تتخذ العلاقات العامة وسائل الاتصال المختلفة لإعلام الناس يما يجري في المنظمة الإدارية، ولقد توفرت لدى الدولة الإسلامية في صدر الإسلام صورتان من صور الاتصال الجماهيري هما:
<!--الاتصال الشخصي المباشر.
<!--والاتصال الجمعي المباشر.
ويدرك القارئ أن ثمة أسلوباً اتصالياً معمولاً به في العصر الحديث وهو الاتصال الجماهيري الذي هو من ابتداعات العصور الحالية والذي استهدف الاتصال بأعداد غفيرة من الجماهير التي يستحيل جمعها في صعيد واحد لتستمع إلى متحدث واحد. وقد استخدمت في الاتصال الجماهيري وسائل القرن العشرين كالصحف والراديو والتلفزيون والسينما ووكالات الأنباء، مما لا يقع في مضمون حديثاً عن وسائل العلاقات العامة في صدر الإسلام التي كانت تعتمد على التفاعل المتبادل بين المرسل ومستقبل الرسالة.
ولقد مضى الرسول صلًّ الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون على أهمية الاتصال الشخصي والجمعي كوسيلة من وسائل العلاقات العامة بجماهير العرب والمسلمين ، وبرزت ثلاث صور من صور الاتصال الشخصي والجمعي:
<!--الاتصال الشفوي: وهو الأسلوب الأساسي الذي اعتمد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم في نشر الدعوة الإسلامية وفي تفسير كثير من المواقف الإسلامية، وكانت وسائله المقابلة الشخصية للأفراد والوفود وزعماء العشائر والقلائل، وإيفاء القراء والمعلمين من الصحابة للأمصار والمدن، ويتفقد الرعية من خلال العسس بالليل وزيارات الخلفاء للأمصار ومقابلة الجماهير وجهاً لوجه .
<!--الاتصال الكتابي: وجاء في صورة رسائل الرسول صلى الله عليه وسلم للملوك والرؤساء، والرسائل التوجيهية المرسلة من الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء للولاة بالأمصار الإسلامية.
ج- الاتصال الجمعي: في الأعياد والجمع ومواسم الحج حيث تتم فيها مشاركة المسلمين واستشارتهم في أمور الدولة وإعلامهم بما يجد من سياسات وبرامج وخطط حربية ونظم مدنية .
مزايا الاتصال المباشر:
والاتصال الشخصي المباشر هو اتصال ناجح في الإقناع لأنه يتلافى سلبيات وقصور وسائل الإعلام الأخرى، وخاصة مقاومة المستقبل للرسالة الإعلامية، وهي مقاومة تضعف تأثير الإعلام كثيراً ، ولكن الاتصال المباشر يتسم بالحوار وتبال الأفكار ومناقشة الحجج وتوفير البراهين ومحاولة التغلب على كل أساليب الاحتجاج والغضب والسخط في الجماهير، بذلك دخل إلى ذروة الإقناع، كما أن قياس رجع الصدى ورد الفعل من الجماهير أو الأفراد المخاطبين يصل إلى مرسل الرسالة بطريقة مباشرة وفورية مما يمكنه من تعديل أدائه الاتصالي ليتناسب مع الموقف، أضف إلى ذلك أن الاتصال المباشر يتسم بالألفة ورفع الكلفة وتحقيق التعارف وتقوية الصلات والعلاقات.
ولذلك لم يكن غريباً أن يكون أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم – لا سيما في المرحلة السرية من الدعوة هو الاتصال الشخصي المباشر، وكذلك في المرحلة العلنية عندما أمر الله نبيه بعد ثلاث سنوات من البعث أن يظهر ما أخفى من أمره وأن يصدع بما أنزل إليه من وحي، ثم كان اتصاله بأبناء المدينة من الأوس والخزرج في بيعتي العقبة الأولى والثانية واهتداؤهم إلى الحق مما كان له أخطر النتائج في تطور الدعوة الإسلامية كما يسجل التاريخ .
ومن أمثلة الاتصال الشخصي المباشر أولئك الدعاة والقراء الذين أعدهم الرسول صلى الله عليه وسلم دينياً وإعلامياً وبعث بهم إلى القبائل العربية التي اعتنقت الإسلام ليعلموهم القرآن والسنة فكانوا طليعة الإعلام الإسلامي .
ومن أمثلة وسائل الاتصال التي استخدمها الرسول صلى الله عليه وسلم استقبال الوفود وإكرامهم ومما لا شك فيه أن نشاط الاستقبالات وإكرام الوفود والبعثات يعتبر من أهم نشاطات العلاقات العامة .
ومن الوسائل الهامة في العلاقات العامة والتي استخدمها الرسول صلى الله عليه وسلم إقامة العلاقات الودية مع يهود المدينة في عهد الاستقرار المدني ، فعقد الرسول صلى الله عليه وسلم ميثاقاً بين المسلمين وبين اليهود من بني النضير وبني قريظة وبني قينقاع ، وكان الميثاق يهدف إلى خلق جو من الصلات الطيبة والعلاقات الحسنة بين الطرفين وإلى التعايش السلمي داخل المدينة .
ومن الوسائل الهامة التي تعتبر نتاجاً طبيعياً للاتصال الشعبي المباشر، ما قام به الرسول صلى الله عليه وسلم من اجتماعات عقدها مع بعض الصحابة من جانب ومع بعض القبائل من جانب آخر، وكان لها أكبر الأثر في تقوية العلاقات وتحسين الصلات واستتباب الأمن والسلام بين المسلمين فيما بينهم وبين القبائل اليهودية كما حدث بين المسلمين وبني المصطلق الذي تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم ابنة زعيمهم جويرية بنت الحارث ولا يزال الملوك والرؤساء وزعماء القبائل في الدول النامية يستخدمون وسيلة المصاهرة لتحسين العلاقات العامة بينهم وبين دول أخرى أو قبائل الدولة الواحدة .
ومن الأساليب التي ركز عليها الخلفاء، ولا سيما الخليفة عمر بن الخطاب:
<!--أسلوب زيارة الأمصار الدورية للاطلاع على أحوال الرعية ومعرفة سلوك وسير الولاة والمسئولية عن الرعية .
<!--أسلوب العسس، فقد كان عمر يعس بالليل ويمشي في الأسواق يتفقد أحوال الناس، ومن المزايا هذه الوسيلة أن الخليفة يدرك مشاكل الناس فيستجيب إليها استجابة مؤدبة ترضيهم وتزيل عنهم الضيم والظلم، وكان عمر يتمتع بحس إعلامي رفيع يجعله سريع التعرف والاستجابة لما يحس به الرأي العام من ألم وشكوى ويتصدى لعلاجها بالحسم الفوري استشعاراً منه لمسئوليته الإدارية، إذ كان مقنعاً أن " لو عثرت بغلة في طريق العراق لسألني الله عنها لما لم تصلح لها الطريق يا عمر ؟ " فما بالك بإحساسه أن فرداً من أفراد المجتمع يقض مضجعه شيء ما؟
والشاهد من كل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجلس في منزله وعلَّق لافتة في جداره تقول "هذه دار محمد رسول الله" أو {قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا} وانتظر حتى يقرأ الناس (لافتته) وإنما خرج من منزله داعياً ومبشراً ومنذراً في كل صوب يستطيع أن يصل إليه وعرض الإسلام على كل من قابله من حر وعبد وامرأة ورجل وشريف وضعيف لم يصده عن ذلك عزة الرسالة، وسوء الرد من كثير من الناس كأن يقال له "أما وجد الله غيرك حتى يرسله!!؟" وهذه كلمة لو قيلت اليوم لعالم من علمائنا حمل شهادة واحدة لما خرج إلى الناس بدعوة قط!! والعجب أيضا ممن يزعمون القيام بالدعوة واقتفاء أثر الرسول ويقولون نجلس في أماكننا ومن أراد الهداية فليأت إلينا!! بل وجب على كل من حمَّله الله علما من علوم الدين أن يغشى الناس في أماكنهم وأن يعرض عليهم بضاعته النظيفة الطيبة وأن يدعوهم إلى الخير الذي وفقه الله إليه.
وفي سبيل استخدام هذه الوسيلة (العلاقات العامة) لم يترك الرسول الذهاب إلى أسواق الجاهلية -مع ما فيها من المنكرات والآثام- ولم يترك أيضا بيوت الملأ والكبراء -مع ما فيها من ذلة للداعي واستهزاء به- ولم يترك النبي أيضا دعوة الكفار إلى منزله للطعام والشراب مع ما في هذا مما ينكره بعض المسلمين اليوم. وهذا كله أقوله لأدلل على فساد فهم الدعوة اليوم لدى كثير ممن يدعون إلى الله الذين اتخذوا الدعوة وظيفة وحرفة وشرفا وكهانة ولا يطمعون إلا في الدنيا، ولأبيِّن أيضا السبيل لمن أراد أن يقتفي أثر النبي المصلح الداعي إلى الله سبحانه وتعالى.