إن استخدام وسائل الإعلام الحديثة من أقمار صناعية وتلفزيون وإذاعات وصحف أتاح للعلاقات العامة فرصة واسعة لأن تصل إلى جماهير المؤسسات في فترة زمنية قصيرة ، الأمر الذي يجعل هذا النشاط قوي التأثير على الرأي العام ، ولهذا من اللازم وضع الضوابط والقوانين التي تنظم نشاط العلاقات العامة حتى تتفادى خطر استغلاله من جهة وحتى نطمئن إلى أن الممارسين له يلتزمون بالأساس والدعائم الأساسية لمهنة العلاقات العامة.
ومن استعراض الدساتير والكثير مما كتب عن العلاقات العامة يمكن استخلاص الأسس التالية باعتبارها المبادئ التي يؤدي الالتزام بها إلى توفير المناخ الملائم لممارسة النشاط :
1- المسئولية الاجتماعية للمؤسسات:
إن أية مؤسسة تنفيذية تعتبر جزءاً من البيئة الاجتماعية المحيطة بها، فهي تستمد من تلك البيئة عناصر الحياة والبقاء ، ولذلك تقع عليها مسئولية المساهمة في رفاهية ذلك المجتمع وتنهض المؤسسة بمسئوليتها هذه مما يجعل خدمة المجتمع هدفاً أساسياً لها وتقديم المصلحة العامة وهو توفير سلعة أو خدمة بأفضل مستوى ممكن وبما يتلاءم وحاجات وأذواق جمهورها ، وإضافة إلى ذلك المساهمة بكل وسيلة ممكنة في رفع المستوى الحياتي لأفراد المجتمع كتقديم المنع والزمالات الدراسية والإعلانات والقيام بالدراسات والأبحاث لمعالجة مشاكل المجتمع ، كما أن برامجها الإعلامية يجب أن تهدف إلى تثقيف المجتمع بصورة عامة ولا تقتصر على تعريف بالمؤسسة وكسب تأييده له ، والإيمان بالمسئولية الاجتماعية يتضمن مراعاة الصالح العام ووضعه في المقام الأول من قرارات المؤسسة .
2- احترام رأي الفرد والإيمان بقوة الرأي العام:
فالإيمان بقوة الرأي العام وأهمية التعامل الناجح معه يعتبر الدعامة الأساسية لكافة برامج العلاقات العامة ، وينبغي على المؤسسة أن تستخدم الأساليب العلمية الحديثة للبحث عما يدور في الرأي العام وأن تبنى برامجها على ضوء ما يتجمع لديها من تيارات للرأي العام ، وما يقره من تقاليد وعادات وما يعبر عنه من طموحات ورغبات وتوقعات ، عن تلك المؤسسة ، كما أن المؤسسة لا ينبغي أن تقف مكتوفة الأيدي تجاه الرأي العام بل عليها أن تسعى لتوجيهه وتبصيره وتحويله إلى جوانب الخير، وأن تبتعد به عن العادات الفاسدة البالية والمعتقدات الخرافية التي لا تتفق مع روح العصر ومقتضياته.
لقد عبرت الفلسفة الرومانية واليونانية القديمة عن الرأي العام بقولها: إن صوت الجماهير من صوت الله، وهي تعني بذلك أن ما تتفق عليه الأمة هو الخير دائماً لأن الأمة هي ظل الله في الأرض، وإرادتها من إرادة الله ، فمتى اجتمع الرأي العام فيما على شيء فهو الحق الذي لا ينبغي أن نحيد عنه، ولقد جاء في الحديث الشريف لرسول الله صلة الله عليه وسلم : " ما اجتمعت أمتي على ضلالة " مصداقاً لقدسية إجماع الأمة وأنها لا تجتمع إلا على الحق داماً، وتطور المفهوم في عالم المؤسسات الحكومية والصناعية والتجارية التي تقدم خدماتها وسلعها للجماهير وتلتزم برأي الجمهور فيها، فإن كان الجمهور راضياً عن الخدمة أو السلعة كان ذلك حافزاً للاستمرار في تقديمها بنفس الأداء والجودة ، وإن كان الجمهور ساخطاً سعت المؤسسات إلى تحسين الخدمة أو السلعة لتتناسب مع رغبات وأذواق الجماهير، وكان الشعار المرفوع في هذه المواقف " إن الجمهور دائماً على حق The public is always Right " .
3- الابتعاد عن التكتم وإتباع سياسة كشف المعلومات للجمهور:
لقد كان التمسك بالسرية وحجب المعلومات هو أسلوب الإدارة التقليدية في القرن الماضي ، أما الإدارة الحديثة فإنها تعتبر المؤسسة كالبيت المصنوع من الزجاج الذي يكشف عما بداخله لكل ناظر .
فالمؤسسة العصرية تعمل في النور ولا تخفي أي معلومات عن نشاطها إلا الأسرار المتعلقة بالإنتاج ، وهذا لم يعد من السهل الاحتفاظ بها سراً بوجود الأقمار الصناعية التي بإمكانها أن تصور وهي في الفضاء أشياء على سطح الأرض بدرجة كبيرة من الدقة وكأنها على بعد بضعة أقدام فقط منها.
والصراحة بحد ذاتها تحمل على الثقة في المؤسسة بينما يدعو التكتم إلى إثارة الريبة والشك من حول المؤسسة ، وهذا المبدأ الذي ساعد على تعزيز مكانة المؤسسة هو في الحقيقة استجابة لحق أساسي من حقوق الفرد نصت عليه لائحة حقوق الإنسان ونعظم دساتير الدول الديمقراطية وهو حق الفرد في الحصول على المعلومات ، والصراحة هي طابع المدنية الحديثة فالكاتب يصارح القراء ، والإداري يصارح الجمهور والسياسي يصارح شعبه وهكذا .
4- الالتزام بمبادئ الأخلاق السلمية:
إن أحد أهداف نشاط العلاقات العامة هو إعطاء المؤسسة (شخصية) بتثبيت صفات إنسانية لها في أذهان الجمهور ، كذلك تدعو فلسفة العلاقات العامة المؤسسة إلى الالتزام بمبادئ الأخلاق كالنزاهة والصدق والعدالة ، وهكذا فهي لا تخدع الجمهور ولا تغشه بل تسعى إلى كسب ثقته بالقدوة الحسنة وليس بالأقوال فقط ، فالعلاقات العامة هي سلوك وإعلام. فالجانب السلوكي يتمثل في الالتزام بالمصل والأخلاق السامية في تجنب المؤسسة كل مما يشين سمعتها والعمل على أن يعكس جميع موظفيها ذلك أيضاً في معاملاتهم مع الجمهور وفي حياتهم الخاصة أيضاً والجانب الإعلامي هو استخدام كافة وسائل الإعلام والاتصال لتوضيح وتفسير نشاط المؤسسة وتحليل رد فعل الجماهير نحوها ، والعلاقات العامة الناجحة هي التي تستند أقوالها على الأعمال أو هي ترجمة لتصرفات جديرة بالإعجاب وأعمال تستحق التقدير.
5- العلاقات العامة تبدأ من الداخل إلى الخارج :
والمقصود لذلك أن المؤسسة التي ترمي إلى الحصول على رضى الجمهور وثقته فيها عليها أولاً أن تضمن رضى وثقة العاملين فيها من عمال وموظفين لأن هؤلاء إذا كانوا سعداء في عملهم مع المؤسسة فإنهم يعكسون أثراً طيباً حولها عن طريق معاملتهم للناس في أثناء عملهم وكذلك في أحاديثهم عنها في علاقاتهم الشخصية .
وعلى العكس من ذلك فإن العاملين في المؤسسة المتذمرين الساخطين بإمكانهم هدم برامج العلاقات العامة من أساسها بتصرفاتهم وأقوالهم التي يمكن أن تترك أسوأ الأثر لدى الناس من حولهم ، وتحقيق سعادة العاملين ورضاهم في عملهم يأتي عن طريق إتباع المؤسسة سياسات عادلة للتوظيف والترفيع والتدريب والتنقلات والإجازات وغيرها كما أ، على المؤسسة أن تهتم بتوفير ظروف عمل مرضية وضمان منتسبيها في حالة المرض والعجز لمنحهم الاستقرار في عملهم، فمعاملة الموظف المعاملة الكريمة واحترامه تجعله متحمساً لعمله ولمؤسسته كذلك يجب على المؤسسة القيام بإعلام منتسبيها عن جميع أحوال مؤسستهم ونشاطها باستمرار لأن ذلك يعمل إلى زيادة ثقتهم فيها ورفع كفايتهم في العمل بالإضافة إلى جعلهم قادرين على إعطاء المعلومات الصحيحة عن المؤسسة للجمهور الخارجي .
6- استخدام أسلوب البحث العلمي:
مع ازدياد وعي الجماهير وانتشار الثقافة العامة وأدوات الاتصال فقد أصبح إنسان هذا العصر لا يؤمن بصحة الأشياء إلا إذا شاهدها أو لمسها أو ذاقها أو تحقق منها بما لا يدع مجالاً للشك ، لهذا أصبحت مهمة التأثير في آرائه مهمة شاقة وعسيرة ، ولا بد أن تعتمد على الإقناع والتشويق والاستمالة وهذا بالطبع يتطلب الاستفادة من الدراسات العلمية في سيكولوجية الفرد والجماعات وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم السلوك الإداري .
وبما أن العلاقات العامة عملية ذات اتجاهين تعتمد على الإعلام الصاعد من الجماهير إلى إدارة المؤسسة وعلى الإعلام الهابط من هناك إلى الجماهير ، وتعتمد على الفعل وعلى تلقي رد الفعل، وعلى الفهم المتبادل والاستجابة المباشرة والإيجابية من جانب الطرفين يصبح إذن قياس وتحليل الرأي العام اختصاصاً أساسياً من اختصاصات العلاقات العامة ، ولا بد أن يتم ذلك باستخدام بحوث العلاقات العامة والطرق الإحصائية ومناهج البحث العلمي المتعارف عليها ، وذلك لكي تأتي نتائج البحث بالدقة والصحة التي تمكن من أخذها بجدية في توجيه وتعديل سياسات المؤسسة.
7- العلاقات العام وظيفة استشارية:
لقد شبه دور العلاقات العامة بالنسبة للإدارة العليا في المؤسسة بدور ملكة بريطانيا تجاه مجلس وزرائها فهي تحذرهم وتشجعهم، وكذلك مدير العلاقات العامة فهو ينصح الإدارة ويشجعها على اتخاذ السياسات والقرارات التي تلاقي القبول من الجمهور ويحذرها من اتخاذ السياسات التي لا يرضى عنها الجمهور ولكنه لا يتمكن من إلزام تلك الإدارة هي التي تقرر الأخذ بالتوصيات حول سياسة المؤسسة وإجراءات وهذا لا يعني أن وحدته فهو يضع البرامج الإعلامية وينفذها في حدود السياسات والميزانيات التي تضعها الإدارة العليا.
إن الإيمان بهذه المبادئ والالتزام بها ينتج عنه التطبيق السليم للعلاقات العام بمفهومها العلمي الحديث.