من أجل تشكيل الأسرة ينبغي البدء بحياة الألفة، حيث يعتبر الزوجان أنفسهما مسؤولين عن بعضهما، وعليه ينبغي أن يتحمل أحدهما الآخر ويصبر عليه، لكننا ـ ومع الأسف الشديد ـ نجد البعض ـ وبسبب التحريضات أو ضغوط العمل والحياة ـ يفتقد هذا الجانب في حياته، فلا يعود يتحمل صاحبه وشريك حياته، ويثور من أجل سبب تافه مما يعرّض الحياة المشتركة للزوجين إلى الخطر.
وفي هذا المقال سوف نتعرض إلى البحث في جذور هذه المسألة والإشارة إلى الأسباب التي تقف وراء عدم تحمل الأزواج من الشباب لأخلاق بعضهم البعض انطلاقاً من أن معرفة الداء يساهم في اكتشاف الدواء إلى حد ما.
صور متعددة
تزخر الحياة بصور متعددة من السلوك والممارسات والمواقف، ويمكن القول إن لكل إنسان طريقة عمل وسلوك معين، وفي عالم الحياة الزوجية يتصرف بعض الأزواج كما لو كانوا سادة يصدّرون الأوامر إلى عبيدهم، وما على شركاء حياتهم إلا الطاعة والتسليم.
فقد نرى زوجاً يتصرف مع زوجته ويعاملها كما لو كانت خادمة أو جارية لا حظّ لها بشيء سوى الطاعة، يثور من أجل كل شيء وبسبب أي شيء.. لماذا لم تقومي بالعمل الفلاني.. ولماذا الطعام الفلاني غير جاهز.. لماذا ولماذا ؟؟ غافلاً عن أن الزوجة ومن وجهة نظر شرعية وقانونية ليست مكلّفة أبداً بالقيام بهذه المهمات، وأن تعهدها بذلك هو عمل إنساني نبيل تستحق من أجله التقدير والإجلال والثناء.
وفي مقابل ذلك نرى نساءً يعاملن أزواجهن كما لو كانوا عبيداً أذلاء يتحركون كما تتحرك بيارق الشطرنج وفق حساب معين أو أمر معين أو نهي محدد، فإن كان الزوج فقيراً ذكّرته بذلك مراراً وتكراراً وأشارت إلى ثرائها وغناها ومنّت بالحياة معه.
إن مثل هكذا ممارسات لا تتفق مع حقيقة الإنسانية وأصول وأسس الحياة المشتركة التي يدلّ اسمها على الاشتراك في كل شيء.
سوء الخلق
إن سوء الخلق والفظاظة في التعامل وعدم تحمل الآخرين يقف وراء الكثير من المشاكل والنزاعات التي تعصف بالحياة الأسرية، بل يمكن القول بأنها نار مجنونة تلتهم الأخضر واليابس وتحوله إلى هشيم تذروه الرياح.
لقد أثبتت الدراسات ان سوء الخلق والإساءة في التعامل وعدم التحمل يؤدي إلى الشيخوخة حيث يغزوه الشيب قبل وقته، كما أثبتت البحوث أيضاً أن أكثر الأمراض القلبية والعصبية إنما تنشأ بسبب النزاعات وعدم التحمل، خاصة لدى الأزواج المغامرين، إضافة إلى أن الحياة تفقد معناها إذا تحولت إلى جحيم مستعرة بسبب هذه الأخلاق.
إن الأجواء المتشنجة والمتوترة التي يصنعها التعامل الفظ، والأساليب القمعية في الأسرة تعرض الأطفال إلى خطر كبير، حيث تتأثر نفوسهم الغضة ويصيبهم الدمار الذي لا يمكن إصلاحه، كما يفقدهم الشعور بالطمأنينة التي هي أكبر حاجة لتنشئة الطفل نشأة سليمة ، هذا إذا لم يحدث الانفصال الذي يعرّض الأطفال إلى أخطار حقيقية مدمّرة، وقد يسلمهم إلى الضياع والشوارع والليل.
البواعث
للبحث في الأسباب التي تكمن وراء ما ذكرنا يمكن الإشارة إلى ما يلي:
1 ـ غياب التفاهم
إن غياب التفاهم بين الزوجين وعدم إدراكهما الضوابط التي ينبغي مراعاتها في التعامل يؤدي إلى ظهور المشاكل العديدة ونشوء النزاع، ذلك أن التفاهم هو الذي يهيء الأرضية اللازمة للبحث في الكثير من الأمور ذات الاهتمام المشترك. وتعدد أسباب عدم التفاهم والانسجام، فمنها ما يعود إلى الاختلاف الفاحش في السن والتجربة والخبرة في الحياة، ومنها ما يعود إلى اختلاف الأذواق بشكل يؤدي إلى التصادم العنيف. ومما يبعث على الأسف أن الزوجين ـ وبعد مضي شهور عديدة أو سنوات على حياتهما المشتركة ـ قد أخفقا في إدراك بعضهما البعض بشكل يمكن فيه تلافي الكثير من المشكل ببعض التحمل والمداراة.
2 ـ الفوضى في الحياة
هناك الكثير من الأفراد ممن يهتمون بالنظام إلى حد يتحول فيه ذلك إلى هاجسهم الوحيد، فأقل إخلال يدفعهم إلى الثورة والعصبية.
وفي مثل هكذا حالة ماذا يمكن أن يحدث لو عاد الرجل ـ مثلاً ـ إلى منزله وهو يتصور أن كل شيء على ما يرام، وإذا به يرى الفوضى تعمّ كل شيء فلا يجد حتى مكاناً يستبدل فيه ثيابه.
ربما يعتبر البعض أن الأمر ليس بهذه الخطورة ولكن الحقيقة تقول عكس ذلك. إن ذلك يبعث المرارة في قلب الرجل، بل ويهيء ظروف تفجر نزاع لا تحمد عقباه.
3 ـ الإجهاد في العمل
ما أكثر الأشخاص الذين نراهم يثورون لأتفه الأسباب. وعندما نحاول البحث عن العلة في ذلك نجد أن العمل المتواصل والإرهاق قد أضعف أعصابهم وأفقدهم القدرة على التحمل، فإذا بهم يهاجمون أزواجهم بشراسة ودون رحمة دون سبب وجيه ولو في الظاهر.
وقد نرى هذه الظاهرة حتى لدى النساء من اللواتي يصل عملهن داخل المنزل حداً وسواسياً رهيباً يجعلهن في النهاية جنائز ـ إذا صح التعبير ـ حيث يفقدن القدرة على التعامل مع أزواجهن بلباقة وأدب.
إننا نوصي الأزواج ـ نساء ورجالاً ـ في اتخاذ جانب الاعتدال في العمل والحفاظ على الحدود التي تكفل التوازن المنشود.
4 ـ الاضطراب الفكري
قد نجد أفراداً يعانون من اضطرابات فكرية ومن تشوش ذهني تعصف في رؤوسهم عشرات المسائل والمشاكل والهموم.
إن هذه المشاكل وما يتبعها من وسوسة فكرية تجعلهم سريعي الإثارة قليلي التحمل شديدي العناد، ولذا فإنهم ينفجرون لأقلّ اصطدام مما يدفعهم إلى إفراغ ما في أعماقهم من ثورة وغضب.
5 ـ عوامل خارجية
قد ينشأ النزاع في الأسرة بسبب عوامل خارجية، فمثلاً يعمل الزوج في مكان ما ثم يحصل له نزاع مع زملائه في العمل مما يخلّف في نفسه شعوراً بالمرارة يدفعه إلى إفراغ غضبه في محيط أسرته لسبب أو غير سبب.
أو نجد إحدى السيدات تتطلع إلى حياة جارتها المرفهة فلا تملك نفسها، حيث تتولد في أعماقها الحسرة التي تعبر عن نفسها أحيانا بالتشكي والبكاء.
ولعل الشباب يدركون مدى وضاعة مثل هذه التصرفات عندما يواجه أحدهم مشكلة في الخارج فينطوي على نفسه، فإذا عاد إلى منزله يحاول إفراغ همّه وصبّ غضبه على أفراد لا ذنب لهم في ذلك.
6 ـ عدم التحمل
قد يفقد المرء صبره أمام أسئلة توجهها زوجته إليه فيثور في وجهها. قد تكون تلك الأسئلة بريئة ولكنه ينزعج منها ويصرخ: لماذا لا تكفي عني.. دعيني وشأني.
وقد تنجم المشاكل بسبب نوايا حسنة تماماً، مثلاً ينتظر الزوج طعاماً ولكن الزوجة، ومن أجل إعداد طعام لذيذ، تتأخر قليلاً، عندها يثور الزوج فيقيم الدنيا ولا يقعدها. وربما يكون المرض علة وراء عدم التحمل أيضاً، حيث تتأمل الزوجة في ملامح زوجها وتتساءل خائفة: لماذا وجهك مصفّر.. أو لماذا تبدو هكذا ؟ فيتأفّف الزوج ثم سرعان ما يثور معبّراً عن استيائه وغضبه من تلك الأسئلة التافهة.
7 ـ انعدام التوازن النفسي
نصادف بعض الأحيان أزواجاً يفقدون التوازن النفسي، الأمر الذي يجعلهم مهزومين نفسياً، كما أن بعضهم يعاني من إحساس بالصغار والذلة، ولذا فهم يفرغون عقدهم تلك في محيط أسرهم، فترى أزواجهم وأولادهم يعانون الأمرّين في ذلك، وقد يعاني بعضهم من هوس نفسي يفقدهم حالة الاستقرار الروحي المطلوب فيصبون غضبهم على هذا وذاك، كما نجد البعض مصاباً بنوع من الساديّة حيث يتلذذ بتعذيب الآخرين من خلال السخرية بهم، فإذا لم يمكنهم ذلك مع الناس أفرغوا عقدهم تلك داخل البيت على أسرهم.
ولا شك أن ما ذكرناه هو حالات مرضيّة تستدعي العلاج، غير أن المشكلة تكمن في أن أولئك لا يدركون أنهم يعانون من حالة مرضية، وإلى أن يفهموا ذلك يكون الوقت قد فات.
8 ـ غياب المداراة
وأخيراً: فإن عدم اعتماد المداراة في التعامل واحترام مشاعر الآخرين يؤدي إلى نشوب الكثير من المنازعات التي يمكن تجنّبها بشيء من اللباقة.
الصراحة صفة حميدة إذا لم تخرج عن دائرة الخلق والأدب، كما ينبغي أن يؤخذ بنظر الاعتبار الطرف المقابل وقدرته على التحمل.
يقوم بعض الأزواج ـ ومع الأسف، وحيث لم تمر بعد إلاّ أيام معدودة على زواجه ـ بمصارحة زوجه بعيوبه، الأمر الذي يجعل الطرف الآخر عرضة لتلقّي الطعنات، فينطوي على نفسه حزيناً يتحيّن الفرصة للإنتقام في المستقبل.
أيّة صراحة هذه التي تؤدي إلى اشتعال النار لتحرق البيت ومن فيه ؟! وأية صراحة هذه إذا كانت تفعل في نفس الإنسان فعل الخنجر المسموم ؟!.
إن الحياة الزوجية تتطلب دقّة في الحديث وحذراً في التعامل، وإذا كانت الصراحة تؤدي إلى ظهور آثار مدمرة فينبغي إقصاؤها بعيداً، فهناك من الأساليب ما يغني عن ذلك ويؤدي إلى أطيب النتائج.
وفي كل ما ورد من أسباب يتحمل الرجل والمرأة مسؤوليتهما تجاه ذلك على حدٍّ سواء، قد يتحمل الرجل في بعض الأحيان مسؤولية كاملة تجاه ما ينشب من نزاع وقد تتحمل المرأة المسؤولية كاملة، ولكن في أغلب الأحيان يشارك الاثنان في صنع المأساة التي تشملهما معاً فيما بعد.
وفي كل ما ذكرناه يكمن غياب العقل كسبب مباشر في تلك النزاعات التي تعصف بالحياة الزوجية.
ففي بحث جميع تلك المشاكل يستلزم الزوجان فقط قدراً من التعقل لتنقشع جميع السحب من سماء الأسرة.
ضرورة ضبط النفس
من الخطأ أن يقدم المرء على رد فعل عنيف تجاه ما يصدر عن زوجه من عمل خاطىء. إن المواقف المتشددة وردود الفعل المتشنجة تخلق في البيت حالة من التوتر الذي قد يفجّر الوضع في كل لحظة.
ولذا فمن الضروري جداً ضبط النفس ومراعاة حالة الزوجة ومحاولة التعرف على السبب الكامن وراء ذلك العمل الخاطىء. إننا إذ نخاطب الرجل في ذلك لعلمنا جميعاً بأنه أقل عاطفية من المرأة.
وقد ورد في الروايات أن من يتحمل أذى زوجته لا يطلب في ذلك إلا مرضاة الله وهبه الله ثواب الشاكرين.
إن التحمل والتسامح مفتاح الكثير من المشاكل وجانب مهم في حياة الإنسان وقدرته على الإرادة.
السعي الدائم للتفاهم
من الممكن جداً أن يعيش الزوجان حالة من المودة والصفاء إذا قرّرا ذلك.. فإرادتهما للتفاهم والسعي الدائم للتقارب الأخلاقي والروحي ومحاولة التركيز على النقاط الإيجابية المشتركة يمكّنهما من خلق الأرضية المناسبة لبناء علاقة وطيدة.
إن الرقّة في الحديث المتبادل وتركيز الزوجين على بعض النقاط وتسليط الضوء عليها على أساس أنها السبب في انتخاب بعضهما البعض يشجع الطرفين على التقارب أكثر فأكثر، وتذويب الجليد الذي قد يقف حائلاً بينهما.
فقد تكون زوجتك عصبية المزاج ـ مثلاً ـ وفي هذه الحالة ومن خلال تحمّلك تستطيع الإمساك بزمام الأمور دون حدوث مشكلة ما، هذا إذا قررت العيش معها. فالإرادة دائماً وكما يقول المثل تصنع الوسيلة.
إن تعاطفك مع زوجتك وهي تمر في أزمة نفسية حادة يجعلها عصبية عنيفة سوف يخفف من حدتها ويهدأها شيئاً فشيئاً.
التأثير الأخلاقي
من الجدير بالذكر أن الأخلاق لها قدرة فائقة في التأثير، سواء كانت حسنة أم سيئة ، إن نشاطك وحيويتك سوف يؤثر على زوجتك دون أن تشعر بذلك، وسرعان ما تبدو ملامح النشاط في وجهها، وينعكس على تصرفها،وبالعكس ، ذلك أن النفس الإنسانية تبدو في بعض الأحيان وكأنها مرآة تنعكس فيها المؤثرات الخارجية بسرعة.
فإذا بدت زوجتك عنيفة حادة الطبع عصبية المزاج، فإن ابتسامتك وطلاقة وجهك ستفعل فعلها وستدفع بها إلى التراجع والشعور بقدر من الحياء.
إن أفضل ما يقوم به الزوج تجاه زوجته هو ليس التشكّي بل السعي إلى الاقتراب من زوجته وفهم ما يدور في خلدها وما يعتمل في قلبها، ولا شك أن إدراك ذلك سيساهم في حل المشكلة أو التخفيف من حدتها على الأقل.
المصدر: شبكة المعارف الاسلامية
نشرت فى 6 مارس 2011
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,695,131