رابطة شراح البيان الفنجرى
ليلة فضيحة موقعة الجمل كان مثقف مصرى كبير يتحدث عبر إحدى الفضائيات مبررا الهجوم البربرى الذى شنته ميليشيات رموز النظام الساقط على ميدان التحرير، هذا المثقف الذى تولى حقيبة وزارية فى حكومة شفيق لم ير فى القطعان التى هجمت على الميدان إلا أنهم مواطنون بسطاء خرجوا لتأييد حسنى مبارك لأن أعمالهم فى مجال السياحة تعطلت ويدافعون عن أرزاقهم.
وبالطبع كان هذا وغيره من إعلاميين وكتاب وكتبة يعتبرون أن ميدان التحرير محتل من فئة مناوئة للنظام ومعادية للاستقرار والأمن والأمان، ومن ثم طبيعى جدا أن تقوم ضدها فئة أخرى من مؤيدى مبارك، وكأن الموضوع مباراة شطرنج بين متنافسين.
هذا المثقف الذى استوزره مبارك فى أيامه الأخيرة كان يحلل ويبرر ويفسر موقعة الجمل وهو يستمتع بصهد المدفأة فى منزله، بينما الثوار يواجهون الموت بصدورهم العارية فى ميدان التحرير، غير أنه بعد أن سقط مبارك وبدا إصرار الشعب المصرى واضحا على إسقاط حكومة شفيق، قرر المثقف الكبير أن يقفز من السفينة التى كانت كل علامات غرقها قد بانت.
لقد عاد هذا النموذج هذه الأيام، مع بيانات المجلس العسكرى، وظهرت من جديد تلك النوعية من الباحثين عن مكان تحت شمس المجلس تتحدث عن الاستقرار وتنفخ عجلة الإنتاج ومن حيث لا تدرى ــ أو تدرى ــ تساهم فى التحريض على حماة هذه الثورة فى ميادين مصر المختلفة، باعتبارهم أيضا يعيقون استعادة الحياة الطبيعية، ويهددون مصالح الوطن العليا.
إن قائمة شراح ومفسرى بيان الجنرال الفنجرى تردد نصا واحدا لا يتغير، يقوم على تصوير بعض من فى ميادين الاعتصام على أنهم بلطجية وقطاع طرق ويريدون الاعتداء على قناة السويس، ولم يتوقف أحد ليفكر فى فرضية أن يكون هناك بين المعتصمين من اندسوا لتشويه صورة الاعتصام، ولعل ما يتحاكى به ميدان التحرير عن الطبيب المزيف الذى تبين أنه حضرة الضابط المتنكر فى عيادة إسعاف المتظاهرين، ما يكشف أن وسط مخيمات الثوار من أتوا بقصد محاولة تدنيس المشهد برمته.
إن خطورة هذا الخطاب التحريضى ضد المعتصمين أنه من الممكن أن يضعنا على أبواب موقعة جمل أخرى، خصوصا مع تصاعد صيحات راكبى البعير والخيول الإلكترونية، والفضائية أيضا، وكأننا ارتددنا إلى الأيام الأخيرة من يناير.
لقد أمضيت يوما وليلة مع معتصمى الإسكندرية الشرفاء فى حديقة سعد زغلول، حيث كان القاضى الجليل المستشار محمود الخضيرى من مطلع الشمس إلى غروبها بين الثوار الشرفاء، أشبه بمظلة تحميهم من حرائق التشويه والطعن فى نبل اعتصامهم، وفى المساء شرفت بأن أكون مع الصديق الجميل الدكتور علاء الأسوانى والمناضل الكبير أبوالعز الحريرى والزميلة عبير السعدى فى لقاء مع هؤلاء النبلاء والنبيلات، الذين يصلون الليل بالنهار دفاعا عن ثورتهم التى يريد البعض للأسف أن يعيدها إلى الأدراج بعد أن ارتشف منها ما يروى ظمأه.
مرة أخرى الثورة ليست علبة عصير أيها السادة.
ساحة النقاش