إن العلاقات العامة لا تنشأ إلا في جو ثقافي وحضاري يؤمن بقيمة الإنسان من حيث هو إنسان له كرامته وله حقوقه على الآخرين وعليه واجبات نحوهم، ولقد توفرت هذه المعاني في المجتمع الإسلامي الأول، جاء بها القرآن وتولى رعايتها رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده، بقوله تعالى: "
﴿ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً "﴾ الآية 70 – سورة الإسراء .
كما نظم الإسلام العلاقة بين المسلمين نظاماً يدعو إلى تبادل الاحترام بينهم والابتعاد عن تحقير بعضهم بعضاً فقال تعالى:﴿" يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ، ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب ، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان "﴾ الآية 11 – الحجرات .
وفي الحديث الشريف المسلمون أخوة متحابون متعاونون متساوون لا فضل بينهم إلا بالتقوى ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :" يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي ولا لأحمر على أبيض فضل إلا بالتقوى﴾.
وهذا النوع من الأساليب الإعلامية ليس اختراعا ولكنه فقط اكتشاف لأسلوب فطري عرفه الإنسان منذ عرف نقل الأفكار منه إلى الآخرين وشعر بالحاجة إلى ذلك.. وكان هذا الأسلوب هو أول الأساليب التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته. فقد عمد النبي صلوات الله وسلامه عليه إلى نشر رسالة الإسلام أولا في الوسط الذي يحيط به عن طريق العلاقات العامة فدعا أولاً زوجته، وخادمه، وابن عمه، وأصدقاءه، ومعارفه والتقى مع كل غريب ووافد إلى مكة في حج أو تجارة، سواء كانوا أفراداً أو وفوداً وجماعات واتصل بأقاربه وعشيرته جميعا ودعاهم إلى الإسلام اتصل بهم في أماكنهم وبيوتهم، وصنع لهم ولائم متكررة في منزله ودعاهم إلى الطعام ثم عرض عليهم رسالته، وهكذا فعل أيضا كل من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم تقريبا. وكان من أنشطهم في ذلك أبوبكر الصديق رضي الله عنه حيث آمن له سعد بن أبي وقاص وعبدالرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام وكثير من العبيد والموالي والضعفاء.
وعن طريق هذه العلاقات العامة غشي رسول الله الأسواق التي كانت تقيمها العرب للتجارة والشعر وتبادل المعلومات فغشي عكاظ، ومنى وأماكن الحجيج، وسافر إلى الطائف ليعرض الإسلام على كبرائها ورؤسائها، وغشي الأماكن التي يتجمع أهل مكة فيها في الحرم وغيره، وفي المدينة كان يذهب أول الأمر إلى أماكن تجمع اليهود والمشركين من العرب ويعرض عليهم الإسلام، وأحيانا كانوا يردون عليه رداً قبيحاً، كما فعل عبدالله بن أبي بن سلول، وذلك قبل أن يسلم، قبل بدر حيث قال للنبي بعدما دعاه وهو في مجموعة من اليهود والمشركين والمسلمين: "يا هذا اجلس في رحالك فمن أتاك فحدثه ولا تغشنا في مجالسنا بما نكره!!". فقام عبد الله بن رواحة -وكان مسلماً- وقال: "بل اغشنا يا رسول الله فإنا نحب ذلك". وسب عبدالله بن أبي بن سلول وكادت تنشب المعارك لذلك فهدَّأهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذهب.
في هذا الجو الاجتماعي المفعم بتكريم الإنسان واحترام الفرد المسلم عرف المجتمع الإسلامي العلاقات العامة كفلسفة تحكم سلوك أفراد المجتمع – حكاماً ومحكومين – وكنشاط إعلامي متخصص يهدف إلى ربط الدولة بالفرد والجماعة لشتى الوسائل وأساليب الات صال الفردي والجماعي.