من منا يتذكر "المبادئ الست" التي قامت عليها "ثورة يوليو 1952" المجيدة، والتي بدأت كحركة مباركة من "الضباط الأحرار" من جيش مصر العظيم انضمت لها وبغير تردد جميع قوى الشعب وطوائفه وفصائله –بخلاف الفاسد منها والمنتفع- لتكتمل لها معالم الثورة الشعبية الكاملة، ويقارنها بمطالب "الإصلاح السياسي والاجتماعي" التي قامت من أجلها "ثورة 25 يناير 2011"، التي سيؤرخ لها بوصفها من أعظم وأبدع ثورات الإصلاح في تاريخ مصر الحديث، سيجد تشابها –وربما تطابقا- مدهشا، بما يعني بجلاء أننا بإزاء مرحلة بالفعل تاريخية نؤسس فيها لقيام "الجمهورية المصرية الخامسة "
الجمهورية الاولى الجمهورية الثانية
الجمهورية الثالثة الجمهورية الرابعة
الجمهورية الخامسة ؟؟ !!
وبالرغم من تفهمنا لأشواق جموع الشعب للتغيير، وتوقه المعتبر لممارسة حقه المشروع الذي طال تعطيله لإحداث تداول سلمي للسلطة ربما لأول مرة في تاريخه المعاصر، وهو ما يفسر جزئيا حالة الركض التي نراها جارية في سباقات التجهز لانتخابات تشريعية لعضوية مجلسي الشعب والشورى ولانتخابات رئاسية يجري التأهل لها على قدم وساق، وفاءً للاستحقاقات التي فرضتها موافقة الغالبية من الشعب على تعديلات 19 مارس الدستورية، إلا أننا يجب أن ننتبه إلى أمر شديد الأهمية، وهو أن عملية "التأسيس لبناء الجمهورية الخامسة " يجب أن تتم على قواعد دستورية وتشريعية وسياسية واضحة المعالم وراسخة الدعائم، حتى لا تواجه بانتكاسات (كما حدث قبلا مع ثورة يوليو 52) تعيدها إلى الوراء أو تخرجها عن مسارها أو تبعدها عن الهدف الذي قامت بداية وبداهة من أجله، وهو إقامة دولة مدنية حديثة مؤسسة على مرجعيات دينية وأخلاقية وإنسانية مستمدة مما توافقت عليه الشرائع السماوية، دولة تؤمن بالدمج بديلا عن النبذ والإقصاء والاستبعاد، وتفعل مبادئ المواطنة بديلا عن التمييز، وتنتهج في تسيير شئونها وفي إدارة خلافاتها أساليب الحوار المفتوح والتوافق العام بديلا عن سياسات الانفراد والاستقطاب، وتعتبر التعدد والتنوع رافدا أساسيا داعما للإبداع والنهضة والتطور والتقدم، وتفتح المجال لتحرير العقول بالتزامن مع تنويرها، وتتيح الفرصة لبناء الوعي الجمعي ولتطهير الإدراك الجماعي مما شابهما من تشوهات أصابتهما عميقا بفعل ضغوط وملوثات وممارسات تراكمت على مدى عشرات السنين، وتعتمد الديمقراطية الرشيدة سبيلا وحيدا لإحداث التداول السلمي للسلطة، وتفسح الطريق لبناء مؤسسات سياسية واجتماعية نشطة ونقابات فعالة وجماعات ضغط مؤثرة تتنافس فيما بينها على خدمة الشعب في مناخ يشجع جميع المواطنين بلا تفرقة على المشاركة ويوفر لهم جميعا ضمانات المعاملة العادلة والفرص المتكافئة والمتساوية.
إننا وبلا شك بإزاء مرحلة مفصلية لا تمر بأعمار الشعوب إلا قليلا أو نادرا، إنها مرحلة التأسيس لبناء الدولة المدنية الحديثة. وإذا أردنا أن نعظم العائد من مكتسبات الثورة ومن تضحيات الثوار –ودماء الشهداء لم تبرد بعد- فعلينا أن نتوقف قليلا لالتقاط الأنفاس، وأن نتمهل لدراسة البدائل، وأن نتعقل في استثمار الفرص، وأن نبتعد عن المعالجات السطحية، وألا تغوينا الطرق التي قد تبدو قصيرة والحلول التي تظهر وكأنها سهلة ويسيرة ولكنها ربما أوقفتنا حيث نحن، بل وربما أعادتنا إلى نقطة البداية أو قريبا جدا منها، وعلينا أن نترفع ما أمكننا عن الممارسات الانتهازية التي طالما شكونا منها وعانينا من جرائها طويلا في السابق. وباعتقادي أنه ما زال الوقت مبكرا جدا على تبادل الأنخاب واقتسام الغنائم، وما زال أمامنا جميعا عمل كبير يجب أن نقوم به لوضع قواعد متينة لقيام جمهوريتنا الخامسة ولبناء دولتنا الحديثة التي أثبتت ثورة 25 يناير أن شعبنا العظيم وشبابنا الحر جدير بها وأهل لها. وبدلا عن إنفاق الوقت واستنزاف الجهد والطاقة والاستغراق في التفكير فيمن سيكون نائبا عن الشعب ومن سيكون رئيسا قادما للجمهورية، أقترح أن نتوفر جميعا على صياغة عقد اجتماعي جديد يحدد الملامح العامة لصورة وهوية وكينونة مصر المستقبلية التي نريدها ونحلم بها، وأن ننخرط في حوار مجتمعي مفتوح يعمل على الإجابة على عدد من الأسئلة الهامة مثل: هل نريدها جمهورية رئاسية أم برلمانية؟، وهل نبقي على نسبة الـ 50% للعمال والفلاحين بمجالسنا التشريعية أم لم يعد لنا بها حاجة؟، وهل نسمح بتكوين أحزاب دينية أم لا؟، وغيرها من الأسئلة الهامة التي لا يصح أن ننتقل إلى مرحلة إجراء الانتخابات التشريعية أو الرئاسية قبل أن نجد لها إجابات قاطعة تتوافق عليها جميع قوى الوطن وفصائله وتياراته، وإلا أصبحنا كمن يضع العربة أمام الحصان، ولا أعتقد أن هذا ما أراده شباب 25 يناير لمصر ولا هو ما نريده نحن لها ولهم.
ساحة النقاش