكن ههنا زانية.
22 فرجع الى يهوذا وقال لم اجدها.واهل المكان ايضا قالوا لم تكن ههنا زانية.
23 فقال يهوذا لتاخذ لنفسها لئلا نصير اهانة.اني قد ارسلت هذا الجدي وانت لم تجدها
24 ولما كان نحو ثلاثة اشهر أخبر يهوذا وقيل له قد زنت ثامار كنتك.وها هي حبلى ايضا من الزنى.فقال يهوذا اخرجوها فتحرق.
25 اما هي فلما اخرجت ارسلت الى حميها قائلة من الرجل الذي هذه له انا حبلى.وقالت حقّق لمن الخاتم والعصابة والعصا هذه.
26 فتحققها يهوذا وقال هي ابرّ مني لاني لم أعطها لشيلة ابني.فلم يعد يعرفها ايضا
و العجيب انه من نسل هذا الزنا ( زنا المحارم ) ولد شخص له شأن على حسب الاناجيل ... انه اله النصارى يسوع المسيح .
مرة اخرى و ليست اخيرة ... من انصف المرأة ؟؟؟ و من ظلمها ؟؟؟
و مرة اخرى .... هنيئا للمسلمات اسلامهن .
و مرة اخرى ... لا عزاء لنساء اليهود و النصارى .
ناقشنا حتى الان ثلاث حلقات من موقف الإسلام ثم من موقف اليهود و النصارى من المرأة .
دعونا بعد ذلك نرى بعضا من اوصاف النساء لدى كل من الطرفين .
يقول الله عز وجل فى وصف حال المؤمنين و المؤمنات :
"والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" [التوبة: 71]
و يصفهن رسول الله صلى الله عليه و سلم وصفا رقيقاو يحنو عليهن عندما يسرع حادى الجمال فى السير فى احدى الاسفار فيقول رسول الله صلى الله عليه و سلم للحادى : (رويدك يا أنجشة، لا تكسر القوارير) قال قتادة: يعني ضعفة النساء.
فهذا هو الإسلام ... يكرم المرأة و يرعاها و يحنو عليها و يعاملها بما يليق بها ... فماذا عن كتب اليهود و النصارى المقدسة ؟؟؟
لنقرأ هذه المجموعة من الاوصاف فى سفر الجامعة ... يقول الحكيم فى وصف المرأة :
23 كل هذا امتحنته بالحكمة.قلت اكون حكيما.اما هي فبعيدة عني.
24 بعيد ما كان بعيدا والعميق العميق من يجده.
25 درت انا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلا ولاعرف الشر انه جهالة والحماقة انها جنون.
26 فوجدت امرّ من الموت المرأة التي هي شباك وقلبها اشراك ويداها قيود.الصالح قدام الله ينجو منها.اما الخاطئ فيؤخذ بها.
انظروا ...!!! فى جملة واحدة من العهد القديم وصفت المرأة بعدد من الصفات يشيب له الوليد ...!!!
فهى امر من الموت ....!!!! و هى شباك ...!!!! و قلبها اشراك ....!!! و يداها قيود ....!!!
و على هذا فان علامة الصالح : النجاة من شرها ...!!!
و لعل هذه الفقرة تكون من الطرائف ... فهى عن الرحم ... رحم المرأة .
فقد اكرم الإسلام هذا الرحم ... و جعل وصله فريضة ... و جعل قطعه كبيرة .
يقول الله عز وجل :
{فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}
و يقول صلى الله عليه و سلم :
"إن الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله".
و يقول عن الرحم :
قال الله تبارك وتعالى للرحم: ( خلقتك بيدي وشققت لك من اسمي، وقرنت مكانك مني، وعزتي وجلالي لأصلن من وصلك، ولأقطعن من قطعك، ولا أرضى حتى ترضى.)
فها هو الإسلام يجعل اسم الرحم مشتقا من اسم الله ( الرحمن ) ... فيصل الله من وصل رحمه ... و يقطع من قطع هذا الرحم ...
و بهذا جعل الإسلام الصلة بين الاقارب موصولة بالرحم ... رحم المرأة ...!!! فماذا كان نصيب هذا الرحم من الغرب النصرانى ؟؟؟!!!
لقد اطلقوا اسمه اللاتينى ( هستيريا ) على الخلل النفسى ...!!! فصار الرحم عندهم مرتبطا بالمرض النفسى ....!!!!!!
و لعل هذا يجلى لنا مكانة المرأة لدى الغرب النصرانى ...!!!
و لنقارن بين اية من القران و جملة من الاناجيل .....
يقول الله عز وجل فى سورة الاسراء :
{وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا}.
حرم الله عز وجل ان ينطق الابن امام ابيه او امه باقل كلمة يبدو منها التضجر : أف ....
اهذا خير ام هذا الموقف الذى يحكيه يوحنا فى انجيله بين المسيح و امه قائلا :
3 ولما فرغت الخمر قالت ام يسوع له ليس لهم خمر.
4 قال لها يسوع ما لي ولك يا امرأة.لم تأت ساعتي بعد.!!!!
فلو ان يوحنا كان يكتب انجيله بالعاميه لكان قد قال على لسان المسيح : انت مالك ياوليه مالكيش دعوه ...!!!
فايهما خير ؟؟؟ و ايهما انصف المرأة ؟؟؟
قارنوا هذا الموقف الذى ادعاه يوحنا فى انجيله بهذا الموقف لرسول الله صلى الله عليه و سلم :
عن ابنِ عُمَر: "أَنّ رَجُلاً أَتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله إنّي أَصَبْتُ ذَنْبَاً عَظِيماً فَهَلْ لِي تَوْبَةٌ؟ قَالَ هَلْ لَكَ مِن أُمّ؟ قالَ: لا، قال: هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ؟ قَالَ: نعم قال: فَبِرّها".
ايهما خير للمرأة ؟؟؟
و لننطلق الى كيفية معاملة الرجل لزوجته .... كيف تصور الإسلام هذه المعاملة ؟؟؟
بداية حافظ الإسلام على المرأة المسلمة ووقاها من الفتنة فى دينها فمنع زواجها من كافر ...بل و فرق بين من تدخل الإسلام و بين زوجها الكافر .
يقول الله عز وجل فى سورة البقرة :
{ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون}.
فجعل زوج المسلمة لابد و ان يكون مسلما مثلها .... ثم بعد ذلك حدد صفات هذا الزوج المقبول للمسلمة
يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : (إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه. إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض).
هذه صفات الزوج الذى ارتضاه الإسلام للمرأة .... فهو مسلم ... و هو ملتزم بدينه ... و هو متين الخلق .
فلكأن الإسلام اب حنون للمرأة يحنو عليها و هو يختار لها زوجا يعينها فى دينها و دنياها .
فماذا عن اعداء الإسلام ؟؟
لقد جعل اعداء الإسلام كما اسلفنا من قبل المرأة حيوانا يباع و يشترى ... فهم يتاجرون بعرضها ... و هم يدفعون بها الى فرش اعدائهم لتحقيق مصالحهم و اهوائهم ... و على هذا فقد كان طبيعيا ان يتركوا تلك المراة نهبا لكل طامع و فاسق و كافر .
اقرأوا موقف بولس من الزوج الكافر للمرأة المؤمنة :
كورنثوس 7:13 والمرأة التي لها رجل غير مؤمن وهو يرتضي ان يسكن معها فلا تتركه.
text-align: jus
<!--<!--<!--
شبهات حول الحجاب
الشبهة الأولى: الحجاب تزمّت والدين يسر:
يدّعي بعض دعاة التبرج والسفور بأنّ الحجاب تزمّت في الدين، والدين يسر لا تزمّتَ فيه ولا تشدّد، وإباحة السفور مصلحةٌ تقتضيها مشقّة التزام الحجاب في عصرنا[1].
الجواب:
1- إن تعاليم الدين الإسلامي وتكاليفَه الشرعية جميعها يسر لا عسرَ فيها، قال تعالى: {يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ} [البقرة:185]، وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، وقال: {لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:232]. فهذه الآيات صريحة في التزام مبدأ التخفيف والتيسير على الناس في أحكام الشرع.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسدّدوا وقاربوا وأبشروا))[2]، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره قال: ((بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا))[3].
فالشارع لا يقصد أبدًا إعنات المكلَّفين أو تكليفهم بما لا تطيقه أنفسهم، فكلّ ما ثبت أنه تكليف من الله للعباد فهو داخلٌ في مقدورهم وطاقتهم[4].
2- ثم لا بد من معرفة أن للمصلحة الشرعية ضوابط يجب مراعاتها وهي:
أ- أن تكون هذه المصلحة مندرجة في مقاصد الشرع، وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، فكلّ ما يحفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكلّ ما يفوّت هذه الأصول أو بعضها فهو مفسدة، ولا شك أن الحجاب مما يحفظ هذه الكليات وأن التبرج والسفور يؤدي بها إلى الفساد.
ب- أن لا تعارض هذه المصلحة النقل الصحيح، فلا تعارض القرآن الكريم؛ لأن معرفة المقاصد الشرعية إنما تمّ استنادًا إلى الأحكام الشرعية المنبثقة من أدلتها التفصيلية، والأدلة كلّها راجعة إلى الكتاب، فلو عارضت المصلحة كتابَ الله لاستلزم ذلك أن يعارض المدلولُ دليله، وهو باطل. وكذلك بالنسبة للسنة، فإن المصلحة المزعومة إذا عارضتها اعتُبرت رأيًا مذمومًا. ولا يخفى مناقضة هذه المصلحة المزعومة لنصوص الكتاب والسنة.
ج- أن لا تعارض هذه المصلحة القياس الصحيح.
د- أن لا تفوِّت هذه المصلحة مصلحة أهمّ منها أو مساوية لها.
3- قاعدة: "المشقّة تجلب التيسير" معناها: أنّ المشقة التي قد يجدها المكلف في تنفيذ الحكم الشرعي سبب شرعي صحيح للتخفيف فيه بوجه ما.
لكن ينبغي أن لا تفهم هذه القاعدة على وجهٍ يتناقض مع الضوابط السابقة للمصلحة، فلا بد للتخفيف أن لا يكون مخالفًا لكتابٍ ولا سنّة ولا قياس صحيح ولا مصلحة راجحة.
ومن المصالح ما نصّ على حُكمة الكتاب والسنة كالعبادات والعقود والمعاملات، وهذا القسم لم يقتصر نصّ الشارع فيه على العزائم فقط، بل ما من حكم من أحكام العبادات والمعاملات إلا وقد شرع إلى جانبه سبل التيسير فيه. فالصلاة مثلا شرِعت أركانها وأحكامها الأساسية، وشرع إلى جانبها أحكام ميسّرة لأدائها عند لحوق المشقة كالجمع والقصر والصلاة من جلوس. والصوم أيضا شرع إلى جانب أحكامه الأساسية رخصةُ الفطر بالسفر والمرض. والطهارة من النجاسات في الصلاة شرع معها رخصة العفو عما يشقّ الاحتراز منه. وأوجب الله سبحانه وتعالى الحجابَ على المرأة، ثم نهى عن النظر إلى الأجنبية، ورخّص في كشف الوجه والنظر إليه عند الخِطبة والعلاج، والتقاضي والإشهاد.
إذًا فليس في التيسير الذي شرعه الله سبحانه وتعالى في مقابلة عزائم أحكامه ما يخلّ بالوفاق مع ضوابط المصلحة، ومعلومٌ أنه لا يجوز الاستزادة في التخفيف على ما ورد به النص، كأن يقال: إنّ مشقة الحرب بالنسبة للجنود تقتضي وضعَ الصلاة عنهم، أو يقال: إن مشقة التحرّز عن الربا في هذا العصر تقتضي جوازَ التعامل به، أو يقال: إنّ مشقة التزام الحجاب في بعض المجتمعات تقتضي أن يباحَ للمرأة التبرّج بدعوى عموم البلوى به[5].
الشبهة الثانية: الحجاب من عادات الجاهلية فهو تخلف ورجعية:
قالوا: إن الحجاب كان من عادات العرب في الجاهلية، لأنّ العرب طبِعوا على حماية الشّرف، ووأدوا البنات خوفًا من العار، فألزموا النساء بالحجاب تعصبًا لعاداتهم القبلية التي جاء الإسلام بذمّها وإبطالها، حتى إنّه أبطل الحجاب[6]، فالالتزام بالحجاب رجعية وتخلّف عن ركب الحضارة والتقدم.
الجواب:
1- إن الحجاب الذي فرضه الإسلام على المرأة لم يعرفه العرب قبل الإسلام، بل لقد ذمّ الله تعالى تبرّج نساء الجاهلية، فوجه نساء المسلمين إلى عدم التبرج حتى لا يتشبهن بنساء الجاهلية، فقال جلّ شأنه: {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ ٱلأولَىٰ} [الأحزاب:33].
كما أن الأحاديث الحافلة بذمّ تغيير خلق الله أوضحت أنّ وصلَ الشعر والتنمّص كان شائعًا في نساء اليهود قبل الإسلام، ومن المعروف أنه مما تستخدمه المتبرّجات.
صحيح أن الإسلام أتى فأبطل عادات ذميمة للعرب، ولكن بالإضافة إلى ذلك كانت لهم عادات جميلة أقرّها الإسلام فلم يبطلها، كإكرام الضيف والجود والشجاعة وغير ذلك.
وكان من ضمن عاداتهم الذميمة خروج النساء متبرّجات كاشفات الوجوه والأعناق، باديات الزينة، ففرض الله الحجاب على المرأة بعد الإسلام ليرتقي بها ويصونَ كرامتها، ويمنع عنها أذى الفسّاق والمغرضين[7].
2- إذا كانت النساء المسلمات راضياتٍ بلباسهن الذي لا يجعلهن في زمرة الرجيعات والمتخلفات فما الذي يضير التقدميين في ذلك؟! وإذا كنّ يلبسن الحجاب ولا يتأفّفن منه فما الذي حشر التقدميين في قضية فردية شخصية كهذه؟! ومن العجب أن تسمع منهم الدعوةَ إلى الحرية الشخصية وتقديسها، فلا يجوز أن يمسّها أحد، ثم هم يتدخّلون في حرية غيرهم في ارتداء ما شاؤوا من الثياب[8].
3- إنّ التخلف له أسبابه، والتقدم له أسبابه، وإقحام شريعة الستر والأخلاق في هذا الأمر خدعة مكشوفة، لا تنطلي إلا على متخلّف عن مستوى الفكر والنظر، ومنذ متى كان التقدّم والحضارة متعلّقَين بلباس الإنسان؟! إنّ الحضارة والتقدم والتطور كان نتيجةَ أبحاث توصَّل إليها الإنسان بعقله وإعمال فكره، ولم تكن بثوبه ومظهره[9].
الشبهة الثالثة: الحجاب وسيلة لإخفاء الشخصية:
يقول بعضهم: إنّ الحجابَ يسهّل عملية إخفاء الشخصية، فقد يتستّر وراءه بعض النساء اللواتي يقترفن الفواحش[10].
الجواب:
1- يشرع للمرأة في الإسلام أن تستر وجهها لأن ذلك أزكى وأطهر لقلوب المؤمنين والمؤمنات. وكل عاقل يفهم من سلوك المرأة التي تبالغ في ستر نفسها حتى أنها لا تبدي وجهًا ولا كفا ـ فضلاً عن سائر بدنها ـ أن هذا دليل الاستعفاف والصيانة، وكل عاقل يعلم أيضًا أن تبرج المرأة وإظهارها زينتها يشعر بوقاحتها وقلة حيائها وهوانها على نفسها، ومن ثم فهي الأَولى أن يُساء بها الظن بقرينة مسلكها الوخيم حيث تعرِض زينتها كالسلعة، فتجرّ على نفسها وصمة خُبث النية وفساد الطوية وطمع الذئاب البشرية[11].
2- إنّ من المتواتر لدى الكافة أن المسلمة التي تتحجب في هذا الزمان تذوق الويلات من الأجهزة الحكومية والإدارات الجامعية والحملات الإعلامية والسفاهات من المنافقين في كل مكان، ثم هي تصبر على هذا كله ابتغاء وجه الله تعالى، ولا يفعل هذا إلا مؤمنة صادقة رباها القرآن والسنة، فإذا حاولت فاسقة مستهترة ساقطة أن تتجلبب بجلباب الحياء وتواري عن الأعين بارتداء شعار العفاف ورمز الصيانة وتستر عن الناس آفاتها وفجورها بمظهر الحصان الرزان فما ذنب الحجاب إذًا؟!
إن الاستثناء يؤيد القاعدة ولا ينقضها كما هو معلوم لكلّ ذي عقل، مع أنّ نفس هذه المجتمعات التي يروَّج فيها هذه الأراجيف قد بلغت من الانحدار والتردّي في مهاوي التبرّج والفسوق والعصيان ما يغني الفاسقات عن التستّر، ولا يحوِجهنّ إلى التواري عن الأعين.
وإذا كان بعض المنافقين يتشدّقون بأنّ في هذا خطرًا على ما يسمّونه الأمن فليبينوا كيف يهتزّ الأمن ويختلّ بسبب المتحجبات المتسترات، مع أنه لم يتزلزل مرة واحدة بسبب السافرات والمتبرجات!![12].
3- لو أن رجلاً انتحل شخصية قائد عسكري كبير، وارتدى بزته، وتحايل بذلك واستغل هذا الثوب فيما لا يباح له كيف تكون عقوبته؟! وهل يصلح سلوكه مبررًا للمطالبة بإلغاء الزي المميّز للعسكريين مثلاً خشية أن يسيء أحد استعماله؟!
وما يقال عن البزة العسكرية يقال عن لباس الفتوّ، وزيّ الرياضة، فإذا وجد في المجتمع الجندي الذي يخون والفتى الذي يسيء والرياضي الذي يذنب هل يقول عاقل: إنّ على الأمة أن تحارب شعارَ العسكر ولباس الفتوّة وزيّ الرياضة لخيانات ظهرت وإساءات تكررت؟! فإذا كان الجواب: "لا" فلماذا يقف أعداء الإسلام من الحجاب هذا الموقف المعادي؟! ولماذا يثيرون حوله الشائعات الباطلة المغرضة؟![13].
4- إن الإسلام كما يأمر المرأة بالحجاب يأمرها أن تكون ذات خلق ودين، إنه يربي من تحت الحجاب قبل أن يسدل عليها الجلباب، ويقول لها: {وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26]، حتى تصل إلى قمة الطهر والكمال قبل أن تصل إلى قمة الستر والاحتجاب، فإذا اقتصرت امرأة على أحدهما دون الآخر تكون كمن يمشي على رجل واحدة أو يطير بجناح واحد.
إن التصدي لهؤلاء المستهترات ـ إذا وجدن ـ أن تصدر قوانين صارمة بتشديد العقوبة على كل من تسوّل له نفسه استغلال الحجاب لتسهيل الجرائم وإشباع الأهواء، فمثل هذا التشديد جائز شرعًا في شريعة الله الغراء التي حرصت على صيانة النفس ووقاية العرض، وجعلتهما فوق كل اعتبار، وإذا كان التخوف من سوء استغلال الحجاب مخطرة محتملة إلا أن المخطرة في التبرج والسفور بنشر الفاحشة وفتح ذرائعها مقطوع بها لدى كل عاقل[14].
الشبهة الرابعة: عفة المرأة في ذاتها لا في حجابها:
يقول البعض: إن عفة الفتاة حقيقة كامنة في ذاتها، وليست غطاء يلقى ويسدل على جسمها، وكم من فتاة محتجبة عن الرجال في ظاهرها وهي فاجرة في سلوكها، وكم من فتاة حاسرة الرأس كاشفة المفاتن لا يعرف السوء سبيلاً إلى نفسها ولا إلى سلوكها[15].
الجواب:
إن هذا صحيح، فما كان للثياب أن تنسج لصاحبها عفّة مفقودة، ولا أن تمنحه استقامة معدومة، وربَّ فاجرة سترت فجورها بمظهر سترها.
ولكن من هذا الذي زعم أن الله إنما شرع الحجاب لجسم المرأة ليخلق الطهارة في نفسها أو العفة في أخلاقها؟! ومن هذا الذي زعم أن الحجاب إنما شرعه الله ليكون إعلانًا بأن كل من لم تلتزمه فهي فاجرة تنحط في وادي الغواية مع الرجال؟!
إن الله عز وجل فرض الحجاب على المرأة محافظة على عفة الرجال الذين قد تقع أبصارهم عليها، وليس حفاظًا على عفتها من الأعين التي تراها فقط، ولئن كانت تشترك معهم هي الأخرى في هذه الفائدة في كثير من الأحيان إلا أن فائدتهم من ذلك أعظم وأخطر، وإلا فهل يقول عاقل تحت سلطان هذه الحجة المقلوبة: إن للفتاة أن تبرز عارية أمام الرجال كلهم ما دامت ليست في شك من قوة أخلاقها وصدق استقامتها؟!
إن بلاء الرجال بما تقع عليه أبصارهم من مغرياتِ النساء وفتنتهن هو المشكلة التي أحوجت المجتمعَ إلى حلّ، فكان في شرع الله ما تكفّل به على أفضل وجه، وبلاء الرجال إذا لم يجد في سبيله هذا الحلّ الإلهي ما من ريب سيتجاوز بالسوء إلى النساء أيضًا، ولا يغني عن الأمر شيئًا أن تعتصم المرأة المتبرجة عندئذ باستقامةٍ في سلوكها أو عفة في نفسها، فإن في ضرام ذلك البلاء الهائج في نفوس الرجال ما قد يتغلّب على كل استقامة أو عفة تتمتّع بها المرأة إذ تعرض من فنون إثارتها وفتنتها أمامهم[16].
الشبهة الخامسة: دعوى أن الحجاب من وضع الإسلام:
زعم آخرون أن حجاب النساء نظام وضعه الإسلام فلم يكن له وجود في الجزيرة العربية ولا في غيرها قبل الدعوة المحمدية[17].
الجواب:
1- إن من يقرأ كتب العهد القديم وكتب الأناجيل يعلم بغير عناء كبير في البحث أن حجاب المرأة كان معروفًا بين العبرانيين من عهد إبراهيم عليه السلام، وظل معروفًا بينهم في أيام أنبيائهم جميعًا، إلى ما بعد ظهور المسيحية، وتكررت الإشارة إلى البرقع في غير كتاب من كتب العهد القديم وكتب العهد الجديد.
ففي الإصحاح الرابع والعشرين من سفر التكوين عن (رفقة) أنها رفعت عينيها فرأت إسحاق، فنزلت عن الجمل وقالت للعبد: من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائي، فقال العبد: هو سيدي، فأخذت البرقع وتغطت.
وفي النشيد الخامس من أناشيد سليمان تقول المرأة: أخبرني يا من تحبه نفسي، أين ترعى عند الظهيرة؟ ولماذا أكون كمقنعة عند قطعان أصحابك؟
وفي الإصحاح الثالث من سفر أشعيا: إن الله سيعاقب بنات صهيون على تبرجهن والمباهاة برنين خلاخيلهن بأن ينزع عنهن زينة الخلاخيل والضفائر والأهلة والحلق والأساور والبراقع والعصائب.
وفي الإصحاح الثامن والثلاثين من سفر التكوين أيضًا أن تامار مضت وقعدت في بيت أبيها، ولما طال الزمان خلعت عنها ثياب ترملها وتغطت ببرقع وتلففت.
ويقول بولس الرسول في رسالته كورنثوس الأولى: "إن النقاب شرف للمرأة، وكانت المرأة عندهم تضع البرقع على وجهها حين تلتقي بالغرباء وتخلعه حين تنزوي في الدار بلباس الحداد[18].
فالكتب الدينية التي يقرؤها غير المسلمين قد ذكرت عن البراقع والعصائب مالم يذكره القرآن الكريم.
2- وكان الرومان يسنون القوانين التي تحرم على المرأة الظهور بالزينة في الطرقات قبل الميلاد بمائتي سنة، ومنها قانون عرف باسم "قانون أوبيا" يحرم عليها المغالاة بالزينة حتى في البيوت[19].
3- وأما في الجاهلية فنجد أن الأخبار الواردة في تستّر المرأة العربية موفورة كوفرة أخبار سفورها، وانتهاكُ سترها كان سببًا في اليوم الثاني من أيام حروب الفجار الأول؛ إذ إن شبابًا من قريش وبني كنانة رأوا امرأة جميلة وسيمة من بني عامر في سوق عكاظ، وسألوها أن تسفر عن وجهها فأبت، فامتهنها أحدهم فاستغاثت بقومها.
وفي الشعر الجاهلي أشعار كثيرة تشير إلى حجاب المرأة العربية، يقول الربيع بن زياد العبسي بعد مقتل مالك بن زهير:
من كان مسرورًا بمقتل مالك *** فليـأت نسوتنا بوجه نهـار
يجد النسـاء حواسرًا يندبنه *** يلطمن أوجههن بالأسحـار
قد كن يخبأن الوجـوه تسترًا *** فاليوم حيـن برزن للنظـار
فالحالة العامّة لديهم أن النساء كن محجبات إلا في مثل هذه الحالة حيث فقدن صوابهن فكشفن الوجوه يلطمنها، لأن الفجيعة قد تنحرف بالمرأة عما اعتادت من تستر وقناع.
وقد ذكر الأصمعي أن المرأة كانت تلقي خمارها لحسنها وهي على عفة[20].
وكانت أغطية رؤوس النساء في الجاهلية متنوعة ولها أسماء شتى، منها:
الخمار: وهو ما تغطي به المرأة رأسها، يوضع على الرأس، ويلفّ على جزء من الوجه.
وقد ورد في شعر صخر يتحدث عن أخته الخنساء:
والله لا أمنحها شرارها *** ولو هلكت مزقت خمارها
وجعلت من شعر صدارها
ولم يكن الخمار مقصورًا على العرب، وإنما كان شائعًا لدى الأمم القديمة في بابل وأشور وفارس والروم والهند[21].
النقاب: قال أبو عبيد: "النقاب عند العرب هو الذي يبدو منه محجر العين، ومعناه أن إبداءهن المحاجر محدث، إنما كان النقاب لاصقًا بالعين، وكانت تبدو إحدى العينين والأخرى مستوره"[22].
الوصواص: وهو النقاب على مارِن الأنف لا تظهر منه إلا العينان، وهو البرقع الصغير، ويسمّى الخنق، قال الشاعر:
يا ليتها قد لبست وصواصًا
البرقع: فيه خرقان للعين، وهو لنساء العرب، قال الشاعر:
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت فقد رابني منها الغداة سفورها[23]
الشبهة السادسة: الاحتجاج بقاعدة: "تبدل الأحكام بتبدّل الزمان":
فهم أعداء الحجاب من قاعدة: "تبدل الأحكام بتبدل الزمان" وقاعدة: "العادة محكّمة" أنه ما دامت أعرافهم متطوّرة بتطوّر الأزمان فلا بدّ أن تكون الأحكام الشرعية كذلك[24].
الجواب:
لا ريب أن هذا الكلام لو كان مقبولاً على ظاهره لاقتضى أن يكون مصير شرعية الأحكام كلها رهنًا بيد عادات الناس وأعرافهم، وهذا لا يمكن أن يقول به مسلم، لكن تحقيق المراد من هذه القاعدة أن ما تعارف عليه الناس وأصبح عرفًا لهم لا يخلو من حالات:
1- إما أن يكون هو بعينه حكمًا شرعيًا أيضًا بأن أوجده الشرع، أو كان موجودًا فيهم فدعا إليه وأكّده، مثال ذلك: الطهارة من النجس والحدث عند القيام إلى الصلاة، وستر العورة فيها، وحجب المرأة زينتها عن الأجانب، والقصاص والحدود وما شابه ذلك، فهذه كلها أمور تعدّ من أعراف المسلمين وعاداتهم، وهي في نفس الوقت أحكام شرعية يستوجب فعلها الثواب وتركها العقاب، سواء منها ما كان متعارفًا عليه قبل الإسلام ثم جاء الحكم الشرعي مؤيّدًا ومحسّنًا له كحكم القسامة والديه والطواف بالبيت، وما كان غير معروف قبل ذلك، وإنما أوجده الإسلام نفسه كأحكام الطهارة والصلاة والزكاة وغيرها.
فهذه الصورة من الأعراف لا يجوز أن يدخلها التبديل والتغيير مهما تبدلت الأزمنة وتطورت العادات والأحوال؛ لأنها بحدّ ذاتها أحكام شرعية ثبتت بأدلة باقية ما بقيت الدنيا، وليست هذه الصورة هي المعنية بقول الفقهاء: "العادة محكَّمة".
2- وإما أن لا يكون حكمًا شرعيًا، ولكن تعلّق به الحكم الشرعي بأن كان مناطًا له، مثال ذلك: ما يتعارفه الناس من وسائل التعبير وأساليب الخطاب والكلام، وما يتواضعون عليه من الأعمال المخلّة بالمروءة والآداب، وما تفرضه سنة الخلق والحياة في الإنسان مما لا دخل للإرادة والكليف فيه كاختلاف عادات الأقطار في سن البلوغ وفترة الحيض والنفاس إلى غير ذلك.
فهذه الأمثلة أمور ليست بحد ذاتها أحكامًا شرعية ولكنها متعلَّق ومناط لها، وهذه الصورة من العرف هي المقصودة من قول الفقهاء: "العادة محكمة"، فالأحكام المبنيّة على العرف والعادة هي التي تتغيّر بتغيّر العادة، وهنا فقط يصحّ أن يقال: "لا ينكر تبدّل الأحكام بتبدل الزمان"، وهذا لا يعدّ نسخًا للشريعة، لأن الحكم باق، وإنما لم تتوافر له شروط التطبيق فطبِّق غيره. يوضّحه أنّ العادة إذا تغيرت فمعنى ذلك أن حالة جديدة قد طرأت تستلزم تطبيق حكم آخر، أو أن الحكم الأصلي باق، ولكن تغير العادة استلزم توافر شروط معينة لطبيقه[25].
الشبهة السابعة: نساء خيِّرات كنّ سافرات:
احتجّ أعداء الحجاب بأن في شهيرات النساء المسلمات على اختلاف طبقاتهن كثيرًا ممن لم يرتدين الحجاب ولم يتجنّبن الاختلاط بالرجال.
وعمد المروجون لهذه الشبهة إلى التاريخ وكتب التراجم، يفتشون في طولها وعرضها وينقبون فيها بحثًا عن مثل هؤلاء النساء حتى ظفروا بضالتهم المنشودة ودرتهم المفقودة، فالتقطوا أسماء عدد من النساء لم يكن يبالين ـ فيما نقلته الأخبار عنهن ـ أن يظهرن سافرات أمام الرجال، وأن يلتقين معهم في ندوات أدبية وعلمية دونما تحرز أو تحرج[26].
الجواب:
1- من المعلوم والمتقرر شرعا أن الأدلة الشرعية التي عليها تبنى الأحكام هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، فضمن أيّ مصدر من مصادر التشريع تندرج مثل هذه الأخبار، خاصة وأنّ أغلبها وقع بعد من التشريع وانقطاع الوحي؟![27].
2- وإذا علِم أن أحكام الإسلام إنما تؤخذ من نص ثابت في كتاب الله تعالى أو حديث صحيح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قياس صحيح عليهما أو إجماع التقى عليه أئمة المسلمين وعلماؤهم لم يصحّ حينئذ الاستدلال بالتصرّفات الفردية من آحاد الناس أو ما يسمّيه الأصوليون بـ"وقائع الأحوال"، فإذا كانت هذه الوقائع الفردية من آحاد الناس لا تعتبر دليلاً شرعيًا لأيّ حكم شرعيّ حتى لو كان أصحابها من الصحابة رضوان الله عليهم أو التابعين من بعدهم فكيف بمن دونهم؟!
بل المقطوع به عند المسلمين جميعًا أن تصرفاتهم هي التي توزن ـ صحة وبطلانًا ـ بميزان الحكم الإسلامي، وليس الحكم الإسلامي هو الذي يوزن بتصرفاتهم ووقائع أحوالهم، وصدق القائل: لا تعرف الحقّ بالرجال، اعرف الحقّ تعرف أهله[28].
3- ولو كان لتصرفات آحاد الصحابة أو التابعين مثلاً قوة الدليل الشرعي دون حاجة إلى الاعتماد على دليل آخر لبطل أن يكونوا معرّضين للخطأ والعصيان، ولوجب أن يكونوا معصومين مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هذا لأحد إلا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أما من عداهم فحقَّ عليهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل بني آدم خطاء))، وإلاّ فما بالنا لا نقول مثلاً: يحل شرب الخمر فقد وجِد فيمن سلف في القرون الخيِّرة من شربها؟![29].
4- وما بال هؤلاء الدعاة إلى السفور قد عمدوا إلى كتب التاريخ والتراجم فجمعوا أسماء مثل هؤلاء النسوة من شتى الطبقات والعصور، وقد علموا أنه كان إلى جانب كل واحدة منهن سواد عظيم وجمع غفير من النساء المتحجّبات الساترات لزينتهن عن الأجانب من الرجال؟! فلماذا لم يعتبر بهذه الجمهرة العظيمة ولم يجعلها حجة بدلاً من حال أولئك القلة الشاذة المستثناة؟!
يقول الغزالي: "لم تزل الرجال على مر الأزمان تكشف الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات أو يمنعن من الخروج"[30]، ويقول ابن رسلان: "اتفق المسلمون على منع النساء من الخروج سافرات"[31].
ولماذا لم يحتج بمواقف نساء السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان في تمسكهم بالحجاب الكامل واعتباره أصلاً راسخًا من أصول البنية الاجتماعية؟![32].
الشبهة الثامنة: الحجاب كبت للطاقة الجنسية:
قالوا: إنّ الطاقة الجنسية في الإنسان طاقة كبيرة وخطيرة، وخطورتها تكمن في كبتها، وزيادة الضغط يولّد الانفجار، وحجاب المرأة يغطّي جمالها، وبالتالي فإنّ الشباب يظلون في كتب جنسيّ يكاد أن ينفجر أو ينفجر أحيانًا على شكل حوادث الاغتصاب وغيرها، والعلاج لهذه المشكلة إنما يكمن في تحرير المرأة من هذا الحجاب لكي ينفس الشباب الكبت الذي فيهم، وبالتالي يحدث التشبع لهذه الحاجة، فيقلّ طبقًا لذلك خطورة الانفجار بسبب الكبت والاختناق[33].
الجواب:
1- لو كان هذا الكلام صحيحًا لكانت أمريكا والدول الأوربية وما شاكلها هي أقلّ الدول في العالم في حوادث الاغتصاب والتحرّش في النساء وما شاكلها من الجرائم الأخلاقية، ذلك لأن أمريكا والدول الأوربية قد أعطت هذا الجانب عناية كبيرة جدًا بحجة الحرية الشخصية، فماذا كانت النتائج التي ترتبت على الانفلات والإباحية؟ هل قلّت حوادث الاغتصاب؟ هل حدث التشبّع الذي يتحدّثون عنه؟ وهل حُميت المرأة من هذه الخطورة؟
جاء في كتاب "الجريمة في أمريكا": إنه تتم جريمة اغتصاب بالقوة كل ستة دقائق في أمريكا[34]. ويعني بالقوة: أي تحت تأثير السلاح.
وقد بلغ عدد حالات الاغتصاب في أمريكا عام 1978م إلى مائة وسبعة وأربعين ألف وثلاثمائة وتسع وثمانين حالة، لتصل في عام 1987م إلى مائتين وواحد وعشرين ألف وسبعمائة وأربع وستين حالة. فهذه الإحصائيات تكذّب هذه الدعوى[35].
2- إن الغريزة الجنسية موجودة في الرجال والنساء، وهي سرّ أودعه الله تعالى في الرجل والمرأة لحِكَم كثيرة، منها استمرار النسل. ولا يمكن لأحد أن ينكر وجود هذه الغريزة، ثم يطلب من الرجال أن يتصرفوا طبيعيًا أمام مناظر التكشف والتعرّي دونما اعتبار لوجود تلك الغريزة[36].
3- إن الذي يدّعي أنه يمكن معالجة الكبت الجنسي بإشاعة مناظر التبرّج والتعري ليحدث التشبع فإنه بذلك يصل إلى نتيجتين:
الأولى: أن هؤلاء الرجال الذين لا تثيرهم الشهوات والعورات البادية من فئة المخصيّين، فانقطعت شهوتهم، فما عادوا يشعرون بشيء من ذلك الأمر.
الثانية: أن هؤلاء الرجال الذين لا تثيرهم العورات الظاهرة من الذين أصابهم مرض البرود الجنسي.
فهل الذين يدعون صدقَ تلك الشبهة يريدون من رجال أمتنا أن يكونوا ضمن إحدى هاتين الطائفتين من الرجال؟![37].
الشبهة التاسعة: الحجاب يعطل نصف المجتمع:
قالوا: إن حجاب المرأة يعطل نصف المجتمع، إذ إن الإسلام يأمرها أن تبقى في بيتها[38].
الجواب:
1- إن الأصل في المرأة أن تبقى في بيتها، قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ ٱلأولَىٰ} [الأحزاب:33]. ولا يعني هذا الأمر إهانة المرأة وتعطيل طاقاتها، بل هو التوظيف الأمثل لطاقاتها[39].
2- وليس في حجاب المرأة ما يمنعها من القيام بما يتعلق بها من الواجبات، وما يُسمح لها به من الأعمال، ولا يحول بينها وبين اكتساب المعارف والعلوم، بل إنها تستطيع أن تقوم بكل ذلك مع المحافظة على حجابها وتجنبها الاختلاط المشين.
وكثير من طالبات الجامعات اللاتي ارتدين الثوب الساتر وابتعدن عن مخالطة الطلاب قد أحرزن قصب السبق في مضمار الامتحان، وكن في موضع تقدير واحترام من جميع المدرسين والطلاب[40].
3- بل إن خروج المرأة ومزاحمتها الرجل في أعماله وتركها الأعمال التي لا يمكن أن يقوم بها غيرها هو الذي يعطل نصف المجتمع، بل هو السبب في انهيار المجتمعات وفشو الفساد وانتشار الجرائم وانفكاك الأسَر، لأن مهمة رعاية النشء وتربيتهم والعناية بهم ـ وهي من أشرف المهام وأعظمها وأخطرها ـ أضحت بلا عائل ولا رقيب.
الشبهة العاشرة: التبرج أمر عادي لا يلفت النظر:
يدّعي أعداء الحجاب أن التبرج الذي تبدو به المرأة كاسية عارية لا يثير انتباه الرجال، بينما ينتبه الرجال عندما يرون امرأة متحجبة حجابًا كاملاً يستر جسدها كله، فيريدون التعرّف على شخصيتها ومتابعتها؛ لأنّ كلَّ ممنوع مرغوب[41].
الجواب:
1- ما دام التبرج أمر عادي لا يلفت الأنظار ولا يستهوي القلوب فلماذا تبرّجت؟! ولمن تبرجت؟! ولماذا تحمّلت أدوات التجميل وأجرة الكوافير ومتابعة الموضات؟![42].
2- وكيف يكون التبرج أمرًا عاديًا ونرى أن الأزواج ـ مثلاً ـ تزداد رغبتهم في زوجاتهم كلما تزينّ وتجمّلن، كما تزداد الشهوة إلى الطعام كلما كان منسقًا متنوعًا جميلاً في ترتيبه ولو لم يكن لذيذ الطعم؟![43].
3- إن الجاذبية بين الرجل والمرأة هي الجاذبية الفطرية، لا تتغير مدى الدهر، وهي شيء يجري في عروقهما، وينبه في كل من الجنسين ميوله وغرائزه الطبيعية، فإن الدم يحمل الإفرازات الهرمونية من الغدد الصماء المختلفة، فتؤثر على المخ والأعصاب وعلى غيرها، بل إن كل جزء من كل جسم يتميز عما يشبهه في الجنس الآخر؛ ولذلك تظهر صفات الأنوثة في المرأة في تركيب جسمها كله وفي شكلها وفي أخلاقها وأفكارها وميولها، كما تظهر مميزات الذكورة في الرجل في بدنه وهيئته وصوته وأعماله وميوله. وهذه قاعدة فطرية طبيعية لم تتغير من يوم خلق الله الإنسان، ولن تتغير حتى تقوم الساعة[44].
4- أودع الله الشبق الجنسي في النفس البشرية سرًّا من أسراره، وحكمة من روائع حكمه جلّ شأنه، وجعل الممارسة الجنسية من أعظم ما ينزع إليه العقل والنفس والروح، وهي مطلب روحي وحسي وبدني، ولو أن رجلاً مرت عليه امرأة حاسرة سافرة على جمال باهر وحسن ظاهر واستهواء بالغ ولم يلتفت إليها وينزع إلى جمالها يحكم عليه الطب بأنه غير سوي وتنقصه الرغبة الجنسية، ونقصان الرغبة الجنسية ـ في عرف الطب ـ مرض يستوجب العلاج والتداوي[45].
5- إن أعلى نسبة من الفجور والإباحية والشذوذ الجنسي وضياع الأعراض واختلاط الأنساب قد صاحبت خروج النساء مترجات كاسيات عاريات، وتتناسب هذه النسبة تناسبًا طرديًا مع خروج النساء على تلك الصورة المتحللة من كل شرف وفضيلة، بل إن أعلى نسبة من الأمراض الجنسية ـ كالأيدز وغيره ـ في الدول الإباحية التي تزداد فيها حرية المرأة تفلّتًا، وتتجاوز ذلك إلى أن تصبح همجية وفوضى، بالإضافة إلى الأمراض والعقد النفسية التي تلجئ الشباب والفتيات للانتحار بأعلى النسب في أكثر بلاد العالم تحللاً من الأخلاق[46].
6- أما أن العيون تتابع المتحجبة الساترة لوجهها ولا تتابع المتبرجة فإن المتحجبة تشبه كتابًا مغلقًا، لا تعلم محتوياته وعدد صفحات وما يحمله من أفكار، فطالما كان الأمر كذلك، فإنه مهما نظرنا إلى غلاف الكتاب ودققنا النظر فإننا لن نفهم محتوياته، ولن نعرفها، بل ولن نتأثر بها، وبما تحمله من أفكار، وهكذا المتحجبة غلافها حجابها، ومحتوياتها مجهولة بداخله، وإن الأنظار التي ترتفع إلى نورها لترتد حسيرة خاسئة، لم تظفر بِشَروَى[47] نقير ولا بأقلّ القليل.
أما تلك المتبرجة فتشبه كتابًا مفتوحًا تتصفّحه الأيدي، وتتداوله الأعين سطرًا سطرًا، وصفحة صفحة، وتتأثّر بمحتوياته العقول، فلا يترك حتى يكون قد فقد رونق أوراقه، فتثنت بل تمزق بعضها، إنه يصبح كتابًا قديمًا لا يستحق أن يوضع في واجهة مكتبة بيت متواضعة، فما بالنا بواجهة مكتبة عظيمة؟![48].
الشبهة الحادية عشرة: السفور حقّ للمرأة والحجاب ظلم:
زعموا أن السفور حقّ للمرأة، سلبها إياه المجتمع، أو سلبها إياه الرجل الأناني المتحجر المتزمت، ويرون أن الحجاب ظلم لها وسلب لحقها[49].
الجواب:
1- لم يكن الرجل هو الذي فرض الحجاب على المرأة فترفع قضيتها ضدّه لتتخلّص من الظلم الذي أوقعه عليها، كما كان وَضعُ القضية في أوربا بين المرأة والرجل، إنما الذي فرض الحجاب على المرأة هو ربها وخالقها الذي لا تملك ـ إن كانت مؤمنة ـ أن تجادله سبحانه فيما أمر به أو يكون لها الخيرة في الأمر، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـٰلاً مُّبِينًا} [الأحزاب:36][50].
2- إن الحجابَ في ذاته لا يشكل قضية، فقد فرض الحجاب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونفذ في عهد، واستمر بعد ذلك ثلاثة عشر قرنًا متوالية وما من مسلم يؤمن بالله ورسوله يقول: إن المرأة كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مظلومة.
فإذا وقع عليها الظلم بعد ذلك حين تخلّف المسلمون عن عقيدتهم الصحيحة ومقتضياتها فلم يكن الحجاب ـ بداهة ـ هو منبع الظلم ولا سببه ولا قرينه، لأنه كان قائمًا في خير القرون على الإطلاق، وكان قرين النظافة الخلقية والروحية، وقرين الرفعة الإنسانية التي لا مثيل لها في تاريخ البشرية كله[51].
الشبهة الثانية عشرة: الحجاب رمز للغلو والتعصب الطائفي والتطرف الديني:
زعم أعداء الحجاب أن حجاب المرأة رمز من رموز التطرف والغلو، وعلامة من علامات التنطع والتشدد، مما يسبب تنافرا في المجتمع وتصادما بين الفئتين، وهذا قد يؤول إلى الإخلال بالأمن والاستقرار.
الجواب:
1- هذه الدعوى مرفوضة من أساسها، فالحجاب ليس رمزا لتلك الأمور، بل ولا رمزا من الرموز بحال، لأن الرمز ما ليس له وظيفة إلا التعبير عن الانتماء الديني لصاحبه، مثل الصليب على صدر المسيحي أو المسيحية، والقلنسوة الصغيرة على رأس اليهودي، فلا وظيفة لهما إلا الإعلان عن الهوية. أما الحجاب فإن له وظيفة معروفة وحِكَما نبيلة، هي الستر والحشمة والطهر والعفاف، ولا يخطر ببال من تلبسه من المسلمات أنها تعلن عن نفسها وعن دينها، لكنها تطيع أمر ربها، فهو شعيرة دينية، وليس رمزا للتطرف والتنطع.
ثم إن هذه الفرية التي أطلقوها على حجاب المرأة المسلمة لماذا لم يطلقوها على حجاب الراهبات؟! لماذا لم يقولوا: إن حجابَ اليهوديات والنصرانيات رمز للتعصب الديني والتميز الطائفي؟! لماذا لم يقولوا: إن تعليق الصليب رمز من رموز التطرف الديني وهو الذي جرّ ويلات الحروب الصليبية؟! لماذا لم يقولوا: إن وضع اليهودي القلنسوة الصغيرة على رأسه رمز من رموز التطرف الديني وبسببه يحصل ما يحصل من المجازر والإرهاب في فلسطين المحتلة؟!
2- إن هذه الفرية يكذّبها التاريخ والواقع، فأين هذه المفاسد المزعومة والحجاب ترتديه المرأة المسلمة منذ أكثر من أربعة عشر قرنا؟!
3- إن ارتداء المرأة للحجاب تم من منطلق عقدي وقناعة روحية، فهي لم تلزَم بالحجاب بقوة الحديد والنار، ولم تدعُ غيرها إلى الحجاب إلا بالحكمة والحجج الشرعية والعقلية، بل عكس القضية هو الصحيح، وبيان ذلك أن إلزام المرأة بخلع حجابها وجعل ذلك قانونا وشريعة لازمة هو رمز التعصب والتطرف اللاديني، وهذا هو الذي يسبب التصادم وردود الأفعال السيئة، لأنه اعتداء على الحرية الدينية والحرية الشخصية.
-----------------
شبهات حول المرأة :
أولاً : الحجاب
[1] عودة الحجاب: محمد أحمد إسماعيل المقدم (3/391).
[2] أخرجه البخاري في الإيمان، باب: الدين يسر (39).
[3] أخرجه مسلم في الجهاد (1732).
[4] عودة الحجاب (3/393).
[5] انظر: عودة الحجاب (3/395-396).
[6] المتبرجات للزهراء فاطمة بنت عبد الله (122).
[7] انظر: المتبرجات (122).
[8] المتبرجات (124) بتصرف.
[9] المترجات (124-125).
[10] عودة الحجاب (3/412).
[11] عودة الحجاب (3/412-413) باختصار.
[12] عودة الحجاب (3/412-413).
[13] إلى كل أب غيور يؤمن بالله لعبد الله ناصح علوان (44)، انظر: عودة الحجاب (3/414).
[14] عودة الحجاب (3/415).
[15] إلى كل فتاة تؤمن بالله. د.محمد سعيد البوطي (97).
[16] إلى كل فتاة تؤمن بالله (97-99).
[17] يا فتاة الإسلام اقرئي حتى لا تخدعي للشيخ صالح البليهي (124).
[18] يا فتاة الإسلام (128-126) باختصار.
[19] يا فتاة الإسلام (126).
[20] المرأة بين الجاهلية والإسلام، محمد الناصر وخولة درويش (169، 170).
[21] المرأة بين الجاهلية والإسلام (171).
[22] غريب الحديث (2/440-441)، عند شرح قول ابن سيرين: "النقاب محدث".
[23] انظر: المرأة بين الجاهلية والإسلام (171-172)..
[24] عودة الحجاب (3/403).
[25] عودة الحجاب (3/403-404). [26] عودة الحجاب (3/409).
[27] عودة الحجاب (3/409).
[28] عودة الحجاب (3/409-410).
[29] عودة الحجاب (3/410).
[30] إحياء علوم الدين (2/74).
[31] انظر: عون المعبود (4/106).
[32] عودة الحجاب (3/410-411).
[33] أختي غير المحجبة ما المانع من الحجاب؟ لعبد الحميد البلالي (7).
[34] هذا بالنسبة لعام (1988م) على ما في الكتاب.
[35] أختي غير المحجبة (8، 10) بتصرف.
[36] أختي غير المحجبة (12).
[37] أختي غير المحجبة (12-13).
[38] أختي غير المحجبة (64).
[39] أختي غير المحجبة (64).
[40] يا فتاة الإسلام اقرئي (39-40).
[41] المتبرجات (117).
[42] المتبرجات (117).
[43] المتبرجات (117).
[44] التبرج لنعمت صافي (23-24).
[45] الفتاوى للشيخ محمد متولي الشعراوي بمشاركة: د.السيد الجميلي. انظر: المتبرحات (119-120)
[46] المتبرجات (120) وللمزيد من ذلك انظر: المرأة المتبرجة وأثرها السيئ في الأمة لعبد الله التليدي (12-25).
[47] الشَّروى كجدوى: المثل. (القاموس المحيط، مادة: شرى).
[48] المتبرجات (118).
[49] قضية تحرير المرأة لمحمد قطب (21).
[50] قضية تحرير المرأة (19).
[51] قضية تحرير المرأة لمحمد قطب (19-20).
<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
السياق القرآنى لآية الخمار يبين أن العلة هى العفاف وحفظ الفروج ، حيث يبدأ بالحديث عن تميز الطيبين والطيبات عن الخبيثين والخبيثات.. وعن آداب دخول بيوت الآخرين ، المأهول منها وغير المأهول.. وعن غض البصر.. وحفظ الفروج ، لمطلق المؤمنين والمؤمنات..وعن فريضة الاختمار ، حتى لا تبدو زينة المرأة ـ مطلق المرأة ـ إلا لمحارم حددتهم الآية تفصيلاً. فالحديث عن الاختمار حتى فى البيوت ، إذا حضر غير المحارم.. ثم يواصل السياق القرآنى الحديث عن الإحصان بالنكاح (الزواج) وبالاستعفاف للذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله:
(الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم * يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تَذكَّرون * فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم * ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون * قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بنى إخوانهن أو بنى أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون * وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم * وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً وآتوهم من مال الله الذى آتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) (1).
فنحن أمام نظام إسلامى ، وتشريع إلهى مفصل ، فى العفة وعلاقتها بستر العورات عن غير المحارم. وهو تشريع عام ، فى كل مكان توجد فيه المرأة مع غير محرم.
بل إن ذات السورة ـ (النور) تستأنف التشريع لستر العورات داخل البيوت ـ نصاً وتحديداً ـ فتقول آياتها الكريمة: (يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاثُ عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوّافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم * وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم * والقواعد من النساء اللاتى لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم ) (2).
فنحن أمام تشريع لستر العورات ، حتى داخل البيوت ، عن غير المحارم ـ الذين حددتهم الآيات ـ ومنهم الصبيان إذا بلغوا الحلم.. فحيث أمر الله بالعفاف وحرم الزنا وأقر الزواج وأباح إمكانية التعدد فكان لابد لكمال التشريع من الأمر بدرء ما يوصل إلى عكس ذلك كله فأمر بالحجاب وبغض البصر وبعدم الخلوة وهو أَمْرٌ له سبحانه فى كل دين.
(1) النور: 26- 33.
(2) النور: 68: 70.
<!--<!--<!--
صحيح وحق أن آيات الميراث فى القرآن الكريم قد جاء فيها قول الله سبحانه وتعالى:(للذكر مثل حظ الأنثيين) (1) ؛ لكن كثيرين من الذين يثيرون الشبهات حول أهلية المرأة فى الإسلام ، متخذين من التمايز فى الميراث سبيلاً إلى ذلك لا يفقهون أن توريث المرأة على النصف من الرجل ليس موقفًا عامًا ولا قاعدة مطّردة فى توريث الإسلام لكل الذكور وكل الإناث. فالقرآن الكريم لم يقل: يوصيكم الله فى المواريث والوارثين للذكر مثل حظ الأنثيين.. إنما قال: (يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين).. أى أن هذا التمييز ليس قاعدة مطّردة فى كل حالات الميراث ، وإنما هو فى حالات خاصة ، بل ومحدودة من بين حالات الميراث.
بل إن الفقه الحقيقى لفلسفة الإسلام فى الميراث تكشف عن أن التمايز فى أنصبة الوارثين والوارثات لا يرجع إلى معيار الذكورة والأنوثة.. وإنما لهذه الفلسفة الإسلامية فى التوريث حِكَم إلهية ومقاصد ربانية قد خفيت عن الذين جعلوا التفاوت بين الذكور والإناث فى بعض مسائل الميراث وحالاته شبهة على كمال أهلية المرأة فى الإسلام. وذلك أن التفاوت بين أنصبة الوارثين والوارثات فى فلسفة الميراث الإسلامى ـ إنما تحكمه ثلاثة معايير:
أولها: درجة القرابة بين الوارث ذكرًا كان أو أنثى وبين المُوَرَّث المتوفَّى فكلما اقتربت الصلة.. زاد النصيب فى الميراث.. وكلما ابتعدت الصلة قل النصيب فى الميراث دونما اعتبار لجنس الوارثين..
وثانيها: موقع الجيل الوارث من التتابع الزمنى للأجيال.. فالأجيال التى تستقبل الحياة ، وتستعد لتحمل أعبائها ، عادة يكون نصيبها فى الميراث أكبر من نصيب الأجيال التى تستدبر الحياة. وتتخفف من أعبائها ، بل وتصبح أعباؤها ـ عادة ـ مفروضة على غيرها ، وذلك بصرف النظر عن الذكورة والأنوثة للوارثين والوارثات.. فبنت المتوفى ترث أكثر من أمه ـ وكلتاهما أنثى ـ.. وترث البنت أكثر من الأب ! – حتى لو كانت رضيعة لم تدرك شكل أبيها.. وحتى لو كان الأب هو مصدر الثروة التى للابن ، والتى تنفرد البنت بنصفها ! ـ.. وكذلك يرث الابن أكثر من الأب ـ وكلاهما من الذكور..
وفى هذا المعيار من معايير فلسفة الميراث فى الإسلام حِكَم إلهية بالغة ومقاصد ربانية سامية تخفى على الكثيرين !..
وهى معايير لا علاقة لها بالذكورة والأنوثة على الإطلاق..
وثالثها: العبء المالى الذى يوجب الشرع الإسلامى على الوارث تحمله والقيام به حيال الآخرين.. وهذا هو المعيار الوحيد الذى يثمر تفاوتاً بين الذكر والأنثى.. لكنه تفاوت لا يفضى إلى أى ظلم للأنثى أو انتقاص من إنصافها.. بل ربما كان العكس هو الصحيح !..
ففى حالة ما إذا اتفق وتساوى الوارثون فى درجة القرابة.. واتفقوا وتساووا فى موقع الجيل الوارث من تتابع الأجيال - مثل أولاد المتوفَّى ، ذكوراً وإناثاً - يكون تفاوت العبء المالى هو السبب فى التفاوت فى أنصبة الميراث.. ولذلك ، لم يعمم القرآن الكريم هذا التفاوت بين الذكر والأنثى فى عموم الوارثين ، وإنما حصره فى هذه الحالة بالذات ، فقالت الآية القرآنية: (يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين).. ولم تقل: يوصيكم الله فى عموم الوارثين.. والحكمة فى هذا التفاوت ، فى هذه الحالة بالذات ، هى أن الذكر هنا مكلف بإعالة أنثى ـ هى زوجه ـ مع أولادهما.. بينما الأنثى الوارثة أخت الذكرـ إعالتها ، مع أولادها ، فريضة على الذكر المقترن بها.. فهى ـ مع هذا النقص فى ميراثها بالنسبة لأخيها ، الذى ورث ضعف ميراثها ، أكثر حظًّا وامتيازاً منه فى الميراث.. فميراثها ـ مع إعفائها من الإنفاق الواجب ـ هو ذمة مالية خالصة ومدخرة ، لجبر الاستضعاف الأنثوى ، ولتأمين حياتها ضد المخاطر والتقلبات.. وتلك حكمة إلهية قد تخفى على الكثيرين..
وإذا كانت هذه الفلسفة الإسلامية فى تفاوت أنصبة الوارثين والوارثات وهى التى يغفل عنها طرفا الغلو ، الدينى واللادينى ، الذين يحسبون هذا التفاوت الجزئى شبهة تلحق بأهلية المرأة فى الإسلام فإن استقراء حالات ومسائل الميراث ـ كما جاءت فى علم الفرائض (المواريث) ـ يكشف عن حقيقة قد تذهل الكثيرين عن أفكارهم المسبقة والمغلوطة فى هذا الموضوع.. فهذا الاستقراء لحالات ومسائل الميراث ، يقول لنا:
1 ـ إن هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل.
2 ـ وهناك حالات أضعاف هذه الحالات الأربع ترث فيها المرأة مثل الرجل تماماً.
3 ـ وهناك حالات عشر أو تزيد ترث فيها المرأة أكثر من الرجل.
4 ـ وهناك حالات ترث فيها المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال.
أى أن هناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل ، أو أكثر منه ، أو ترث هى ولا يرث نظيرها من الرجال ، فى مقابلة أربع حالات محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل.. (2) "!!.
تلك هى ثمرات استقراء حالات ومسائل الميراث فى علم الفرائض (المواريث) ، التى حكمتها المعايير الإسلامية التى حددتها فلسفة الإسلام فى التوريث.. والتى لم تقف عند معيار الذكورة والأنوثة ، كما يحسب الكثيرون من الذين لا يعلمون !..
وبذلك نرى سقوط الشبهة الأولى من الشبهات الخمس المثارة حول أهلية المرأة ، كما قررها الإسلام.
------------------------
(1) النساء: 11.
(2) د. صلاح الدين سلطان "ميراث المرأة وقضية المساواة " ص10 ، 46 ، طبعة القاهرة ، دار نهضة مصر سنة 1999م ـ " سلسلة فى التنوير الإسلامى ".