هل مشكلتنا شرف فقط؟
هل عصام شرف صار هو مشكلتنا الكبرى.. هل لو قرر الرجل الاستقالة والعودة إلى منزله وعدم العودة لمجلس الوزراء أو اعتزال السير فى شارع قصر العينى بالمرة سوف تنتهى كل مشاكلنا، وينتهى اعتصام ميدان التحرير، وتختفى «الفلول» ويرفع أنصار مبارك الراية البيضاء، وهل سيتحسن وضع البورصة، وتتوقف الاعتصامات الفئوية وترضى عنا أمريكا واسرائيل والسعودية وكل الخليج؟!.
ليت إن الإجابة كانت نعم واضحة، لكنا وقتها طلبنا من عصام شرف أن يبقى فى منزله ويضحى من أجل مصر، لكن لسوء الحظ فإن الإجابة هى لا.
عصام شرف رجل وطنى وفيه صفات جيدة كثيرة، ولديه عيوب فى القيادة، وربما صار جزءا من المشكلة، لكنه ليس كل المشكلة التى صرنا نعانى منها مؤخرا.
جاء اختيار شرف رئيسا للحكومة بناء على طلب الميدان، لكن كان واضحا للجميع أن كل مقاليد الأمور موجودة فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وصار مفهوما للجميع أن العلاقة بين الطرفين ليست متكافئة لدرجة أن وسائل الإعلام تقول فى مرات كثيرة أثناء صياغتها للاجتماعات بين الطرفين أن المجلس الأعلى «استدعى» شرف.. وغنى عن القول مدلول كلمة الاستدعاء.
بعض المقربين من الرجل يقولون إن يده مغلولة وأنه يريد إرضاء كل الشعب، لكنه لا يملك عصا موسى ليشق بها البحر ويطرد فلول الوطنى ويحضر كل كنوز الدنيا لشعبه الذى حمله على الاعناق قبل شهور.
يعتقد كثيرون أن معضلة شرف وربما معضلة الثورة بأكملها أنها لم تكن تملك أداة تنفيذية تستطيع بها فرض إرادتها وتجسيد قراراتها على أرض الواقع، وبالتالى فعندما قبل الثوار صيغة ما بعد تنحى مبارك فقد سلموا السلطة طوعا للمجلس العسكرى.
ومع مرور الأيام وجد شرف نفسه حائرا بين طرفين: شارع يغلى ويريد نتائج فورية على الأرض خصوصا فيما يتعلق بمحاكمة الفاسدين والقتلة وتلبية مطالب عاجلة، وبين مجلس عسكرى لديه حقائق أيضا على الأرض مضافا إليها تفكير تقليدى يفضل التغيير البطىء والتدريجى ويخشى الهزات المفاجئة التى قد تحدث تصدعات لا يمكن معالجتها.
هذه الحالة هى جوهر مأزق شرف وربما مأزق أى شخص يحل محله، ولذلك ربما تمثل الحل فى تغيير الصيغة الحاكمة بأكملها.
خلافا لما يظن الكثيرون فإن المشكلة التى تواجهنا ليست فقط محاكمة مبارك أو بضعة ضباط ورجال أعمال مجرمين أو فاسدين، لكنه الخلاف حول المستقبل، وكيف ندخله وبأى طريقة، ومن يقوده؟
هناك تقدير بأن البعض فى الدوائر العليا لايزال يفضل نصف ثورة وربما ربع ثورة لضمان الانتقال الهادى للسلطة وعدم القوى المؤثرة اقليميا ودوليا وبقايا نظام مبارك.
ويرى هؤلاء أن الاعتصام الأخير ربما يكون قد أدى خدمة هائلة لأصحاب التيار الآخر الذى يطالب بالانتقال السريع.
لكن هناك سؤال ليس أخيرا: هل المجلس العسكرى مطلق اليد فى تقرير صورة ومستقبل مصر.. أليس مرتبطا بجداول ومواعيد واستحقاقات دستورية، إضافة إلى تفاعلات تقترب من الغليان فوق الأرض.. والأخطر تحتها؟!
ساحة النقاش