شهر رمضان ليس ككل شهور العام، فهو الشهر الفضيل الذي يحتل مكانة خاصة في ثقافتنا الإسلامية والعربية، إذ أنه الشهر الذي بدأ منه واختتم فيه نزول الوحي القرآني، وهو شهر الطاعات والزكوات والصدقات، شهر البركات والرحمات، وهو شهر الصيام والقيام، شهر التوبة والمغفرة، تمحي فيه السيئات، وتضاعف فيه الحسنات، تسلسل فيه الشياطين، وترتفع فيه أسهم الطائعين الراكعين الساجدين، وفيه ليلة مشهودة مباركة، هي "ليلة القدر"، التي هي خير من ألف شهر، سلام هي حتى مطلع الفجر. وفي رمضان نصل الرحم، ونرتق ما تقطع من أواصر المودة ما بين الأهل والأصحاب والأحبة، وفيه يحلو السهر والسمر واللمة، حيث تتسع أمسياته ولياليه الجميلة لكل راق ونبيل من فكر وعلم وفن، وحيث يجد كل صاحب حاجة حاجته، ويصيب كل ذي ذوق مرامه، فرمضان دوما كريم مع الكل.
وكعادتنا في مصر، فإننا نصبغ جميع الأحداث بصبغتنا الخاصة، ونضفي عليها بصمتنا المصرية الخالصة، لذلك فإن رمضان في مصر ليس هو نفس الشهر في بقية بلدان العالمين العربي والإسلامي. ففضلا عن سماته الدينية والاجتماعية السالفة، نجحنا في أن نربط شهر رمضان بسمات سلوكية مصرية عامة توارثتها الأجيال حتى بدت للكثيرين مقاومة للتغيير، بل ومستعصية علي التبديل.
فمن سماتنا الرمضانية الخالصة الإسراف في استهلاك المواد الغذائية الأساسية والترفية، حتى ليخالنا أي زائر حديث العهد بالإقامة في مصر من الشعوب التي نمت وتطورت حتى تخطت حاجز الترف لتصل إلي مجتمع ما بعد الرفاهة، ثم لن تتخيل مدى دهشته، أو قل صدمته، عندما يكتشف أننا شعب لا ننتج غذاءنا، وأن أكثر من نصف عدد سكاننا يقع في منطقة ما تحت خط الفقر، وفقا للمعايير العالمية. ومن سماتنا الرمضانية الخالصة أيضا ضعف الإنتاجية وتقلص عدد "ساعات" أو قل "دقائق" العمل، أما عن النرفزة واحتراق الأعصاب فحدث ولا حرج، فلقد أصبح الصيام عذرا لانفلات المشاعر واختلاق المشاكل والخناقات في البيت والعمل والشارع، وهو عذر أقبح من ذنب، فالصيام يهذب الغرائز ويرقي الشعور وينقي الإحساس ويضاعف المحبة ويعزز التواصل والمودة بين الناس.
أما رمضان هذا العام فهو ليس ككل رمضان، فهو يأتي بعد اندلاع أعظم ثورة عفوية شهدها تاريخ مصر الحديث، ويتزامن مع أدق مراحل التحول حساسية، ويتجلى ومصر وقواها الوطنية تمر بأصعب اختبارات الثورة واختياراتها صعوبة وعمقا وتعقيدا وتأثيرا. فهل لنا أن نتمنى أن نشهد هذا العام رمضانا مختلفا عن كل رمضان؟، رمضان نتوحد فيه على الغايات الأسمى للثورة ونصطف فيه خلف المصالح العليا للوطن؟، رمضان نتقرب فيه إلي الله ليس فقط بالصلاة والصيام والطاعات، وإنما أيضا بنبذ الفرقة والتسامي فوق الرؤى والمصالح الضيقة للشخوص والجماعات والمؤسسات؟، رمضان نعمل وننتج فيه أكثر من كل شهور السنة؟، رمضان نتغير فيه إلي الأفضل، تغييرا جماعيا يمتد إلي كل شهور وأيام العام؟، رمضان يترجم ويعكس حجم مصر ما بعد الثورة ومكانتها وعزتها وشموخها؟. نريده سادتي رمضانا بطعم الثورة وصياما بنكهة التحرير، ولنتق الله في مصر فتنجو سفينتنا ونكون جميعا معها بإذن الله في كل الخير.
ساحة النقاش