معاني الآيات :
(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) ؛ قد شرحنا لك صدرك بما أودعنا فيه من الهدى والإيمان.
(وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) ؛ وخففنا عنك ما أثقل ظهرك من أعباء الدعوة بمساندتك وتيسير أمرك.
(الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) ؛ الذي أثقل ظهرك.
(وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) ؛ ونوهنا باسمك، فجعلناه مذكوراً على لسان كل مؤمن مقروناً باسمنا.
(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5)؛ تلك بعض نعمنا عليك، فكن على ثقة من ألطافه تعالى، فإن مع العسر يسراً كثيراً
(إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) ؛ إن مع العسر يسراً كثيراً كذلك.
(فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) ؛ فإذا فرغت من أمر الدعوة ، فاجتهد في العبادة وأتعب نفسك فيها.
(وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) ؛ وإلى ربك - وحده - فاتجه بمسألتك وحاجتك.
(المنتخب في تفسير القرآن الكريم، 1995؛ 915)
من جمال الصياغة اللغوية:
<!--التأكيد المتكرر على انقضاء العسر باليس حيث استخدمت السورة مجموعة من أدوات التوكيد ، منها:
<!--استخدام الفعل المضارع في التعبير عن انشراح الصدر وهو يفيد التجدد والاستمرار (ألم نشرح ) ، بينما عند التعبير عن تخفيف الوزر وانتهائه فقد استخدمت السورة الفعل الماضي الذي يفيد الانتهاء والانقضاء (ووضعنا عنك وزرك).
<!--وتم تكرار عبارة (إن مع العسر يسرا) مرتين وهو ما يطلق عليه علماء اللغة التوكيد اللفظي.
<!--كما استخدم حرف (إن ) مرتين وهو حرف توكيد ونصب.
<!--وقدم الخبر المكون من حرف الجر والمجرور (مع العسر ) على المبتدأ (يسرا ) وهو أسلوب يفيد القصر والحصر.
<!--كذلك استخدم حرف العطف (الفاء) أكثر من مرة والذي يفيد السرعة والمطلوب لاحقا ؛ (فإن مع العسر يسرا ) (فإذا فرغت فانصب ) (الآيتان ؛ 5 و7).
<!--أيضا استخدمت السورة حرف الجر (مع) والذي هنا يفيد ظرفية الزمان والمكان ؛ فاليسر ملاصق للعسر وقريب منه وسريع اللحاق به أينما كان زمانه أو مكانه.
فهل رأيت براعة في استخدام المؤكدات اللغوية أجمل من ذلك وهل يشك عاقل بعد كل هذه المؤكدات في تقهقر العسر أمام اليسر وانقشاعه أمام ضيائه.
<!--البراعة في استخدام التراكيب اللغوية:
<!--فعندما أراد الرب المهيمن أن يجعل زوال العسر باليسر سنة كونية وحقيقة ثابتة ، للتعبير عن ذلك استخدمت العبارة الأسماء التي لا ترتبط بزمن ولم يستخدم الأفعال لارتباطها بأزمان معينة (إن مع العسر يسرا).
<!--كذلك نلحظ عدم اقتران هذه الحقيقة بأي ضمائر حتى لا يظن المتلقي شخصنة هذه السنة الكونية (أي ارتباطها بحادثة أو بشخص معين)
<!--ومن حيث النَظْم:
يمكن تقسيم السورة إلى قسمين كبيرين يحتوي كل قسم على أربعة فواصل كل فاصلة عبارة عن آية كريمة ؛ يتضمن القسم
الأول ما حدث في الماضي ، ويشتمل القسم الثاني على المطلوب حدوثه في الحاضر والمستقبل.
كما يمكن تقسيم المقطع الثاني إلى قسمين فرعيين؛ حتمية زوال العسر ، وبعض الوسائل لتحقيق ذلك.
وهو ما يشير إلى الوحدة العضوية والشعورية التي تتمتع بها السورة الكريمة (أي الوحدة في الموضوع وفي الجو النفسي).
<!-- وقد ساعد هذا التقسيم على حدوث جرس موسيقي خارجي يمتع القارئ والسامع ويساعد الحافظ على حفظه ، .
-ولعلك تلحظ أن الآية الأولى من القسم الأول تبدأ بأربع كلمات وتتكون الآيات الثلاث التي بعدها من ثلاث كلمات ، وفي المقطع الثاني تتكون الآية الأولى والثانية أيضا من أربع كلمات بينما تتكون الآيتان الثالثة والرابعة في نفس المقطع من ثلاث كلمات وهو ما يشارك في حدوث هذا الجرس.
- كما نلحظ وجود جرس صوتي أيضا داخل كل آية؛ (إن مع العسر ... يسرا) (فإذا فرغت ...فانصب )
- وأيضا وجود سجع في نهاية الآيات ؛(صدرك، وزرك ، ظهرك ، ذكرك، ... الخ)
<!--كذلك نلحظ وجود بعض الصور الجمالية مثل ؛ (وضعنا عنك وزرك) (الذي أنقض ظهرك)
<!--وأيضا استخدام بعض أشكال المحسنات البديعية كالمقابلة والطباق والجناس الناقص.
ولا شك أن ذلك يشير إلى ما تميز به القرآن الكريم في نظمه من جمال في غير تكلف من حيث ؛ استخدام الألفاظ اللغوية وفي الأساليب البلاغية وفي استخدام البيان والبديع إضافة إلى المعاني ، والتعامل مع شخصية الإنسان بجوانبها المختلفة وهذا من مواطن الإعجاز التي تفرد بها هذا الكتاب العزيز.
(وللحديث بقية )
ساحة النقاش