داليا، قوة علمية ناعمة تجاهد للتغيير 

،،هذا الاسبوع استمتعت بدراسة دكتوارة  مهمة  للباحثة الدكتورة داليا احمد عبد الرحيم مصطفى حول مفهوم الرجولة كما تعكسه تنشئة الأم لأبنائها في المجتمع المصري: دراسة سوسيو أنثروولوجية".

داليا كما عرفتها تعتز بذاتها واسمها رباعيا اكراما لأب جليل ،الاستاذ الدكتور احمد عبد الرحيم مصطفى ، . أستاذ التاريخ ، الحاصل  على وسام المؤرخين العرب، و الجائزة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام ،  1998م ، مؤسس  دعائم "سمنار" حلقة بحث التاريخ الحديث والمعاصر لطلاب الدراسات العليا مع أستاذه أ.د. أحمد عزت عبد الكريم فوضع له تقاليد وخطة عمل ساهمت في إبراز هذا السمنار الأول من نوعه في الدراسات الإنسانية في حينه واسمه وسمعته التي لازمته طوال نصف القرن

اقتربت من  داليا ، كنا طلبة تحت العشرين ، مع صديقة قلبي وعقلي دينا جمال ، وصديقتنا سوسن احمد عبد الرحيم مصطفى ، التي تجمعنا بتواصلها الجميل ،  يملؤنا الحماس ، والحب ، والبهجة ، والغضب ، والامل ، والحياة ، داليا طالبة الاعلام بالجامعة الامريكية ، انخرطت في مشاكل المرأة النفسية والاجتماعية فحولت المسار الاعلامي الى قضايا وهموم وادوار المرأة ، درست الاكتئاب والمرأة في الماجستير ، و الان تقدم لنا دراسة عميقة ، تلقي حجرا في مياه راكدة ، وواقع مستقر على اخطاء تتوارثها الأجيال برعاية مجتمعية لابقاء الوضع على ماهو عليه ، ،اكدت داليا في دراستها ان الأم هي القوة الناعمة في الاسرة ، تؤسس لحاضر الأبناء وترسم طريق مستقبلهم ومستقبل مجتمعاتنا ، وان الام التي تكون مصدراً لدعم وتمكين أبنائها ذكوراً وإناثاً هي تلك التي تسعى للتحقق الذاتي، أو تكون قد نشأت في أسرة مترابطة، أو تتسم علاقتها بزوجها بالتفاهم والتوافق والتكافؤ والدعم المتبادَل، أو كل ذلك معاً. 

وتطرح  الدكتورة داليا سؤالا : هل لدينا في المجتمع المصري أزمة رجولة ؟ و ترد من خلال دراستها لتؤكد ان لدينا  أزمة رجولة في المجتمع المصري، وهي ترتبط بالتنشئة بشكل مباشر؛ إذ أنه رغم تعدد أنماط الرجولة -كما تبين من تحليل دراسات الحالة- هناك الكثير مما يدلل على أن هناك اختلالاً في بناء صورة الرجل عن نفسه. فهو مُطالَب بالامتثال لتوقعات الوالدين لتحقيق نجاح مهني أو مادي أو رياضي أو دراسي، لأنه "رجل" ،وتتعاظم القيم المادية ،وقد تختلط مفاهيم الرجولة بتوقعات غير ملائمة له ، متناقضة مع ما يملك من قدرات او مهارات ، او ينظر لكل ما يحيطه على انه ممتلكات ، ثم يقع فريسة لعدم التوازن والاحباط ، وترسيخ اخطاء نتوارثها  عن قيم الرجولة ، 

وتذهب داليا لابعد مدى لتطرح مفهوم تأنيث القهر ، في   تعبير يدل على أحد أوجه تكريس المرأة نفسها لموروثات بالية ، وبموضوعية الباحث تقر ان القهر ليس صنيعة الرجل فقط، حسب ما هو متداول. بل أن هناك ضرورة للانفتاح الواعي على ظاهرة "قهر الرجل"، وعدم اختزال القهر والاضطهاد ليصبحا حكراً على المرأة باعتبارها الضحية الحصرية،،

 

وتنظر الدكتورة داليا للمستقبل فترى ان المجتمع المصري في هذه الآونة يعيش عصراً واعداً ومبشراً فيما يتعلق بتمكين المواطن المصري، رجلاً أكان أم امرأة أم طفلاً. فقد لوحظ التفات السياسات العامة للدولة في الآونة الأخيرة إلى خطورة الأبعاد الاجتماعية والثقافية للإنسان وللمجتمع، وأهميتها في بناء الإنسان ونهضة المجتمع. وخير دليل على ذلك هو إدراك رئيس الدولة منذ بدايات توليه مسؤولياته، لأهمية دور المرأة بشكل عام، والأم بشكل خاص، بل ومخاطبتها وتوصيتها بشكل مباشر باعتبارها صانعة الرجال وأهم من يبني المجتمع. وهي المرة الأولى وفقا لمعلومات  الباحثة التي يوجه فيها رئيس الدولة خطاباً مباشراً وودياً للمرأة المصرية من كافة قطاعات المجتمع، الامر الذي يمكن استثماره بشكل جيد والخروج بإنجازات واقعية حقيقية ،

 

تفاصيل مهمة في الدراسة 

 ، كشفت الدراسة عن مظاهر تأثير الأم بشكل سلبي على بناء مفهوم الرجولة لدى الأبناء من خلال بعض أساليب التنشئة، 

يستدمج الرجل رؤيته للمرأة في الأساس من نموذج الأم، والتي تُعتبَر أهم من يقوم بترسيخ وتخليد التوقعات السائدة في مجتمعه، سواء عن طريق ما تتمتع به من "قوة ناعمة" تؤهِّلها بشكل غير مباشر لتأسيس آليات علاقات السلطة وأساليب التفاعل ضمن الأسرة وخارجها، أو بشكل مباشر من خلال المحاكاة والاستدماج من جانب الأبناء الذين يمضون معها الوقت لأكبر، لا سيما في ظل غياب الأب. فقد تبين من تاريخ حياة الحالات أنه من الصعب محو أثر تنشئة الأم للابن على علاقة الرجل بالمرأة ودوره وأساليب تفاعله كزوج وأب.

كما يتأثر اختيار الرجل للزوجة بشكل ملموس بعلاقته بأمه وبأسلوب تنشئتها له. فقد أظهرت الحالات أن هناك من يبحث عن زوجة مطابقة لوالدته في السمات الشخصية؛ بقدر ما لوحظ وجود الرجل الذي يهرب من نموذج والدته ويبحث عن زوجة تختلف كلياً عن الأم لتعويض جانب أو أكثر يفتقده في والدته.

 النموذج المطلوب للأم هو الأكثر قدرة على تمكين الأبناء ومساعدتهم على اجتياز التحديات الحياتية.

وتطرح  الدكتورة داليا سؤالا 

هل لدينا في المجتمع المصري أزمة رجولة ؟رد من خلال دراستها 

هناك أزمة رجولة في المجتمع المصري، وهي ترتبط بالتنشئة بشكل مباشر؛ إذ أنه رغم تعدد أنماط الرجولة -كما تبين من تحليل دراسات الحالة- هناك الكثير مما يدلل على أن هناك اختلالاً في بناء صورة الرجل عن نفسه بوصفه رجل. فهو مُطالَب بالامتثال لتوقعات الوالدين لتحقيق نجاح مهني أو مادي أو رياضي أو دراسي، لأنه "رجل"، ليقع تحت ضغط معنوي، خاصة إذا ما أصر الوالدان على توجيهه في طريق ما كي يحققوا من خلاله أمانيهم وأحلامهم. وتختلط الرجولة هنا بتوقعات غير ملائمة أو متناغمه مع الميول الفردية والمهارات الطبيعية للفرد. وعندما تقترن الرجولة بالنجاح كما يتصوره الأبوان، فإن الابن يفقد تقديره لذاته، ويعيش لاهثا نحو تحقيق أحلام أبويه، ويرتدي قناعا زائفا لا يعبر عن حقيقته، ويؤدي به هذا إلى عدم التوازن والتقلب المزاجي. وقد يصحب ذلك فشل في علاقته الزوجية، وفي قدرته على بناء أسرة سوية. 

ومن ناحية أخرى، يلعب المناخ الاجتماعي وما يعظمه من قيم مادية، وما يزخر به من تناقضات قيمية دورا مؤثرا على معنى الرجولة. فعندما تصبح قيمة الرجل هي ما يملكه من مال، فإنه يقع فريسة لاختزال هويته إلى ما يملك من سيارة أو رصيد أو دخل. وبالتالي، فإنه يكون غير قادر على تقدير استحقاقه الشخصي لوصف الرجولة بدون هذه المظاهر. وينعكس هذا بالطبع على علاقته بالجنس الآخر، فقد يرى في الزواج "تملكا" للأنثى، أو قد يعيش تحت وهم الضحية والاستغلال. 

وفي ظل هذه القيم المادية، تقوم الأم أحيانا بتحفيز الابن على استدماج هذه القيم، وتحفزه ليكون منافسا شرسا على أرض الواقع لينال المكانة والمال الذي يعطيه معنى "الرجولة" الحقة من وجهة نظرها. وإذا ذهبنا إلى البديل على الطرف الآخر من الواقع الاجتماعي، نجد أن الرجولة كما يقدمها الموروث الثقافي المختلط ببعض الأفكار الدينية الشائعة، يسلب من الرجل قيمته الإنسانية، ويحوله إلى أداة لقهر الذات تحت اسم "الالتزام" الديني الشكلي والحرفي، فيطالبه أن يكون وصيا على أهل بيته، ويشجعه على تعدد الزوجات إذا ما استطاع الإنفاق، ويصبح الدين مبررا له للتعبير عن إحباطاته الداخلية في ممارسة العنف ضد من يقعون تحت سيطرته، بل وربما التحكم في أمه نفسها.  

 وذهبت داليا لابعد مدى فأقرت "تأنيث القهر"

 يعد التمييز ضد المرأة أحد أهم مظاهر القهر الواقع عليها. وتتعدد أشكال هذا التمييز، ومنها النيل من إنسانيتها، أو تقييدها، أو استبعادها، أو المساس بحقوقها الشخصية والاجتماعية والنفسية، والثقافية، والسياسية، والمدنية على أساس النوع (سامية الساعاتي 2003: 297). ويؤكد عالم الاجتماعي الأمريكي (إريك فروم) Fromm هذا المعنى، مؤكدا أن التمييز ضد المرأة يعتبر من سمات النظام الأبوي، الذي يكرس استغلال السلطة في المجتمعات الأبوية، التي استمرت منذ ست إلى سبع قرون، ولا تزال سائدة في المجتمعات والطبقات الأكثر فقراً، لتتراجع قليلاً في البلاد ومجتمعات الوفرة والرفاهية. والمرأة في كل مكان لا تزال تسعى للتخلص من وضع التابع أو الضحية، فالتحرر بالنسبة لها يعني الامتناع عن إعادة إنتاج القهر (الأبوي) الذكوري (Fromm, 2008: 58, 116,155-6). 

ولكننا نفاجأ في كثير من الأحيان بأن المرأة بدلاً من أن تعمل على التحرر من سطوة النظام الأبوي- تقوم بترسيخه وإعادة إنتاجه أحياناً، من خلال بعض أنماط التنشئة والأنماط السلوكية، فتتحول من المقهور الذي يتماهى بقاهره إلى شخص يقهر المستضعَفين أو الأقل حظاً.  

وانطلاقاً مما سبق، تطرح الباحثة مفهوم "تأنيث القهر"، وهو تعبير يدل على أحد أوجه تكريس المرأة للنظام الأبوي الذكوري، ألا وهو قهر المرأة المقهورة لمن هم أضعف أو أقل حظا منها. فالتصور الغالب – والمُبَرَّر حتماً-عن القهر يرتبط في الأذهان بالمرأة، من حيث كونها "ضحية" الرجل (الابن، الأخ، الخ). فبحسب ما هو شائع، يعتبر الرجل الممثل الأساسي والأوحد للنظام الأبوي الذكوري، والرمز الحصريً للتمييز والقهر. على أن الواقع يشهد أيضاً بأن الرجل في أحيان كثيرة يمكن أن يكون هو شخصياً ضمن الفئات المقهورة أو المُستضعَفة أو الأقل حظا. فهو يشترك مع المرأة في نصيب من القهر، وإن اختلفت درجته أو مظاهره أو مصادره.

​والشق الثاني لمفهوم تأنيث القهر، مفاده أه في بعض الأحيان وفي قطاعات مختلفة من المجتمع تكون الأم أحد من يقومون بترسيخ القهر، فتورثه للأجيال اللاحقة، بحكم كونها الراعي الأول للموروث الثقافي التقليدي.

 القهر ليس صنيعة الرجل فحسب، حسب ما هو متداول. بل أن هناك ضرورة للانفتاح الواعي على ظاهرة "قهر الرجل"، وعدم اختزال القهر والاضطهاد ليصبحا حكراً على المرأة باعتبارها الضحية الحصرية، . 

​ويمكن النظر إلى النتائج السابقة من خلال هذا المفهوم التحليلي، لنتبين أن مفهوم الرجولة المشوه هو نتاج لتنشئة أم مقهورة، ترضى بحالها، وترفض أن تناضل من أجل كرامتها الإنسانية، وتمارس القهر على نفسها وعلى غيرها من النساء الذين يقعون تحت رعايتها أو سلطتها في محيط الأسرة أو العمل على السواء. 

 

 

لا تدعي الباحثة أن مجتمع الدراسة كان ممثلا للمجتمع الأكبر، ولكن مثلت كل حالة نموذجاً يتكرر في المجتمع الأكبر، ويشير إلى بعض من العوامل التي ترسخ في هذا المجتمع التمييز ضد المرأة والرجل معا، وقهر المرأة لنفسها ثم قهرها لبنات جنسها، سواء كانوا بناتها، أو زوجات لأبنائها.

كما أثارت الحالات ترهل القوانين وعجزها عن ترسيخ المساواة،

.

​ومع انتشار التيارات الدينية الوافدة من الخارج، والتي اختزلت الدين في مظاهر شكلية

. ولن ينجح ما يقال عن تجديد الخطاب الديني طالما أن أسس التمييز بين الرجل والمرأة مستمر في التستر وراء الفكر الديني التقليدي، والأمر محتاج إلى إعادة رؤية في البناء العقلي الذي يفرز هذا التمييز.   

وتنظر الدكتورة داليا للمستقبل فترى ان المجتمع المصري في هذه الآونة يعيش عصراً واعداً ومبشراً فيما يتعلق بتمكين المواطن المصري، رجلاً أكان أم امرأة أم طفلاً. فقد لوحظ التفات السياسات العامة للدولة في الآونة الأخيرة إلى خطورة الأبعاد الاجتماعية والثقافية للإنسان وللمجتمع، وأهميتها في بناء الإنسان ونهضة المجتمع. وخير دليل على ذلك هو إدراك رئيس الدولة منذ بدايات توليه مسؤولياته، لأهمية دور المرأة بشكل عام، والأم بشكل خاص، بل ومخاطبتها وتوصيتها بشكل مباشر باعتبارها صانعة الرجال وأهم من يبني المجتمع. وهي المرة الأولى حسب علم الباحثة التي يوجه فيها رئيس الدولة خطاباً مباشراً وودياً للمرأة المصرية من كافة قطاعات المجتمع، وهو (الحاكم) الذي يعتبره بعض أنصار النسوية ممثلاً للنظام الأبوي الذكوري الذي يقف حائلاً أمام التحقق الذاتي للمرأة ومشاركتها في التنمية الاجتماعية والنهضة الثقافية والمشاركة في الحياة العامة والسياسية. 

وقد نهض هذا الخطاب على فطنة وإدراك للدور الكبير والفاعل الذي تلعبه المرأة بشكل عام، والأم على وجه الخصوص. وتم تأكيد قوة تأثير هذا الدور على المستوى الشعبي. فالمرأة، وخاصة الأم تعتبر قوة فاعلة ليس فقط في نطاق أسرتها، ولكن أيضاً في مجتمعها الأوسع، بل وفي صناعة المستقبل السياسي. وقد تأكد ذلك من خلال مشاركتها الملموسة على المستوى الشعبي، متمثلة في مشاركتها في انتخابات الرئاسة والتصويت على الدستور، ثم تفوق عدد الناخبات من النساء على عدد الرجال. ويضاف إلى ذلك مشاركة النساء غير المسبوقة في ثورتي الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو. وترتيباً على ما سبق، تطمح الباحثة أن يصل هذا الخطاب الهام إلى جميع صانعي القرار، وكل أبناء المجتمع المصري، وأن يترجم إلى مبادرات فاعلة تنطلق أهمية فهم قيمة المرأة وقوة تأثيرها وأهمية دورها، ثم تعزيز هذا الدور وتقديم المزيد من الدعم لها.

DrNadiaElnashar

المحتوى العربي على الانترنت مسئوليتنا جميعاً د/ نادية النشار

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 235 مشاهدة
نشرت فى 22 يوليو 2015 بواسطة DrNadiaElnashar

د.نادية النشار

DrNadiaElnashar
مذيعة و كاتبة ،دكتوراة في علوم الاتصال و الاعلام والتنمية .استاذ الاعلام و علوم الاتصال ، مستويات الاتصال و أهدافه، الوعي بالاتصال، انتاج محتوى الراديو والكتابة الاعلامية ، والكتابة، و الكتابة لوسائل الاعلام الالكترونية ، متخصصة في علوم الاتصال و الاعلام و التنمية، وتدريبات التطوير وتنمية المهارات الذاتية والاعلامية، انتاج »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

592,334