إن العلاقات العامة في الإسلام تعتبر فلسفة اجتماعية يدين بها كل فرد من أفراد المنظمة الإسلامية من أعلاها إلى أدناها، وطالما أن العلاقات العامة تعتمد على قواعد سلوكية متينة تلزم المرء المسلم بحسن المعاملة وبالصدق والإخلاص في التعامل مع الآخرين بهدف اكتساب ثقتهم وتحقيق التفاهم المشترك فيما بينهم ، فهي إذن لا تختلف عما دعا إليه والإسلام وطبقة الرسول صلى الله غليه وسلم وصحابته من كرم الأخلاق وحسن التعامل وصدق القصد، ونستطيع أ، تحجج هنا مجموعة من الخصائص والمميزات التي اتسمت بها العلاقات العامة في صدر الإسلام  :

1- الصدق في الاتصال الجماهيري :

إن الصدق هو من أولى الصفات التي يحتاج إليها الداعية فهي التي تولد الثقة عند الجماهير وتجعل الإعلام مكللاً بالنجاح ، ولقد كان صلى الله عليه وسلم مثلاً أعلى في الصفة، منذ صغره لقب بالصادق الأمين، والصدق إي إعلام العلاقات العامة يعني تزويد الناس بالأخبار الصحيحة والمعلومات الحقيقية الثابتة هن سير العمل والأداء في المؤسسة والتي تساعد على تكوين رأي صائب في واقعه من الوقائع أو مشكلة من المشكلات من غير تزوير أو كذب أو إضافات دعائية ، فإذا خلت العملية الإعلامية من الصدف لم تصبح إعلاماً بالمعنى الصحيح ، بل كانت نوعاً من التضليل الجماهيري الذي سرعان ما ينكشف للجمهور وبذلك تنعدم الثقة في مصدر الخبر الإعلامي.

ولقد برأت الدعوة الإسلامية من الكذب والتضليل فكتب الله لها النجاح ، والذي نريد أن نؤكد أن ما قام به الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون من جهود إعلامية بنشر الإسلام كان إعلاماً صرفاً بلغة العصر الحاضر ودعوة صادقة بلغة الإسلام، غير أن العصور الإسلامية التي تلت صدر الإسلام اضطرت بسبب الخلافات والتنازع إلى استخدام الدعاية كفن جديد من فنون الاتصال لترويج الأفكار والمذاهب المختلفة عن طريق التأثير في عواطف الفرد والجماعة واستهوائها بطرق غير صادقة في أغلب الأحيان، مما يعتبر انحراف عن الفهم السليم للعلاقات العامة المعتمد على الصدق الإعلامي

2- الصراحة والوضوح :

وهذه مميزة أخرى من مميزات العلاقات العامة في الإسلام ، وهي صفة نابعة بصفة الصدق في الاتصال الجماهيري، فقد اتسمت العلاقة بين الحاكم والمحكوم في صدر الإسلام بالصراحة المطلعة والوضوح التام ، وكان الرسول صلى الله غليه وسلم وخلفاؤه يقصدون لعلاج مشاكل الجماهير أولاً بأول ، وفي صراحة وصدق دون مجاملة أ تعتيم أو انتقاص لحقوق الناس ، ولقد أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء بفطنتهم ضرورة أن تكون الإدارة منفتحة على جماهيرها مستجيبة لمطالبهم منجزة لقضاياهم وأمورهم بالحسم والحزم المطلوبين دون تسويف أو تباطؤ ، فطالبو في رسائلهم الموجهة إلى العمال والولاة بأن يخرجوا للناس وبأن يفتحوا أبوابهم لقضاء حوائجهم وأن يشاركوهم في الأمر وأن يتفقدوهم بشكل منتظم ، ولعلهم أدركوا مسبقاً تلك الأمراض البيروقراطية التي تفشت في عصرنا الحاضر لميل البيروقراطيات إلى الانغلاق عن الجماهير وحب التكتم والسرية وحجب الأخبار عن الجماهير حتى لا تنكشف أخطاؤها وحتى لا تكون خاضعة للمساءلة والنقد، وأن نضرب مثلاً يوضح مزايا الصراحة والوضوح في التعامل مع الجماهير ومزايا الانفتاح على الجماهير وهو ما قام به سيدنا عمر حينما بلغه أ، عاملاً لا يعود مريضاً ولا يدخل عليه ضعيفاً فنزعه من الولاية، وكتب في هذا الخصوص مرة إلى سعد بن أبي وقاص حاكم العراق:

        "عد مرضى المسلمين، واشهد جنائزهم، وافتح بابك، وباشر أمرهم بنفسك فإنما أنت رجل منهم ، غير أن الله جعلك أثقلهم حملاً، وقد بلغني أنه فشا لك ولأهل بيتك هيئة في لباسك ومطعمك، ومركبك ليس للمسلمين مثلها، فإياك يا عبد الله أن تكون بمنزلة البهيمة التي مرت بواد خصيب فلم يكره لها إلا السمن؛ وإن حتفها في السمن، واعلم أن للعامل مرداً إلى الله، فإذا زاغ زاغت رعيته، وإن أشقى الناس من شقيت به رعيته والسلام ".

<!--سرعة الاستجابة للرأي العام :

ولقد كانت العلاقات العامة في صدر الإسلام تتسم وتتميز بسرعة الاستجابة لما يهم الرأي العام ويقلقه، ولعل قصة رسول صلى الله عليه وسلم لما كان يزعم الرأي العام داخل صفوف الأنصار فتصدى لهم بالحسم السريع وشرح لجمهرة الأنصار أسباب توزيع الفيء بتلك الطريقة فرجع الأنصار فرحين مسرورين.

ولقد تميز الخلفاء الراشدون من بعد بقوة الحس الإعلامي والتصدي للمشاكل التي تهم الجماهير وعلاجها وهي في مهدها قبل أن تتفاقم وتدب الشائعات بين الناس فتخلق جواً من عدم الثقة في الحاكم ومن أوضح الأمثلة لذلك موقف عمر بن الخطاب من قراره بعزل خالد بن الوليد من جميع مناصبه ، فقد أحس عمر أن كثيرين من المسلمين ممن عملوا مع خالد لم يستريحوا لقرار عزله، فأذاع عمر في الأمصار" إني لم أعزل خالد عن سخطه ولا خيانة ولكن الناس فتنوا به، فخفت أن يوكلوا إليه ويبتلوا به، فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع وألا يكون بعرض فتنة ".

مثل هذا التصرف من جانب عمر لا شك يكشف عن موهبة فذة وفن أصيل في القيادة، فهو يدرك بفطرته الحاجة إلى إقناع الرأي العام وأنه لا بد من تفسير للقرارات الكبرى والتي قد تصادم الرأي العام في شعوره وأحاسيسه بالسرعة المناسبة ولا يقدم على مثل هذا التصرف إلا إداري يضع الاعتبار لما يحسه الرأي العام ويتجاوب معه بالإعلام اللازم لتفسير الأشياء ولشرحها حتى يقتنع الرأي العام وتزول أسباب الإضراب والقلق والغضب.

<!--العلاقات العامة من خلال القدوة الحسنة :

إن سر نجاح أي دعوة لمبدأ أو فكرة أو عقيدة أو فلسفة يكمن في مدى قدرة أصحابها أن يلزموا بما يدعون إليه سلوكاً مطلقاً قبل أن يطالبوا الآخرين بتطبيقه عليهم، وذلك لأنه قد ثبت بالدليل القاطع أن الإنسان بطبعه ميال إلى تقليد أو محاكاة القدوة الحسنة من الرجال والدعاة والحكام والفلاسفة. فالمربون والمعلمون في مراحل التعليم المختلفة يسرفون للشباب أمثلة طيبة لحسن السلوك وتمثيل أدوار البطولة والإقدام والشجاعة والذكاء والمنطق وحسن التعامل، والأنبياء والرسل على مر العصور والأزمات كانوا رجالاً كاملين، ولذلك اتخذهم أصحابهم وتابعوهم قدوة لهم، أصبحت القدوة الحسنة ميزة من مميزات العلاقات الاجتماعية المختلفة ومن بينها العلاقات العامة.

فالرسول صلى الله عليه وسلم كان القدرة الحسنة لأصحابه لأنه كان على خلق عظيم كما وصفه القرآن الكريم " وإنك لعلى خلق عظيم " وفي الآية : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " ، تجسدت فيه صفات الصدق والصبر على الدعوة وحسن العشرة والمعاملة لمن يلقاهم ، وكذلك الصحابة من الخلفاء وغيرهم سلكوا درب الرسول صلى الله عليه وسلم في الصدق والصبر على الشدائد والإقدام والشجاعة فقلدهم المسلمون واتخذوهم أعلام هداية ، وكان ذلك من أسباب سرعة انتشار دعوة الإسلام لا في الجزيرة العربية فحسب ولكن في الإمبراطوريات والممالك المجاورة للعرب.

ويكفي أن نشير أن المعلنين ورجال التسويق في عالم التجارة اليوم يجذبون الناس إلى سلعهم ومنتجاتهم عن طريق الإعلان بأن فلاناً من العظماء والمشاهير اللامعة في المجتمع يستخدم تلك السلعة أو يفضلها على غيرها من السلع ، يكفي هذا الإعلان لنجد أن كثير من الناس قام بتقليد ذلك العظيم اللامع ، وبذلك تروج السلعة والأفكار.

من هنا نرى أن العلاقات العامة تنجح إذا استخدمت القدوة الحسنة كوسيلة إعلامية، وكلما كان العاملون في أية مؤسسة يقتربون إلى القدوة الحسنة وإلى المثالية في سلوكهم وأدائهم كانوا بذلك مؤثرين في الجماهير التي ترتبط بالمؤسسة تأثيرات إيجابية كبيرة.

المصدر: د. أحمد السيد كردي
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 108 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,755,273

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters