عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف ( فقد ورثاء )

فقد ورثاء

الشيخ عبدالعزيز الشقيحي والذكر الحسن(<!--)

 

كثير من الأعلام  البشرية رجالاً ونساءً الذين لمع ذكرهم في مجتمعهم ومحيطهم الأسري لا يمحو ذِكرهم كرُّ الجديدين بعد رحيلهم عن الوجود، بل تبقى اسماؤهم محفورة في جدران الذاكرة كالنقوش الحجرية، ولا سيما من كان لهم دور مشرف في الحياة سواء العلماء منهم أو من لهم تأثير مميز في مجتمعهم، وفي خدمة وطنهم والذود عن حياضه أن تكدرَ، والإخلاص لولاة الأمر، وفي ما يوكل إليهم من أعمال وقيادات عمليه، فمن أولئك الرجال الأفذاذ الشيخ عبدالعزيز بن ابراهيم بن عبدالعزيز الشقيحي الذي ولد في حريملاء عام 1317هـ  وترعرع في أكنافها زمن طفولته، وبعدما اشتد ساعده نذر حياته ونفسه مُبكراً ليعمل مع المؤسس الأول الموحد لأركان المملكة العربية السعودية جلالة الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – منذ بدايةِ لَمِّ شمل شتات هذا الوطن حاضن أطهر بقاع الدنيا الحرمين الشريفين، وكان تعليمه في إحدى الكتاب بحريملاء لتعلم الخط وقراءة القرآن الكريم وحفظه، وقد أعجب به معلمه لنباهته وسرعة حفظه، بل وبملامح الشجاعة والنجابة في شخصه ومزاحمة أقرانه للجلوس في الصفوف الأمامية رغم صغر سنه:

بِمَوْلوُدِهم صمت اللسان كغيره *** ولكنَّ في أعطافه منطق الفصل

وكأن لسان حال أستاذه يقول: سيصبح لهذا الصبي شأن عظيم في قابل حياته، وفعلا صدقت فراسته وتوسمه فيما آل إليه، حيث كلفه الأمير محمد بن عبدالعزيز قائد فتح المدينة المنورة باستلام عدد من المناطق الشمالية: منها (العلا  والوجه وضباء وتبوك) لتأمينها وجردها واستلامها من عمال الشريف، وكانت أُولى مهامه الرسمية في سن الـ 25 عاماً، حيث عينه الملك عبدالعزيز أميراً على الوجه في عام 1344هـ، واستمر لمدة سنتين، ثم نقل واستمر في معية الملك عبدالعزيز عام 1346هـ وفي شهر محرم من عام 1347هـ صدر أمر جلالة الملك عبدالعزيز بتعينه أميراً على ضباء ومارس مهامه حتى صدر قرار نقله، وعين رئيساً للمجلس العسكري عام 1349هـ ثم عين أميراً لليث عام 1351هـ ، ثم عاد بعدها للعمل في معية الملك مرة أخرى في عام 1353هـ حتى صدر قرار تعيينه أميراً على نجران في عام 1356هـ ثم نقل مرة ثالثة للعمل بمعية الملك عام 1359هـ حتى عام 1372هـ ولقد أجاد الشاعر حيث يقول:

والناس ألف منهمُ كواحد *** وواحد كالألف إن أمر عنى

 والحقيقة أنهُ يُعدّ من الأبطال ورجل من عظماء الرجال شجاعة وحنكة وكرماً فالملك عبدالعزيز – رحمه الله-يعده للمهمات العظام وتذليل العقبات الصعاب، والشاهد مما تقدم ذكره هنا وما سيذكر في ثنايا هذه الكلمة الموجزة التي لا تفي بحصر أعماله ومواقفه البطولية.. حيث شارك مع الملك عبدالعزيز في الفتوحات في فتح حائل وفتح جده في معركة الرغامة المشهورة، ومع الأمير محمد بن عبدالعزيز-رحمه الله-في فتح المدينة المنورة وأخيراً مع الملك فيصل – رحمه الله – في جنوب الجزيرة العربية، كما أنه قد تدرب على ركوب الخيل فهو فارس غير هياب يجيد الكرَّ والمراوغة والخوض في قلب المعارك ثم ينصرف منتصراً -بحول الله وقدرته-وقد حقق آمال الملك عبدالعزيز القائد المظفّر، كما أن هذا الرجل يحضى بحب واحترام ابناء الملك عبدالعزيز والأسرة المالكة عموماً.. كما أنه حصل على العديد من الشهادات من جهات مختلفة بالدولة تقديراً لجهوده ورمزاً لتفانيه في خدمة الوطن وأهله في ظل ولاية أمر هذا الوطن..، ومما يؤثر عنه من إخلاص وشفقه وحب لجلالة الملك عبدالعزيز ما روي أنه قد حصل خلاف بين شخصين عند أحد القضاة فقام أحدهم بمد يده على القاضي، فاشتكاه القاضي على الملك عبدالعزيز فأمر الشقيحي وبعض خوياه أن يبحثوا عن الشخص المطلوب ويأتوا به إلى الملك وهو في أشد غضبه لما فعله ذلك الشخص، فأسرعوا في البحث عنه وقد كان الذين معه من الخويا لا يعرفون الشخص المطلوب فلما شاهده الشقيحي وهو في رأس النخلة أومأ بيده نحوه محذراً بأن يهرب ويتخفى قائلاً: ما رأيت فلان؟ وقال قد بحثنا عنه في كل مكان فلم نجده، وبعد مدّه نما إلى علم الملك عبدالعزيز أن الشقيحي قد قابل الشخص المطلوب ولم يحضره حسب أمره فاستدعاه فقال كيف آمرك أن تحضر فلان وتجده ولا تحضره وقد اعتدى على القاضي؟ فأجاب رحمه الله أنه ليس رحمة للشخص نفسه، ولكن شفقة عليك لأنك في ساعة غضب وسوف تأمر بأشد العقوبات.. فشكره الملك عبدالعزيز على ذلك وعرف أن عمله هذا على حسن نية..، وعلى أي حال فإن سيرة عبدالعزيز الشقيحي تندى عطراً وذكراً حسنا.. ولي معه بعض الذكريات الجميلة في صغري حيث دعا والدي الشيخ العالم الجليل في مزرعته ونخله في حريملاء فصحبت والدي نحوه، وقد أهدى مجموعة من الكتب المفيدة التي قد طبعة على نفقة جلالة الملك عبدالعزيز وبعض أنجاله.. قائلاً هذه هدية لك ولإبنك عبدالعزيز إذا كبر، فشكره الوالد – رحمهما الله جميعاً– كما لا أنسى ضيافته لي ولإبن خالتي ناصر بن محمد العمراني في قصره العامر بجدة بحي "الكندرة" عام 1375هـ حيث تأخر إقلاع الطائرة بنا نحو الرياض لعدد من الساعات، فاتجهنا صوب منزله فقابلنا بكل حفاوة وتكريم وأذكر أن مائدة العشاء معظمها من الأكلات النجدية كالقرصان والجريش.. حيث يعتبر تقديمها في المنطقة الغربية أمراً نادراً آنذاك.. وقصره بمنزلة الصالون الأدبي يزوره الكثير من الأمراء والأدباء والوجهاء وسائر الطبقات لما يجدوه من حفاوة وتكريم وسماع القصص الهادفة والطرائف الترويحية التي جرت في هاتيك المجالس.. ومن وفائه وعطفه على ابناء اخيه عبدالرحمن الذي رحل إلى الدار الباقية وخلَّف أطفالاً صغاراً بدون عائل؛ أن ترك "يرحمه الله" مكانه وأعماله التجارية بجدة وقصد حريملاء ليرعى صغار اخيه، حيث جعل بابه مفتوحاً للزوار والضيوف، ونخله مسرحاً للمتنزهين، ومقصداً للضعفة والمساكين الذين يشاركونه في طعامه متى وجدوا، وينفح المحتاجين مما تيسر من مال أو من منتوجات النخل والمزارع في كل المواسم، وكان لحضوره بجانبهم وإيناسهم بالغ الأثر في نفوسهم لتخف وطئه اليتم عنهم بفقد حنان الأبوة، ومنحهم جميع ما يحتاجون إليه، بل وبتربيتهم التربية الصالحة وتوجيهاته السديدة التي يقتاتون منها في قابل حياتهم الدراسية والعلمية معاً، وقد ظهر ذلك جلياً في سلوكهم وحسن تعاملهم مع الغير واستقامتهم واعتمادهم على الله ثم على أنفسهم فأصبحوا مثلا في الكرم والأدب وطيب المعشر، كل ذلك بفضل من الله ثم احتضانه الأبوي لهم رجالاً ونساءً، وحينما شعر ببعض الأمراض دخل المستشفى التخصصي بالرياض ومكث فيه أكثر من شهر فأخذ الزوار بكثافة عالية من أمراء ومحبين يتعاقبون على المستشفى للاطمئنان على صحته، وحيث أنه لم يرزق ذريةً كان يردد بكل اساً وتحسر هذه العبارة (أنا يتيم القبرين مقطوع الضنى والذرية) ثم أغمض عينيه مغرورتين بالدموع وبداخلة ما به.. حيث توفي في 1/9/1397هـ و دفن بإحدى مقابر محافظة حريملاء مهوى رأسه بعد رحلة طويلة مشرفة خدم فيها دينه ومليكه ووطنه بكل جد وإخلاص "رحمة الله رحمة واسعة" وأنا أشاركه بتألمه وتحسره متمثلاً بهذا البيت المشحون بالحزن:

حناناً لكم في ما طويتم جوانحاً  : عليه ، وعطفي يا وحيدُ ورحمتي

ولقد استقيت الكثير من هذه النقاط عن سيرته العطرة من المجلة الصادرة من أمارة نجران، وكل ذلك ضربٌ من الوفاء والتنويه بأعماله الحميدة " تغمده الله بواسع رحمته"

<!--[if !supportFootnotes]-->

<!--[endif]-->

(<!--) نشرت في صحيفة الجزيرة، يوم الأحد 28 ذوالقعدة 1433هـ، الموافق14 أكتوبر 2012م.  

mager22

فقد ورثاء ( عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف )

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 255 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2013 بواسطة mager22

عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف

mager22
عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف **** ولد ونشأ في حريملاء , 80كم شمال غربي مدينة الرياض . درس في حلقات العلم على المشايخ بالرياض . بدأ الدراسة النظامية بدار التوحيد بالطائف 1371 - 1372 هـ . أنهى التعليم الثانوي بالمعهد العلمي بالرياض عام 1374 هـ . كلية اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,358