1- القيادة في القرآنالقرآنُ الكريمُ هو المصدر والأصل الأول في القيادة، ولقد كان القرآنُ الكريم الموجه الأولَ لقائد الأمة الإسلامية مُحمد . ﷺ . فهو القُدوة الحسنة في القيادة وفن التعامل، والقرآن يزخَر بالآيات الكثيرة التي توجه الرسول في مختلف أمور الحياة، قال تعالى ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾. [الأحزاب 21]، ومن التوجيهات الإلهية للرسول . ﷺ . قول الله تعالى ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾. [آل عمران 159].ويُمكن استخلاص التوجيهات القيادية للرسول . ﷺ . من هذه الآية الكريمة بما يلي أ- اللين الذي تَمتَّع به الرسولُ . ﷺ . وذلك من رحمة الله تعالى - للأمة.ب- عدم الفظاظة والشدة والغلظة حَبَّبَ الرسول إلى الصحابة، فالتفُّوا حوله.ج- الأمر بالعفو عن صحابته.د- الأمر بالاستغفار والدعاء لهم.ه- الأمر بالتشاور في جميع الأمور.و- الأمر بالتوكل على الله بعد العزم.وفي القرآن الكريم الكثيرُ من الآيات التي تُوجِّه الرسولَ كقائدٍ لهذه الأُمَّة، وتدفعه إلى حُسْنِ التعامُل، من هذه الآيات قوله تعالى ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾. [النحل 125].2- القيادة في السنةوتؤكد الأحاديثُ النبوية على ضرورةِ القيادة، لقَولِ رَسول الله . ﷺ . في الحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري – رضي الله عنه- "لا يحل لثلاثة أن يكونوا بفلاة من الأرض إلاَّ أمَّروا عليهم أحدهم"، وقوله أيضًا "إذا خرج ثلاثة في سفر، فليؤمروا عليهم أحدهم".ويتضح من الحديثين السابقين أنَّ الجماعةَ هي التي تَختار القائد، لِمَا يتمتع به من قدرات وصفات تؤهِّله للقيادة، بعيدًا عن التسلط وفرض القيادة بالقوة، فالقيادةُ الحقة هي التي تأتي نتيجةَ رضا الجماعة واقتناعها بقُدرةِ هذا القائد في أنْ يقودَها إلى بَرِّ الأمان، وتحقيق أهدافها المرجُوَّة.وقد كان الرسول . ﷺ . نِعْمَ القائدُ والقدوة للجماعة الإسلامية، التي آمنتْ برسالته، وتَمسَّكت بدعوته، وضَحَّت بأنفسها وأموالها في سبيل نشر دعوته، ومن توجيهات الرسول . ﷺ . في مجال القيادة للأُمَّة الإسلامية المتعددة قولُه "كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته"، وقوله . ﷺ . "اسمعوا وأطيعوا، وإن استُعمل عليكم عبدٌ حبشي، كأَنَّ رأسَه زبيبة"، وقوله . ﷺ . "اللهم مَن وَلِيَ من أمر أمتي شيئًا، فشَقَّ عليهم فاشقق عليه، ومن وَلِيَ من أمر أمتي شيئًا، فرفق بهم فارفق به"، وأخيرًا قوله . ﷺ . "من أطاعني فقد أطاع الله، ومَن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني".ولقد كانت قيادةُ الرسول . ﷺ . في تعيين الوُلاة في غايةِ الدِّقَّة، حيث يَختارهم من الأشخاص الذين يتمتَّعون بالخُلق القويم وسَعة العلم، وعلى درجة من الكفاءة والجدارة، لهذا نجد أنَّ اختيارَ القادة في فجر الإسلام كان يقوم على الاستقامة والقدرة والنزاهة، وكما ذكر سابقًا، فالقيادة الإسلامية تقوم على مبدأ الشورى، التزامًا بقولِ الله تعالى ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ [الشورى 38]، ولقد طبَّق الرسول . ﷺ . هذا المبدأ في إدارته وقيادته للمسلمين، حيث كان يقوم باستشارةِ أصحابه من أهل الرأي والبصيرة.ولقد ظهرت المقدرةُ القياديةُ للرسول . ﷺ . في مَجالاتٍ عِدَّة، منها مجال التخطيط والتنظيم للدعوة الإسلامية في المجتمع المكي والمجتمع المدني، وما قام به مِن المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين، وإبرامِ الاتِّفاقِيَّات والعهود مع غير المسلمين، وكذلك أسلوبه الفريد تجاه المؤلَّفة قلوبُهم وبذْله العطايا والصدقات، لجذبهم للإسلام، كما يتجلى أسلوبه القيادي في استقبالِه وُفودَ العرب وإكرامه لهم في سبيل إقناعهم وجذبهم للدعوة، وموقفه القيادي النبيل من صلح الحديبية. وما أظهره من اللِّين والتحمُّل والصبر في سبيل حقن الدِّماء، حيث كان لهذا الصلحِ المردودُ الطيب والإيجابي على الدعوة الإسلامية، حيث اختلط المشركون بالمسلمين، وتعرَّفوا على أسلوبِهم في الحياة، وعلى إيمانهم بقضيتهم وبرسولهم، مما دفع الكثيرَ من المشركين للدخول إلى الإسلام حتى قبل أن يتم فتح مكة.3- القيادة في عهد الخلفاءأ- القيادة في عهد أبي بكر الصديقولد أبو بكر الصدِّيق في مكة سنة 573م بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر، وكان من أغنياء قُريش في الجاهليَّة، فلما دعاه النبي مُحمد إلى الإسلام أسلمَ دون تردد، فكان أول من أسلم مِن الرجال الأحرار. ثم هاجر أبو بكر مُرافقًا للنبي مُحمد من مكة إلى المدينة، وشَهِد غزوة بدر والمشاهد كلها مع النبي مُحمد، ولما مرض النبي مرضه الذي مات فيه أمر أبا بكر أن يَؤمَّ الناس في الصلاة. توفي النبي مُحمد يوم الإثنين 12 ربيع الأول سنة 11هـ، وبويع أبو بكر بالخِلافة في اليوم نفسه، فبدأ بإدارة شؤون الدولة الإسلامية من تعيين الولاة والقضاء وتسيير الجيوش.وارتدت كثير من القبائل العربية عن الإسلام، فأخذ يقاتلها ويُرسل الجيوش لمحاربتها حتى أخضع الجزيرة العربية بأكملها تحت الحُكم الإسلامي، ولما انتهت حروب الرِّدة، بدأ أبو بكر بتوجيه الجيوش الإسلامية لفتح العراق وبلاد الشَّام، ففتح مُعظم العراق وجزءًا كبيرًا من أرض الشَّام. توفي أبو بكر يوم الإثنين 22 جمادى الآخرة سنة 13هـ، وكان عمره ثلاثاً وستين سنة، فخلفه من بعده عمر بن الخطَّاب.ولقد سار الخلفاء الراشدون على منهج الرسول . ﷺ . في تطبيق أسلوبه القيادي، وفي عهد أبي بكر - رضي الله عنه - عرَفت الإدارة الإسلامية المبادئ القيادية المتمثِّلة في نشر الرِّسالة، ورعاية شؤون الأمة، فكان طريقه ومنهجه القدوةَ الحسنة في الحكم، وشريعته الالتزام بمفهوم الشريعة الإسلامية وتطبيقها بكل أمانة وإخلاص، مستندًا إلى مبدأ العدل في المعاملة، والشورى في مَنهجه.كما حارب المرتَدِّين ومن امتنع عن دَفْعِ الزكاة، وحارب مدَّعي النبوة، وحافَظ على استقرارِ الدَّولة الإسلامية وسلامتها، وإذا كان . ﷺ . وَضَعَ حجر الأساس في بناء الدولة الإسلامية، فإن أبا بكر - رضي الله عنه - عمِل على تثبيتها واستقرارها، واتَّضحتْ سياسَتُه ومنهجه في الحكم من خلال خطبته التي ألقاها بعد توليه الخلافة، حيث جاء فيها "أيها الناس، إنِّي وليت عليكم ولستُ بخيركم، فإنْ أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قويٌّ عندي حتى آخذ الحقَّ له، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه - إن شاء الله - لا يدَع أحدُكم الجهاد، فإنه لا يدعه قومٌ إلا ضربهم الله بالذلِّ، أطيعوني ما أطعتُ الله ورسوله، فإن عصيت، فلا طاعةَ لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله".
مساعدة المسلمين المستضعفينتضاعف أذى المشركين للرسول محمد وأصحابه مع انتشار الدعوة الإسلامية في مكة، وخاصة في معاملة المستضعفين من المسلمين، وقد تعرض بلال بن رباح لعذاب عظيم، ولم يكن له ظهرٌ يسنده، ولا عشيرةٌ تحميه، ولا سيوفٌ تذود عنه.فعندما علم سيده أمية بن خلف بأنه أسلم، راح يهدده تارة ويغريه تارة أخرى، فأبى بلال أن يترك الإسلام، فحنق عليه أمية بن خلف وقرر أن يعذبه عذاباً شديداً، فأخرجه إلى شمس الظهيرة في الصحراء بعد أن منع عنه الطعام والشراب يوماً وليلة، ثم ألقاه على ظهره فوق الرمال المحرقة الملتهبة، ثم أمر غلمانه فحملوا صخرة عظيمة وضعوها فوق صدر بلال وهو مقيد اليدين، ثم قال له «لا تزال هكذا حتى تموتَ أو تكفرَ بمحمد وتعبدَ اللات والعزى»، وأجاب بلال «أحدٌ أحدٌ»، وبقي أمية بن خلف مدة وهو يعذب بلالاً بتلك الطريقة البشعة.عندما علم أبو بكر بذلك قصد موقع التعذيب، وفاوض أمية بن خلف وقال له «ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ حتى متى؟» قال «أنت أفسدته فأنقذه مما ترى»، فقال أبو بكر «أفعل، عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى على دينك، أعطيكه به»، قال «قد قبلت»، فقال «هو لك»، فأعطاه أبو بكر غلامه ذلك وأخذه فأعتقه، وفي رواية أخرى اشتراه بسبع أواق أو بأربعين أوقية ذهباً.واستمر أبو بكر بعد ذلك في شراء العبيد والإماء والمملوكين من المسلمين والمسلمات وعتقهم، ومنهم عامر بن فهيرة، وأم عبيس (أو أم عميس)، وزنيرة، وقد أصيب بصرها حين أعتقها فقالت قريش «ما أذهب بصرَها إلا اللات والعزى»، فقالت «كذبوا، وبيت الله ما تضر اللات والعزى وما تنفعان»، فرد الله بصرها، كما أعتق النهدية وبنتها، وابتاع جارية بني مؤمل وكانت مسلمة فأعتقها أيضا.ب- القيادة في عهد عمر بن الخطاببعد ذلك تولَّى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قيادةَ المسلمين، بعد أن اختاره أبو بكر - رضي الله عنه - حيث رأى فيه الكفاية وحُسْنَ السياسة، فهو الحكيم العادل الفاروق، ويعد عهدُه من العهود الذهبية للإسلام، وقد آمن - رضي الله عنه - بالشورى، فكان يقول "أشيروا عليَّ أيها الناس"، ويستعين بالناس، ويُشاورهم في اختيارِ الوُلاة وقُواد الجيش، ثُمَّ قام بتنظيم مَرافق الدولة، وكيفية الاستفادة من الأموال الكثيرة التي تَرِدُ إلى بيت المال في إنشاء الدواوين، وكان يستخدمُ أسلوبَ المركزية في إدارة الدولة الإسلامية، وذلك لأنَّ الدولة في طور البناء، وتَحتاج إلى التنسيق الشامل، والتنظيم الفَعَّال، هذا لا يَتِمُّ إلاَّ عن طريق سُلطة مركزية واحدة، وفي هذا الصدد يقول سليمان الطماوي "وكلنا يجد أنَّه لم يكن أمام عمر وسيلةٌ أخرى غيرها، بل لا نبالغ إذا قلنا إنَّه لولا تركيز السُّلطات في يد الخليفة، وهيمنته التامَّة على جميع الأمور في أطراف الدولة، لَمَا استطاع عمر ولا المسلمون أنْ يُحقِّقوا ما حقَّقوه من معجزات في هذا الزمن القصير".كما قام بتأسيس نظام مُستقل للقضاء، فلم يعيِّن في مناصب القضاء سوى كبار الفقهاء، المعروف عنهم السمعةُ الطيبة، والسيرة الحسنة، والعلم بأصول الدين، وظهرتْ في عهده الإدارة الإقليمية في الدولة الإسلامية، فكان كبارُ العاملين في الدولة هم الوالي، والعامل، والقاضي، وكاتب الديوان، وصاحب بيت المال، وكانت طريقته عندما يقوم بتعيين والٍ أو عامل تسليمه عهدًا بالتعيين يشتمل على أمرِ تعيينه، مع توضيح واجباته واختصاصاته وسلطاته، ثم يَختم أمر التعيين بختمه الرسمي، ويشهد على ذلك مَن حضر من أهل الشورى من مهاجرين وأنصار.ولم تكن مسؤولية الخليفة عمر تقفُ فقط عند اختيارهم أو توجيههم، بل تَمتَدُّ إلى إقامة الضمانات التي تَجعل ولاياتهم على الناس رحمةً ورخاء وأمنًا، فعندما يختار الوالي كان يقول له " إني لم أستعملك على دماء المسلمين ولا على أعراضهم، ولكن استعملتك لتقيمَ الصلاة فيهم، وتقسم بينهم، وتحكم فيهم بالعدل"، ولقد رُوي عنه أنه تأخر في خطبة الجمعة، فجاء مهرولاً في بردة بها إحدى وعشرون رقعة تَحتها قميص لم يجفَّ بعدُ من البلل، فصعد المنبر، وقال "حبسني عنكم قميصي هذا، كنت أنتظره حتى يجف فآتيكم به، إنه ليس لي قميص غيره". وهناك أيضًا موقفه من الهدية التي أهداها له عامله بأذربيجان عتبة بن فرقد من الحلوى والفالوذج، فسأل عمر الرسول الذي جاء بها "أَوَكلُّ الناس هناك يأكلون هذا؟"، فيجيبه الرجل قائلاً كلاَّ يا أمير المؤمنين، إنَّها طعام الخاصة، فيَخْتَلِجُ عمر ويقول للرجل "احمل هديتك وارجع بها إلى صاحبها، وقل له اتَّقِ الله، وأشبعِ المسلمين مما تشبع منه". أهم إنجازات عمر بن الخطاب في فترة الحكم تنظيم الجيشأدرك عمر بن الخطاب أهمية الجيش في نشر الإسلام، لذلك أوجد فرقًا نظامية تُقدّر كل منها بأربعة آلاف فارس لترابط في كل مصر من الأمصار. وهذا يعني تأسيس جيش نظامي ثابت يُقدّر بإثني وثلاثين ألف فارس عدا المشاة والمتطوعين، مما يكفل حماية الدولة، ونظّم الرتب في الجيش مثل «أمير الجيش» على عشرة آلاف أو تزيد، و«أمير الكردوس» على ألف، و«القائد» على مئة. كان العرب يُشكلون قوام الجيش في بداية عهد عمر بن الخطاب، ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية، انضم إليهم عدد من الفرس والروم والقبط الذين اعتنقوا الإسلام، وعرف الجيش الإسلامي خلال هذا العهد استخدام أسلحة الحصار التي اقتبست عن الروم، ومنها المنجنيق وأبراج الحصار والدبابة وأكباش الدك. وأصدر عمر أيضًا أمرًا بوجوب تعلّم الجنود ركوب الخيل والرماية والمشي حفاة والسباحة، وأنشأ مراكزَ عسكريةٍ في المدينة والكوفة والبصرة والموصل والفسطاط ودمشق والأردن وفلسطين، بُنيت فيها ثكنات مخصصة لإقامة العساكر، كما شُيدت إصطبلات كبيرة يأوي كل منها قرابة أربعة آلاف حصان مخصصة لدعم الجند عند الحاجة. بالإضافة إلى المراكز العسكرية، أنشأ الخليفة معسكرات في المدن الكبيرة والأماكن ذات الأهمية الاستراتيجية. وكان عمر يكره ركوب البحر ونهى قادة الجيش عن القتال فيه، وقد قام بعزل العلاء بن الحضرمي والي البحرين لأنه ركب البحر في اثني عشر ألفًا غازيًا بلاد فارس. كما أنشأ عمر ديوان الجند وكفل للجنود معيشتهم ومعيشة عائلاتهم، مقابل انصرافهم إلى أعمال الجندية الشرطة والأمنيعتبر عمر بن الخطاب أول من أنشأ حبسًا خاصًا بالمتهمين بعد أن كان هؤلاء يُعزلون في المسجد، وعُرف هذا الحبس باسم «السجن». كما كان أول من أدخل نظام العسس للتجول والمراقبة ليلاً من أجل مساعدة القاضي في إثبات التهم وتنفيذ الأحكام ضد المذنبين، ويُعتبر هذا النظام بمثابة النواة التي قامت عليها فيما بعد «الشرطة»، ويتولاها صاحب الشرطة. وأول من أسندت إليه هذه المهمة هو عبد الله بن مسعود، فهو أول عسّاس في الإسلام، و«العسس» اسم مشتق كما تورده بعض المصادر من «عسَّ يَعُسُّ عَسَساً وعَسّاً أَي طاف بالليل». القضاءولم يُهمل عمر بن الخطاب القضاء، فكان يتولَّى الفصل بين الناس، وتطبيق الحدود والأحكام، ولمّا توسَّعَتِ الدولة واختلط العربُ بسكان البلاد المفتوحة، وازدادَتِ القضايا في هذه الأمصار - تعذَّر على الخليفة النظرُ فيها، وكذلك الولاة، فعمل عمر بن الخطاب على فصل القضاء عن الولاية، وشرع في تعيين القضاة في البلاد المفتوحة، فولَّى أبا الدرداء قضاءَ المدينة، وشريحًا الكندي قضاء الكوفة، وعثمانَ بن أبي العاص قضاء مصر، وأبا موسى الأشعري قضاء البصرة، وقد أجرى عمر عليهم الرواتب، فجعل للقاضي سليمان بن ربيعة خمسمائة درهم في كل شهر، وجعل لشريح مائةَ درهم ومؤْنته من الحنطة.وكان عمر يحث القضاة على إحقاق الحق، وإقامة العدل بين الناس؛ مما دفع القضاةَ إلى العمل على تنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية بحذافيرها. كما سن عمر لهؤلاء القضاة دستوراً يسيرون على هديه في الأحكام، وقد لبث هذا الدستور مرجعاً للقضاء الحسبةيرى بعض المؤرخين أن الحِسبة نشأتْ في عهد عمر بن الخطاب، حيث وضع أُسسَها واختصاصاتِها، وكان يقوم بها بنفسه، ثم أوكلها إلى رجل، أطلق عليه لقب «المحتسب». بينما يرى آخرون أنها نشأت في عهد الرسول محمد. والحسبة هي وظيفة دينية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين، يُعَيِّنُ لذلك مَنْ يراه أهلاً له. وكانت مهمة المحتسب تتمثل في مراعاة أحكام الشَّرع، وإقامة الشعائر الدينية، والمحافظة عليها، والنظر في أرباب البهائم، ومراقبة مَن يتصدَّر لتفسير القرآن الكريم، والنظر في الآداب العامة، وفي البيوع الفاسدة في السوق، والموازين والمكاييل. وبهذا فقد تعدت الحسبة معناها وهدفها الديني إلى واجبات عملية مادِّيَّة تتَّفق مع المصالح العامَّة للمسلمين. التقويم الهجريكان النبي محمد قد أمر بالتأريخ بعد قدومه إلى يثرب. وقد حدث هذا التأريخ منذ العام الأول للهجرة، وعلى هذا الأساس كان النبي يُرسل الكتب الممهورة بخاتمه إلى الملوك والأمراء ورؤساء القبائل المختلفة. وما فعله عمر بن الخطاب كان منع الخلاف حول التأريخ، ومما ذُكر في سبب اعتماد عمر للتاريخ أن أبا موسى كتب إلى عمر أنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر الناس، فقال بعضهم "أرخ بالمبعث"، وبعضهم "أرخ بالهجرة"، فقال عمر "الهجرة فرقت بين الحق والباطل"، فأرخوا بها"، وذلك سنة سبع عشرة، فلما اتفقوا قال بعضهم ابدءوا برمضان، فقال عمر "بل بالمحرم فإنه منصرف الناس من حجهم"، فاتفقوا عليه. وفي رواية أخرى أن أحدهم رفع صكًا لعمر محله شهر شعبان، فقال «أي شعبان، الماضي أو الذي نحن فيه، أو الآتي؟ ضعوا للناس شيئاً يعرفون فيه حلول ديونهم»، فيُقال إنه أراد بعضهم أن يؤرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكهم، كلما هلك ملك أرخوا من تاريخ ولاية الذي بعده، فكرهوا ذلك، ومنهم من قال "أرخوا بتاريخ الروم من زمان الإسكندر"، فكرهوا ذلك، وقال قائلون "أرخوا من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقال آخرون "من مبعثه عليه السلام"، وأشار علي بن أبي طالب وآخرون أن يؤرخ من هجرته من مكة إلى المدينة لظهوره لكل أحد فإنه أظهر من المولد والمبعث. فاستحسن ذلك عمر والصحابة، فأمر عمر أن يؤرخ من هجرة الرسول وأرخوا من أول تلك السنة من محرمها.ولا يمكن أن ننسى وصيته لمن يخلفه من بعده فهي تبين لنا كم كان قائداً عظيما يحتاج زماننا لمثله، وفي نصها يقول -رضي الله عنه- «أوصيك بتقوى الله وحده لا شريك له، وأوصيك بالمهاجرين الأوَّلين خيرًا أن تعرف لهم سابقتهم. وأوصيك بالأنصار خيرًا؛ فاقبل من مُحسنهم وتجاوز عن مُسيئهم. وأوصيك بأهل الأمصار خيرًا؛ فإنّهم ردء العدو، وجباة الأموال والفيء لا تحمل فيئهم إلا عن فضلٍ منهم. وأوصيك بأهل البادية خيرًا؛ فإنّهم أصل العرب، ومادّة الإسلام أن تأخذ من حواشي أموال أغنيائهم، فتُردَّ على فقرائهم.وأوصيك بأهل الذّمّة خيرًا أن تقاتل من ورائهم، ولا تكلفهم فوق طاقتهم، إذا أدَّوا ما عليهم للمؤمنين طوعا، أو عن يد وهم صاغرون. وأوصيك بتقوى الله وشدة الحذر منه، ومخافة مقته؛ أن يطَّلع منك على ريبة. وأوصيك أن تخشى الله في الناس ولا تخشى الناس في الله. وأوصيك بالعدل في الرّعية، والتفرُّغ لحوائجهم وثغورهم. ولا تُؤثِر غنيهم على فقيرهم، فإنّ ذلك -بإذن الله- سلامةٌ لقلبك وحطٌّ لوزرك، وخيرٌ في عاقبة أمرك، حتّى تُفضى من ذلك إلى مّن يعرف سريرتك، ويحول بينك وبين قلبك. وآمرك أن تشتدَّ في أمر الله، وفي حدوده ومعاصيه، على قريب الناس وبعيدهم، ثم لا تأخذك في أحدٍ الرّأفة حتى تنتهك منه مثل ما انتهك من حرمه، واجعل الناس سواءّ عندك، لا تبالي على مَنْ وجب الحق، ولا تأخذك في الله لومة لائم. وإياك والأثرة والمحاباة، فيما ولّاك الله مما أفاء الله على المؤمنين، فتجُور وتَظِلم، وتحرم نفسك من ذلك ما قد وسَّعه الله عليك. وقد أصبحت بمنزلةٍ من منازل الدنيا والآخرة، فإن اقترفت لدنياك عدلا وعفّة عمّا بسط الله لك؛ اقترفت به إيمانًا ورضوانًا، وإن غلبك عليه الهوى ومالت بك شهوة، اقترفت به سُخط الله ومعاصيه. وأوصيك ألا ترخص لنفسك ولا لغيرك في ظلم أهل الذّمّة، وقد أوصيتك وحضضتك ونصحت لك، ابتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. واخترت من دلالتك ما كنت دالاً عليه نفسي وولدي، فإن عملت بالذي وعظتك، وانتهيت إلى الذي أمرتك، أخذت به نصيبًا وافيًا وحظا وافرا. وإن لم تقبل ذلك ولم يهمَّك، ولم تنزل معاظم الأمور عند الذي يرضى به الله عنك، يكن ذلك بك انتقاصًا، ورأيك فيه مدخولًا؛ لأن الأهواء مشتركة. ورأس كلُّ خطيئة، والدّاعي إلى كل هلكة إبليس، وقد أضلَّ القرون السالفة قبلك فأوردهم النّار، ولبئس الثمن أن يكون حظَّ امرئ موالاة لعدوّ الله، والداعي إلى معاصيه! ثم اركب الحق وخض إليه الغمرات، وكن واعظا لنفسك. وأناشدك الله لما ترحمت على جماعة المسلمين فأجللت كبيرهم، ورحمت صغيرهم، ووقَّرت عالمهم. ولا تضربهم فيذلوا، ولا تستأثر عليهم بالفيء فتغضبهم، ولا تحرمهم عطاياهم عند محلها فتفقرهم، ولا تجمِّرهم في البعوث فتقطع نسلهم، ولا تجعل المال دولة بين الأغنياء منهم، ولا تغلق بابك دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم، هذه وصيتي إياك، وأشهد الله عليك، وأقرأ عليك السلام.»ج- القيادة في عهد عثمان بن عفانأبو عَبدِ اللهِ عُثمَانُ بْنُ عفَّانَ الأُمَوِيُّ القُرَشِيُّ (47 ق.هـ - 35 هـ / 576 - 656م) ثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ومن السابقين إلى الإسلام. يكنى ذا النورين لأنه تزوج اثنتين من بنات نبي الإسلام محمد، حيث تزوج من رقية ثم بعد وفاتها تزوج من أم كلثوم.كان عثمان أول مهاجر إلى أرض الحبشة لحفظ الإسلام ثم تبعه سائر المهاجرين إلى أرض الحبشة. ثم هاجر الهجرة الثانية إلى المدينة المنورة. وكان رسول اللَّه يثق به ويحبه ويكرمه لحيائه وأخلاقه وحسن عشرته وما كان يبذله من المال لنصرة المسلمين والذين آمنوا بالله، وبشّره بالجنة كأبي بكر وعمر وعلي وبقية العشرة، وأخبره بأنه سيموت شهيداً.بويع عثمان بالخلافة بعد الشورى التي تمت بعد وفاة عمر بن الخطاب سنة 23 هـ (644 م)، وقد استمرت خلافته نحو اثني عشر عاماً. تم في عهده جمع القرآن وعمل توسعة للمسجد الحرام وكذلك المسجد النبوي، وفتحت في عهده عدد من البلدان وتوسعت الدولة الإسلامية، فمن البلدان التي فتحت في أيام خلافته أرمينية وخراسان وكرمان وسجستان وإفريقية وقبرص. وقد أنشأ أول أسطول بحري إسلامي لحماية الشواطئ الإسلامية من هجمات البيزنطيين.في النصف الثاني من خلافة عثمان التي استمرت لمدة اثنتي عشرة سنة، ظهرت أحداث الفتنة التي أدت إلى اغتياله. وكان ذلك في يوم الجمعة الموافق 12 من شهر ذي الحجة سنة 35 هـ، وعمره اثنتان وثمانون سنة، ودفن في البقيع بالمدينة المنورة. أجل مواقفه • عثمان وجيش العسرةيقال لغزوة تبوك غزوة العُسرة، مأخوذة من قول الله في القرآن ِ ﴿لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَة﴾ (سورة التوبة، آية 117).ندب رسول اللَّه الناس إلى الخروج وأعلمهم المكان الذي يريد ليتأهبوا لذلك، وبعث إلى مكة وإلى قبائل العرب يستنفرهم وأمر الناس بالصدقة، وحثهم على النفقة والحملان، فجاؤوا بصدقات كثيرة فجهَّز عثمان ثلث الجيش جهزهم بتسعمائة وأربعين بعيرًا وبستين فرساً. قال ابن إسحاق «أنفق عثمان في ذلك الجيش نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها».وقيل جاء عثمان بألف دينار في كمه حين جهز جيش العُسرة فنثرها في حجر رسول الله فقبلها وهو يقول «ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم». وقال رسول اللَّه «من جهز جيش العُسرة فله الجنة».يقول ابن شهاب الزهري «قدم عثمان لجيش العسرة في غزوة تبوك تسعمائة وأربعين بعيراً، وستين فرساً أتم بها الألف، وجاء عثمان إلى رسول الله في جيش العسرة بعشرة آلاف دينار صبها بين يديه، فجعل الرسول يقلبها بيده ويقول «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم» مرتين».كما تحدث عبد الرحمن بن حباب عن نفقة عثمان حيث قال «شَهِدْتُ النَّبِيَّ وَهُوَ يَحُثُّ عَلَى جَيْشِ الْعُسْرَةِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَيَّ مِائَة بَعِيرٍ وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ الله، ثُمَّ حَضَّ عَلَى الْجَيْشِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَيَّ مِائَتَا بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ الله، ثُمَّ حَضَّ عَلَى الْجَيْشِ فَقَامَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَيَّ ثَلَاثمائة بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فِي سَبِيلِ الله، فَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله يَنْزِلُ عَلَى المِنْبَرِ وَهُوَ يَقُولُ «مَا عَلَى عُثْمَان مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِه، مَا عَلَى عُثْمَان مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِه».وعن عبد الرحمن بن سمرة قال «جاء عثمان بن عفان إلى النبي بألف دينار في ثوبه حين جهز النبي جيش العسرة، قال فجعل النبي يقلبها بيده ويقول «ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم» يرددها مراراً».
• بئر رومةعندما قدم النبي محمد إلى المدينة المنورة وجد أن الماء العذب قليل، وليس بالمدينة ما يستعذب غير بئر رومة، فقال رسول الله «من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له في الجنة». وقال «من حفر بئر رومة فله الجنة».وقد كانت رومة قبل قدوم النبي لا يشرب منها أحد إلا بثمن، فلما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة، وكان يبيع منها القربة بِمُدّ، فقال النبي «تبيعها بعين في الجنة؟» فقال «يا رسول الله، ليس لي ولا لعيالي غيرها». فبلغ ذلك عثمان فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي فقال «أتجعل لي فيها ما جعلت له؟» قال «نعم» قال «قد جعلتها للمسلمين». وقيل كانت رومة ركية ليهودي يبيع المسلمين ماءها، فاشتراها عثمان بن عفان من اليهودي بعشرين ألف درهم، فجعلها للغني والفقير وابن السبيل.وهذه البئر في عقيق المدينة، روي عن النبي أنه قال «نعم القليب قليب المُزَني»، وهي التي اشتراها عثمان بن عفان فتصدق بها. وروي عن موسى بن طلحة عن رسول اللَّه أنه قال «نعم الحفير حفير المزني»، يعني رومة. فلما سمع عثمان ذلك ابتاع نصفها بمائة بكرة وتصدق بها على المسلمين فجعل الناس يستقون منها. فلما رأى صاحبها أنه امتنع منه ما كان يصيب منها باعها من عثمان بشيء يسير فتصدق بها كلها.• توسعة المسجد النبويبعد أن بنى رسول الله مسجده في المدينة، صار المسلمون يجتمعون فيه ليصلوا الصلوات الخمس، ويحضروا خطب النبي، ويتعلموا في المسجد أمور دينهم، ضاق المسجد بالناس، فرغب النبي من بعض الصحابة أن يشتري بقعة بجانب المسجد لكي تزاد في المسجد حتى يتسع لأهله، فقال «من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة؟» فاشتراها عثمان بن عفان من ماله بخمسة وعشرين ألف درهم، أو بعشرين ألفا، ثم أضيفت للمسجد ووسع على المسلمين.وروى يحيى عن المطلب بن عبد اللَّه بن حنطب قال «لما ولي عثمان بن عفان سنة أربع وعشرين، كلَّمه الناس أن يزيد في مسجدهم، وشكوا إليه ضيقه يوم الجمعة، حتى إنهم ليصلون في الرحاب. فشاور فيه عثمان أهل الرأي من أصحاب رسول اللَّه، فأجمعوا على أن يهدمه ويزيد فيه، فصلَّى الظهر بالناس، ثم صعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال أيها الناس إني أردت أن أهدم مسجد رسول اللَّه وأزيد فيه وأشهد أني سمعت رسول اللَّه يقول «من بنى مسجدًا بنى اللَّه له بيتًا في الجنة». وقد كان لي فيه سلف، وإمام سبقني وتقدمني عمر بن الخطاب، كان قد زاد فيه وبناه، وقد شاورت أهل الرأي من أصحاب رسول اللَّه، فأجمعوا على هدمه وبنائه وتوسيعه، فحسن الناس يومئذ ذلك ودعوا له، فأصبح، فدعا العمال وباشر ذلك بنفسه، وكان رجلًا يصوم الدهر ويصلي الليل، وكان لا يخرج من المسجد، وأمر بالفضة المنخولة تعمل ببطن نخل، وكان أول عمله في شهر ربيع الأول من سنة 29 هـ، وفرغ منه حين دخلت السنة لهلال المحرم سنة 30 هـ فكان عمله عشرة أشهر»قال الحافظ ابن حجر «كان بناء عثمان للمسجد سنة ثلاثين على المشهور، وقيل في آخر سنة من خلافته».كان المسجد النبوي على عهد النبي محمد مبنيا باللبن وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر الصديق شيئا وزاد فيه عمر بن الخطاب وبناه على بنائه في عهد رسول الله باللبن والجريد وأعاد عمده خشباً، ثم غيَّره عثمان، فزاد فيه زيادة كبيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والفضة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج، وجعل أبوابه على ما كانت أيام عمر ستة أبواب.• جمع القرآنفي عهده انتشر الإسلام في بلاد كبيرة وتفرق الصحابة مما أدى إلى ظهور قراءات متعددة وانتشرت لهجات مختلفة فكان الخوف من اختلاف كتابة القرآن وتغير لهجته، فجمع عثمان المسلمين على لغة قريش أي لهجة قريش وهي لهجة العرب.عن أنس بن مالك «أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى.فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة، فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق».جمع عثمان المهاجرين والأنصار وشاورهم في الأمر، وفيهم عدد من أعلام وعلماء الصحابة، وفي طليعتهم علي بن أبي طالب. وعرض عثمان هذه المسألة وناقشهم فيها فأجابوه إلى رأيه، وظهر للناس في أرجاء الأرض ما انعقد عليه إجماعهم، فلم يعرف يومئذ لهم مخالف.قال ابن التين «الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان أن جمع أبي بكر كان لخشيته أن يذهب شيء من القرآن بذهاب حملته. لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد، فجمعه في صحائف مرتبًا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي. وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة حتى قرءوه بلغاتهم على اتساع اللغات، فأدى ذلك إلى تخطئة بعضهم البعض، فخشى من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبًا لسوره، واقتصر في سائر اللغات على لغة قريش محتجاً بأنه نزل بلغتهم، وإن كان قد وسع في قراءاته بلغة غيرهم، دفعاً للحرج والمشقة في ابتداء الأمر، فرأى أن الحاجة قد انتهت، فاقتصر على لغة واحدة».لما فرغ عثمان من جمع المصاحف أرسل إلى كل أفق بمصحف، وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخالف المصحف الذي أرسله إلى الآفاق، وقد اختلفوا في عدد المصاحف التي فرقها في الأمصار، فقيل إنها أربعة وهو الذي اتفق عليه أكثر العلماء، وقيل إنها خمسة، وقيل إنها ستة، وقيل إنها سبعة، وقيل إنها ثمانية. وأما كونها ثمانية، فإن الثامن كان لعثمان يقرأ فيه، وهو الذي قتل وهو بين يديه.• الفتوحات في عهد عثمان بن عفانالدَّولَةُ الإسْلاميّة في ذروةِ اتِّساعها خلال عهد عُثمان.في خلافة عثمان فتحت العديد من البلدان وتوسعت الدولة الإسلامية، فقد فتحت في أيام خلافته أرمينية وخراسان وكرمان وسجستان وإفريقية وقبرص. وقد أنشأ أول أسطول بحري إسلامي لحماية الشواطئ الإسلامية من هجمات البيزنطيين.بعد مقتل عمر بن الخطاب تشجع أعداء الإسلام وخصوصا في بلاد الفرس والروم إلى العمل على استرداد السيطرة في تلك البلاد، فبدأ يزدجرد ملك الفرس يخطط في العاصمة التي يقيم فيها وهي مدينة فرغنة عاصمة سمرقند، وأما زعماء الروم فقد تركوا بلاد الشام وانتقلوا إلى القسطنطينية العاصمة البيزنطية، وبدؤوا في البحث عن الوسائل التي تمكنهم من استرداد ملكهم. وكانوا قد تحصنوا بالإسكندرية في عهد عمر بن الخطاب، فطلب عمرو بن العاص منه أن يأذن بفتحها، وكانت معززة بتحصينات كثيرة وكانت المجانيق فوق أسوارها، وكان هرقل قد عزم أن يباشر القتال بنفسه ولا يتخلف أحد من الروم؛ لأن الإسكندرية هي معقلهم الأخير. وفي عصر عثمان تجمع الروم في الإسكندرية، ونقضوا الصلح واستعانوا بقوة الروم البحرية.كانت المعسكرات في عهد عثمان تتوزع في عواصم الأقطار الكبرى، فمعسكر العراق مركزه الكوفة والبصرة، ومعسكر الشام في دمشق، ومعسكر مصر مركزه الفسطاط، وكانت هذه المعسكرات تقوم بحماية الدولة الإسلامية كما تعمل على مواصلة الفتوحات، ونشر الإسلام.د- القيادة في عهد علي بن أبي طالبوجاء رابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - الذي أكَّد على اصطفاء القادة للمستشارين، والاستعانة بهم في المشورة والرأي والنصيحة، وقد ذكر صفات هؤلاء المستشارين من حيث الأمانة، والذَّكاء، والإلمام بالأمور، والشجاعة في الرأي، وحسن السيرة والخلق.ولقد جاء في كتابه - رضي الله عنه - إلى الأشتر النخعي عندما وَلاَّه على مصر وأعمالها، وهو أطول عهد جمع أساسِيَّات القيادة الإدارية في كتاب واحد - ما يلي • الحب والرحمة "وأشعر قلبَك الرحمةَ للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعًا ضاريًا تغتنم أكلهم".• الابتعاد عن المحاباة "أنصف الله، وأنصف الناس من نفسك أو من خاصة أهلك، ومن لك فيه هوًى من رعيتك، فإنَّك إلاَّ تفعل تظلم، ومن ظلم عبادَ الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله أدحضَ حجته، وكان لله حَرْبًا حتى ينزع أو يتوب".• إرضاء الجماعة "وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، وأعملها في العدل، وأجمعها لرضا الرعية، فإنَّ سخطَ العامة يجحف برضا الخاصَّة، وإنَّ سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة".• اصطفاء المستشارين "ولا تدخلن في مَشورتك بَخيلاً يعدل بك عن الفضل، ويعدك الفقر، ولا جبانًا يضعفك عن الأمور، ولا حَريصًا يُزيِّن لك الشر بالجور، فإنَّ البخلَ والجبنَ والحرصَ غرائزُ شتَّى، يَجمعها سوء الظن بالله".• توفير الحوافز "ولا يكن المحسنُ والمسيء عندَك بمنزلة سواء، فإنَّ في ذلك تزهيدًا لأهل الإحسان في الإحسان، وتدريبًا لأهلِ الإساءة على الإساءة، وألزم كلاًّ منهم ما ألزم نفسه".• توظيف ذوي الكفاية "ثُمَّ انظر في أمور عمالك، فاستعملهم اختيارًا، ولا تولهم محاباة وأثرةً، فإنَّهما جماع من شُعَبِ الجور والخيانة، وتَوَخَّ منهم أهلَ التجربة والحياء من أهل البيوتات الصَّالحة، والقدم في الإسلام، فإنَّهم أكرمُ أخلاقًا، وأصحُّ أغراضًا، وأقل في المطامع إشرافًا، وأبلغ في عواقب الأمور نظرًا".• الرقابة والمساءلة "تفقد أعمالَهم، وابعث العيونَ من أهل الصدق والوفاء عليهم، فإنَّ تعاهُدَك في السرِّ لأمورهم حدوةٌ لهم على استعمال الأمانة والرِّفق بالرَّعِيَّة، وتحفظ من الأعوان، فإنْ أحد منهم بَسَط يدَه إلى خيانة اجتمعتْ بها عليه عندك أخبارُ عيونك، اكتفيتَ بذلك شاهدًا، فبسطتَ عليه العقوبة في بدنه، وأخذتَه بما أصاب من عمله، ثم نصبتَه بمقام المذلة، ووسمتَه بالخيانة، وقلَّدتَه عارَ التهمة".• سياسة الأجور "ثُمَّ أسبغْ عليهم الأرزاقَ، فإنَّ ذلك قوةً لهم على استصلاح أنفسهم، وغنًى لهم عن تناول ما تحت أيديهم، وحجة عليهم إن خالفوا أمرَك، أو ثلموا أمانتك".• الاتصال بالرعية "لا تطولن احتجابك عن رعيتك، فإنَّ احتجابَ الوُلاة عن الرعية شعبة من الضيق، وقلة علم بالأمور، والاحتجاب منهم يقطع عنهم علمَ ما احتجبوا دونه، فيصغر عندهم الكبير، ويعظُم الصغير، ويَقبح الحسن، ويَحسن القبيح، ويشاب الحق بالباطل".• تقدير الأمور "وإياك والعجلةَ بالأمور قبل أوانها، أو التساقُط فيها عند إمكانها، أو اللجاجة فيها إذا تنكرت، أو الوَهن عنها إذا استوضحت، فضَعْ كلَّ أمرٍ موضعه، وأوقعْ كلَّ عمل موقعه".
ه- القيادة في عهد بني أميةوشهدت الدولة في عهد بني أمية تَوسُّعًا كبيرًا، مِمَّا أدَّى إلى صعوبة الاتِّصالات، مما دفع الخلفاءَ إلى تفويضِ السلطات، واتِّباع أسلوب اللامركزية في القيادة، وخاصَّة بعد التثبت من حسن سلوك الولاة والعمال، لهذا كان خلفاء بني أمية يشترطون في مَن يتولى المناصب الإدارية والقيادية من الأشخاص الأمانةَ والمقدرة.و- القيادة في عهد بني العباسأمَّا الدولة الإسلامية في عهد بني العباس، فقد شهدت نظامًا إداريًّا مُحكمًا في ظل قيادة مركزية قوية ومنظمة، إلاَّ أنَّ صعوبةَ الاتصالات بين أطراف الدولة الواسعة والكبيرة، دفع خلفاء بني العباس إلى منح ولاتهم حقَّ الإشراف على ولاياتهم، لهذا مارست الإدارة في بني العباس مبدأَ تفويض السلطة باسم الإنابة، حيث يقوم خلفاء بني العباس بإنابة مَن يقوم عنهم في إدارة الولايات الإسلامية، كما كانوا يَحرصون على أن تتوفر في مَن ينوب عنهم الأمانةُ والمقدرة، وهكذا نجد أنَّ الإدارةَ الإسلامية قد أعطت نموذجًا متطورًا للقيادة يقوم على أسس ثابتة تؤمن وتلتزم بالأهداف الإسلامية، وتُعطي أروعَ الصور في القدوة الحسنة، والسلوك الأخلاقي القويم.ولقد ذكر الماوردي بعضَ الصِّفات لمن يتولَّى الوزارةَ، منها "الأمانة، حتى لا يخون، وقلة الطمع، حتى لا يرتشي، وأن يسلم فيما بينه وبين الناس من عداوة وشحناء، ذكورًا لما يؤديه إلى الخليفة وعنه، ذكيًّا فطنًا، صادقَ اللهجة، حتى يوثق بخبره، وألاَّ يكون من أهل الأهواء".سادساً بعض نماذج الألفية الثانيةفي الواقع هناك العديد والعديد من الأمثلة التاريخية للقادة الإسلاميين الذين كرسو حياتهم في سبيل رفعة ومكانة هذا الدين، وهنا سنعرض بعضاً من أبرز هؤلاء القادة الصالحين فرحمة الله عليهم أجمعين.1-السلطان ألب أرسلان السلجوقياتسع نطاق سيطرة السلطنة السلجوقية، تركمانية الأصل، بصورة سريعة من وسط آسيا إلى عاصمة الخلافة العباسية في بغداد، واستمرت قوتها في النمو حتى صارت السلالة السلجوقية هي الحاكم الفعلي لكافة الأراضي الإسلامية شرق مصر. قضى السلاجقة على البويهيين، وحافظوا على الخلافة العباسية لرمزيتها الدينية، خاصة أنها وفرت لهم مظلة شرعية في ظل التوسع الفاطمي إلى غربهم تحت راية العقيدة الشيعية الإسماعيلية. وظل شخص الخليفة العباسي هو ممثل العقيدة السنية التي دان بها السلاجقة.
فتوحات السلاجقة في الأناضولتكمن محورية أرسلان في سياسات التغيير السكاني الجذرية التي أتاحتها فتوحاته في الأناضول، وأدت لواحدة من أبرز الأحداث السياسية والثقافية في المنطقة، وهي هيمنة العرق التركي على المنطقة المعروفة بتركيا حاليا. كانت الأناضول مع بداية حكم ألب أرسلان جزءا من الإمبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية)، ومع التوسع التدريجي في الفتح من شمال العراق ووسط آسيا إلى قلب الأناضول، استخدم ألب أرسلان تقنيات الهجوم السريع والهرب التركمانية المعروفة بين قبائل آسيا الوسطى في السيطرة على مساحات كبيرة في الأناضول.تعدّ معركة ملاذ كرد عام 1071 ميلادية أبرز معارك ألب أرسلان، التي فتح بعدها الأناضول لاستيطان القبائل التركية، التي ستظهر منها الخلافة العثمانية فيما بعد. وإذا تم أخذ سياسات التغيير السكاني السابق ذكرها في الاعتبار؛ يمكن فهم تمكن السلاجقة في غضون سنتين من الوصول إلى قونية في قلب الأناضول، ومن ثم أنقرة عام 1075، لينتهوا من السيطرة على الأناضول بالكامل بفتح نيقية عام 1077؛ أي خلال أقل من عقد.
2-صلاح الدين الأيوبي وُلد صلاح الدين لأسرة كردية معروفة، وقد نشأ في الشام بعد أن انتقل أبوه إلى حلب لخدمة عماد الدين زنكي، والد نور الدين زنكي، وتلقى تعليما دينيا وعسكريا رفيعا، ثم دخل إلى جيش عمه أسد الدين شيركوه، أحد قادة الأمير نور الدين آنذاك، حتى أثبت جدارته وأصبح على رأس القوات الشامية في مصر، ثم وزيرا للخليفة الفاطمي هناك بعد وفاة شيركوه، ليقوم بإسقاط المُلك الفاطمي كله خلال أعوام، وإعادة الإسلام السُني إلى موقعه السابق في مصر، والعمل تحت راية نور الدين زنكي.بوفاة نور الدين، استحوذ صلاح الدين على سلطته، وأصبح له سلطانه الخاص في مصر والشام، الذي انطلق منه لمواجهة الصليبيين في فلسطين، وهي المواجهة التي وصلت ذروتها في معركة حطين عام 1187 ميلادية. نجح صلاح الدين في محاصرة وهزيمة جيوش الصليبيين في حطين، واسترد من ثم عكا وبيروت وصيدا ونابلس ويافا وعسقلان خلال ثلاثة أشهر من المعركة، وأخيرا القدس، التي سلمها له الصليبيون في تشرين الأول/ أكتوبر من العام ذاته، بعد 88 عاما من حكم الفرنك لها.لم تبق تلك المدن طويلا في أيدي المسلمين رغم ذلك، حيث ظلت تتأرجح بين حكم الأيوبيين والصليبيين، بفعل تنازع أبناء صلاح الدين على تركته في مصر والشام بعد وفاته. انتهى ملك الأيوبيين إلى التفسخ، وآلت ممتلكاتهم إلى سلطان المماليك، القوة الجديدة الصاعدة في مصر والشام.3-محمد الفاتحهو القائد العثماني الأشهر، الذي جلس على عرش الدولة العثمانية عام 1451، وقاد فتح القسطنطينية عام 1453. وقد استمر حكمه ثلاثين عاما، أطلق على نفسه فيها لقب قيصر الروم، باعتباره وارثا للمُلك الروماني والبيزنطي، وسيد الأرضين والبحرين؛ الأناضول والبلقان وبحر إيجه والبحر الأسود. وقد عُرف عهده بإعادة تنظيم الحكومة العثمانية، ووضع قوانين عامة للسلطنة. وتعدّ امتيازات الحماية التي وفرها لمجتمعات تجار البندقية وفلورنسا في إسطنبول السابقة الأولى لمؤسسة السفارة الأجنبية في التاريخ الدبلوماسي.فتح إسطنبول القوات العثمانية بالأخضر والبيزنطية بالأحمر
بالإضافة إلى معركة فتح القسطنطينية، تعدّ معركة باشكنت في مدينة أرزينجان عام 1473، التي خاضها في مواجهة قائد التركمان المنافس للعثمانيين، أوزون حسن، واحدة من أبرز معارك محمد الفاتح، التي أتاحت له توطيد مُلك العثمانيين في الأناضول بشكل نهائي. هذا، علاوة على حملات عسكرية في البلقان والمجر ورومانيا ومولدوفا وجزيرة رودس وشبه جزيرة القرم ومدينة أوترانتو في جنوب إيطاليا، التي دخلها في أواخر عهده عام 1480.عُرف عن محمد الفاتح تسامحه مع كل الفئات التي سكنت القسطنطينية، إذ قام بجمع المفكرين الإيطاليين واليونانيين في بلاطه بعد الفتح، وأمر بترجمة العقائد المسيحية للتُركية، كما حرص على جمع الكتب اليونانية واللاتينية، وظلت كنيسة الروم الأرثوذكس تعمل بشكل طبيعي من بعده حتى أغلقت بعد إعلان الجمهورية التركية في القرن العشرين.4-السلطان سليمان القانونيبعد وفاة الأب سليم الأول، انتقل الحكم بعده لابنه سليمان (حكم من 1520 إلى 1566). استمر سليمان في سياسة التوسع العسكري التي اتبعها أسلافه، وأضاف لها أبرز ما عُرف به فيما بعد الاهتمام بالمجالات القانونية والثقافية والعمرانية، ليشهد عهده تميز الحضارة العثمانية، بل ربما تشكل بصمة خاصة للثقافة العثمانية.بدأ سليمان حملاته العسكرية فور جلوسه على العرش باستحواذه على بلغراد، عاصمة صربيا اليوم، ثم رودس والمجر، وأخيرا وصل إلى أبواب فيينا عاصمة النمسا، التي لم ينجح في السيطرة عليها نتيجة لعوامل شتى، منها سوء الأحوال الجوية، وقلة المؤن، والمقاومة الأوروبية المنيعة في المدينة، وهو ما دفعه للتخلي عنها، والاكتفاء بالمجر، لا سيما أن الحدود الشرقية عادت لتؤرق الأستانة من جديد.وجه سليمان ثلاث حملات كبرى ضد الدولة الصفوية، أولها عام 1534، عندما استحوذ على مدينة أرضروم ودخلت أثناءها قوات العثمانيين العراق؛ وثانيها عام 1548، حيث هيمن بها على معظم الأراضي المحيطة ببحيرة وان (فان)؛ وآخرها عام 1554، التي لم تحقق أهدافها المرجوة، وكانت تنطوي على هدف صعب هو اختراق فارس نفسها.كما برز في عهد سليمان القانوني القائد البحري الأشهر خير الدين بارباروسا، قبودان الأسطول العثماني، وكُتب له أن يكون واحدا من أبرز القيادات البحرية في التاريخ الإسلامي بجهوده في البحر المتوسط وعلى سواحل اليونان والبندقية وإسبانيا، التي رسخت من هيمنة العثمانيين على البحر المتوسط.ومن النماذج الحديثة في عصرنا الحالي، نجد العديد من القادة المسلمين الذين يتمتعون بالقوة والقدرة والنجاح في مجالات مختلفة، سواء في العلم، أو العمل الخيري، أو السياسة، أو العسكرية، مما يؤكد أن القوة والقدرة هي صفات مهمة للقائد المسل ومنهم 5-عبد الرحمان السميطعبد الرحمن السميط طبيب كويتي آثر العمل الإغاثي في أفقر مناطق العالم على الركون لرغد العيش ف�
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,767,291