الحياة الزوجية، كما عبروا عنها، تآلف روحين وتجانس قلبين، حيث يستعد كل منهما للتضحية بكل شيء في سبيل الآخر، وبهذا تبدو الحياة الزوجية جميلة ورائعة ومملوءة بالأمل.
إن تحول الأسرة إلى ساحة للحرب والمنازعات والاشتباكات يجعل من الحياة مريرة تغتال أجمل شيء فيها وهو الأمل، ذلك أنها تقف سداً يحول دون تكامل الإنسان، كما أن عبادة الله سبحانه تستلزم شعوراً براحة البال واطمئنان الخاطر، في حين يسلب النزاع العائلي ذلك ويشغل بال الإنسان بتلك الخلافات التي تقف عند حد وتأخذ من المرء جهده وأعصابه ووقته غافلاً عن كثير من واجباته في هذه الدنيا بل إنها قد تقوده إلى الهاوية والسقوط.
الحياة وتغيراتها
إن بعض الناس يتصورون الحياة ـ عن جهل ـ عالماً وردياً جميلاً، طافحاً بكلّ ألوان السعادة، وبهذه الخيالات يقدمون على الزواج، غافلين عن أن المرء لا بد وأن يواجه في طريقه ألواناً من المتاعب والمشكلات ، ولذا فإننا نراهم ينكصون على أعقابهم ويستسلمون لدى أول تجربة مرة في هذا الطريق وإذا بالأسرة التي تشكلت حديثاً تنهار وتتفكك وتنتهي إلى مأساة.
الحياة زاخرة بالمتاعب طافحة بالآلام، وعلى الإنسان أن يشق طريقه خلال طبق ضوابط معيّنة تكفل له تحمل كل ذلك ومقاومته لنيل السعادة المنشودة.
إن تصور الحياة خالية من الآلام والمتاعب هو تصور خيالي تماماً، والقليل جداً من الناس ممن عاشوا تلك الحياة ومع ذلك فلا يمكن اعتبارهم سعداء، ذلك أن تكامل الإنسان وتقدمه مرهون بمقاومته المتاعب واجتيازه الامتحان بنجاح.
وشخصية الإنسان تصنعها الحوادث وتصقلها المشكلات فيتخرج المرء وهو أقوى روحاً وأطول نفساً وأكثر تحملاً ومقاومة أمام الأمواج والعواصف.
ضرورة الصبر
لا تنسجم الحياة الزوجية مع الدلال أبداً. إنها تتطلب إنساناً صبوراً لكي يمكنه خوض التجربة بنجاح، أما أولئك الذين يفتقدون الصبر فإنهم لا بد وأن يخفقوا في ذلك لدى أول مشكلة تواجههم، ينبغي عليهم أن يدعو الدلال جانباً لكي يمكنهم مواجهة المتاعب.
إن الذين أخفقوا في حياتهم الزوجية والذين غرقوا في خضم النزاعات والخلافات مع أزواجهم كان ينقصهم شيئاً واحداً وهو الصبر والتحمل.
وفي أدبياتنا ـ كمسلمين ـ نجد اهتماماً كبيراً بالصبر، فالقرآن الكريم يحث على الصبر في نواحي الحياة، ونبينا العظيم يأمرنا بالصبر، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " من صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها الله مثل ( ثواب ) آسية بنت مزاحم "1.
الحياة والتسامح
لا يمكن للحياة الزوجية أن تستمر دون رعاية للحقوق الزوجية التي يحدّدها القانون والمجتمع، وهي في كل ذلك تحتاج إلى التضحية والتسامح والخلق الرفيع. ذلك أن عدم التسامح في الحياة يخلق العديد من المشاكل التي يكون المرء في غنى عنها.
إن قانون الحياة يقوم على الصبر وتحمل المشكلات خاصّة إزاء ما يصدر عن زوجتك من سلوك. إن غض النظر قليلاً ومعالجة الوضع بروح من الصبر والنفس الطويل هو في صالحك وصالح أبنائك وأسرتك، ذلك أن الحياة لا يمكن احتمالها بغير ذلك.
كما أن الحد من طموحاتك تجاه زوجتك وتوقعاتك إزاءها يمنحك القدرة في استيعاب بعض ما ينجم عن الحياة المشتركة، فلست علياً في مثال الكمال وزوجتك ليست فاطمة في سمو المقام ، وإذن فلا ينبغي التشدد مع زوجتك وأن يكون هناك نوع من التساهل إزاء ما يصدر عنها من أخطاء.
إن فن الحياة هو قدرتك على إرساء السلام وإشاعة الود في محيط الأسرة، وهذا يتأتّى من قدرتك على ضبط النفس وأن يسبق عفوك غضبك وأن يكون التّسامح شعارك في كل ذلك، وعندما تصبح بهذا المستوى فإن ثمار السعادة تكون في متناول يديك.
المرأة والدفء العائلي
من الضروري هنا أن يكون لنا حديث مع السيدات وهو أن الدفء الأسري إنما ينشأ من عطف وحنان المرأة وان جمال المرأة الحقيقي إنما يكمن في تلك الأعماق المتفجرة بالحب لا بذلك المظهر الفارغ، وان الرجل إنما يهفو إلى هذا الجانب الزاخر بالعاطفة الفياضة.
وان الأساس في دور المرأة كزوجة ناجحة أن تنفذ إلى قلب زوجها وروحه وأن تشعره بالحب والمودة ، فمن المحتمل أن يكون الزوج رجلاً يسيء معاملتها ولكن من الممكن تطويعه من خلال مرونتها معه وحسن سلوكها تجاهه.
إن على المرأة أن لا تشتكي سوء زوجها وأن تسأل نفسها أولاً هل هي أحسنت معاملته ؟ هل ألانت له القول ؟ وهل أجملت في الحديث ؟
إن الحياة العائلية إنما تتبلور في ظلال الحب والعاطفة، وان البيت إذا أقفر من الحب والصفاء فلا يمكن العيش فيه، وان الإنسان يعتبر نفسه قد أخفق إذا آل الأمر إلى ذلك المصير ، ولذا فإنك تكونين قد أخفقت في إشاعة الدفء في الأسرة والبيت الزوجي ، وإذا شعر الرجل بدفء الحب هوى قلبه إليك وإلى لقائك في المنزل كما تهفو الطيور إلى أعشاشها.
المرأة وتحمل الحياة
يحتاج الإنسان في تسيير شؤون حياته إلى قدر من المال، ولكي يعيش سعيداً فإنه لا يحتاج إلى ثروة طائلة بل إلى قدر من الأخلاق الرفيعة، ذلك أن الخلق الكريم يفوق في قيمته الثراء آلاف المرات، وان النجاح في الحياة إنما يتوقف على صبر الإنسان وتحمله ومواجهته أعباء الحياة بروح عالية.
إن شخصية الإنسان تصنعها الحوادث وتصقلها الشدائد ولا يتحمل ذلك سوى النساء اللاتي وصلن إلى درجة الملائكة وسوى الرجال المؤمنين الذين آمنوا بالأسرة وحرمتها، ولذا فهم يتحملون في سبيل صيانتها كل المتاعب والآلام.
وهذا ليس مستحيلاً، لأن الله قد خلق الإنسان امرأة ورجلاً ومنحه القدرة على الصبر والتحمل إزاء ما يواجهه من محن ومصائب.
مرونة الرجل
تنشب النزاعات في بعض الأحيان بسبب إهمال المرأة بعض مسؤولياتها في الحياة الزوجية خاصة في الأيام الأولى، ولذا نوصي الأزواج أن يبدوا قدراً من المرونة إزاء ذلك. إن تسامح الرجل ضروري جداً في إرساء دعائم الأمن والسلام في الحياة المشتركة.
وقد أوصى نبينا الكريم بالإحسان في معاملة المرأة، وكذلك وردت توصيات عديدة في أحاديث الإمام علي عليه السلام في المداراة والتجاوز عن أخطائها: " ألا تحبّون أن يغفر الله لكم ؟ ".
عليكم أنتم أيها الرجال تحمل مسؤولياتكم خاصة في المنعطفات الخطيرة وأن تمارسوا نوعاً من ضبط النفس إزاء انفعالاتكم. إن الله قد منحكم قوة عضلية تفوق المراة ولكن ذلك لا يعني أنه يغفر لكم باعتدائكم على أزواجكم بالضرب والشتم.
إن حسن أخلاقكم من شأنه أن يقضي على كل جذور الفتنة قبل أن تنمو أشواكها. أما إذا أصبحت الحياة حجيماً لا يطاق، جحيماً لا يمكن احتماله فإن الله قد فتح لكم عند ذلك باباً للخلاص.
انتظارنا من المرأة
لا بأس من الإشارة هنا إلى انتظار شريعتنا وعقيدتنا من المرأة، إذ ليس المطلوب منها تجنب النزاع مع زوجها فحسب بل ينبغي لها أن تكون ملاذاً له وسكناً يشعره بالطمأنينة والأمن والاستقرار. لقد كانت فاطمة الزهراء المثل الأعلى للزوجة المخلصة، وكان زوجها العظيم يشعر بالسعادة وهو يجلس إلى جانبها ويتجاذب معها أطراف الحديث، وكان قلبه المثقل بالهموم يهفو إلى المنزل كلما داهمته الكروب. لقد كانت عليها السلام تشارك زوجها السراء والضراء وتعينه على طاعة الله سبحانه، فكانت مثالاً سامياً للمرأة فتاة وزوجة وأمّاً.
تصحيح الذات
إننا ـ وفي بعض الحالات ـ نجد أنفسنا تحلّق عالياً في عالم الخيال، نطمح إلى تحقيق رغباتنا بالرغم من صعوبتها. إننا لا نقول ينبغي أن نغض النظر عن جميع طموحاتنا وأن نطفىء شعلة الأمل المتوقدة في أعماقنا، بل نقول يجب أن نأخذ بنظر الاعتبار منطق الواقع في كل ذلك، وحتى لو فرضنا إمكانية تحقق تلك الطموحات، فإننا ينبغي أيضاً أن نأخذ بنظر الاعتبار قيمة ذلك وهل تساوي أن يضحي الإنسان من أجلها باستقرار الأسرة.
ينبغي على المرء أن يهذب نفسه ويمسك بزمامها وأن لا يدع الأهواء تسيطر عليه.
إن للتشاؤم وسوء الظن حداً أيضاً وتحمّل زوجتك هو الآخر له حدوده أيضاً، فلا تحمّلها ما لا تطيق.
إن الدين هو أعظم مدرسة لتربية النفس وان الخلوة مع الله سبحانه والتضرع إليه يهب النفس الشعور بالطمأنينة والسلام.
المصدر: شبكة المعارف الاسلامية
نشرت فى 6 مارس 2011
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,877,105