عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف ( فقد ورثاء )

فقد ورثاء

الجزء الثالث

edit

ملحق رقم (3)

كشاف الأبيات الشعرية


 

 

التسلسل

الموضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع

الصفحة

<!-- 

نبكي على الدنيا وما من معشر
<!--

 

جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا
<!--

د

<!-- 

أناديهم والأرض بيني وبينهم
<!--

 

ولو سمعوا صوتي أجابوا فأسرعوا
<!--

د

<!-- 

كم من جميع أشت الدهر شملهم
<!--

 

وكل شمل جميع سوف ينتثر
<!--

هـ

<!-- 

وطال ما عمروا دار لتحصنهم
<!--

 

ففقارقوا الدور والأهلين وارتحلوا
<!--

هـ

<!-- 

أضحت منازلهم قفرا معطلة
<!--

 

وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا
<!--

هـ

<!-- 

وكل مصيبات الزمان وجدتها
<!--

 

سوى فرقة الأحباب هينة الخطب
<!--

هـ

<!-- 

إن تجد عيبا فسد الخللا
<!--

 

جل من لا عيب فيه وعلا
<!--

و

<!-- 

لو كان يخلد بالفضائل فاضل
<!--

 

وصلت لك الآجال بالآجال
<!--

1

<!-- 

وإذا رزقت من النوافل ثروة
<!--

 

فامنح عشيرتك الأقارب فضلها
<!--

1

<!-- 

هو البحر فازدد منه قربا
<!--

 

تزدد من الجهل بعدا
<!--

2

<!-- 

تبلى الحناجر تحت الأرض في جدث
<!--

 

وصوتها يتلو الأحاديث والسيرا

3

<!-- 

وما بقيت من الللذات إلا
<!--

 

محادثة الرجال ذوي العقول
<!--

6

<!-- 

إذا طال عمر المرء من غير آفة    
 

 

أفادت له الأيام في كرها عقلا
<!--

7

<!-- 

أولئك قومي فجئني بمثلهم
<!--

 

إذا جمعتنا (يا صديق) المجامع!
<!--

7

<!-- 

بقدر لغات المرء يكثر نفعه
<!--

 

وتلك له عند الشدائد أعوان
<!--

9-26

<!-- 

فبادر إلى حفظ اللغات مسارعا
<!--

 

لكل لسان في الحقيقة إنسان
<!--

9-26

<!-- 

يؤمنها في نواحي الأرض قاطبة
<!--

 

ذوو المطالب من أنثى ومن ذكر
<!--

10

<!-- 

هاتيك باريس فيها كلما طلبت 
   

 

نفس من العلم والآثار والصور
<!--

10

<!-- 

يا رب قد أحسنت بدأ المسلمين به
<!--

 

فتمم الفضل وأمنح حسن مختتم
<!--

11

<!-- 

عليك مني سلام الله ما صدحت
<!--

 

على غصون أراك الدوح ورقاها
<!--

12

<!-- 

إن يأخذ الله من عيني نورهما
<!--

 

فإن قلبي مضيء ما به ضرر
<!--

14

<!-- 

أرى بقلبي دنيايا وآخرتي
<!--

 

والقلب يدرك ما لا يدرك البصر
<!--

15

<!-- 

عصا في يد الأعمى يروم بها الهدى 
<!--

 

أبر له من كل خدن وصاحب
<!--

16

<!-- 

هذا ثنائي بما أوليت من حسن
<!--

 

لا زلت عوض قرير العين محمودا
<!--

16

<!-- 

وكل أخ مفارقه أخوه
<!--

 

لعمرك أبيك إلا الفرقدان
<!--

17

<!-- 

المرء يسرح في الآفاق مغتربا
<!--

 

ونفسه أبدا تتوق تتوق إلى الوطن
<!--

19

<!-- 

وحبب أوطان الرجال إليهم
<!--

 

مآرب قضاها الشباب هنالكا
<!--

20

<!-- 

إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم
<!--

 

عهد الصبا فحنوا لذلكا
<!--

20

<!-- 

فلا جزع إن فرق الدهر بيننا
<!--

 

فكل امرئ يوما به الدهر فاجع
<!--

21

<!-- 

وإنما رجل الدنيا وواحدها
<!--

 

من لا يعول في الدنيا على رجل
<!--

22

<!-- 

نبادلهم الصداقة ما حيينا
<!--

 

وإن متنا سنورثها البنينا
<!--

24

<!-- 

إذا غامرت في شرف مروم
  
    

 

فلا تقنع بما دون النجوم
<!--

25

<!-- 

ومن تكن العلياء همة نفسه
<!--

 

فكل الذي يلقاه فيها محبب
<!--

25

<!-- 

غدا توفى النفوس ما عملت   
<!--

 

ويحصد الزارعون ما زرعوا
<!--

28

<!-- 

ويا ظل الشباب وكنت تندا
 

 

على أفياء سرحتك السلام
<!--

30

<!-- 

وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى
<!--

 

لكنما وجه الكريم خصيب
<!--

30

<!-- 

عمرتنا بأياديك التي سلفت
<!--

 

لا زلت في نعماء الله مغمورا
<!--

31

<!-- 

كيف البقاء وباب الموت منفتح
<!--

 

وليس يغلق حتى ينفد البشر
<!--

32

<!-- 

وإذا حملت إلى القبور جنازة
<!--

 

فاعلم بأنك بعدها محمول
<!--

33

<!-- 

قم في فم الدنيا وحي الأزهرا
<!--

 

وانثر على سمع الزمان الجوهرا
<!--

34

<!-- 

لعمرك ما الأيام إلا معارة
<!--

 

فما استطعت من معروفها فتزود
<!--

35

<!-- 

لعمرك ما للناس في الموت حيلة
<!--

 

ولا لقضاء الله في الخلق مدفع
<!--

37

<!-- 

وطول مقام المرء في الحق مخلق
<!--

 

لديباجتيه فاغترب تتجدد
<!--

39

<!-- 

وإنما المرء حديث بعده
<!--

 

فكن حديثا حسنا لمن وعى
<!--

40

<!-- 

وإذا أحب الله يوما عبده
<!--

 

ألقى عليه محبة في الناس
<!--

41

<!-- 

كيف البقاء وباب الموت منفتح
<!--

 

وليس يغلق حتى ينفذ البشر
<!--

41

<!-- 

فطوبى لعبد أخرج الله روحه
<!--

 

إليه من الدنيا على عمل البر
<!--

43

<!-- 

يا روضة طالما أجنت لواحظنا
<!--

 

وردا جناه الصبا غضا ونسرينا
<!--

44

<!-- 

ويا حياة تملينا بزهرتها
<!--

 

منى ضروبا ولذات أفانينا
<!--

44

<!-- 

حنانا لكم فيما طويتم جوانحا
<!--

 

عليه وعطفي يا وحيد ورحمتي
<!--

44

<!-- 

إن الزمان الذي ما زال يضحكنا
<!--

 

أنساً بقربكم قد عاد يبكينا
<!--

45

<!-- 

يجدد النأي ذكرك في فؤادي
<!--

 

إذا وهلت على النأي القلوب
<!--

45

<!-- 

وكل امرئ يولي الجميل محبب 
<!--

 

وكل مكان ينبت العز طيب
<!--

49

<!-- 

تبلى الأنامل تحت الأرض في جدث
<!--

 

وخطها في كتاب يؤنس البصر
<!--

51

<!-- 

كم من كتاب كريم كان كاتبه
<!--

 

قد ألبس الترب والآجر والحجرا
<!--

51

margin: 0

mager22

فقد ورثاء ( عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف )

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 308 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2013 بواسطة mager22

أسرة المبارك وتتابع الأحزان (<!--)

 

فلا تبكين في إثر شيء ندامة **  إذا نزعته من يديك النوازعُ

يسير الإنسان في غالب أيام حياته مغتبطاً بين أسرته ورفاقه, ويأنس بمن حوله من جيران وأصدقاء, ويفرح بقضاء أيام فراغه بما يمتعه ويبعد هموم الحياة عنه, إما برحلات أو بمجالسة الأخيار وتبادل الأحاديث الشيقة معهم, لأن محادثة الرجال ذوي العقول والآداب من أمتع الحياة ولذاتها ولقد أحسن الشاعر حيث يقول:

وما بقيت من اللذات إلا ** محادثة الرجال ذوي العقول

ومع ذلك كله فإن سرور الحياة لا يخلو من كدر ومنغصات, وهذه طبيعة الحياة بلا شك كل يجري فيها ولا يعلم ما الله صانع فيه, ولا بخفيات الأقدار؛ ففي يوم الخميس الموافق
 8/6/1434هـ وقبيل غروب شمسه, فُجعت أسرة المبارك في حريملاء والقرينة والرياض بوفاة خمسة من شبابها إثر حادث مروع في طريق زراعي شرق محافظة حريملاء حيث اصطدمت سيارتهم في عمود كهرباء فصعدت أرواحهم الطاهرة إلى بارئها, وهم: عبدالله بن حمد بن محمد المبارك، وعبدالعزيز وعبدالرحمن أبناء المقدم خالد بن محمد المبارك، وعبدالله ومحمد أبناء الراحل أحمد بن عبدالعزيز المبارك. فكان لذلك الحادث وقع مؤلم صدع قلوب والديهم وإخوتهم وجميع أسرهم – كان الله في عونهم وجبر مصيبتهم في فلذات أكبادهم – ولقد خيم الحزن على أجواء محافظة حريملاء وما حولها... حتى أن زملاء تلك البراعم الصغار ضاقت محاجر عيونهم بدموعها آسفاً على رحيل زملائهم المفاجئ، ولقد اكتظ وضاق جامع الحزم بحريملاء وساحاته بآلاف المصلين رجالا ونساءً بعد صلاة عصر يوم الجمعة 7/6/1434هـ حتى إن بعض الرجال والنساء لم يجدوا مكاناً فصلوا خارج المسجد، ولم يعهد مثل ذلك اليوم كثافة، وحزناً عميقاً عم الجميع – رحم الله الراحلين وأنزل السكينة على والديهم وإخوتهم وزملائهم المفجوعين بفقدهم -..، ثم تبعهم إلى مضاجعهم بمقبرة (القرينة) خلق كثير من المشيعين يتعذر عدهم وحصرهم، ومما ضاعف حزني وأهاج شجوني تدافع البعض من زملائهم الصغار على حافة كل قبر لإلقاء النظرة الأخيرة على كل زميل قبل أن تخفي اللبنات والحفر جثمانهم فيغيبوا عن نواظرهم غياباً أبدياً، ولك أن تتصور حالهم حين ذهابهم إلى المدرسة ودخول فصولهم وقد خلت مقاعدهم الدراسية منهم، فأجهشوا بالبكاء المر، وبكاهم من حولهم من مدرسين وطلاب ولسان حالهم يردد معنى هذا البيت:

يعز علي حين أدير عيني ** أفتش في مكانك لا أراك

ولقد ضاق منزل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن محمد المبارك الواقع شمال الرياض بالمعزين، والشيخ عبدالعزيز: جدّ أبناء الراحل: أحمد بن عبدالعزيز بن ناصر المبارك لأمهم، وعميد الأسرة وحفيد رائد الحركة العلمية بحريملاء الشيخ محمد بن ناصر المبارك، ورفيق دربي منذ الصغر.

وهذه الفاجعة التي امتحن الله بها هذه الأسرة تأتي بعد فاجعة مضى عليها قرابة الثمان سنوات، فقدوا أيضا اثنان من أبناء أحمد، فلم يبق من أبناء أحمد الذكور سوى واحد من الخمسة وشقيقتين، وكأني بهذا الفتى المكلوم وهو يشاهد رحيل أشقائه يقول بكل تحسر وتفجع:

تتابع إخوتي ومضوا لأمر** عليه تتابع القوم الخيارُ

رحم الله الجميع وأنزل السكينة والعزاء على والدتهم أم عبدالعزيز المفجوعة بأبنائها الأربعة وبزوجها أحمد (قبلهم) ، وجميع أمهات وآباء المفجوعين من أسرة آل مبارك برحيل فلذات أكبادهم.

وما المال (والأبناء) إلا ودائع ** ولا بد يوماً أن ترد الودائع

-تغمد الله الجميع بواسع رحمته وألهم جميع أسرة آل مبارك ومحبيهم وزملاء الراحلين الصبر والسلوان -

 


رحم الله الرجل العصامي عبدالرحمن بن حمد القضيب (<!--)

 

كل ابن أنثى وان طالت سلامته ** يوما على آلة حدباء محمول

.. نعم: بهجة الدنيا لا تدوم لأحد ولا لأي إنسان مهما بلغ من المكانة علوا وجاها ومالا، وإن حاول استدامتها وتطويعها حسب إرادته، فإن الأمر لله، فالأيام تمر به سراعا وتطويه العقود الزمنية و تُناديه أن حان حطُ رحالك في باطن الأرض، فكل ذلك بمشيئة الحي القيوم، فبينما كان الأخ العزيز عبدالرحمن بن حمد القضيب – أبو حمد -يتمتع بكامل صحته، ويسير مغتبطا بين أسرته ومعارفه إذا هو يفاجأ بعارض صحي ألزمه الفراش، وظل متنقلا بين منزله وبين المصحات شهورا طويلة... أعييت الحيل أطباءه، حتى أسلم روحه لبارئها مساء يوم الأربعاء 28/6/1434هـ مأسوفا على رحيله وغيابه عن أهله ومحبيه..، وقد أديت عليه الصلاة بعد صلاة ظهر يوم الخميس 29/6/1434هـ بجامع الملك خالد بأم الحمام بالرياض، ثم حمل إلى مقبرة  (صفية) بحريملاء مهوى رأسه ومرتع صباه:


مُجاور قوم لا تزاور بينهم ** ومن زارهم في دارهم زار هُمدا !

ولقد ولد بمدينة حريملاء في أواسط الخمسينيات، وباكره اليتم هو وشقيقه سليمان وشقيقاته، فتولى رعايتهم عمهم ناصر بن سليمان الذي لم يألو جهدا في إسعادهم، وعمه الفاضل الشيخ عبدالله بن قضيب بن عبدالرحمن – رحمه الله - الذي ساواهم بأبنائه طيلة طفولتهم.. مما خفف عنهم وطأة اليتم وحرمانهم من حنان الأبوة – عظم الله أجرهما - وعند بلوغه سن السابعة التحق كغيره بإحدى الكتاب لتحفيظ القرآن الكريم، ثم درس بالمرحلة الابتدائية بحريملاء، وحينما حسن خطه وتجاوز سن الطفولة فكر في مزاولة عمل لبناء مستقبله معتمدا على الله، ثم على نفسه وحده:

وإنما رجل الدنيا وواحدها ** من لا يعول في الدنيا على رجل

لان الخط – آنذاك -يُعتبر أكبر مؤهل لمزاولة الأعمال الكتابية، فلم ير بدا من السفر إلى المنطقة الشرقية لتوفر مصادر الرزق والأعمال الوظيفية، مُلفِياً على معالي الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن عدوان مدير المالية، وممثلاً للدولة السعودية لدى شركة أرامكو – آنذاك - رحمه الله ، فرحب به لظروفه رغم صغر سنه، كما هي عادته مع كل شاب سعودي يفد إلى المنطقة، فأحاله إلى مدير مكتبه الشيخ الفاضل حمد بن علي المبارك – والد المغتربين هناك، لتوظيفه فعين كاتبا، وكان في استقباله وإرشاده بكل شيء يهمه عملياً واجتماعياً الأخ الكريم عبدالله بن عبدالعزيز الصالح – رحمه الله - أحد موظفي المكتب الخاص لمعالي الشيخ عبدالله، مما خفف عنه وحشة الغربة هناك، وعندما انتقل الشيخ عبدالله بن عدوان وزيرا للمالية صحبه إلى جده  فترة من الزمن، ثم انتقل إلى مصلحة التقاعد، بعد ذلك انتقل إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وأخيرا عمل في الشؤون الخاصة بديوان ولي العهد الملك فهد بن عبدالعزيز-آنذاك -حتى تقاعد – تغمد الله الجميع بواسع رحمته -وكان طيلة أعماله متعددة المواقع محبوبا لدى رؤسائه وزملائه، كما أنه واصل لرحمه ومحبي والديه هو وشقيقه (أبو هيثم) العميد المتقاعد الأخ الشهم سليمان بن حمد باذلا جاهه وماله لمن يحتاج إليه، ولقد أجاد الشاعر طَرَفه بن العبد:

لعمرك مالأيام إلا معارة ** فما اسطعت من معروفها فتزود

وقد خلف ذرية صالحة خمسة من البنين وعدد من البنات وزوجتين صالحتين -تغمده الله بواسع رحمته -واسكنه فسيح جناته، والهم ذويه الصبر والسلوان.

رحم الله الأخت منيرة بنت عبدالعزيز المهيزع(<!--)

 

قضيتِ حياةً ملؤها البر والتُقى *** (فأنتِ) بأجر المتقين جدير

سرور أيام الدنيا وإن طال أمده فلا بد أن يعقب صفوه كدر، وهذه سنة الحياة سنة الله في خلقه، إنها لم تصفو لأي إنسان مهما حاول الاستمتاع بملذاتها العامة والخاصة، وبأطايب نعيمها المتنوعة، فإن ذلك كله لا يستطيع حجب وقوع شيء من أقدار الله من أمراض ومصائب، أو فقد عزيز، لأن الدنيا محفوفة بالمخاطر وبمكدرات النفوس، فبينما كنت عائدا من مدينة الرياض إلى بلدي حريملاء مقر إقامتي في ساعة متأخرة بعد حضور حفل زواج بهيج سعدت بلقاء نخبة من العلماء والأدباء، ولفيف من الزملاء والأصدقاء إذا برسالة جوال تشير بنبأ وفاة الأخت العزيزة منيرة بنت عبدالعزيز المهيزع أم أبناء عبدالعزيز بن محمد العجاجي وشقيقة الأخ الفاضل عبدالعزيز بن عبدالعزيز المهيزع (أبو عبدالقادر) الحبيبة إلى قلبي وقلوب أبنائها وبناتها وأسرتها ومحبيها، فكان لذاك النبأ وقع موجع ومحزن جدا، حيث صعدت روحها الطاهرة إلى بارئها قُبيل منتصف ليلة الأربعاء 19/7/1434هـ بعد معاناة طويلة مع المرض ومع ذلك كانت صابرة محتسبة الأجر والمثوبة من رب العباد إلى أن استوفت نصيبها من أيام الدنيا، فسبحان من جعل وقت وفاتها هو تاريخ ميلادها أي في 20 رجب، ولقد أديت صلاة الميت عليها بعد صلاة عصر يوم الأربعاء 19/7/1434هـ بجامع الملك خالد بأم الحمام، ثم تبع جثمانها الطاهر محمولا إلى المقبرة عدد كبير من المشيعين راجين المولى لها بواسع رحمته ومغفرته، بعد ذلك أخذ المعزون يتوافدون إلى مكان العزاء رجالا ونساء طيلة الأيام الثلاثة بأعداد كثيفة، وقد توالت الأحزان على مشاعري في الآونة الأخيرة، وكثرت ضرباتها بين جوانحي على أثر رحيل الكثير من الأقربين رجالا ونساء وأصدقاء ومعارف كُثر.. ولما تجف دمعة العين الحراء تفجعا وتحسرا على رحيل صديقي ابن عمي الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله بن إبراهيم الخريف رئيس شركة الخريف الذي تخطفته على عجل يد المنون بمشيئة علام الغيوب ومقدر الأعمار والآجال مساء الأربعاء 5/7/1434هـ..، حتى أعقب ذلك رحيل أختي منيرة – من الرضاعة -أم عبدالرحمن كما أسلفنا ذكرها  آنفا، ولقد حزنت حزنا شديدا على فراقها وغيابها عن نواظرنا، فعم الحزن أبناءها وبناتها وشقيقها عبدالعزيز، وخيم على أبناء وبنات أخيها الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن مهيزع، وجميع أسرة آل مهيزع والعجاجي ومحبيها، - تغمدها الله بواسع رحمته - ، فهي امرأة صالحة كثيرة العبادة محبوبة لدى أسرتها وجيرانها، محبة للبذل في أوجه البر والإحسان، عطوفة على الأطفال وعلى الضعفة والمساكين..، قد حباها المولى لين الجانب مع الصغير والكبير، فهي على جانب من التواضع الجم والخلق الرفيع، فمنزلتها لدي منزلة الأخت الشقيقة حبا وتقديرا:

فلو أنني خيرت من دهريْ المنى *** لاخترت طول بقائها وخلودها

ولقد ولدت في حريملاء وقد مات والدها في صغرها  فقامت والدتها أمي من الرضاع (سارة بنت صالح العجاجي) – تغمدها الله بواسع رحمته – برعايتها ورعاية شقيقها عبدالعزيز وشقيقتها نورة – رحمها الله – بجانب زوجها الجديد.. والد الشيخ محمد بن عبدالعزيز المهيزع – رحم الله الجميع – ولقد ألحقتها والدتها بعد بلوغ السابعة إحدى مدارس الكتاب للبنات لتعلم القرآن الكريم والكتابة حتى ختمت القرآن وحفظت بعض أجزائه حفظاً عن ظهر قلب، وقد عاشت حياتها محبوبة لدى القريب والبعيد متصفة بهدوء الطبع ولين الجانب محسنة تربية من تحت يديها من أبناء وبنات بل ومن له علاقة بأسرتها، فحياتها عبادة خالصة لله وقدوة حسنة في تعاملها وإكرام من يقصدها، معرضة عن مساوئ الغير لذا عاشت العمر كله محبوبة حميدة السجايا باشة المحيا، ولقد أحسن الشاعر حيث يقول:

وجه عليه من الحياء سكينة *** ومحبة تجري مع الأنفاس

وإذا أحــــب الله يوماً عبده *** ألقى عليه محـــبة في الناس

ولي معها ومع شقيقها عبدالعزيز ومع والدتها: أمي التي أحسنت إلي بالرضاعة ذكريات جميلة طويل مداها لا تغيب عن خاطري مدى عمري، ولئن غاب عنا شخص أم عبدالرحمن وبات تحت طيات الثرى، فإن فعلها الجميل وذكرها العطر باق في قلوبنا:

لعمرك ما وارى التراب فِعالها *** ولكنما وارى ثياباً وأعظما

فمثلها يندر من بين فضليات النساء خلقاً وأدبا، وحبها عظيم متغلغل في سويداء قلبي مرددا  هذا البيت:

حياتُكِ كانت لي نعيماً وغبطةً *** وموتُكِ عاد الصدرُ منه حطاما !

- رحمها الله رحمة واسعة - وألهم أهلها وذويها  وأبناءها وبناتها وأخيها عبدالعزيز وجميع محبيها الصبر والسلوان.

 


الشيخ عبدالله بن رشيدان عالم جليل ذكره باق وسيرته عطره (<!--)

 

يموت قوم فلا يأسى لهم أحد *** وواحد موته حزن لأقوام

حينما يرحل العالم وقاضي البلد الى الدار الباقية يخيم الحزن على أهلها وما حولها من قرى وأرياف لعلو مكانة العلماء وطلاب العلم ، ولاسيما من عاش بينهم في طفولته، وفي ريعان شبابه، ثم الاستفادة من علمه وبتوجيهاته السديدة في حل قضاياهم اما بالصلح أو انجازها بالأحكام الشرعية، فأي عالم له مكانة في نفوس أبناء مجتمعة رجالا ونساء، فكلما يرد ذكره تلذ له الاسماع ويترحم عليه بعد وفاته، ويظل ذكره باق في الذاكرة على توالي الاعصر والدهور، فمن أولئك النخبة من العلماء الافاضل صاحب الفضيلة الشيخ عبدالله بن محمد بن رشيدان أحد القضاة المشاهير – رحمه الله – الذي ولد في مدينة حريملاء في أوائل القرن الماضي (1300) تقريبا، وقد كف بصره منذ طفولته ولكن الله سبحانه وتعالى عوضه نفاذ البصيرة وسرعة الحفظ، وقد ظهر ذلك عليه أثناء دراسته في أحدى الكتاب لتحفيظ القرآن الكريم، حيث فاق أقرانه المبصرين، وقد جمع بين قوة الحفظ ورقة الطبع وسماحة الخلق مبكرا..، بعد ذلك أخذ يتلقى مبادئ في العلم على بعض علماء بلده حريملاء منهم فضيلة الشيخ محمد بن فيصل بن حمد المبارك، وعلى الشيخ عبدالله بن حمد بن عبدالله بن عيسى، وشهرته "الحجازي" قاضي ثادق والمحمل – آنذاك – ، وعلى الشيخ عبدالله بن فيصل بن سلطان قاضي البلد - آنذاك - ومن زملائه الشيخ فيصل بن عبدالعزيز المبارك والشيخ علي بن ابراهيم بن داوود، والشيخ محمد الجنوبي والشيخ عبدالعزيز بن سوداء والشيخ ابراهيم بن سليمان الراشد المبارك، وغير أولئك العلماء الأفاضل، وبعدما تمكن من حفظ المتون المعروفة وأخذ نصيبا من العلم هم بالشخوص الى الرياض عام 1331هـ ليتلقى المزيد من العلوم على كبار العلماء هناك، المعروفين كل في تخصصه، فحاول البعض من اقرانه أن يثنيه عن عزمه رحمة به وشفقة عليه لقلة ابصاره، وبعده عن اهله ورعايتهم له..، وكأني به يرد عليهم بهذا البيتين:

إن يأخـــذ الله من عيني نورهما *** فإن قلبي بصير ما به ضرر

أر بقلبي دنياي وآخرتي *** والقلب يدرك مالا يدرك البصر !!

ولثقة بالله ثم بنفسه وعصاه بيده صديقته، ورفيقة كل أعمى كما قال الفيلسوف أبو العلاء المعري:

عصا في يد الأعمى يروم بها الهدى *** أبر له من كل خدن وصاحب

فصمم على السفر الى الرياض وقد تروى من فيض علوم مشايخه الاجلاء مما أهله للقضاء فأمر الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – بتعيينه قاضيا بمدينة ضرما واستمر بها عددا من السنين يقضي ويجلس لطلبة العلم في أوقات فراغه، فالقاضي في تلك الازمان الفارطة يستفاد منه علما، وخطيبا، ومؤذونا للانكحة في غالب البلدان المتباعدة الاطراف، ثم عين قاضيا فترة من الزمن بمنطقة القويعية، وأخيرا نقل قاضيا بمدينة ثادق بالمحمل الى أن توفاه الله في 1378هـ حميدة أيامه ولياليه، تاركا أثرا طيبا، وذكرا حسنا وذرية صالحة بنين وبنات، وكانت له مع والدنا العالم الزاهد الشيخ عبدالرحمن بن محمد الخريف – قبل أن يرحل من حريملاء الى ضرما ليعمل في سلك القضاء – جلسات عدة مفيدة في البحوث العلمية والتعمق في المسائل الفقهية، وفي علم الفرائض والمواريث، وغير ذلك من العلوم الأخرى التي أنارت دربه في الحياة العلمية والقضائية، فوالدنا – رحمه الله – يعتبر مرجعا لطلاب العلم في سائر الفنون العلمية وعلوم القرآن الكريم:

وليس على الله بمستنكر *** أن يجمع العالم في واحد

وهذه كلمة وجيزة جدا عن سيرة فضيلة الشيخ عبدالله بن رشيدان – أبو محمد – الذي عرف بدماثة خلقة ولين جانبه، والميل الى الصلح بين المتخاصمين، ولذا ظل ذكره طريا تلذ له الاسماع،  تغمده المولى بواسع رحمته ومرضاته.

وانما المرء حديث بعده *** فكن حديثا حسنا لمن وعى

 

 


أرى الأرض تبقى والأخلاء تذهب (<!--)

(الأستاذ سعد بن عبدالرحمن الدريهم رحمه الله)

 

أقول وقد فاضت دموعي غزيرة *** أرى الأرض تبقى والأخلاء تذهب

منذ عامين تقريباً كان أحبة وأصدقاء الأستاذ الكريم سعد بن عبدالرحمن الدريهم قد أعدوا كلمات وقصائد عن سيرته العطرة منوهين عن أفضاله وأعماله المشرفة، في عدد من المواقع بمناسبة تكريم مكتبة الدلم العامة التابعة لوزارة الثقافة والإعلام له، وقد جمعت تلك الكلمات الصادقة من أعماق محرريها في مجلة وزعت أثناء الحفل تعبيراً عن صادق ودهم، وابتهاجاً بمناسبة تكريمه برعاية صاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالعزيز محافظ الخرج سابقاً وكان الحضور مميزاً حضره نخبه من الأمراء والعلماء ورجال التعليم، ومن محبيه من تلاميذ وغيرهم من الأخيار.. واليوم يتسابقون في تأبينه تحسراً على رحيله بما تجودُ به قرائحهم من كلمات حزن وأشعار تفوح لوعة وتأثراً على فراقه الأبدي تسطرها أقلامهم وفاء له، وهكذا أيام الدنيا سجالاً: مسرات وأحزان.

طبعت على كدر وأنت تريدها *** صفواً من الأقذاء والأكدار

وقد هاتفني ابنه الأكبر الأستاذ عبدالعزيز بصوت حزين في صباح يوم الاثنين1-8-1434هـ قائلاً صديقك والدنا الأستاذ سعد بن عبدالرحمن بن سعد الدريهم لاقى وجه ربه آخر ليلة الاثنين 1 - 8 -1434هـ.

يا راقد الليل مسروراً بأوله *** إن الحوادث قد يطرقن أسحارا

تغمده المولى بواسع رحمته.. فلم أملك في تلك اللحظة المحزنة سوى الترحم عليه، وإنزال السكينة والصبر على أسرته، وقد طوح بي الخيال متذكراً أياماً وليالي جميلة جداً تُقارب الأربعين عاما مضت ولن تعود أبدا، أثناء حضوري رئيساً للجان الاختبارات بدأ من عام 1395هـ لعدد من المدارس بمنطقة الدلم، ومقرها مبنى مدرسة ابن عباس التي كان يديرها الأستاذ الفاضل راشد بن سالم الحويطان (آنذاك) حيث قضينا أجمل الذكريات مع الأستاذ سعد ومع عدد كبير من أبناء الدلم وما حولها، وقد جرى عملنا في نفس المدرسة عامين غير متواليين، وعاماً ثالثاً بمدرسة الهياثم، كما أن الأستاذ سعد في ذلك الحين مديراً للمتوسطة والثانوية بالدلم، ومن ذلك الزمن قويت صلة الصداقة بيننا وبين إخوة كرام من منطقة الدلم، ولقد ولد الأستاذ سعد في مدينة الدلم عام 1360هـ وأتم الدراسة الابتدائية في المدرسة السعودية الأولى (ابن عباس حالياً) ثم حصل على الشهادة الثانوية بمعهد الرياض العلمي، بعد ذلك حاز على شهادة البكالوريوس في الجغرافيا من كلية الآداب جامعة الملك سعود رحمه الله عام 1384هـ ثم حصل على دبلوم التربية العام من كلية الآداب جامعة الملك سعود عام 1386هـ ثم تم تعيينه مدرساً في متوسطة وثانوية السيح عام 1385 إلى 1386هـ ثم مديراً لمتوسطة وثانوية الدلم إلى 1392هـ، وترأس عدداً من لجان الاختبارات والمراكز الصيفية ورأس نادي الشرق بالدلم مدة من الزمن، كما رأس بلدية الدلم عام 1396هـ إلى 1402هـ ثم مديراً لإدارة المياه بالخرج من عام 1402هـ إلى 1420هـ وأخيراً نائب اللجنة الأهلية بمركز التنمية الاجتماعية بالدلم من عام 1420هـ إلى 1426هـ، فكل الأعمال التي تسنمها شاهدة له بالإخلاص والكفاءة والمرونة، وهو بجانب ذلك مؤرخ ولوع بالجانب الإنساني، وقد صدر له مؤلف: (كتاب الخرج) من سلسلة هذه بلادنا عام 1413هـ فهو كتاب قيم يدل على اهتمامه بالتاريخ وتدوين ما يراه مفيداً للجيل الحاضر والقادم، وبعد وفاته - رحمه الله- تذكرنا قول العلامة عبدالرحمن بن إسماعيل الخولاني في رثاء شيخه:

ما زلت تلهج بالتاريخ تكتبه *** حتى رأيناك في التاريخ مكتوبا

ويعتبر موسوعة في علمه وثقافته العامة، ولقد كان باراً بوالديه واصلاً رحمه محبوباً لدى أصحابه وجيرانه، مقدراً لكبار السن في العائلة عاطفاً على صغارهم، وله دور كبير في تأسيس صندوق العائلة (صندوق آل دريهم التكافلي). وعندما علمت عن وفاته يرحمه الله بادرت بالشخوص من حريملاء إلى جامع الشيخ عبدالعزيز بن باز بالدلم لأداء الصلاة بعد صلاة عصر يوم الاثنين 1/8/1434هـ وقد ضاق المسجد رغم رحابته بمئات المصلين من محافظة الخرج ومن مدينة الرياض والمحافظات الأخرى مترحمين عليه وداعين له بطيب الإقامة في جدَثه إلى أن يأذن الله بنهوض جميع الخلائق ليوم الحساب، وقد خيم الحزن على الكثير منهم وعلى أبنائه وأخوته، وكأن لسان حال كل واحد منهم وهو يلقي النظرة الأخيرة على جثمانه قبل أن تخفيه الحفر يردد في خاطره معنى هذا البيت المشحون بلوعات الفراق:

طوتك يا سعد أيام طوت أمما *** كانوا فبانوا وفي الماضين مُعتبرُ

وعندما نزور أحبابنا الكرام بالدلم نراه في طليعتهم مستبشراً بحضورنا ومبدياً رغبته في حضورنا لمنزله كما هي عادة نظرائه الأخيار، وقد جبل على الكرم وطيب المعشر. ولئن غاب عنا (أبو عبدالعزيز) فإن ذكره الجميل وأعماله الجليلة لا تنسى أبد الأيام:

وغدا سيذكرك الزمان ولم يزل *** للدهر إنصاف وحسن جزاءِ

تغمده الله بواسع رحمته وألهم ذويه وأبناءه وبناته وأخوته وأسرة آل دريهم عموماً ومحبيه الصبر والسلوان.


الشيخ محمد بن صالح السحيباني عالم جليل بقي ذكره خالداً (<!--)

 

حبيب عن الأحباب شطت به النوى ** وأي حبيب ما أتى دونه البعدُ

ذكريات زملاء الدراسة وتلقي مبادئ العلم تبقى خالدةً في طوايا نفوسهم مهما طال بهم الزمن، وتباعدت أجسامهم، فإن ذكرهم وحبهم ساكن بين الجوانح، سواء بعد مسافات أو بعد الخمسة الأشبار:

والشرق نحو الغرب أقرب شقة **  من بعد تلك الخمس أشبار !!

فمن أولئك الزملاء الأخيار الشيخ الزاهد الفاضل محمد بن صالح بن علي بن محمد السحيباني الذي ولد في البدائع بمنطقة القصيم سنة 1325هـ، وقد فقد نعمة البصر في طفولته، ولم يفقد نفاذ البصيرة، فلما بلغ سن السابعة من عمره قرأ القرآن الكريم في كتّابها وحفظه عن ظهر قلب، ثم بدأ في طلب العلم على علماء بلده وما جاورها من مدن القصيم، ومن أبرز مشايخه الذين تلقى العلم عنهم الشيخ محمد العلي الوهيبي إمام جامع البدائع، والعلامة الشيخ عبدالله بن سليمان بن بليهد، والشيخ محمد بن مقبل قاضي البكيرية، وقرأ على غيرهم ، ثم انتقل الى الرياض فقرأ على سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم وعلى أخيه الشيخ عبداللطيف وعلى الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ وغيرهم من العلماء، حتى أدرك مقصده، وبعدما غرف من صافي العلوم الدينية النصيب الوافر على أيدي مشايخه في مواد: التوحيد، الحديث، والفقه، والفرائض، وعلوم النحو مع حفظ المتون العلمية المعروفة، تم تعيينه قاضياً في بلده (البدائع) وذلك في عام 1374هـ وأستمر حتى أحيل الى التقاعد لمرضه عام 1398هـ وقد وافاه أجله المحتوم في 20 من رمضان 1400هـ حيث حزن الكثير عليه من أسرته وأبنائه: عبدالله أبو أحمد، وعبدالرحمن، وغيريهما من أفراد عائلته ومحبيه تغمده المولى - بواسع رحمته ومغفرته – ولي معه ومع أخيه الشيخ علي، ومع الطالب بالمرحلة الابتدائية - آنذاك - عبدالله نجل الشيخ محمد أجمل الذكريات في ذاك الزمن حيث سعدت بجوارهم – عند قدومي من حريملاء عام 1369هـ - في داخل أحد البيوت بحي دخنه متجاورين الغرف التي أمر جلالة الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – بتخصيصها مع بعض الأربطة لطلاب العلم المغتربين من خارج مدينة الرياض ومن بلدان عدة رغم بعد المسافات ـ بل والبعض من اليمن الشقيق ومن بلدان الخليج.. أذكر أن بعضاً منهم: أسمه مطر تلقى مبادى العلم معنا عام 69/1370هـ مع تخصيص مكافئات حسب مستوياتهم العلمية ترغيباً وتشجيعاً لهم بمواصلة نهلهم من حياض العلوم المفيدة على أيدي المشائخ الأجلاء، ثم انتقاء نخبة منهم لتولي القضاء في أنحاء المملكة، وللدعوة والإرشاد في الهجر والأرياف، لتبصير العوام بأمور دينهم، مع الإمامة في المساجد الكبرى..، فالملك عبدالعزيز – رحمة الله – من مهامه محاربة الفقر والجهل، وتنوير صدور أبناء شعبه، وترسيخ أصول العقيدة المثلى في نفوسهم..، فالشيخ محمد – أبو عبدالله – لا تفوته مجالس سماحة الشيخ محمد بن ابراهيم المفتي بشرقي المسجد، بعد صلاة الفجر مباشرة، وفي منزله بعد طلوع الشمس فهو يعد من كبار طلاب العلم.. رزانة وطول باع في المسائل العويصة، فيفرح زملاؤه حينما يطرح بعض الأسئلة على سماحة الشيخ فيستفيد الجميع من الإجابات والبسط  فيها لتعم الفائدة، كما أن الشيخ الزاهد العالم الجليل صاحب السمو الأمير محمد بن عبدالعزيز آل سعود لا يفوته حضور حلقات ومجالس الشيخ محمد بن إبراهيم..، وقد يطرح بعض الأسئلة وهو عالم بالإجابة وإنما قصد الفائدة للطلبة المبتدئين، وهكذا حياة العلماء وطلاب العلم حياة جدٍ واصطياد فوائده وشوارده، بعد ذلك تفرقنا وفرقتنا الليالي والأيام، ثم التحقت بالمدارس النظامية بدءً بالدراسة بدار التوحيد بالطائف عامي 71/1372هـ حتى حصلنا على الشهادة العالية بكلية اللغة العربية بالرياض عام 1378هـ ، وفي صيف عام 1386هـ جمعتنا دورة مديري المدارس المتوسطة والثانوية في الطائف بالصديق الحبيب الأستاذ عبدالله بن محمد السحيباني – أبو أحمد – مدير المتوسطة والثانوية بالبدائع ففرحنا بذاك اللقاء متذكرين أيام سكننا معاً بحي دخنة لدى المشايخ، ومعنا في ذلك البيت عدد من طلاب العلم الذين غابوا عنا وباتو تحت طيات الثرى:

أناديهم والأرض بيني وبينهم  **  ولو يسمعوا صوتي أجابوا فأسرعوا

أمثال المشايخ : عبدالله بن عبدالرحمن الغديان، وفهد بن عبدالرحمن الحمين، وعبدالرحمن بن حمد بن شبيب، ومحمد بن عتيق، وعبدالله بن إبراهيم بن خُميس، وعبدالله بن ناصر المزيني، وناصر بن عبدالعزيز بن ناصر، وعبدالله بن سليمان الحميدي، وغير هؤلاء من الزملاء فذكرياتنا الجميلة معهم لاصقة في جدار الذاكرة وفي طوايا النفس مدى العمر – رحمهم الله جميعاً –  ومن ذلك الوقت تجديد التواصل وتبادل الزيارات مع (أبو أحمد)، وكنا نزوره في منزله وفي مزرعته بالبدائع، فيبالغ في اكرامنا، ونبات عنده أحياناً عندما تسنح الفرصة، وبعد رحيلة – رحمه الله – بألمانيا يوم الأربعاء 4/2/1410 هـ،  أستمر التواصل مع أبنائه الكرام على فترات..، فعلى أي حال فذكرياتنا مع الشيخ محمد العالم الجليل، ومع والدهم الصديق الحبيب لا تغيب عن خواطرنا مدى العمر:

يا حبذا أزمنٌ في ظلهم سلفت ** ما كان أقصرها عمراً وأحلاها

أوقات أنس قضيناها فما ذكرت ** إلا وقطع قلب الصب ذكراها

تغمد الله الجميع بواسع رحمته ومغفرته.


الشيخ عبدالله المزيني غاب ولم يغب ذكره (<!--)

 

بعدتم عن العينين فازداد حبكم *** وغبتم وأنتم في الفؤاد حضور

من الناس من يُخلق هادئ الطبع لين الجانب سمح الخلق، قليل الكلام فإذا نطق نطق بصوت هادئ يشد السامع حسن حديثه، مضفيا عليه مسحة هيبة وتواضع، وهذه الصفات الحميدة هبة من الله يهبها من يشاء من عباده الصالحين المتقين ليحبب الناس إليهم، وليكونوا قدوة صالحة لأبنائهم وبناتهم ولأبناء مجتمعهم، فالشيخ الفاضل القاضي عبدالله بن ناصر المزيني ممن تحلى بتلك الصفات الجميلة جعلت النفوس تميل إليه محبة واحتراما، ولقد ولد ذاك العالم الزاهد الفقيه بمدينة الدرعية قرابة عام 1350 هـ، وقد كف بصره في طفولته، وعند بلوغ السابعة من عمره ألحقه والده بإحدى الكتاب، وكان على جانب من الذكاء وسرعة الحفظ، فلما أكمل حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب أخذ يحضر دروس العلم بمساجد الدرعية وسماع ما يقرأ من كتب المطولات، فنما إليه حب العلم واقتناص فوائده، فلم ير بدا من الذهاب إلى مدينة الرياض لينضم إلى طلبة العلم لدى فضيلة الشيخ عبداللطيف والى أخيه سماحة المفتي الشيخ محمد بن ابراهيم بمسجده، وبعد طلوع الشمس يذهب الكبار منهم إلى مجلسه بمنزله ليتلقوا المزيد من تلك الدروس المفيدة بتوسع وتعمق ، فمجالس المشايخ – آنذاك -بمنزلة الجامعات حيث أنها تعج بأعداد كبيرة من طلبة العلم على تعاقب السنين إلى أن وجدت الدراسة النظامية، بدءا بافتتاح المعهد العلمي عام 1371هـ وفروعه في كبريات المدن المغذيات لكليتي الشريعة واللغة العربية، ولقد سعدت بالسكن مع الشيخ عبدالله المزيني عامي 69/1370هـ في أحد بيوت (الإخوان) التي أمر جلالة الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – بتخصيصها للطلبة المغتربين ترغيبا لهم مع صرف مكافآت لكل طالب تشجيعا لهم على مواصلة الدراسة حتى سن النضج العلمي والفقهي ليتهيّأوا للسلك القضائي والوعظ والإرشاد وإمامة المساجد الكبرى والخطابة بها..، ولقد أدت ثمارها زاكية في تلك الأزمان – غفر الله لمشايخنا، ورحم المؤسس لصرح هذا الوطن الغالي - ولقد عشنا داخل ذاك البيت كأسرة واحدة كل ثلاثة أو أربعة في غرفة نعيش ببساطة وتآلف مستغلين أوقاتنا في المذاكرة وحفظ المتون المعروفة مثل كتاب التوحيد، ومتن العقيدة الواسطية، ومتن الأربعين النووية، ومتن زاد المستقنع وغير ذلك من المتون، ومع ذلك لا يخلو جونا الروحاني من بعض المداعبات الخفيفة وتبادل الطرائف مع الشيخ عبدالله المزيني – أبو سعد– وبعض الأخوة لتخفيف شدة وطأة الغربة عن الأهل والأوطان:

بلاد بها كنا وكنا نحبها  *** إذ الناس ناس والزمان زمان

وكان – رحمه الله – كثير الاطلاع على ما في بطون الكتب من شوارد وفوائد جمة، فيقضي الساعات الطوال في اقتناص فرائدها وحفظها بمستودعات ذاكرته ليقتات منها عند اللزوم، وكنت ألقبه – بابن رجب – الذي كان دائماً يحرص على الحصول على مؤلفاته والإبحار بين دفتيها، فهو شغوف بالتروي من حياض صافي العلوم – رحمه الله – وهذا يذكرنا بما ذكر في سيرة أبي جعفر الطبري -رحمه الله -قبيل وفاته بوقت وجيز.. حيث سمع دعاء مفيدا فاستدعى مِحْبرة وصحيفة فكتبه، فقيل له (أفي هذه الحال تكتب!!) فقال ينبغي للإنسان أن لا يدع اقتباس العلم حتى الممات، وكان إماما وقدوة في حياته وبعد مماته، ويصدق عليه قول القائل:

سعدت أعين رأتك وقرت *** والعيون التي رأت من رآكا !!

وبعد افتتاح المعهد العلمي بالرياض استمر به مواصلا بكلية الشريعة حتى نال الشهادة العالية بها، وفي عام 1382هـ
-تقريبا-عين قاضيا بتبوك واستمر بالمحكمة الشرعية مدة (سبعة وعشرين) عاما، وهذا يدل على كفاءته وإنجاز قضاياه في وقتها بكل عدل وإنصاف حتى توفاه الله إثر مرض لم يمهله في عام 1410هـ، وكان أثناء إقامته هناك يجلس لبعض طلبة العلم بالمسجد فترة من الزمن أثناء فراغه لتدريس مادة الفقه وعلم الفرائض، وإماما وخطيبا مدة إقامته هناك، وكان محبوبا لدى أبناء وأهالي تلك المنطقة لما يتمتع به من دماثة خلق وعلم واسع في جميع كتب العقيدة والفقه والحديث وعلوم المواريث، وقد استفاد الكثير من علمه وتوجيهاته الأبوية، وقد استمر التواصل بيننا عبر الهاتف طيلة مكثه بتلك المنطقة، ومع أبناءه البررة بالرياض في تبادل الزيارات معهم على فترات.. وحضور بعض مناسبات زواجاتهم..، وكأن لسان حال والدهم الشيخ – رحمه الله- يردد معنى هذا البيت:

نبادله الصداقة ماحيينا *** وإن متنا سنورثها البنينا !

وأذكر أني قد زرته في مرضه قبيل وفاته بمستشفى القوات المسلحة بالرياض وهو تحت وطأة المرض، فقلت له هل ترغب أن أهدي لك متن القصيدة النونية القحطانية، ففرح بذلك رغم ما يكابده من عقابيل المرض الذي لم يمهله طويلا، حيث توفي بعد ذلك بثلاثة أيام أو أربعة، ولئن غاب عنا زميلنا وحبيبنا – أبو سعد – فإن ذكريات أيامنا الجميلة معه لا تغيب عن خواطرنا أبد العمر(رحمه الله رحمة واسعة). 


ورحل رفيقي صالح بن عبدالله بن سليم (<!--)

       

سقى الله أرضاً حلّها قبر (صالح) *** ذِهاب الغوادي المُدْجنات فأْمرَعاَ

فراق أصدقاء طفولة الإنسان له وقع خاص مؤلم ومحزن جداً يظل مكثه في النفوس طويلاً، لأنه قد قضى أحلى أيامه وساعات عمره معهم في مرحٍ وفرح ولم تشغلهم الدنيا بهمومها ومتاعبها.

أيام كنت أناغي الطير في جذل *** لا أعرف الدنيا و بلواها

فهم يقضون سحابة أيامهم وجزءاً من الليالي المقمرة.. جماعات وفرادا في مزاولة ألعابهم  ونشاطاتهم المتنوعة المحببة إليهم، كالألعاب الشعبية ومزاولة السباحة في برك النخيل..، وفي منخفضات تجمعات السيول في مواسم الأمطار، لما يجدوه من متع، وبالتسابق – أحيانا – بالجري السريع..، وفي صعود الجبال..، وتسلق بعض الأشجار وفسائل النخيل القصيرة – مثلاً – وغير ذلك من وسائل الحركة والترفيه..، فهي المتاحة لهم في ذلك الزمن.. لمزاولة هوياتهم المتعددة لتفريغ طاقاتهم المتقدة، لذا تقوى أواصر الألفة والمحبة بينهم، مكونة ذكريات جميلة تبقى لاصقة بين جوانحهم حتى مع كبرهم.. لا يمحوها ماح إلى أن يفرقهم هادم اللذات ومفرق الأحباب، وهذا هو شأني مع صديقي ورفيقي الوفي الأخ الفاضل صالح بن عبدالله بن سليم الذي انتقل إلى دار الخلود إلى رحمة الله بعد منتصف ليلة الجمعة الموافق26/8/1434هـ.

يا راقد الليل مسروراً بأوله *** إن الحوادث قد يطرقن أسحارا

وقد حزنت كثيراً على فراقه وبعده عنا بعداً لا يرجى إيابه، وهذه سنة الله في خلقة: حياة ثم موت – تغمده المولى بواسع رحمته – فأديت عليه الصلاة بعد صلاة يوم الجمعة 26/8/1434هـ بجامع الحزم بمحافظة حريملاء، وقد ضاق المسجد وساحاته بالمصلين.. رجالاً ونساء، ثم تبعه خلق كثير إلى مرقده بمقبرة (صفية) المعروفة بحريملاء ـ رحمه الله ـ وعندما حضرت لأداء الصلاة رآني أحد أبنائه قبل دخول المسجد منادياً قائلاً الوالد في مغسلة الأموات المجاورة للمسجد إن رأيت أن تلقي عليه نظرة وداع، وتدعو له بالرحمة والمغفرة  من رب العباد، فلم أرى بداً من استجابة الدعوة، فلما كشف الغطاء عن محياه الذي يشع نوراً وطراوة قبّلتُ ذاك الجبين:

تخال بقايا الروح فيه لقربه *** بعهد الحياة وهو مَيتُ مقنع

فلم أتمالك دفع دموع عيني في تلك اللحظة، لحظة الوداع الأخير، وكُلّي حزن وأسى على رحيله الأبدي داعياً له بطيب الإقامة في جدثه إلى أن يأذن الله بخروج جميع الخلائق من قبورهم.. ولقد ولد في محافظة حريملاء، وختم القرآن الكريم مبكراً على يد الشيخ المقرئ محمد بن عبدالله بن حرقان – رحمه الله – وكان محافظاً على أداء الصلوات منذ صغره، ويحضر دروس العلم، ويستمع للقراء في كتب المطولات التي تقرأ في المساجد قبل أداء الصلوات..، فَنَمَتْ لديه ثقافة دينية عامة، استفاد منها في قابل حياته، فطلبه فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن سعد  قاضي حريملاء – آنذاك – ليعمل لديه بالمحكمة الشرعية في بعض الأعمال.. التي تتناسب مع مستواه ومقدرته، فحذق الكتابة والإملاء مع جودة الخط، وفي تلك الفترة أم المصلين بمسجد بن غدير..، ثم شخص إلى الرياض فعمل بالرئاسة العامة لتعليم البنات حتى تقاعد، وقد عمل إماماً في عدد من المساجد بالرياض: بالمربع، وحي عليشة، وأخيراً مؤذناً في مسجد التيسير بظهرة البديعة الذي يؤمه ابنه الأستاذ عمر، وكان من الصُلحاء الزّهاد يقضي جُلّ وقته في اخر أيام حياته في تدارس القرآن الكريم مع الأستاذ الفاضل عبدالله بن سليمان الحميدي – ابو عصام – صديق الجميع بالمسجد المجاور لسكنهما (رحمهما الله) فهو على جانب كبير من الخلق الكريم تعلو محياه السماحة ولين الجانب والتواضع الجم مع الكبير والصغير، محبوباً لدى جيرانه ومع زملائه في العمل ورفاق دربه.. ولي معه ذكريات عمل خفيف.. امتداداً لذكريات الصغر بحريملاء يطول مداها..، كما لا أنسى تفضله علي بإقراضي مبلغاً من المال بمكة المكرمة زمن أداء فريضة الحج حيث احتجت حاجة ماسة لذلك المبلغ لندرة معارفي هناك، فجزاه الله عني خيرا ورحمه رحمة واسعة، وكان التواصل معه وتبادل الزيارات فيما بيننا على فترات. طيلة العمر المديد فحياته كلها نشاط وعمل، وتواصل مع أحبته وأسرته، والعزاء في ذلك أنه قد خلف ذرية صالحة تدعو له وتجدد ذكره بالأعمال الخيرية، فأكبر الأبناء: عبدالعزيز – رحمه الله – ثم بعده سليم، وعبدالله، وعبدالرحمن، وعمر، ومحمد، وعدد من البنات، ولئن غاب عنا شخص – أبو عبدالعزيز – فإن ذكره الطيب باقي في خلدي وفي صدور أصدقائه وأحبائه.

كم راحل وليت عنه وميت  *** رجعت يدي من تربه غبراء

رحمه الله رحمة واسعة وألهم ذريته وأبناءه وبناته وعقيلته أم عبدالرحمن وأبناء عمه ومحبيه الصبر والسلوان.


الأديب راشد الحمدان توارى عن الوجود (<!--)

 

بدالي أن الناس تفنى نفوسهم ** وأموالهم ، ولا أرى الدهر فانيا !

كل طالب مر على دار التوحيد في مدينة الطائف سواء من هم قبلنا أو بعدنا زملاء فصل أو زملاء دراسة، فكل أولئك لهم مكانة حب في شعاب النفوس, ولا نعلم سر هذا الحب سوى صدق نية الملك عبدالعزيز(رحمه الله) والرابط الأخوي المتأصل في نفوس الكثير ممن لاذوا في أحضان- أم المدارس - وترووا من فيض حياض علوم معلميها فطاحل علماء الأزهر القدامى الأفاضل - رحمهم الله - فمن أولئك زميل الدارسة الأستاذ اللطيف راشد بن محمد الحمدان الذي غادر الحياة الدنيا إلى الدار الآخرة, دار النعيم المقيم لمن شملتهم رحمة المولى, وذلك في أول أيام شهر الرحمة والبركة عام 1434هـ بعد معاناة طويلة مع المرض - رحمه الله رحمة واسعة - ولقد ولد في محافظة المجمعة وباكره اليتم فعاش بين أقرانه وأترابه متوقد الذهن والذكاء، وما بداخله من لوعات الفراق والحرمان من حنان الأمومة، ولكن ذلك لم يعقه عن شق طريقه والمثابرة في مواصلة الدراسة بكل عزم ونشاط, وعندما حصل على الشهادة الابتدائية ورأى بعض أبناء بلده يأتون من دار التوحيد إلى بلدهم المجمعة فترة الإجازة وقد حصلوا على شهادات التفوق الدراسي هناك..., حيث وصفوا له العناية بالطلاب وصرف مكافآت سخية لهم مع تامين سكن(مهجع) مريح جماعي للطلبة المغتربين بجوار مبني الدار... فلم يرى بُدا من التوجه معهم عند بداية العام الدراسي على متن السيارة التي أمر جلالة الملك عبدالعزيز- رحمه الله - بتامين نقل كل الطلاب إلى أوطانهم ذهابا وإيابا سنويا - فألفى على أحد أقربائه الأخ إبراهيم الحمدان أحد العاملين بالدار, فاهتم به لصغر سنه عنده فاستمر في مواصلة الدراسة بدار التوحيد حتي حصل على الشهادة الثانوية، ثم اتجه إلى كلية الشريعة وا�

mager22

فقد ورثاء ( عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف )

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 415 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2013 بواسطة mager22

ورحل الأستاذ عبدالرحمن محمد الشدى (<!--)

 

وما الناس إلا راحل بعد راحل *** إلى العالم الباقي من العالم الفاني

آجال بني آدم مَخفيَّات في ضمير الغيب لا يعلمها إلا الله سبحانه جلَّ ثناؤه أخفاها لحكمة ولعمارة هذا الكون الرحب، ففي الآونة الأخيرة من هذا العام تتابع رحيل الكثير من أقربائنا ومعارفنا وجيراننا، فبالأمس القريب رحل ابن أخي محمد الأستاذ الحبيب عبدالعزيز -أبو محمد -وما لبث أن لحق به عميد أسرتنا العم عبدالرحمن بن ناصر الخريف، ومنذ أيام قلائل غادر الحياة الأخ حمد بن عبدالله بن موسى الماجد أحد جيراننا سابقاً وفي يوم الخميس الموافق 25/4/ 1434هـ حمل إلينا الهاتف نبأ وفاة الصديق الأخ الكريم عبدالرحمن بن محمد بن عبدالمحسن الشدي الذي وافاه الأجل في ألمانيا وقبله وفاة والدته -رحمهم الله جميعا -ولقد تراكمت الأحزان في نفوسنا تحسراً على سرعة غيابهم عن نواظرنا، ولسان حال البعض يردد معنى هذا البيت:

تعزَّ فلا إلفين بالعيش مُتّعا *** ولكن لورّاد المنون تتابعا

ولم يعلم عبدالرحمن بن محمد أن روحه ستغادر جسده هناك بعيداً عن وطنه مهوى رأسه وعن أُسرته وأهله ومحبيه، وصدق الله العظيم بقوله: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (34) سورة لقمان، وكأني بأبي فهد عندما سمع تحاور أطباء مستشفى الملك خالد الجامعي بالرياض يتحدثون في شأنه باللغة العالمية الإنجليزية -ظناً منهم أنه لا يفهم ما يدور بينهم -علماً أنه يجيد نفس اللغة-، وحيرتهم في كبح جماح المرض الذي حلّ به فجأة..، وقد أوصوا بأن يذهب به إلى الخارج على جناح السرعة علّ الله أن يشفيه، كمحاولة أخيرة..، فنزل ذاك الحوار وتصريح الأطباء في نفسه كالصاعقة الملتهبة على قلبه، أو كالبركان متلاطماً بين جوانحه تفجعاً وتوقعاً لدنو أجله وغيابه عن أحب الناس إليه..، وقد بادر شقيقه الشيخ عبدالله بجميع إجراءات سفره، وحجز جناح في أرقى مصحات ألمانيا لعلاجه، ولكنه لم يمكث طويلاً حتى غادر الحياة مأسوفاً على فراقه -تغمده الله بواسع رحمته -.

وعندما حضر أبناؤه وإخوته وأخواته، وخاله إبراهيم بن صقيه، وعقيلته أم عبدالله، لتوديعه قبل إقلاع الطائرة به انتابه شعور غير عادي هزَّ كيانه فلم يتمالك دفع عبراته باكياً..، لا يعلم ما الله صانع فيه.. وقد أجهش الجميع بالبكاء في تلك اللحظات النهائية الحاسمة الموجعة لقلوبهم -كان الله في عونهم جميعاً -فما أقسى لحظات الوداع وأمرّها على القلوب.. ولقد ولد في مدينة حريملاء، وعاش بين أحضان والديه وإخوته، ورفاق دربه وصباه، وختم القرآن الكريم بالكتَّاب، ثم حصل على الشهادة الابتدائية بحريملاء ودرس بالمرحلة المتوسطة خارجها مع حصوله على دورة تمريض بالمنطقة الشرقية، وقد أخذ نصيباً من العلوم والثقافات العامة أهّلته للانخراط في السلك الوظيفي، ومزاولة الأعمال الحرة.., وعندما رأى الكثير من شباب حريملاء وما جاورها يؤمون المنطقة الشرقية للعمل لدى شركة أرامكو، فاستفاد لغةً مشافهةً وكتابةً وبعض المصالح الحكومية وقد حسنت أحوالهم المادية وتوسعت آفاق المعرفة لديهم؛ فلم يجد بداً من التوجه إلى هناك مُتذكراً قول الإمام الشافعي:

مـــا في المقام لذي عقــل وذي أدب *** من راحة فــدع الأوطــان واغترب

سافر تجد عوضاً عمن تفارقه*** وانصب فإن لذيل العيش في النصب

فالتحق بالعمل لدى شركة أرامكو فترة من الزمن.. فاستفاد لغة مشافهة وكتابة..

بقدر لغات المرء يكثر نفعه*** وتلك له عند الشدائد أعوان

ثم عاد وعمل بوزارة الدفاع عدداً من السنين، بعد ذلك عمل بوزارة المعارف مدة عام، كما عمل بوزارة الصحة مثل ذلك، وعند افتتاح جامعة الملك فيصل بالأحساء عام 1395هـ التحق بالعمل في كلية الطب بمدينة الدمام حتى تقاعد عام 1402هـ وكان رحمه الله جاداً في جميع الأعمال التي زاولها في السلك الوظيفي كثيرة المواقع، ومحبوباً لدى رؤسائه وزملائه لما يتحلى به من أخلاق عالية وإخلاص في أعماله كلها.. فقد عاش عصامياً مُكافحاً ومعتمداً على الله في طلب المعيشة والكدح منذ مستهل حياته، وتحمل مشاق السفر ووحشة الاغتراب عن أهله..، وكان بارّاً بوالديه واصلاً لرحمه حَسُنَ التعامل مع الغير، دمث الأخلاق عزيز النفس، مُعرضاً عن مساوئ الناس ميالاً للفكاهة والمداعبات الخفيفة مع صحبة وجلسائه.، وفي آخر أيام حياته أخذ يقضي جلّ وقته منعزلاً وقته في مزرعته التي هي عبارة عن بستان وحديقة غنَّاء.. حافلة بأنواع النخيل المنتقاة جيدة الثمر..، وعلى جوانبها عدد من أشجار الفواكه كالعنب والحمضيات وزهور، وورود يعبقُ أريجُها في نواحي ذاك البستان كما يوجد لديه الكثير من أنواع الطيور والمناحل التي تَمُجُّ لذيذ العسل:

تقول هذا مجاج النحل تمدحه *** وإن تُعب قلت ذا قيء الزنابير !!

وكان يمنحني من ذاك العسل المصفى بحكم القرابة والصداقة منذ الصغر -رحمه الله رحمة واسعة -فهو يأنس ويستمتع بتلك المناظر الخلابة مع شَم الروائح الزكية التي تنبعث من الزهور..، ومن صفاته المحمودة الأناقة والاهتمام بمظهره العام وهندامه مُبتعداً عن التبذل في ملبسه ومشيته، وكان يساهم في الأعمال الخيرية محافظاً على أداء الصلوات في أوقاتها وكان يحضر مبكراً صباح كل يوم جمعة ويقوم بتطييب المسجد والمصلين بفاخر العود الهندي المريح للنفوس..

وعندما أحس بدنو أجله في بلاد الغربة تحسّر على رحيله بعيداً عن وطنه و أهله وعن أحبّ الناس إليه وكأنه يردد شطر هذا البيت بكل حزن وتفجع:

«أين من عينيَّ هاتيك الديار» ثم أغمضهما هادم اللذات وذلك يوم الخميس 25-4-1434هـ.

وكل مصيبات الزمان وجدتها*** سوى فرقة الاحباب هينة الخطب

وعند إحضار جثمانه الطاهر من ألمانيا أديت عليه صلاة الميت بعد صلاة يوم الجمعة 26-4-1434هـ ، بجامع الحزم بمحافظة حريملاء، وقد صلى عليه جموع غفيرة ضاق بهم المسجد وساحاته، وقد حضر الكثير منهم من مناطق عدة ومن البلدان المجاورة والعزاء في ذلك أنه ترك ذرية صالحة تدعو له وذكراً حسناً، تغمده الله بواسع رحمته، وألهم ذريته وأبناءه وبنات وإخوته وأخواته وخاله إبراهيم الصقيه وعقيلته -أم عبدالله -وجميع محبيه الصبر و السلوان.


رحم الله زميلي الشاعر الأديب عبدالعزيز الرويس(<!--)

 

الدهر لاءم بين ألفتنا *** وكذاك فرّق بيننا الدهر

كل يوم نفاجأ برحيل غالٍ الواحد تلو الآخر، فجادة الموت عامرة بسالكيها من قوافل الراحلين رجالاً ونساء شباباً وشيبا، فالموت لا يبقي على أحد مدى الليالي والأيام إلى قيام الساعة، فبينما هاتفت الأخ محمد بن الزميل عبدالعزيز بن عبدالله الرويس للاطمئنان على صحة والده حيث كان يقيم بمستشفى الملك خالد الجامعي ما يقارب العام يكابد عقابيل المرض وأسقامه فأجابني ابنه البار.... وهو يكفكف عبراته قائلاً: عظم الله أجرنا وأجرك في زميلك والدنا، حيث صعدت روحه الطاهرة إلى بارئها قبيل غروب شمس يوم الخميس ليلة الجمعة 2-5-1434هـ -رحمه الله -ولقد ولد يتيماً في بلدة اليمامة بمحافظة الخرج، فاحتضنه بعض أقربائه، وتعلم في إحدى الكتاب وختم القرآن الكريم وحفظ معظمه، وقد وهبه المولى ملكة الحفظ وحب سماع ما يلقى في مسجد محلتهم من أحاديث ودروس وما يقرأه الإمام في بعض كتب المطولات..  قبل الإقامة لصلاة العشاء كل ليلة فنما لديه حب العلم وطلبه لأجل أن يتناسى وطأة اليتم المبكر وحرمانه من حنان أبويه وليهيئ نفسه لحياة ومستقبل مشرق، وكأنه قد سمع قول الشاعر:

وإنما رجل الدنيا وواحدها *** من لا يعول في الدنيا على رجل

فلم ير بداً من الشخوص إلى مدينة الرياض والالتحاق بحلقات دروس العلم بمسجد الشيخ محمد بن إبراهيم بمحلة (دخنة) لتلقي مبادئ العلم لدى فضيلة الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم بعد صلاة الفجر مباشرة في غربي المسجد، وبعد طلوع الشمس الاتجاه إلى شرقي المسجد لدى سماحة المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وقد سكن في إحدى حجرات البيوت التي أمر جلالة الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه -بتهيئتها لطلاب العلم مع صرف مكافأة لكل طالب حسب مستواه العلمي ترغيباً لهم، فاستمر -أبو محمد -ينهل من حلو رضاب العلوم، وعند افتتاح المعهد العلمي بالرياض عام 1371هـ التحق به مواصلاً الدراسة به حتى نال الشهادة الثانوية عام 1374هـ ثم التحق بكلية اللغة العربية ونال الشهادة العالية بها عام 1378هـ ونعتبر ثاني دفعة بنفس الكلية وعددنا لايتجاوز العشرين متخرجاً.. ثم وجه قاضياً بالرياض، فما كان منه إلا أن أعد قصيدة جزلة المعاني موجهة إلى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم الرئيس العام للمعاهد والكليات، أبدى فيها اعتذاره عن العمل في سلك القضاء وتوجه للعمل بوزارة المعارف، ثم أعد سماحته خطاباً موجهاً إلى وكيل وزارة المعارف – آنذاك -الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن حسن آل الشيخ مثنياً عليه فقال الشيخ عبدالعزيز للزميل -أبو محمد -خطاب سماحة الشيخ محمد وثناؤه عليك نعتبره أعلى شهادة، وقد تدرج في عدة مناصب إدارية وتعليمية حتى أصبح مديراً عاماً للثقافة وأمينا عاماً للمجلس الأهلي لرعاية العلوم والفنون بوزارة المعارف
- آنذاك -حتى تقاعد كما أنه قد أعير عضواً للتدريس في البعثة الجزائرية في أواسط الثمانينيات هو ونخبة من الزملاء، وكان له نشاط ثقافي ملحوظ هناك فهو محبوب لدى طلابه وزملائه، فالشيخ معروف بتواضعه الجم وسعة أفقه الثقافي والأدبي، وله ديوان (حصيد الزمن) حافل بغر القصائد جزلة المعاني وضافية الخيال البلاغي والأدبي، وشعره يحاكي شعر فحول شعراء العصر العباسي جودة وأسلوباً، ومن مؤلفاته بعض الكتب الدينية المدرسية وله نشاطات أخرى دينية وشعرية، وقد استقيت بعض هذه المعلومات من شريط سبق أن سجلته عنه في برنامج «أوراق شاعر» وقد ذكر في مستهله بعضاً عن سيرته - رحمه الله -:

ولي معه ومع الزملاء الذين سبقونا إلى مضاجع الراحلين أجمل الذكريات وأحلى أيام العمر، فالزملاء لهم مكانة عالية في شعاب النفوس يدوم بقاؤها، ولا ننسى تلك الرحلات التي نقضي أيامها ولياليها في نواحي مدينة الرياض، وفي ربوع منطقة الخرج ومتنزهات السيح في أجواء مرح وفرح بصحبة أولئك الزملاء الذين غاب معظمهم عنا تحت طيات الثرى -رحمهم الله -وأسعد من بقي منا. وقد كنت أزور الزميل الشيخ عبدالعزيز الرويس في مرضه على فترات وهو يرقد في مستشفى الملك خالد الجامعي للاطمئنان على صحته، فيكثر الدعاء لي ولأسرتي، وأحاول أن أذكّره ببعض المواقف الطريفة مع أساتذتنا الأجلاء، ومع الزملاء الفضلاء داخل الفصول الدراسية لإدخال السرور على نفسه، وإيقاظ الخلايا الذهنية لديه، فتتهلّل أسارير محيَّاه مُومياً بمقدمة رأسه، وبداخله ما به من تحسر على تعذّر عودة تلك الأيام الجميلة التي مضت ولن تعود أبداً، ومحاجر عينيه تجول بهما الدموع، ولسان حاله في تلك اللحظات الحزينة يردد معنا هذا البيت:


ما أحسن الأيام إلا أنها *** يا صاحبي إذا مضت لا تعود

وعندما هممت بالانصراف مودعاً له -وكان هو الوداع الأخير -أخذ يكرر لحظ عينيه نحوي محركاً شفتيه بالدعاء لي وكأنه يقول وداعاً أبا محمد، فدفعت دمع عيني أمامه حتى خرجت من غرفته، ولك أيها القارئ الكريم أن تتصوّر حالي في تلك اللحظة وأنا أودع صديقي ورفيق عمري الدراسي:

حبيب عن الأحباب شطت به النوى *** وأي حبيب ما أتى دونه البعد

وما لبث أن توفاه الله آخر يوم الخميس في 2/5/1434 هـ وأديت عليه صلاة الميت بعد صلاة الجمعة 3/5/1434هـ بجامع الراجحي، ودفن جثمانه الطاهر بمقابر حي النسيم بالرياض:

فيا ثاويا قد طيب الله ذكره *** فأضحى وطيب الذكر عمرٌ له ثان

رحمه الله رحمة واسعة وألهم ذويه وأبناءه وأختيه ومحبيه الصبر والسلوان.

 

 

 

 

الشيخ علي بن داوود ما يزال ذكره طرياً (<!--)

 

وأحسن الحالات حال امرئ** تطيب بعد الموت أخباره

يفنى و يبقى ذكـــره بعده ** إذا خلت من شخصـــه داره

من الناس من إذا بات تحت طيات الثرى نسي واندثر ذكره كأن لم تسر به قدماه على سطح الأرض يمنة وشمالاً وتحركه شرقا وغرباً، على حين أن الكثير من العلماء الأفاضل ومن لهم باع طويل في الأعمال الخيرية يظل ذكرهم حياً تردده الأجيال وإن تقادم عهد رحيلهم إلى ما شاء الحي القيوم جل ذكره، وهذا يذكرنا بفضيلة الشيخ علي بن إبراهيم بن علي بن داوود الذي ولد في مدينة حريملاء في الأول من شهر محرم لعام 1300 هـ وتربى في أحضان أم أبيه ووالده إبراهيم، وعندما بلغ سن السابعة من عمره انضم إلى مدرسة الشيخ عبدالعزيز بن ناصر التريكي لتحفيظ القرآن الكريم وحفظه عن ظهر قلب، وكان الأهالي يعملون حفلاً مصغراً لمن يختم القران الكريم له ولزملائه، فيرددون أناشيدهم : خاتمين جزء عمّ والثلاثين يكررونها مرات، فيحضر المقرئ (المطوع) لتناول طعام الغداء المعد لهم من مادة (الجريش) تشجيعاً لابنهم ولتلك البراعم، بعد ذلك اخذ يحضر الدروس بالمساجد وفي بعض مجالس العلماء - آنذاك -ثم تولى إمامة مسجد (الشهواني) رغم حداثة سنه ويصلي بهم في شهر رمضان التراويح والقيام، وله صوت جميل  يؤنس السامعين والمصلين:

تبلى الحناجر تحت الأرض في جدث **   وصوتها يتلو الآيات والسورا

 واستمر على ذلك مدة من الزمن ملازماً للعلماء أمثال الشيخ محمد بن ناصر المبارك في البحث والاطلاع إلى أن حصل على قدر من مبادئ العلم، ثم طمحت نفسه فانتقل إلى الرياض عام 1327 هـ لاستكمال دراسته هو وزميله والدنا الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن ناصر الخريف، وكان الإمام عبدالرحمن بن فيصل آل سعود -رحمه الله -يطلبهما ليأنس بهما ويسمع  تلاوة القرآن الكريم من أفواههما  بين حين وآخر أثناء إقامتهما بالرياض, فقد درس على يد مجموعة من كبار العلماء أمثال الشيخ عبدالله بن عبداللطيف، والشيخ حمد بن فارس، والشيخ عبدالله بن راشد، والشيخ  سعد بن حمد بن عتيق كل في تخصصه -رحمهم الله جميعاً - وبعدما أنهى دراسته بالرياض عاد إلى  حريملاء فجلس للتدريس والتعليم و الإفتاء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودرس على يديه جملة من طلبة العلم منهم المشايخ: محمد بن مهيزع، وعبدالعزيز بن سعد بن داوود، وعبدالرحمن بن محمد بن مبارك، ودرس عليه أيضاً ابنه ابراهيم بن على بن داوود، ومحمد بن زوير، وعبدالرحمن بن حمد بن داوود، وغيرهم من طلبة العلم -رحمهم الله جميعاً -ثم بعد ذلك تولى القضاء في مكة المكرمة فترة من الزمن، وتنقل مرات قاضيا ومفتيا ومعلما وإماما بين تربه، ورنية  والخرمة بأمر من جلالة الملك عبدالعزيز-رحمه الله -

وليس على الله بمستنكر ** أن يجمع العالم في واحد

ثم أعيد إلى مدينة حريملاء فقام بالتعليم -كعادته -والإمامة بمسجد(الشهواني) حتى غرة شهر رمضان 1352 هـ وفي ذلك الوقت أمر جلالة الملك  عبدالعزيز أن ينتقل إلى الدرعية مساعداً للقاضي، ومعلما هناك حيث أمضى وقته بين التعليم والقيام بأمور القضاء، وممن قرأ عليه من طلبة العلم في الدرعية لما انتقل إليها :عبدالرحمن بن محمد الحصان وحمود بن عبدالرحمن الحمود، وإبراهيم بن مرداس، ومحمد بن عبدالرحمن الباهلي، ومحمد بن إبراهيم الحيد، وفي شهر رمضان 1361هـ نقل إلى مدينة الرياض مرشداً ومعلماً ومفتياً وإماماً لجامع الغراوية في شارع السويلم, ودرس على يديه سعد بن عبدالله بن نفيسة وعبدالله الغماس، وصالح بن حمد الجاسر، وعبدالرحمن أبا حسين، وغيرهم من طلبة العلم.

فاستمر على حالته تلك حتى توقف لكبر سنه عام 1394 هـ, وله بعض مؤلفات تتلخص في تعليقات ورسائل هامة وفتاوى لأسئلة طرحت عليه وسئل عنها في الحرم المكي وفي  (بلدة تربه) أيام كان قاضيا بها، وغير ذلك مما كتبه من الأجوبة والردود والفتاوى، وله مع زميله والدنا الشيخ عبدالرحمن بن محمد الخريف ذكريات جميله حيث قضى معه ربيع عمره في استثمار الوقت بمدارسة العلوم وحفظ متونها ونصوصها عن ظهر قلب فترة طويلة من الزمن تحفهما جميعاً أجنحة الود والمسرات، وقد وعيا معا  قول الشاعر الوزير ابن هُبيره الذي يحث على حفظ الوقت:

والوقت أنفس ما عنيت بحفظه ** واراه أسهل ما عليك يضيع

فاستمرت العلاقة بينهما قوية ووطيده رغم بعد المسافة بعدما نأت به الديار عن حريملاء أثناء عمله بتلك البلدان و المناطق النائية الغربية والجنوبية، فإن تبادل الر سائل الخطية تجري بينهما على فترات  رحمهما الله -، فالمحبة بينهما صافية لا يشوبها شائب، وكأن لسان حاليهما يردد معنى هذا البيت:

فإن كانت الأجسام منا تباعدت  **  فإن المدى بين القلوب قريب

كما -كان ابنه الشيخ ابراهيم من زملائي في عصر الطفولة بإحدى الكتّاب لتحفيظ القرآن الكريم, وقد وهبه المولى سرعة في الحفظ والتفوق علينا - رحمه الله-, وكنت أزور والده الشيخ علي, مراراً أنا وإبنة أخيه لأمه عقيلتي أم محمد – رحمها الله -في منزلهم في محلة (الحنبلي) بشرقي شارع العطايف فنحظى بإكرامه وحفاوته بنا، ومنح أطفالنا بعض الهدايا فهو واصل لرحمه وبارا بوالديه، وقد منحه الله رحابة الصدر ولين الجانب مع الصغير والكبير، وهذا لايستغرب على أمثال (أبو إبراهيم) و كان طيب المعشر لين العريكة، قوي الذاكرة سريع البديهة والردود الفورية.. ، يشد السامعين حينما يشرع في تفسير بعض الآيات والسور بأسلوبه المبسط للعامة والخاصة وكنت أحياناً أصلي معه في مسجده الواقع على شارع آل سويلم فاستمتع بسماع تفسيره للآيات الكريمة،  وتعتبر كل المواقف والمناسبات المحببة لنا معه من أجمل الذكريات و إبقاءها في طوايا نفوسنا مدى العمر، وقد انتقل إلى رحمة الله في 27/7/1394هـ بعد حياة طويلة حافلة بأعماله الجليلة والذكر الحسن, حيث صلي عليه في الجامع الكبير بالرياض، وقد أم جموع المصلين سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز و دفن بمقبرة العود رحم الله الجميع رحمة واسعة, وقد خلفه في إمامة مسجده ابنه الشيخ إبراهيم رحمه الله. وقد اختصرنا هذه الكلمة الوجيزة عن حياة وسيرة شيخنا علي بن إبراهيم بن داوود  خشية الإطالة – غفر الله له و أسكنه عالي الجنان.

 


كريم السجايا ناصر بن عبدالعزيز المبارك في ذاكرتي (<!--)

 

سلام على القبر الذي ضم أعظماً *** تحوم المعالي حوله وتسلم

من الرجال الصالحين من يبقى ذكره مُتجدداً رغم تقادم رحيله عن الدنيا، وعن أُسرته ومنازله..، لما تحلى به من استقامة في دينه وطيب معشره، ومن شهامة وكرم أصيل ملازم له منذ إطلالته على الدنيا وبلوغه سن الرشد والتمييز..، وكأنما خُلَقْت معه تلك السجية سجية عِزّة النفس، وحب البذل في أوجه البر، وصلة ذوي القربى والإحسان لمن يعرفه ومن لا يعرفه إذا علم بحاله..، بذلاً طبيعياً غير متبوع بِمَنٍّ أو مجاهرة، فكل هذه الصفات الحميدة مجتمعة ومتمثلة في شخص الشيخ الكريم ناصر بن عبدالعزيز بن ناصر بن محمد بن مبارك صديق والدنا الشيخ عبدالرحمن بن محمد الخريف – رحمهما الله جميعاً- الذي ولد في بلدة القرينة – المجاورة لحريملاء من الناحية الشرقية – عام 1306هـ تقريباً وعاش بين أحضان والديه ومع لِدَاتِهِ وأقرانه، وعندما بلغ سِنَّ السابعة من عمره درس بإحدى الكتّاب حتى ختم القرآن الكريم قراءة وحفظاً عن ظهر قلب.. مما أهله للإمامة والخطابة بجامع البلد – لاحقاً –.. ، بعد والده الشيخ عبدالعزيز الذي قدم من حريملاء واستقر بالقرينة وظل إماماً وخطيباً بها ما يقارب الأربعين عاماً، فأخذ يحضر الدروس بالمساجد التي تقرأ على جماعة المسجد قبل أداء الصلوات وبعدها ولا سيما صلوات العصر والعشاء.. مراعاة لأصحاب الحِرف والفلاحة فيستفيد الجميع من ذلك..، فنمى لديه حب الاغتراف من موارد العلوم النافعة، فلازم مجالسة بعض العلماء في كلا البلدين القرينة وحريملاء فزاده ذلك تنوراً وتفقهاً بأمور دينه، وفي أثناء ذلك تولى إمامة وخطابة مسجد الجامع ببلدة القرينة عقوداً من الزمن، إلى جانب عمله في مزرعة ونخل والده، وقد منحه المولى رجاحة في العقل، وقوة في البدن في تحمل الأعمال الزراعية وغيرها، وقد جمع بين التواضع وقوة الشخصية فهو رجل مهيب يملأ العين وقاراً وهيبة، ومحبوباً لدى الخاصة والعامة لكرمه وإعراضه عن مساوئ الناس، بل انه يعتبر عميد أسرته وحبيباً لأبناء بلده عطوفاً على الصغير ورحيماً للضعفة والأيتام.. يمنح المستحقين منهم من إنتاج الفلاحة ولاسيما في مواسم الحصاد وجذاذ النخيل، فالفلاحة – آنذاك - هي مصدر الرزق، والفائض من إنتاجها يستفاد من قيمته لتأمين مستلزماتهم العامة والخاصة – فسارت أمورهم – أي كل أصحاب الفلاحة – على ما يرام في تلك الحقبة الزمنية البعيدة، كما أنه يقوم بعمل مأذون عقود الأنكحة وحل بعض الخلافات الزوجية والأسرية، ويدفع من ماله ما تيسر للمساكين وإصلاح ذات البين فسيرته عطرة – تغمده المولى بواسع رحمته – وعندما تقدمت به السن وكل أمر الفلاحة لأبنائه.. ، وفي مواسم صرام النخيل يشتري كميات كبيرة من جيد التمور ليتاجر بها، ويذهب إلى جهة الحجاز بواسطة سيارات النقل الكبيرة لبيع أحمالها مُروراً على المدينة المنورة، ثم يواصل السير صوب مكة المكرمة، واستمرعلى هذا المنوال في تسويق كميات التمور – رحمه الله – ، وكان في أثناء مروره على بعض القرى والهجر يمنح بعض الفقراء من أكياس التمر رجاء المثوبة من الله، ولسان حاله يقول "ما نقص مال من صدقة بل تزده".. وقد بارك الله فيه وفي ماله، ويقال أنه إذا جلس في بعض استراحات محطات طريق الحجاز – قديماً – التي تستعمل الكراسي المستطيلة المنسوجة بحبال ألياف النخيل المتوفرة في "قهاوي" المنطقة الغربية – آنذاك– لأجل تناول طعام الغداء أو العشاء؛ فإنه يدعو من حضر حوله ليشاركه في طعامه. وشراب الشاي والقهوة، ومن الطريف عنه إذا قال له صاحب القهوة تريد أبو أربعة أو أبو ستة أكواب شاي؟ فيجيبه بكل رحابة صدر أحضر أبو أربعين كوباً فيشرب كل من حضر. فهو كريم للغاية – رحمه الله رحمة واسعة – ، وبعد رحيل والدي – رحمه الله – أخذت أواصله براً بوالدي وحباً له، وكنت أزوره في بلده مشياً على قدمي لعدم توفر السيارات في مسافة تقدر بأكثر من أربعة كيلومترات، أقطعها في حوالي ساعة مع بطن الوادي المتجه شرقاً من حريملاء إلى بلدة القرينة، فيرحب بي كل الترحيب، وأتناول معه طعام العشاء بعد صلاة العصر مباشرة في ذلك الوقت المتعارف عليه..، ثم أعود قبل غروب الشمس إلى حريملاء، فهو من محبي والدي – رحمهما الله – وكان التواصل بينهما في حياتهما مستمراً، ولسان حال والدي إذا سئل عن قوة الترابط بينهما يرد على السائل بمثل هذا البيت:

نُبادله الصداقة ما حيينا *** وإن متنا سنورثها ألبنينا

وكان – رحمه الله – يهدينا رطباً من بواكير ثمار نخله فنفرح بذلك معشر الصغار لأن نخيلهم يبكر نضجها قبل نخيل حريملاء، وكان في آخر حياته ملازماً المسجد يتلو القرآن الكريم ويكثر من الدعاء والاستغفار، ولسان حاله يكرر معنى هذا البيت:

ونرجو من الديان عفواً ورحمة *** ولطفاً إذا باتت علينا الصفائح

تغمده الله بواسع رحمته وجزاه عنا خيراً.


الشيخ عبدالله بن حمد الحجازي في ذاكرة محبيه (<!--)

 

وطول مقام المرء في الحي مخلق ** لديباجتيه فاغترب تتجدد

العلماء وطلاب العلم منذ القدم يتحملون مشاق السفر ووحشة الاغتراب عن الأهل والأوطان في سبيل اصطياد العلم والنهل من موارده العذبة ، وإرواء غلتهم من حلو رضابه لأجل نشره بين المسلمين واحتسابا لمرضاة الله، (فالملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم) حيث نسمع ونقرأ عن البعض أنهم يشدون الرحال لأجل طلب العلم إلى أماكن خارج بلادهم ومهاوي رؤوسهم إلى البلدان المجاورة مثل بلدان اليمن والخليج وبلدان الشام ومصر، وربما إلى الهند والسند حتى إن بعض الشعراء قد ألمح إلى ذلك بهذا البيت مثنيا ومخاطبا لأحد طلاب العلم:

في سفر عمرك مكتوب لك السفر** في الهند والسند نصيب منك يا عمر

فمن أولئك العلماء الأجلاء الذين نذروا أنفسهم وأفنوا زهرة شبابهم في طلب العلم والتنقل في بعض نواحي الوطن من أجل كسبه فضيلة الشيخ العلامة عبدالله بن حمد بن عبدالله العيسى المشهور (بالحجازي) فهو نجدي الأصل ولكنه رحل إلى مكة المكرمة قبل دخولها في حكم آل سعود، وكان السفر من نجد إلى مكة قليلا فسافر لأداء الحج فأحب تنويع معلوماته لعلو همته فأقام بها لطلب العلم، فلقب في نجد بـ (الحجازي) وقد ولد في بلدة سدوس ونشأ فيها، بعد ذلك انتقل إلى حريملاء وقراء القرآن الكريم وحفظه بها، ثم قرأ على علمائها مع حفظه المتون المعروفة مثل كتاب التوحيد، ومتن العقيدة الواسطية، وكشف الشبهات، ومتن الرحبية في علم الفرائض، كما حفظ متن الأجرومية في النحو وهكذا..، ولشدة رغبته في التحصيل ومواصلة الدراسة رحل إلى الرياض وأخذ العلم عن مشايخه الذين من أشهرهم: الشيخ عبدالله بن عبداللطيف والشيخ سعد بن حمد بن عتيق والشيخ محمد بن محمود وقد لازمه زمنا طويلا والشيخ حمد بن فارس والشيخ عبدالله الخرجي وغيرهم من العلماء، كما قرأ على الشيخ عبدالعزيز بن حسن في مقر قضائه في حريملاء وفي بلدة ملهم ، لازم أولئك سنين حتى نبغ في فنون عديدة، ثم سمت همته فرحل إلى الحجاز فقرأ على علماء المسجد الحرام، فلما طال مكثه هناك استبد به الحنين إلى نجد إلى مهوى رأسه ومرتع صباه:

ما من غريب وان أبدى تجلده ** إلا تذكر عند الغربة الوطنا!

ثم عاد إلى الرياض وجلس للطلبة، وكان حسن التعليم فالتف حوله طلبة كثيرون، بعد ذلك عينه الملك عبدالعزيز-طيب الله ثراه -قاضيا لبلدان الشعيب والمحمل خلفا للشيخ عبدالعزيز بن حسن الفضلي، فباشر عمله في حريملاء، ومدة قضائه بها قرابة عشر سنوات، مع عقد جلسات للتدريس فاستفاد منه خلق كثير، ثم ترك القضاء وأقام في بلدة ملهم، وكان يتردد على حريملاء بين وقت وآخر للتدريس والإفادة حتى توفي في 12 من جمادى الآخرة من عام 1347هـ ، ومن أشهر تلاميذه في حريملاء الشيخ فيصل بن عبدالعزيز المبارك، والشيخ علي بن ابراهيم بن داوود والشيخ عبدالله بن محمد بن رشيدان، ويعتبر فضيلة الشيخ عبدالله بن حمد الحجازي من زملاء وأقران والدي الشيخ الزاهد عبدالرحمن بن محمد الخريف، وكان الوالد يتذكره دائماً ويستذكر مناقبه، وما يجري بينهما من مداعبات خفيفة ومطارحات أدبية وشعرية، -رحمهما الله رحمة واسعة - ولا يخلو مجلس من مجالس أسرته ومحبيه من ذكر محاسنه والترحم عليه لما كان يتصف به من كريم الشمائل وبالعلم الغزير، ولقد أحسن الشاعر ابن السيد  البطليوسي حيث يقول:

أخو العلم حيّ خالد بعد موته ** وأوصاله تحت التراب رميم

وقد خلف ذرية صالحة بنين وبنات تدعوا له وتجدد ذكره بالبذل في أوجه البر والإحسان – تغمده المولى بواسع رحمته ومغفرته - 

 

 


الشيخ عبدالله البسام خزانة علم وتاريخ (<!--)

 

مازلت تلهج بالتأريخ تكتبه ** حتى رأيناك في التاريخ مكتوبا

خلق الله سبحانه عباده إنسهم وجنهم لعبادته، ولعمارة هذا الكون العريض، وفاوت بينهم في طبائعهم ومذاهبهم، ومأكلهم وملبسهم وقد فضل الله أمة محمد بن عبدالله رسول الهدى على سائر الأمم، وأثنى على العلماء منهم وميزهم حيث قال في محكم كتابه (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ..الآية) ومن علماء هذا العصر الذين وهبهم الله طول الباع في كثير من العلوم الشرعية والتاريخية والأدبية معا فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن صالح البسام، الذي ولد بمدينة عنيزة 1346هـ في بيت علم وأدب، وعند بلوغ السابعة من عمره درس القرآن الكريم في كتاب الشيخ عبدالله بن محمد القرعاوي، فلما سافر شيخه عبدالله القرعاوي الى جنوب المملكة العربية السعودية صار الشيخ يدرس مع شقيقه صالح ابن عبدالرحمن البسام على والدهما – رحمه الله – فشرعا يتلقيان عليه دراسة القرآن الكريم، وكذلك يدرسان عليه في التفسير والسيرة النبوية والتاريخ الاسلامي والفقه والنحو، وكان والده الشيخ عبدالرحمن مبرزا في التاريخ وعلم الانساب، وهذا من اسباب نبوغ ابنه الشيخ عبدالله في هذين العلمين، وبعد أن أتم حفظ القرآن الكريم وبعض المتون العلمية على يد والده درس عند الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي – رحمه الله – ولازمه ملازمة تامة مدة ثمان سنوات، كان لها الأثر الأكبر في تكوينه العلمي مع مجموعة من الطلاب الذين أصبحوا فيما بعد من علماء هذه البلاد منهم: الشيخ محمد بن صالح العثيمين، والشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العقيل، والشيخ عبدالعزيز بن محمد السلمان، وفي عام 1365هـ استأذن من والده ومن شيخه بن سعدي في الدراسة بدار التوحيد بالطائف بعد أن عرض عليه مديرها فضيلة الشيخ محمد بن عبدالعزيز المانع الالتحاق بها، ودرس فيها على يد مجموعة من العلماء الكبار منهم – شيخنا الشيخ العلامة عبدالرزاق عفيفي، ومحمد بن حسين الذهبي، وعبدالله الصالح الخليفي، وعبدالله المسعري، ولم ير أن الدروس تكفي، فكان يدرس دروسا خصوصية عند هؤلاء العلماء الافاضل في أوقات فراغهم، الاصول والمنطق والمناظرة، فهمته – يرحمه الله – همة عالية للغاية وكأن الشاعر قد املى عليه هذا البيت:

اذا كنت ترجو كبار الامــــــور ** فأعــــدد لها همــــة أكبرا

وقد فعل وأروى غلته من فيض حياض شتى العلوم النافعة. ويقول الاخر:

 بقدر الكد تكتسب المعالي ** ومن طلب العلا سهر الليالي

وكانوا يعجبون من حرصه على الاستزادة من العلم وملاحقته مدرسيه بأسئلته ومناقشاته حتى قُرِّر مُدرساَ للفقه في دار التوحيد وهو لايزال أحد طلابها الى أن تخرج من الدار عام 1370هـ، ثم التحق بكلية الشريعة واللغة بمكة المكرمة، واتم دراسته في كلتا الكليتين في وقت واحد، وقد رشح مدرسا في المسجد الحرام منذ عام 1372هـ وكانت دروسه بين العشائين واستمرت دروسه في الحرم نصف قرن الى أن أوقفها بسبب مرضه، وبعد تخرجه من الدراسة الجامعية عام 1374هـ تسنم مناصب مشرفه أولها قضاؤه في القضايا الجزئية المستعجلة في مكة المكرمة، وثانيا عين مدرسا رسميا في المسجد الحرام، فكان يلقي دروسا عامة وخاصة، وعضوا في رابطة العالم الاسلامي، وعضوا في مواسم الحج..، وقام بالإمامة في المسجد الحرام لمدة ثلاثة أشهر، وطلب منه البقاء في الامامة رسميا ولكنه لم يرغب ذلك لانشغاله بأعماله الاخرى..، وعين رئيسا للمحكمة الكبرى بالطائف، ثم قاضيا في محكمة تمييز الاحكام الشرعية للمنطقة الغربية التي مقرها بمكة المكرمة، وأخير رئيسا لمحكمة التمييز بمكة المكرمة عام 1400هـ وقام بها حتى تمت مدة عمله النظامية،  ومدد له سنه، ثم تقاعد  عام 1417هـ  – رحمه الله – وقد أفنى شبابه وعمره الطويل في اقتناص صافي العلوم، ونشره عبر وسائل الإعلام المختلفة، وتأليف الكثير من الكتب النفيسة، وبعض الرسائل والمحاضرات المفيدة..، وجمع كتابه الضخم (علماء نجد خلال ثمانية قرون) المكون من ستة أجزاء كبيرة الحجم جيدة الطباعة..، وقد استنفد الكثير من وقته حتى اُخرج بهذه الدقة والشمول.

ولي معه بعض الذكريات التي لا تنسى منها تبادل الرسائل ومن ضمنها رسالة سبق أن بعثها لي منذ سنوات يرغب إرسال سيرة وترجمة لوالدي الشيخ العالم الزاهد عبدالرحمن بن محمد الخريف – رحمهما الله – كما لا ننسى حضوره من مكة المكرمة إلى نادينا بدار التوحيد بمحلة "قروى" بالطائف عامي 71/1372هـ هو ونخبة من طلاب كلية الشريعة واللغة  بمكة المكرمة تشجيعاً لنا، والمشاركة في إلقاء بعض الكلمات والقصائد الخفيفة، منهم  على سبيل المثال المشايخ عبدالله بن خميس، عبدالعزيز المسند، عبدالله الفالح، وعبدالعزيز بن عبدالرحمن الربيعة – رحمهم الله – والأستاذ عبدالعزيز بن عبدالله العبدان. وغيرهم من الطلاب –آنذاك – فبين طلاب دار التوحيد وطلاب كلية الشريعة بمكة ترابط قوي، كما لا أنسى مقابلته في دارة الملك عبدالعزيز بالرياض قبل رحيله بسنوات قلائل ففرحت به كل الفرح، وهو يسرح طرفه في بعض المخطوطات النفيسة فعرضت عليه تشريفنا في حريملاء فأبدى اعتذاره بأنه على وشك العودة إلى مكة المكرمة وأن حجزه مؤكدا.. فهو – رحمه الله – نهم في حب القراءة مولع بانتقاء الكتب النادرة الدسمة، وله باع طويل في حفظ الأنساب ومعرفة أعلام القبائل البوادي والحواضر. ولسان حال الشيخ عبدالله حينما أحس بدنو أجله بدأت عليه آثار الحزن والتأثر فأخذ يجول بلحظه في أرجاء مكتبته ويصوب نظره إلى تلك الرفوف التي تنوء بأحمال الكتب، وبداخله ما به من تحسر ولوعات الفراق المتوقع مردداً في خاطره هذين البيتين:

اُقلب كتباً طالما قد جمعتها** وأفنيت فيها العين والعين واليدا

وأعــــلم حقاً أنني لست باقياً** فيا ليت شعـــري من يقلبها غدا

وقد استقيت معظم هذه السيرة والمعلومات من مصادر متعددة، لأجل التنويه بأفضاله وأعماله الجليلة – تغمده المولى بواسع رحمته – وقد انتقل إلى رحمة الله يوم الخميس الموافق 27/11/1423هـ إثر سكتة قلبية وصلي عليه بعد صلاة الجمعة بالمسجد الحرام. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته0

<!--[if !supportFootnotes]-->

<!--[endif]-->

(<!--) نشرت في صحيفة الجزيرة، يوم السبت 4 جمادى الأولى 1434هـ الموافق 16 مارس 2013م.

(<!--) نشرت في صحيفة الجزيرة، يوم الأربعاء 8 جمادى الأولى1434هـ الموافق 20 مارس 2013م.

(<!--) أرسلت للنشر في صحيفة الجزيرة، يوم الأثنين 15 ربيع الآخر 1434هـ الموافق 25 فبراير 2013م.

(<!--) أرسلت للنشر في صحيفة الجزيرة، يوم الأثنين 6 جمادى الأولى 1434هـ الموافق 18مارس 2013م.

(<!--) نشرت في صحيفة الجزيرة، يوم الجمعة 9 جمادى الآخرة 1434هـ الموافق 19 إبريل 2013م.

(<!--) أرسلت للنشر في صحيفة الجزيرة، يوم الثلاثاء 29 جمادى الأولى 1434هـ الموافق 10 إبريل 2013م.

mager22

فقد ورثاء ( عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف )

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 373 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2013 بواسطة mager22

ورحل علم من أعلام الشعرالدكتور محمد الدبل (<!--)

 

ستبكيك أخلاق المرؤة إنها ** مُغيبَةُ ما دُمْتَ عنهنَ غائبا

كل يوم تفاجئنا الصحافة المحلية بأخبار وأنباء سارة في غالب أيامها، تحكي عن التطور الهائل الشامل في جميع مناحي الحياة في هذا البلد الآمن الذي ينعم بالخيرات وبالتوسع العمراني، وبثورة المعلومات الحديثة، وبالدعم السخي من لدن حكومتنا السنية في جميع المشاريع التنموية، فكل ذلك يسر ويدعو إلى الغبطة والشكر لله رب العباد، ثم الدعاء لولاة أمر هذا الوطن بدوام عزها وأمنها واستمرار رخائها، غير أن أنباء صباح يوم الأحد 1-3-1434هـ كدَّرتْ الخواطر وهي تحمل نبأ رحيل أحد أعمدة الأدب في العالم العربي إنه الأديب الشاعر الدكتور محمد بن سعد الدبل، حيث لاقى وجه ربه صباح يوم الأحد غرة ربيع الأول عام 1434هـ، وقد أديت عليه الصلاة بجامع الراجحي بعد صلاة عصر يوم الاثنين 2/3/1434هـ، ووري جثمانه الطاهر في باطن أرض مقبرة النسيم -تغمده الله بواسع رحمته-، وقد ولد في مدينة الحريق عام 1364هـ تقريباً، وترعرع في أكنافها بين أهله ورفاق طفولته وصباه، فنال الشهادة الابتدائية من المدرسة الثانية (الباطن) بتفوق وامتياز على أقرانه، وكانت مخايل الذكاء تطفح على محياه مبكراً، فكان في تلك الفترة يقضي مع رفاقه سحابة يومهم في استذكار الدروس والنسخ لتعلم جودة الخط والإملاء..، وفي أوقات فراغهم يزاولون هوايات من شتى أنواع الألعاب والأنشطة مثل التسابق في الجري وفي صعود فسائل النخل الصغيرة والنزول فوق متون عُسُبها، وأحيانا علو الجبال المواكث التي تحتضن بلد الحريق، وكأن لسان حال الواحد منهم إذا علا قممها طوح به الخيال متذكرا من سبقوهم من الأجيال الذين رحلوا عن الدنيا مستحضراً معنى هذا البيت:

وكم من جبال قد علا شرفاتها ** رجال فزالوا والجبال جبال

ثم انتقل بعد حصوله على الشهادة الابتدائية فالتحق بالمعهد العلمي بالرياض، وقد وفق في زملاء جدد خففوا عنه وحشة الغربة عن أهلة أمثال الدكتور محمد بن عبدالرحمن الربيع، والدكتور عبدالله بن حمد الخثران، فأخذ كل منهم يستفيد من الآخر عند استذكار الدروس بالمساجد لتوفر الإضاءة الكهربائية بها، وشحها بالمنازل –آنذاك - فحصل على الثانوية، وعلى اللسانس في اللغة العربية بالرياض عام 1388هـ وكان من دفعته الدكتور محمد بن سعد السالم مدير جامعة الإمام محمد بن سعود سابقا، والدكتور حمد بن ناصر الدخيل وحصل على الماجستير في البلاغة والنقد من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1398هـ والدكتوراه مع مرتبة الشرف في البلاغة والنقد من نفس الجامعة عام 1402هـ، وقد تدرج في مجال العمل الأكاديمي إلى درجة أستاذ مشارك، ورئيس لقسم البلاغة والنقد، وأمين لوحدة أدب الطفل المسلم حتى عام 1411هـ وعضو رابطة الأدب الإسلامي، وله نشاط في التأليف حيث أصدر خمسة دواوين من جيد الأشعار وعدد من المؤلفات المفيدة -رحمه الله-ولقد سعدت بلقائه أول مرة منذ زمن طويل في صالون الأستاذ الكريم الأديب أحمد بن محمد الدهش -أبو خالد- وبحضور زميلي ورفيق دربي في مراحل الدراسة الأديب الأستاذ عبدالله بن حمد الحقيل، وكانت تلك الأمسية من أجمل الليالي مع الراحل الدكتور محمد، حيث أتحفنا بسماع بعض قصائده المؤثرة، وخاصة قصائد المراثي بصوته الرخيم الشجي، ويحسن بي ذكر أربعة أبيات من القصيدة التي سكب فيها عصارة مهجته تحسراً على رحيل إحدى زوجاته (أم سعد)، وهذا عين الوفاء بين الأزواج:

ســــــرى حديث الروح فاستمعــــي ** يا روح مرضيةٌ في الخلد أقوالــي

مهــــا وسعـــدٌ إذا ناداك صوتهما ** في ظلمة الليل من للأصغر الغــالي

ودعتي قلباً وما زلت على ثقةٍ ** من اليقين ارتوى قلبي فأوحى إلـــي

ذكــراك يا كلّ أيامي إذا حضــرت ** تروح بي حيث لا أدري بأحــوالي

ثم توالت اللقاءات معه في كثير من المناسبات والمنتديات الأدبية، وتبادل هدايا الكتب الأدبية بيننا، فذكرياتنا الجميلة معه لا تنسى، فإن رحيله ورحيل من ماثله عن الساحة العلمية والأدبية يعتبر خسارة لا تعوض وفجوة واسعة يتعذر سدها..، وسيبقى رنين صوته مدويا صداه بين جانبي رأس محبيه ومتذوقي شعره المؤثر الجزل إلى ما شاء الله:

لو كان يَخْلُد بالفضائل فاضل *** وصلت لكَ الآجال بالآجال

-رحمه الله رحمة واسعة -وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه وأبناءه وبناته وعقيلته (أم زاهر) وجميع محبيه الصبر والسلوان.

 


الشيخ / محمد بن فيصل المبارك علم همام ساطع الذكر (<!--)

 

ودت بقاع بلاد الله لو جعلت ** قبراً له فحباها جسمه طيباً

فقد علماء الدين لا كفقد غيرهم من بني البشر،  وإن كان الوجود لا يخلوا من خيار الناس كل في مجاله، وكل ميسر لما خلق له، الطبيب في مصحه، والتاجر في محله، والفلاح في حقله وهكذا، لكن غياب أهل الدين القويم يحدث ثلمة وفجوة واسعة في الإسلام وفي الحياة عامة، فهم كالنجوم التي تضيء ظلمة الليل وهم مصابيح البشر الذين ينيرون بصائر العامة والخاصة بفيض علومهم الصافية من شوائب الشرك والبدع والخرافات، فالله سبحانه وتعالى قال في محكم كتابه العزيز (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات..) الآية.

والعلماء هم ورثة الأنبياء، وهم أحرص الناس على حفظ الوقت واستغلاله ورصد فوائد العلم وشوارده، ويروى أن الإمام ابن جرير الطبري سمع فائدة ودعاء تفوه به أحد زواره في مرضه الأخير وهو في حالة شبه حرجة، فطلب محبره وصحيفة لرصد تلك الفائدة والدعاء، فقيل له أفي هذه الحال تطلب ذلك فقال ينبغي للإنسان ألا يدع اقتباس العلم حتى الممات (رحمه الله) فقد استنفد الدقائق والثواني في خدمة العلم وتحصيله ونشره وتدوينه، فيصدق عليه قول القائل:

سعدت أعين رأتك وقرت ** والعيون التي رأت من رآك

ويقرب في مثل هذه الحالة من التضلع في اقتناص العلوم النافعة وصبها في أذهان تلامذتهم فضيلة العالم الجليل المحقق الشيخ/ محمد بن فيصل بن حمد المبارك، وهو من أعيان حريملاء الذي ولد سنة 1284هـ في بيت علم وأدب ورئاسة، فقد رباه والده فيصل أحسن تربية، وعندما بلغ سن السابعة من عمره الحقه والده لدى الشيخ المقرئ بحريملاء عبدالعزيز بن ناصر التريكي فقرأ عليه القرآن الكريم، وجوَّده مع مبادئ الخط والحساب ثم حفظه عن ظهر قلب، وكان عمه يحثه على طلب العلم والمثابرة في تحصيله، فشرع في طلب العلم بهمة ونشاط متواصل فقرأ على علماء حريملاء، ومن أبرز مشائخة: الشيخ / عبدالعزيز بن حسن بن يحيى الفضلي الملقب (حصام) قاضي المحمل والشعيب وما حولهما، وكان مقيماً بحريملاء فقرأ عليه مبادئ العلوم وهو يافع، وكان معجباً بفرط ذكائه وفطنته، ويقول سيكون لهذا الفتى شأن في قابل عمره... وقرأ على عالم حريملاء المحقق المحدث فضيلة الشيخ / محمد بن ناصر المبارك ولازمه فترة من الزمن..، كما قرأ على العلامة الشيخ حمد بن عبدالعزيز فقيه وقاضي المحمل والشعيب -بعض من سبقوه -ولازم أولئك العلماء الأفاضل في دراسة أصول الدين وفروعه وفي الحديث والتفسير (رحمهما الله جميعاً) ثم سمت همته للتزود من حياض العلوم والاستفادة منها فرحل إلى الرياض وانضم إلى حلق المساجد ومجالس العلماء ولازمهم، ومن أبرز مشائخه سعد بن حمد بن عتيق، والشيخ حمد بن فارس، والشيخ عبدالله بن عبداللطيف، وقد وهبه المولى فهماً ثاقباً وذكاءً متوقداً، فمكث بالرياض حوالي خمسة أعوام ينهل من رضاب صافي العلوم وفروعها، وكان مع ذلك شجاعاً باسلاً يحب ركوب الخيل، فغزى مع الملك عبدالعزيز (رحمهما الله) تسع غزوات..، هو مستشاره وقارؤه وإمامه، ومفتي الجيش، وكان لا يفارق الملك حضراً ولا سفراً مدة مكثه في الرياض،  فقد جمع بين العلوم الدينية والسياسية ورجاحة العقل..، وقد مارس العمل في الإمارة إبان إمارة عمه..، فعينه الملك عبدالعزيز بعد ذلك أميراً على حريملاء، ثم أميراً على الأفلاج سنتين، بعد ذلك عاد إلى حريملاء فجلس للطلبة فكان حسن التعليم، فجلساته صباحاً وبعد الظهر وبعد المغرب، فالتف إلى حلقاته طلبة كثيرون لا حصر لعددهم، وقد وفد بعض الطلبة إليه من كل صوب للانتفاع من علومه الجمة، وقد تخرج من حلقته طلبة من أبرزهم العلامة الشيخ فيصل بن عبدالعزيز قاضي الجوف صاحب المؤلفات المفيدة، والمشائخ عبدالله بن رشيدان، ومحمد الجنوبي، وعبدالعزيز بن سوداء، وإبراهيم بن سليمان الراشد المبارك، وإبراهيم الحيدر، وابنه سعد، وظل إماماً لجامع حريملاء وخطيباً حوالي ربع قرن من الزمن، وقد أوفده جلالة الملك عبدالعزيز مرشداً وناصحاً لجهات عديدة داخل المملكة، ثم رحل إلى الشارقة وما حولها للدعوة والإرشاد بدعوة من داعية الخير والرشد الشيخ علي بن محمود ، فعينه حاكم الشارقة سلطان بن صقر مديراً لمدرستها العلمية وتكفل له بمصاريف المعيشة له ولمن يعوله وأحضر ابنه وعائلته إليه فأحبه أهل الخليج خصوصاً أهل الشارقة محبة شديدة، ثم ولاه الحاكم سلطان بن صقر قضاء الشارقة وإمامة جامعها والخطابة فيه، وكان فصيحاً في الخطابة يرتجل من دون صحيفة وله صوت رخيم جهوري حسن التلاوة وظل عندهم حوالي ثلاث سنوات وكان في عمله مخلصاً ودوداً شاعراً أديبا بارعاً، وله نظم رائق عربي ونبطي، فهو شخص محبوب لدى الملك عبدالعزيز يثق به ويبعثه في كثير من المهام لما يتمتع به من حنكه وهيبه وطول باع في السياسة والدراية بأحوال الناس على اختلاف مستوياتهم، وقد بسطت سيرته العطرة في كتابي الشيخين: عبدالله بن عبدالرحمن البسام، ومحمد بن عثمان القاضي، فأعماله كلها مشرفة ومفيدة -رحمه الله -وبعد رحلته الطويلة في خدمة العلم وخدمة مليكه ووطنه طاب له المقام في مهوى رأسه حريملاء وأصبح مرجعاً لطلاب العلم، ومنزله ملتقى لأسرته ولأعيان البلد لما يتصف به من كرم ورحابة صدر، وقد خلف أربعة من الذرية ثلاثة منهم من تولى القضاء في مواقع عدة ـ الشيخ فيصل، والشيخ سعد، والشيخ عبدالعزيز، والشيخ عبدالله الذي تولى العمل عضواً في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكة المكرمة ثم انتقل عضواً بهيئة النظر في بلدية الرياض حتى تقاعد رحم الله الراحلين جميعاً، ومتع الله الشيخ عبدالعزيز بالصحة والعافية، كما خلف بنات صالحات، وقد انتقل إلى رحمة الله في عام 1365هـ وورى جثمانه في ثرى مقبرة (مشرفة) بحريملاء.

إن العظيم وإن توسد في الثرى ** يبقى على مر الدهور مهيبا

ولئن غاب أبو فيصل ـ عن نواظر محبيه فإن ذكره الجميل باقٍ بين جوانح أحبته مدى الأيام. وقد رؤي في المنام بعد وفاته مباشرة، رؤيا حسنة وعليه حلة بيضاء، ومنظر جميل جداً، فيرجى له المغفرة من رب العباد. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.

 


ورحل رجل الإحسان الشيخ عبدالعزيز الموسى (<!--)

 

هنيئا له قد طاب حيا وميتا *** فما كان محتاجا لتطييب أكفاني

معلوم لكل إنسان سوي في هذا الكون أنه سيرحل عن الدنيا ولا محالة لبقائه حياً مهما تطاول به الزمن، ولقد ستر الله نهاية الآجال في ضمير الغيب لحكمة أرادها، ولأجل عمارة هذا الكوكب بتتابع الأجيال ونموهم ليخلف بعضهم بعضا إلى قيام الساعة، قال الله سبحانه وتعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} وخلقهم لعبادته وحده، وهيئ لهم سبل العيش، والسير في مناكب الأرض لطلب الرزق والتفكر في مخلوقات رب العالمين ليزداد إيمانهم، والأخذ بأسباب طلب المعيشة ليعف نفسه، وليمنح المحتاجين من فيض ماله حسب المستطاع، فالله جل جلاله فاوت بين عباده في الرزق، وفرض في مال الأغنياء نصيبا للفقراء والأيتام والأرامل وذوي الحاجات عموما، فمن أولئك من يمن عليه ويحبب إليه البذل في أوجه البر والإحسان ليسعد في دنياه وأخراه حينما يلاقي وجه ربه، والحمد لله أن هذا البلد الآمن يحتضن الكثير من الأغنياء ورجال الأعمال الذين يتسابقون على فعل الخير لرعاية الضعفة والمساكين، وبناء المساجد، وغير ذلك في تشييد مدارس لحفظة القرآن الكريم، ومباني للجمعيات الخيرية، ومساكن للمحتاجين تشمل الكثير من أنحاء مملكتنا الحبيبة إلى قلوبنا، وتعتبر هذه الأعمال الخيرية رافدا للمشاريع الجبارة التي توليها دولتنا كل اهتمام وفقها الله لكل ما فيه الخير والرفاهية لشعبها، فمن رجال الأعمال الأسخياء الشيخ الفاضل عبدالعزيز بن عبدالله الموسى الذي انتقل إلى رحمة الله وأديت عليه الصلاة في جامع الملك خالد بأم الحمام بعد صلاة عصر يوم الخميس 12/3/1434هـ، وقد ولد عام 1350هـ تقريبا في بلدة (البير) التابعة لمحافظة (ثادق) الواقعة شمال مدينة الرياض (130كيلو) والفقيد يعتبر من رجال الأعمال الأوائل في المملكة الذين لهم دور بارز ومشاركات عظيمة في التنمية ومسيرة الاقتصاد السعودي، ولاسيما في المجالات العقارية وتشييد المباني العملاقة واستثمار ريعها وبذله في أوجه البر والإحسان، والمشاركة الجزلة في دعم المشاريع الخيرية والأعمال الإنسانية داخل البلاد وخارجها في الدول الفقيرة والمنكوبة، ويعتبر من المؤسسين للجمعية العامة لرعاية الأيتام بالرياض (إنسان) التي يرأسها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد ووزير الدفاع، ونائبه صاحب السمو الملكي الأمير سطام بن عبدالعزيز أمير الرياض -وفق الله الجميع -وكانت بداية حياته العملية مبسطة ومحدودة جدا ويقال إنه حينما بلغ سن الرشد وهو في بلده (البير) فكر في الزواج وليس لديه مادة وتذكر أن فرص العمل بالرياض أجدى وأنفع له من الإقامة في مهوى رأسه، وكأن لسان حاله قد سمع بقول الإمام الشافعي -رحمه الله -الذي يحث على الأسفار لطلب المعيشة:

مـــا في المقام لذي عقل وذي أدب *** من راحة فدع الأوطـــــــان واغترب

سافر تجد عوضا عمن تفارقه *** وانصب فإن لذيذ العيش في النصب

فلم ير بداً من السير على قدميه مع بعض أفراد جماعته صوب الرياض لعدم توفر السيارات ووعورة الطرق –آنذاك -وحين وصوله بدأ يعمل في البيوت الطينية كعامل مع -إستاد البناء باللبن والطين -حتى حذق عمل المهنة، فأخذ يزاول عمله -إستادا-ولله در الشاعر حيث يقول:

عليك بأرباب الصدور فمن غدا *** مضافا لأرباب الصدور تصدرا

فانضم إليه بعض إخوته ومعارفه وبدأ بشراء قطع من الأرض فيشيد فوقها عددا من بيوت الطين ثم يبيعها، واستمر على هذا المنوال فترة من الزمن حتى نما المال بين يديه، ودرت عليها الدنيا بأخلافها في وقت قياسي، فاتفق مع بعض من يثق في أمانته وصدق معاملته وكون شركة مصغرة في شراء قطع كبيرة من الأراضي وأخذ يبيعها في ساحة الحراج بدون استلام القيمة ترغيبا ورفقا بالمشتري مع اشتراط بقبض العربون مقدما ليصح ويتأكد البيع، ومن أراد منهم إقالته فإنه -يرحمه الله -لا يتردد في ذلك تكرما منه، فالشيخ عبدالعزيز أفضاله كثيرة وأعماله جليلة عرف بالسماحة والتواضع الجم وحسن التعامل مع من يعرفه ومن لا يعرفه، فهو محب للأعمال الخيرية قديما حيث قام بمشروع مجمع لتحفيظ القرآن الكريم على مساحة كبيرة من ثلاثة أدوار وبجانبه مبنى للمكتبة العامة بمحافظة ثادق منذ عدد من السنين، كما عمل مشروع سقاية بنفس البلد – آنذاك - فشكره الأهالي ودعوا الله له بمديد العمر والبركة في ماله ومضاعفة حسناته، فاستمر في تلمس حاجات المعسرين والفقراء، وبالمساهمات في علاج مرضى السرطان والفشل الكلوي وعمليات القلب، وعلاج المئات من المقيمين غير السعوديين أنقذهم الله من الموت، كما قام ببناء عدد كبير من المساجد في أماكن متعددة في الداخل والخارج، وعدد من المنازل للأرامل والأيتام والمعسرين ..، وله يرحمه الله أوقاف كثيرة متعدد المصارف يشرف عليها رجال ثقات، ويتميز بأنه يدفع الشيء بنفس سمحة ويشكر صاحب الوساطة والشفاعة لأجل إعلامه بالمحتاجين ومستوري الحال المتعففين الذين لا يسألون الناس إلحافا، فيبذل الكثير سرا أكثر مما يعلم، فكل المؤسسات والجمعيات الخيرية لها النصيب الأوفر من خالص ماله، كما أنه بار بقرابته واصل لرحمه، وله أبناء برره ساروا على نهجه على حب البذل للضعفة والمساكين، فأكفهم تندى كرما وبذلا في تلمس أحوال الأرامل والأيتام، وإعانة الشباب المقبلين على الزواج ماديا وعينيا ابتغاء مرضات الله (إن التشبه بالكرام فلاح) فوالدهم يسرّ بما يتصفون به من صلاح وبذل حاثا الواحد منهم بمثل معنى هذا البيت:

وابســـــط يميــنـــك بالندى *** وامدد لها باعـــا طويــــلا

فالإنسان المسلم العاقل يتلذذ بإدخال السرور على الفقراء بمنحهم ما يسد حاجاتهم وحاجات أسرهم لعلمه أن المال عارية يتنقل من كف إلى كف آخر إلى يوم النشور:

وغدا توفى النفوس ما عملت *** ويحصد الزارعون ما زرعوا

ولئن غاب (أبو عبدالله) عن نواظر أسرته ومحبيه فإن حبه وذكره الحسن باق في صدورهم، رحم الله الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الموسى وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه وأخويه الشيخين سعد وعبدالرحمن، وأبناءه وبناته وزوجاته ومحبيه الصبر والسلوان.

وإن تك غالتك المنايا وصرفها *** فقد عشت محمود الخلائق والحلم


رحم الله العم الشيخ عبدالرحمن بن ناصر الخريف (<!--)

 

يا غائباً في الثرى تبلى محاسنه *** الله يوليك غفرانا وإحسانا

بينما كنت مغتبطا في صباح يوم الأحد 22-3-1434هـ مستعرضا عناوين بعض الصحف المحلية التي كثيرا ما تحمل في ثناياها بشائر الخير والغبطة لهذه البلاد، فإذا بهاتفي يرن حاملاً نبأ وفاة العم عميد الأسرة الشيخ الفاضل الزاهد عبدالرحمن بن ناصر الخريف (أبو عبدالله) فلم أملك في تلك اللحظة المحزنة جدا إلا الدعاء له - بواسع رحمته -، وتلاوة الآية الكريمة {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} ولقد ولد وترعرع في أكناف مدينة حريملاء، وقد باكره اليتم برحيل والديه، وعند بلوغه السنة السابعة من عمره درس بإحدى الكتاب حتى ختم القرآن الكريم، وكان يحضر دروس أئمة المساجد ومشايخ البلد، مع مزاولته العمل في نخلهم المسمى (السعدوني) ليعتاش ويسد حاجته، هو وشقيقه عبدالعزيز الذي سبقه إلى مضاجع الراحلين بحوالي تسع سنوات، وقد حزن (أبو عبدالله) حزنا شديدا على رحيل شقيقه ولسان حاله يردد هذا البيت:

أُخيين كنا فرق الدهر بيننا *** إلى الأمد الأقصى ومن يأمن الدهر ..!

فكان عصامياً معتمداً على الله ثم على نفسه يعمل ويكدح في طلب المعيشة بعزة نفس منذ صغره، وكأنه قد استشعر قول الشاعر:

وإنما رجل الدنيا و واحدها *** من لا يعول في الدنيا على أحد

بعد ذلك شمّر عن ساعديه فاتجه صوب الرياض فأخذ يعمل مؤبراً في كثير من نخيل أصحاب الفلاحة هناك، وفي بعض نخيل الأمراء الكرام، واستمر في تعديل القنوان وتركيبها على متون العسب حتى يتم استواء ثمرها، ثم يقوم بجذاذها وإنزالها من قممها بطريقة فنية خاصة، ويسمى الذي يزاول ويعتني بهذه المهنة الشريفة (شمّال النخيل) ومعظم الأسر -آنذاك -تتوارث هذه المهنة التي تدر على أصحابها الخير والبركة -رغم ما قد يحصل فيها من مشقة ومخاطر - فقد يسقط العامل من رأس النخلة فتكون نهايته أو إعاقته إلا ما شاء الله في سلامته، وبعد فترة من الزمن ترك هذه المهنة المحفوفة بالمخاطر حينما تقدم به العمر، فعمل عضوا بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالرياض، وفي آخر أيام حياته أخلد للراحة وتفرغ للعبادة، وتلاوة القرآن الكريم آناء الليل وأطراف النهار، وكان منزله عامراً وملتقى لأسرته وجيرانه ومعارفه، وفي مواسم الأعياد والمناسبات الأخرى تجتمع أسرته وأبناءه وبناته وأطفالهم بمنزله في جو عائلي أبوي. ولكن سرور الدنيا لا يدوم أبدا ولابد أن يعقبه كدر:

طبعت على كدر وأنت تريدها *** صفوا من الأقذاء والأكدار ..!

فأبو عبدالله يتصف بالكرم ورحابة الصدر والتسامح، وحسن التعامل مع من يعرف ومن لا يعرفه، كما أنه بارٌ بشقيقه الوحيد عبدالعزيز منذ رحيل والديهما ليخفف عنه وطأة اليتم والحزن حيث احتضنه وأخذه معه ليزاول بعض الأعمال الخفيفة لتساعده على كسب الرزق ولقمة العيش بدون الحاجة إلى الآخرين حتى كبر واشتد ساعده على تحمل المسؤولية، وقبل وفاة أخيه عبدالعزيز اعتنى به عناية فائقة في منزله حيث لم يرزق بذرية. فعمله مع أخيه بر وصلة رحم - تغمدهما الله بواسع رحمته -وقد وهبه الله زوجة صالحة قامت بخدمته ورعايته خير قيام، حيث رزقهم الله ذرية صالحة من بنين وبنات بررة أكبرهم ابنه عبدالله ثم محمد وكانا ملاصقين لوالدهما في خدمته ليلا ونهارا رغم المشاغل التجارية، وهذا شيء لا يستغرب من الأبناء البررة (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم).

ولئن بات -أبو عبدالله -تحت طيات الثرى وتوارى عن نواظر أسرته ومحبيه فإن ذكره الحسن باقٍ في نفوسهم مدى العمر، -تغمده المولى بواسع رحمته -وألهم ذويه وأبناءه وبناته وعقيلته -أم عبدالله -وجميع محبيه الصبر والسلوان.

 


الزميل سعود المسعري حبه باق في خلدي (<!--)

 

الدهر لأم بين ألفتنا *** وكذاك فرق بيننا الدهر

معلوم أن مستودعات ذاكرة كل إنسان وتراكمها في خاطره على مر أيام وأعوام حياته تبدأ في تحولها وذوبانها وتسلخها من جدرانها عندما يعلوه الكِبَر شيئا فشيئا.. حتى تتبخر وتنطمس تماماً، إلا ذكريات الدراسة في زمن الطفولة والشباب مع رفاقه، ولداته في جميع مراحله الدراسية، فإنه لا يمحها ماح مهما تقدم به العمر إلا ما شاء الله، فأنا لم أزل ذاكراًَ لأيامنا الجميلة مع زملائنا بدءً من مدارس الكتّاب لتحفيظ القرآن الكريم وحتى نهاية الدراسة الجامعية بكلية اللغة العربية عام 1378هـ، فمن أولئك الزملاء الأستاذ / سعود بن محمد المسعري (رحمه الله) زميل الدراسة بدار التوحيد بالطائف عامي 1371هـ / 1372هـ الذي قضيت معه ومع الزملاء الأفاضل أحلى أيام حياتي، منهم على سبيل المثال لا الحصر الأساتذة: عبدالرحمن بن عبدالله العبدان، عبدالله الحمد الحقيل، عبدالعزيز بن ابراهيم الشايع، د. حمد بن إبراهيم السلوم (رحمه الله) وغير هؤلاء من الأحبة الذين غيب معظمهم هادم اللذات -رحمهم الله -، فلقد عشنا سوياً في هاتيك المدينة الجميلة في تآلف، وفي أجواء مرح وفرح وتحصيل علم:

بلد صحبت به الشبيبة والصِّبا *** ولبست ثوب العمر وهو جديد

وحديثي في هذه الكلمة المختصرة عن بعض سيرة الزميل الحبيب إلى قلبي سعود بن محمد بن سليمان المسعري الذي ولد في حوطة بني تميم في محلة (القويع) عام 1357هـ تقريباً وقد عاش يتيماً وهو صغير ثم رحل إلى الطائف مع عمه الشيخ عبدالله بن سليمان المسعري أحد معلمي دار التوحيد في بدايتها آنذاك فاعتنى بتربيته وألحقه بالمدرسة السعودية الابتدائية الواقعة على مقربة من باب الريع بالطائف، حتى حصل على الشهادة بها عام 1370هـ ثم التحق بدار التوحيد عام 1371هـ  ومعه شقيقه الأصغر عبدالرحمن، وسكنا معنا بالقسم الداخلي، فاستمر بها بكل جد ونشاط إلى أن نال الشهادة الثانوية عام 1375هـ ثم واصل الدراسة بكلية الشريعة بمكة المكرمة وتخرج منها عام 1379هـ بعد ذلك عين مدرساًَ، ثم مديراً لمعهد المعلمين بحوطة بني تميم فترة وجيزة، بعد ذلك انتقل إلى جهاز وزارة المعارف  -آنذاك -وزارة والتربية والتعليم موجهاً عاماً بالتعليم الابتدائي، وفي أثناء جولاته التفقدية على بعض مدارس منطقة حائل توفاه الله هناك على آثر نوبة قلبية عام 1386هـ  -تقريباً -وقد حزن عليه جميع من زملائه في العمل، وزملاء الدراسة معاً -تغمده المولى بواسع رحمته -، وكان مثالاً في الجد والمثابرة أثناء الدراسة في جميع مراحلها، وقد منحه المولى جمالاً في الخط وطلاقة في التعبير، وكنت أستعين به في كتابة بعض موضوعات مقرر منهجنا الدراسي بدفتري الخاص هو وعدد من الزملاء أمثال: الأساتذة / عبدالرحمن العبدان، عبدالعزيز بن ابراهيم الشايع، محمد السناني لعدم توفر كتب المقررات الدراسية في جميع السنوات الخمس عدا كتاب المطالعة فإنه مطبوع وموزع علينا، ولا زلت محتفظاً به وجميع مخطوطات المناهج الدراسية، فأنا كاليتيم متعدد الرضاعات لسوء خطي وإملائي لأني لم أدرس في المرحلة الابتدائية، وتلقي مبادئ العلم لدى المشايخ يعتمد على الحفظ والمشافهة.. ، وكنا مع الزميل سعود نقضي أكثر الوقت في استذكار الدروس بسفوح الجبال الواقعة غرب (قروى) مثل جبل (أم الأدم)  المطل على بساتين المثناه، وعلى وادي (وج) بالطائف ولا سيما في الأصال وأطراف النهار، وقد عشنا في تلك الحقب البعيدة كالأشقاء في سعادة وهناء، ثم فرقتنا الليالي والأيام:

كفى حزنا أن التباعد بيننا *** وقد جمعتنا والأحبة دار !

ولي معه ذكريات جميلة يطول مداها داخل فصول الدراسة وفي استذكار الدروس في بعض المساجد الواقعة على مقربة من مبنى دار التوحيد ومهجعنا الملاصق لها، وفي كثير من الرحلات في شعاب الطائف، وفي غابات عشيرة، ومزاولة بعض الأنشطة بكرة القدم بقيادة رئيس فريقنا الزميل الفاضل عبدالرحمن العبدان، وأكثر أوقاتنا في استذكار الدروس وحفظ النصوص لأن جونا جو جدَ ومثابرة وتنافس في التحصيل:

بقدر الكد تكتسب المعالي *** ومن طلب العلا سهر الليالي

كما يحلو لنا التسابق في أوقات فراغنا فوق متون الدراجات العادية (السياكل) وقد نصل، إلى وادي وج محاذين بساتين المثناة ـ وهذا النوع الترويحي من خصائص معظم طلاب الدار، أذكر أني قد اشتركت في شراء (سيكل) أنا والزميل الراحل سليمان المضيان -رحمه الله - مناصفة بقيمة إجمالية (ستون ريالاً) خالية من الأنوار. وبعد التخرج من الكلية عام 1379هـ  دعانا مع بعض الزملاء في بلده حوطة بني تميم، مدة ثلاثة أيام بلياليهن، فقمنا بالقنص ليلتين باصطياد الأرانب في تلك الأودية والشعاب قبل المنع، وقد تولى الرماية الأستاذ سلطان بن عبدالله بن صالح والزميل محمد بن ابراهيم أبو معطي – رحمه الله – وقد استمتعنا في تلك الرحلة الجماعية التي ظلت ذكرياتها خالدة في طوايا نفسي مدى أيام حياتي:

فما أحسن الأيام إلا أنها ***  يا صاحبي إذا مضت لا تعود

<!--رحمه الله رحمة واسعة –                                   

 

 

 

 

 

 

 

 


الشيخ عبدالعزيز التريكي كوكب أضاء صدور تلاميذه (<!--)

 

قضيتَ حياة ملؤها البرّ والتقى ** فأنت بأجر المتقين جديرُ

الإنسان حينما يشرع في الكتابة عن حياة وسيرة أحد أفاضل العلماء القدامى الذين يفصله عنهم عقودٌ وقرنٌ من الزمن، فإنه قد لا يطاوعه قلمه لبعد المسافة بين من يكتب عنه..، ولكن نظراً لعلاقة فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن ناصر التريكي بوالدي الشيخ العلامة عبدالرحمن بن محمد الخريف علاقة أبوية تربوية كان لزاماً علي أن أكتب منوهًا عن أفضاله ورعايته الخاصة بوالدي -رحمهما الله رحمة واسعة -حيث تلقى عليه الدراسة بمدرسته إحدى مدارس الكتاب لتحفيظ القرآن الكريم وتعلم الكتابة بحريملاء، وحينما علم أن والدي يتيم الأب المولود عام 1289هـ اهتم به وأخذ يعتني به فلحظ مخايل الفطنة والذكاء عليه وسرعة حفظ ما يسمعه، فزاده ذلك حبا وعناية حتى ختم القرآن الكريم وحفظه عن ظهر قلب، فقامت والدته –جدتي -ببعث ثوب وغترة وبعض النقود للمقرئ الشيخ عبدالعزيز تقديراً له وفرحاً بتفوق ابنها عبدالرحمن على أقرانه، وقد قربني الخيال وأنا أكتب هذه الأحرف إلى تصور ذاك الصبي النجيب (والدي رحمه الله) وهو جالس على يمين معلمه، وقد خفف عنه وطأة اليتم برعايته وجلوسه بجانبه، فلم أملك في تلك اللحظة الخيالية دفع دموع عيني ذاكراً له متمثلاً في خاطري، فلا تعجب:

فحسبت نفسي حاضرا معه ** ولا تعجب إذا كان الغياب حضورا

إن القلــــوب إذا صفــت مرآتها ** وإن حجــبت ترى بها منظــورا

 ولقد ولد الشيخ عبدالعزيز بن ناصر التريكي -رحمه الله -في حريملاء وحفظ القرآن الكريم وتعلم القراءة والكتابة على يد والده الشيخ ناصر بن تريكي - رحمه الله - كما تلقى العلم على يد علماء ومشايخ حريملاء..، ثم سافر إلى الرياض للاستزادة في طلب العلم حيث التقى بالعديد من مشايخ وعلماء الرياض –آنذاك -وجلس إليهم وأخذ عنهم علوم القرآن والحديث والعربية، وكان -رحمه الله -من المشهورين بجودة الخط، وله عدد من المخطوطات والرسائل التي كتبها، وقد كتب القرآن الكريم بخط يده وفقاً للخط العثماني الذي خطه بمداد زاهية ألوانه يؤنس الناظرين إليه، وقد جمع بين جودة الخط وجمال المنظر، وكأن لسان حاله حينما فرغ من نسخه يردد في خاطره معنى هذه الأبيات الثلاثة التي رثى نفسه بها الشاعر الأبيوردي حينما فرغ من تدوين ديوانه ذا الجزءين حيث يقول:

تبلى الأنامل تحت الأرض في جدث ** وخطها في كتاب يؤنس البصرا

كــــم من كتـــاب كريم كان كاتبه ** قد أٌلبس الترب والآجر والحجرا

يا مـــن إذا نظـــرت عيناه كِتْبتَنَا ** كُــن بالدعــاء لنا والخير مُدكرا

وقد تولى إمامة مسجد (الحنيني) بحريملاء، وأسس مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم عرفت فيما بعد باسمه -رحمه الله -وقد حفظ القرآن على يديه خلق كثير من أهالي حريملاء منهم: والدنا الشيخ عبدالرحمن بن محمد الخريف، والشيخ محمد بن فيصل المبارك، والشيخ علي بن إبراهيم بن داوود، والشيخ عبدالرحمن بن داوود، والشيخ عبدالله بن عبدالمحسن المغيصيب، والشيخ حمد الراشد..، (ذكر ذلك المؤلف الأستاذ إبراهيم بن عبدالعزيز السليم في كتابه (التعليم في حريملاء قديما وحديثا) كما أورد الشيخ راشد بن محمد بن عساكر نبذة عن الشيخ عبدالعزيز بن ناصر بن تريكي وعن مخطوطاته في كتابه (المخطوطات النجدية في الخزانة الشاويشية) حيث ذكر في صفحة 76 أن ابن تريكي قام بكتابة القواعد النورانية المعتبرة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية بخط يده عام 1272هـ وهو موجود لديه، وقد عرف عن أسرة التريكي طلب العلم وحفظ كتاب الله والعناية به وتعليمه. أما عن وفاة الشيخ عبدالعزيز بن ناصر بن تريكي -رحمه الله -فقد توفي عام 1324هـ في حريملاء، وخلف أربعة أولاد هم: ناصر وعبدالرحمن وإبراهيم ومحمد -رحم الله الجميع -فأما ناصر فقد انتقل إلى بلدة ملهم وتولى إمامة مسجد حصيان وخطابة جامع بلدة ملهم، وأسس مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم وتعليمه، وبعد وفاته خلفه ابنه عبدالعزيز في الإمامة والخطابة، وتدريس القرآن الكريم، وقد حفظ القرآن على يديه خلق كثير من أهالي ملهم، أما إبراهيم فقد خلف والده في إمامة مسجد الحنيني بحريملاء -وقد أدركته في آخر حياته وكان سمح المحيا لين الجانب في تعامله مع الجيران ومع الغير -رحمه الله -، وقد توارث أبناء وأحفاد الشيخ عبدالعزيز بن ناصر التريكي طلب العلم وحفظ القرآن الكريم وإمامة المساجد بحريملاء وملهم والرياض -رحم الله الجميع -والحقيقة أن الشيخ عبدالعزيز قد تخرج على يديه الكثير من حفظة القرآن الكريم وترك آثاراً طيبة قيمة منها خط نسخة من المصحف الشريف لندرة وجود المصاحف بخطه الجميل المميز، ونسخ بعض الكتب المفيدة من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وعدد من الرسائل والتعليقات بقيت بعده شاهدة على فضله وقوة جلده على الكتابة احتسابا للأجر والمثوبة من رب العباد:

وما من كاتب إلا سيفنى ** ويَبقي الدهرَ ما كتبت يداه

فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه

<!--[if !supportFootnotes]-->

<!--[endif]-->

(<!--) نشرت في صحيفة الجزيرة، يوم الجمعة 6 ربيع الأول 1434هـ الموافق 18 يناير 2013م.

(<!--) أرسلت للنشر في صحيفة الجزيرة، يوم الثلاثاء 3 ربيع الأول 1434هـ الموافق 15 يناير 2013م.

(<!--) نشرت في صحيفة الجزيرة، يوم الجمعة 20 ربيع الأول 1434هـ الموافق 1 فبراير 2013م.

(<!--) نشرت في صحيفة الجزيرة، يوم السبت 28 ربيع الأول 1434هـ الموافق 9 فبراير 2013م.

(<!--) أرسلت للنشر في صحيفة الجزيرة، يوم الأثنين 1 ربيع الآخر 1434هـ الموافق 11 فبراير 2013م.

(<!--) نشرت في صحيفة الجزيرة، يوم الخميس 2 جمادى الأولى1434هـ الموافق 14 مارس 2013م.

mager22

فقد ورثاء ( عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف )

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 327 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2013 بواسطة mager22

رحم الله الشيخ الوجيه/ عبدالرحمن المبارك طيب الذكر(<!--)

 

تولى وأبقى بيننا طيب ذكره *** كباقي ضياء الشمس حين تغيب

من الناس من يوفقه الله منذ صغره وفي مقتبل عمره مُحبباً له طرق الخير ومعالي الأمور فيظل عالي الهمة متطلعاً إلى حياة كريمة تسمو به إلى مراقي المجد والسؤدد، وقد يوفق بمن يوجهه إلى طرق الخير ليحيى عزيزاً مكرماً، كما أن الذي يعيش في بيئة صالحة بيئة علم وأدب وصلاح قد لا يحتاج إلى توجيه من غيره فيتأثر تلقائياً بمن حوله وبفطرته السليمة إلى أقوم السبل وأيسرها، كما أن الخلطة بالأخيار لها بالغ الأثر في صلاح المرء مترسماً خطاهم يسير على طريق الهدى كما ساروا، وهذه الصفات الحميدة تعدُ من سمات وشمائل الشيخ الوجيه عبدالرحمن بن إبراهيم بن محمد المبارك الذي ولد في حريملاء عام 1310هـ وفي كتّابها تلقى علوم القرآن الكريم والْكِتابة فحفظه كله غيباً في حدود عام 1333هـ وقد منحه المولى حسن الصوت حينما يجهر بتلاوة القرآن الكريم بصوت تلذ له الأسماع مُشرباً بالخشوع المؤثر في نفوس سامعيه، وقد عاش في بيئة علم وأدب حيث كانت حريملاء تَعْجُ بالكثير من طلاب العلم وبالعلماء الأفاضل، وقد تلقى مبادئ في العلم على يد ابن عمه رائد الحركة العلمية بحريملاء آنذاك ـ فضيلة الشيخ/ محمد بن ناصر بن محمد بن عبدالله المبارك -رحمه الله -، بعد ذلك انتقل مع والده إلى الرياض مواصلاً تلقيه العلوم الشرعية حيث قرأ علم التجويد على الشيخ المقرئ عبدالعزيز بن يحيان إمام مسجد محلة الشرقية، وقد شارك مع والده في الأعمال الزراعية بعض الوقت -وبعد ما اشتد ساعداه التحق بمعية جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل -طيب الله ثراه -، مجاهداً تحت راية السعودية أعزها الله بالإسلام، ويحسن بي أن أسرد شيئاً من خدماته المشرفة مع أولئك الرجال الأفاضل الذين صحبوا جلالة الملك عبدالعزيز مجاهدين تحت راية جلالته -رحمهم الله جميعاً -وذلك منذ عام 1333هـ حتى عام 1340هـ، ومن المواقع التي كان له شرف المشاركة فيها موقعة (الأوبالية) و (عظيم المكحول، والبشوك) بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير/ تركي بن عبدالعزيز (الأول) -رحمه الله -، وموقعة فتح حائل بقيادة صاحب الجلالة الملك سعود بن عبدالعزيز -غفر الله له -، ثم اختاره الملك عبدالعزيز  -طيب الله ثراه – مفتشاً عاماً في إمارة حائل، وبعد استرداد الحجاز كُلّف جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله -بتولي النيابة بالحجاز فكان له شرف الالتحاق بمعيته بتوجيه من الملك عبدالعزيز ضمن مجموعة من الرجال تم اختيارهم، ومنهم عبدالمحسن السميري، وحسن بن غشيان، -رحمهم الله - وفي هذه الفترة قام جلالة الملك فيصل -غفر الله له -بأول رحلة خارج المملكة إلى أوروبا، وكان من ضمن المرافقين له في تلك الرحلة، وفي عام 1353هـ عين أميراً لضباء وأثناء توليه الإمارة هناك حدثت بعض الفتن وكان له شرف المشاركة في القضاء عليها وإخمادها والأخذ بالحزم وحسن التدابير حتى حظي بتلقي خطابات الشكر والتقدير في حينها...، وبعد إمارة ضباء نقل أميراً للوجه وبقي فيها عدة سنوات... ، وبناء على طلبه تم نقله منها إلى مكة المكرمة وعين رئيساً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يدم طويلاً، فقد اقتضى نظر ولي الأمر جلالة الملك عبدالعزيز -رحمه الله -تكليفه بإمارة القنفذه، فلما طال مكثه بالحجاز واغترابه عن وطنه استبد به الحنين إلى الرجوع إلى مهوى رأسه ومدارج صباه مدينة حريملاء ليقيم بها أو على مقربة منها، وليتسنى له الالتقاء بمن بقي من رفاق دربه وأصدقاء الطفولة، وليسرح طرفه في أرجاء البلاد والسير في أزقتها الضيقة والتنقل بين محلاتها وحاراتها ليروي غلته ويطفئ نار تشوقه إليها..

ما من غريب وإن أبدى تجلده *** إلا تذكر عند الغربة الوطنا

فطلب من الملك عبدالعزيز نقله إلى الرياض ليكون على مقربة من بلده حريملاء فلبى طلب نقله، فالتحق بمعية جلالته "غفر الله له" وفي أثناء إقامته بالرياض كلف بأمارة حريملاء ففرح فرحاً شديداً، وكان -يرحمه الله -أثناء عمله أميراً بها مضرب المثل في الحزم والهيبة، وبالكرم وحسن السياسة مع المواطنين، وإنزال كل إنسان منزلته، فهو محبوب لدى الجميع لما يتمتع به من خلق كريم، ومن صفاته الحميدة العمل على لم الشمل بين الناس التي قد يجري بينهم خلافات فيتم حسمها بحضوره وبآرائه السديدة برضا الطرفين ولا تحتاج للذهاب إلى المحاكم، -جزاه الله خيرا -، كما كان يحرص كل الحرص على حماية غابات شعيب حريملاء كثيفة أشجار الطلح والسمر من العبث بها أو قطعها مؤكداً على الحراس باليقظة في حمايتها ولا سيما في الليالي المقمرة، ولا زالت الحماية مستمرة حتى يومنا الحاضر لأهميتها، وحرص الأهالي على إبقاء ذاك الشعيب رحب المناكب محفوفاً بالأشجار الظليلة دائمة الخضرة، ويعتبر من أجمل المتنزهات بالمنطقة الوسطى لمن يؤمه من مدينة الرياض وما حولها، ولا سيما في مواسم الأعياد وإجازات الربيع، وقد سارت الأمور في زمنه سيراً حسناً وخالية من المشاكل، ونحمد الله أن الترابط والألفة سائدة بين المواطنين في حريملاء منذ قِدم العصور... ، وفي أثناء تلك الفترة شيد له قصراً كبيراً ليسكن فيه، ويعتبر من أشهر القصور رحابة في حريملاء – آنذاك -، استفادت منه بعض الدوائر الحكومية بعد ما انتقل منه إلى الرياض حيث استعمل مقراً لأول مدرسة ابتدائية في بداية عام 1369هـ، فأعقبها افتتاح مستوصف لرعاية المرضى بحريملاء وما جاورها، ثم تلا ذلك استقرار البلدية به فترة من الزمن، فإيجاد مثل هذا المبنى المبارك في تلك العصور يكون سبباً في تسهيل تحقيق وجود المصالح الحكومية المذكورة – آنفاً -وفي أثناء إقامته اقترن بزوجته الثانية أم ابنه الأستاذ الفاضل/ عبدالله الذي كان يشغل منصب (وكيل للشؤون المدرسية والمكتبات) بالرئاسة العامة لتعليم البنات، فاختار لها منزلاً صغيراً مجاوراً للمجسد الأثري المسمى (مسجد قراشة) ملتقى تلقي طلاب العلم لدى رائد الحركة العلمية فضيلة الشيخ/ محمد بن ناصر المبارك -رحمه الله -، وقد عاش في تلك الفترة عيشة هناء ومسرة...، وكان المسجد يجمعه مع والدنا الشيخ عبدالرحمن بن محمد الخريف العالم الزاهد -رحمه الله، فيأنس والدنا المحب له لحسن صوته الرخيم الجميل أثناء تلاوته القرآن الكريم، ويفرح إذا غاب إمام المسجد ولا سيما في الصلوات الجهرية، ويقال أن الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه -، في أحد غزواته إذا طال بهم المسير ليلاً يأمره برفع صوته أثناء تلاوة القرآن الكريم الجميل الشجي ليطرد النعاس عنهم حتى إن الإبل تمد أعناقها وخطاها تأثراً بحسن صوته في التلاوة -رحم الله الجميع رحمه واسعة -، بعدها وبناء على طلبه نقل إلى الرياض والتحق بمعية جلاله الملك عبدالعزيز، وبعد ما انتقل جلالته إلى الدار الباقية -رحمه الله -اقتضى نظر صاحب السمو الأمير مساعد بن عبدالرحمن رئيس ديوان المظالم -رحمه الله -أن يلتحق بالعمل لديه في الديوان وقد تم ذلك لعدة سنوات، بعدها انتقل إلى الهيئات الدينية كمفتش حتى بداية عام 1390هـ حيث طلب الإعفاء من الوظيفة وأعفي منها بعد خدمة دامت أكثر من ستة وخمسين عاماً قضاها في خدمة دينه ووطنه بكل تفان وإخلاص، وبعدما تقاعد استقر في مدينة الرياض، وتفرغ للعبادة فأخذ يقضي جل وقته في جامع (المشيقيق بحي الشميسي)  بالرياض الواقع على مقربة من منزله يتلو الآيات والسور، وفتح بابه لاستقبال من يقصده من أقارب وعلماء وأدباء، وحتى من خارج مدينة الرياض للسلام عليه، وتجاذب أطراف الأحاديث الودية الشيقة، فمنزله يعتبر من (الصوالين الأدبية) – آنذاك – فهو خزانة علم وتاريخ طويل حافل بسرد الكثير من الأحداث والوقائع التي خاضها مع جلالة الملك عبدالعزيز وبعض أنجاله فترة توطيد أركان البلاد – رحم الله الجميع -، وكنت أزوره أثناء حضوري إلى الرياض فيسألني عن والدي صديقه بحفاوة ولطف قبل رحيله – أي والدي -متذكراً أيامه الجميلة معه بحريملاء أثناء عمله أميراً، وهذه من الذكريات الحبيبة إلى قلوبنا التي لا تنسى على مر الأزمان، ولقد استقيت معظم ما ذكر من أعماله الجليلة التي جرت بصحبة الملك عبدالعزيز من أحد أنجاله الأستاذ عبدالله وكانت وفاته يوم الجمعة 18/4/1402 هـ عن عمر يناهز الثانية والتسعين عاماً، بعد حياة طويلة حافلة بإخلاص العبادة لله، وبالأعمال الحكومية المشرفة التي قضى معظمها بمعية جلالة الملك عبدالعزيز وبعض أنجاله الكرام في مواقع متعددة ذات أهمية، ولئن غاب شخص أبو عبدالعزيز عن نواظر أسرته وعن أحبته فإن ذكره الطيب باق في قلوبهم، ولسان حالهم يردد معنى هذا البيت مثنيا على كرمه وطيب فعاله:

كريمٌ له بيتٌ كريمٌ تقاسَمتْ  ***  أواخِرُهُ أرثَ العلَى وأوائلُهْ

         - رحمه الله رحمه واسعة -  


الشيخ عبدالعزيز بن سوداء لا يبرح ذكره خواطر محبيه(<!--)

 

اخو العلم خالد بعد موته ** وأوصاله تحت الترب رميم

كثير ممن غابوا عن الدنيا من البشر إلى الدار الباقية ما يلبث ذكرهم أن يتلاشى من الذاكرة شيئاً فشيئاً حتى يعدُّ في وادي النسيان وتطمر أفعالهم وأعمالهم تراكم الكثير من الذكريات والأحداث ومشاغل الحياة..، ولم يبق في الذاكرة إلا من أشتهر من الأعلام، والعلماء الأجلاء الذين تركوا إرثاً خالداً مفيداً من مؤلفاتهم أو خلفوا ذرية صالحة تجدد ذكرهم وذكر أفعالهم وأعمالهم في حياتهم بين حين وآخر، فمن أولئك الأعيان الأفاضل الشيخ العالم القاضي عبدالعزيز بن عبدالله بن مسلم "الملقب بابن سوداء "الذي ولد في مدينة حريملاء عام 1318هـ، وبعدما ختم القرآن الكريم في إحدى الكتاب، وتلاه على فضيلة الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن مهيزع، وعلى والدنا الشيخ العالم الزاهد عبدالرحمن بن محمد الخريف مع تلقيه مبادئ في العلم لديه، فلما أنس في نفسه الرغبة الملحة في مواصلة تلقي العلم شخص إلى مدينة الرياض فلازم المشايخ: سعد بن حمد بن عتيق، صالح بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ، عبدالله بن عبداللطيف، حمد بن فارس وغير هؤلاء الأعلام الكرام رحمهم الله جميعاً، فالشيخ عبدالعزيز يعتبر من تلامذة الوالد بحريملاء، وبمنزلة الزميل لدى المشايخ العلماء الفضلاء بالرياض، حيث نهل كل منهما من فيض علومهم العذبة مع فارق العمر والزمن..، كما أنه قد حل قاضياً بعد والدنا في "قرية العلياء المشهورة" في أواخر الأربعينيات – تقريباً – من القرن الماضي، ثم تولى القضاء ببلدة الأرطاوية، ثم قاضياً بمدينة المجمعة، وقد قضى زهرة شبابه وعمره في تلك المواقع الثلاثة – بتأكيد من الملك عبدالعزيز رحمه الله – قاضياً وإماماً خطيباً لجوامع تلك البلدان ومعلماً لمجموعة من طلبة العلم وقت فراغه، ومأذوناً للأنكحة، وهذا مما رغب جلالة الملك عبدالعزيز في إبقائه في تلك النواحي، ولأجل تبصير العامة بأمور دينهم عبر الدروس بالمساجد..، لأن الملك يدرك أهمية سكان الهجر والأرياف لتنويرهم وإضاءة سبل الخير والاستقامة إمام كل فرد من أبناء شعبة بصفة عامة..، فالشيخ -أبو عبدالله -من الفقهاء والعلماء المتضلعين من العلم والارتواء من حياضه الصافية، كما أنه على جانب واسع من الثقافة والأدب، والشعر الفصيح، وله ديوان شعر يضم بين دفتيه عدد من القصائد جزلة الألفاظ قوية الأسلوب.. لم يطبع حتى الآن.. فأسلوبه يميل إلى السهولة وسعة الأفق.. يحاكي شعر الحماسة والعاطفة الوطنية، ومما قاله مؤيداً ومُهنئاً لجلالة الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه-في إحدى غزواته وانتصاراته هذه الأبيات:

فلا يستقــيم الملك إلا سطـــوة  **  على كل باغٍ خــائنٍ ومشــــاغب

فذو البغي والإفساد يقتل جهرةً  ** إذا لم يتب من فعله والمثالب

ومن قصيدة أخرى يقول :

أهني إمام المسلمين بقمعه **  ذوي البغي والطغيان من كل غاشم

أهني إمام المسلمين بقهره  **   أولى الجهل والإفراط بين العوالم

فهو – يرحمه الله – يتوقد حماساً وإخلاصاً لدينه ولوطنه ومليكه..، كما كان يحرص على تدوين بعض الفوائد أثناء شرح معلميه في بعض المسائل الهامة العويصة فينقلها في هوامش بعض كتبه بخطه المميز الجميل الذي يؤنس الناظر إليه، ويقال انه يتبادل الرسائل مع بعض أخوته وزملائه ومن المؤكد أنهم يحتفظون بها، وعندما يرجعون إليها بعد وفاته ويسرحون أنظارهم بين اسطر تلك الرسائل متحسرين على رحيله وغيابه عن نواظرهم متذكرين قول الشاعر الأبيوردي الذي رثاء نفسه بها قبل مماته:

تبلى الأنامل تحت الأرض في جدث **  وخطها في كتاب يؤنس البصرا

كــــم من كتاب كريم كان كاتبه  **  قد ألبس الترب والآجـــــر والحجرا

يا مــــــن إذا نظــــرت عيناه كِتْبتنا  **  كن بالدعــاء لنا والخير مُدكرا

وكان باراً بوالديه واصلاً رحمه ووافياً  مع شقيقتيه: هيا والدة معالي الشيخ عبدالله بن ناصر العمار وإخوته وأخواته، ومع أخته لطيفه والدة أبناء ناصر بن عبدالرحمن الشبيبي، حتى أنه يقال إذا طال اغترابه عنهنّ زمن عمله بالقضاء في بلدة (قرية العلياء) وغيرها من البلدان التي عمل بها، فإنه يركب مطيته متجهاً صوب بلده حريملاء لزيارتهن، وجميع أقاربه ومعارفه، رغم بعد المسافة ومخاوف الطريق ووعورته – آنذاك -التي يستغرق قطعها أياماً وليالي، وقد يحمل معه بعض الهدايا مثل الكساء، والأقط  والكمأة – أي الفقع – وخاصة مواسم الربيع المبكر..، وهذا الصنيع منتهى الوفاء والبر رجاء رضى المولى، ومضاعفة الأجر، -رحم الله الجميع – وكان أثناء إقامته في حريملاء لا يمل الجلوس مع والدنا الشيخ عبدالرحمن لتجاذب أطراف الأحاديث الودّية، والبحث في بعض المسائل الفقهية، وعلوم الفرائض وسائر الفنون..، ليستفيد من والدنا، وإن كان لا يتظاهر بعلمه تواضعاً وأدباً، وإنما يكتفي بالإيماءات: لعله كذا لعله أصوب، وهذه الصفة الحميدة من صفات العلماء رواجح العقول – رحمهم الله – وله مع والدنا ذكريات جميلة ذكريات محبة وتدارس علم، غابت معه في جدثه حيث توفي في عام 1374هـ  حسب ما ذكر في بعض التراجم، وكان محبوباً لدى جماعات البلدان التي عمل بها في سلك القضاء لما يتمتع به من دماثة خلق وتلطف مع الضعيف والقوي، ومع الكبير والصغير، يحث على التآلف والتسامح وحسن التعامل، والعطف على الضعفة والمساكين، وعلى اهتمامهم بتربية أبنائهم وبناتهم التربية الصالحة، وترغيبهم في حفظ كلام الله وأداء الصلوات في أوقاتها، ولذا عذب ذكر اسمه بينهم:

وإنما المرء حديث بعده  **  فكن حديثاً حسنا لمن وعى

 وبقي ذكره الحسن في صدور من بقي من أسرته ومحبيه، وقد خلّف أبنه الأستاذ الفاضل موسى وعدد من البنات الصالحات – رحمه الله رحمة واسعة.

ورحل الأستاذ الفاضل ناصر بن ابراهيم الجريبة (<!--)

 

فلو أنني خيرت من دهري الْمُنَى *** لاخترت طول بقائه وخلوده

بينما كنت جالسا في مناسبة زواج ليلة الخميس29/1/1434هـ في قصر الجماعة بحريملاء مغتبطا؛ إذا برنين الهاتف يحمل نبأ رحيل الأستاذ الكريم ناصر بن ابراهيم الجريبة (أبو محمد) إلى جوار ربه، وغربت شمسه متزامنة مع غروب وعبور شمس نهار يوم الأربعاء 28/1/1434هـ فتكدر خاطري فجأة، وكان لذاك النبأ وقع محزن جدا في نفسي، وما لبثتُ أن حلق بي الخيال متذكرا سيرته العطرة منذ طفولته وريعان شبابه حيث أودع في باطن الأرض بمقبرة (صفية) بمحافظة حريملاء بعد صلاة ظهر يوم الخميس 29/1/1434هـ ، وكان – يرحمه الله – في طليعة الشباب النجباء خلقا وأدبا وذكاء منذ المرحلة الابتدائية، ومرحلة الدراسة بمعهد المعلمين، حيث صدر قرار تعييني مديرا لمعهد المعلمين مع الأشراف على المرحلة الابتدائي بحريملاء، اعتبارا من تاريخ 23/4/1379هـ وكان مثالا في الأدب والمواظبة، وحسن السلوك مع زملائه ومعلميه، ولم أذكر أنه قد بعث إلى الإدارة طيلة دراسته في المرحلتين..، وهذا يدل دلالة قاطعة على أنه طالب مثالي جمع الجد والصفات الحميدة.

وأحسن الحالات حال أمريء *** تطيب بعد الموت أخباره

يفـــنى ويبقــــى ذكـــره بعده *** إذا خلت من شخصــه داره

وبعد حصوله على كفاءة المعهد لدينا..، وعلى الدراسة بالمعاهد التكميلية بالرياض..، تم تعيينه بمدرسة المأمون بحي الشميسي بالرياض، وعمل وكيلا مع الأستاذ الفاضل محمد بن عمر بن عقيل مدير المدرسة – آنذاك - وهو يعتبر من رواد التعليم -معطر السمعة (رحمهما الله) وبعدما تقاعد الأستاذ محمد حلّ محله الأستاذ ناصر مديرا ناجحا عبر السنوات الطويلة حتى بلغ سن التقاعد حميدة أيامه ولياليه، وكان محبوبا لدى زملائه المعلمين، وأفواج أبنائه الطلبة المتتابعين، في الدراسة بتلك المدرسة..، ومحترما لدى أولياء أمورهم لما يلقونه من حسن استقبال وتفهم لمطالبهم وحرصه على رعاية أبنائهم، وقد انعكس حسن أسلوبه وتعامله على سلوك الطلاب والمعلمين، فهو يعتبر من أنجح مديري المدارس إدارة وخلقا وحنكة، وأطول مكثا في إدارة مدرسة تقع في قلب مدينة الرياض، وتضم أجيالا متعاقبة من مختلف جنسيات الطلاب مع تفاوت في طبائعهم وسلوكياتهم ومستوياتهم الاجتماعية والتحصيلية، ومع ذلك كله قاد تلك السفينة التي لا تخلو من تلاطم الأمواج وهبوب الرياح العاتية – فقد سارت بأمان طيلة عمله – بتوفيق من الله جل ذكره - ثم بحسن سياسته وأخلاقه في تعامله مع الجميع، علما أن أجواء المدارس بصفة عامة لا تخلو من بعض المشاكل، والخلافات بين المنتسبين إليها طلابا ومعلمين..، بل ومع بعض أولياء أمور الطلبة، ولكنه بحذقه ودرايته بأحوال وطبائع من يتعامل معه كان سببا من أسباب نجاحه في تذليل العقبات والتوفيق بين الأطراف التي قد يحصل بينها بعض المشاكل والخلافات (غفر الله له). كما لا أنسى تواصله معي هو وابن عمه الأستاذ الفاضل عبدالله بن عبدالعزيز الجريبة ودعواتهما الصادقة لي ولوالدي وعقبي، فالأستاذ ناصر رجل كريم يتمتع بطيب القلب ودماثة الخلق معي ومع غيري، فأنا الآن لا أملك سوى الدعاء الصادق له بالرحمة والمغفرة وصلاح الذرية:

ما ودني أحد إلا بذلت له *** صفو المودة مني آخر الأبد

وقبل أيام قلائل زرته في منزله للاطمئنان على صحته وتطرقت لذكر أيام دراسته لدينا في حريملاء، فما أجملها من ذكريات، ذكريات الصبا والنشاط، وعندما حاولت سرد بعض نشاطاتهم في النادي المدرسي، وعن رحلات الربيع اغرورقت عيناه بالدموع، ولسان حاله يردد قول الشاعر:

لك الله لا توقظ الذكريات *** وخل الأسى في الحنايا دفينا !

رحمك الله -أبا محمد-وعلى أي حال فذكرياتنا معه ومع أمثاله من الأخيار باقية في خواطرنا مدى العمر، وكان -يرحمه الله -محبوبا لدى زملائه وطلابه وجيرانه، فمجلسه لا يمل كثير الزوار لما يتحلى به من رحابة صدر وطيب معشر وتواضع جم، ولم يعهد عنه أي إساءة لأحد، بل إنه يتحبب إلى أقاربه وأصحابه، ويتغاضى عن الهفوات لو صدرت من أحد، ويحث على التسامح وقوة الترابط بين الأسر والجماعات، ولسان حاله يتمثل بهذا البيت:

تحلّم عن الأدنين واستبقي ودهم *** فلن تستطيع الودَّ حتى تحلما

ولذا كثر أحبابه ورفاقه..، ومن وفائه أن اتصل علي قُبيل رحيله عن الدنيا بحوالي عشرة أيام، فاستبشرت في بادئ الأمر متفائلا بتماثل صحته وشفائه، وكأنه قد أحس بدنو أجله، وعزَّ عليه أن يرحل إلى الدار الباقية ولم يودعنا لعلمه بعلو مكانته في قلبي فأخذ يمطرني بوابل من الدعوات الصادقة والترحم على والدي بصوته الهادي الحزين الذي ظل مدويا في أعماق نفسي حزنا وتأسفا على غيابه وبعده عنا وعن أسرته ومحبيه، وهو يقول: سامحني إن كان قد صدر مني ما يكدر خاطرك، فبادرته: حاشا أبا محمد أنت من أقرب الطلاب إلى قلبي، ثم استمر والعبرات تكاد تخنق صوته، لا تنساني من صالح دعواتك، لا تنساني من صالح دعواتك يا أبا محمد، فلم أتمالك دمع عيني في تلك اللحظة الحاسمة المفعمة بالحزن العميق، فعلمت أنها لحظات وداع لا تتكرر معه..، فقد أثرت في نفسي تلك الكلمات الموجعة لقلبي، ولئن غاب عن نواظرنا فإن ذكره الحسن مقيم بين جوانحنا مدى الأيام، وقد ترك ذكرا حسنا، وخلف ذرية صالحة تدعو له، وتخلد ذكره، ستة أنجال كلهم يحملون مؤهلات عالية، ودرجة الدكتوراه لأبنه فهد الطبيب المخلص، وأربع بنات صالحات متعلمات ومثقفات، جبر الله مصيبتهم ومصيبة عقيلته (أم محمد) وجميع أسرته ومحبيه – تغمده الله بواسع مغفرته ورحمته.

 

الشيخ محمد بن مانع وذكره الجميل(<!--)

 

لا يأمن العجز والتقصير مادحه ** ولا يخاف على الإطناب تكذيبا

من الناس من يبقى ذكرهم الطيب عالقا في أذهان مجتمعهم ومحبيهم، بل ومن غيرهم تتوارث الأجيال ذكرهم جيلا بعد جيل ولاسيما من كان لهم شأن وتأثير عام ولمن حولهم، وهذا لا يتسنى إلا للعلماء الأفاضل وعظماء مشاهير الرجال، بل وبفضليات النساء الذين خلد التأريخ ذكرهم – فقيمة كل امرئ ما يحسنه – فالتاريخ خزانة آمنة تحفظ ما أودع فيها من خير وخلافه، ولا تحتاج إلى حراسة خلاف حراسة الأموال والممتلكات، -فاصنع أيها الإنسان لنفسك قبل موتك ذكرها-فمن أولئك العلماء الأجلاء الذين أضحت أسماؤهم خالدة غضة طرية إلى ما شاء الله...، فضيلة الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن محمد المانع، وقد ولد -رحمه الله – بمدينة عنيزة بمنطقة القصيم عام 1300هـ، فلما بلغ السابعة أدخله والده كتابا ليتعلم القران الكريم، فقرأ القرآن كله وحفظ بعضه، ثم اشتغل بطلب العلم، فقرأ مختصرات العلوم الشرعية والعربية ككتاب التوحيد، ودليل الطالب، وبلوغ المرام، وشرح الرحبية في علم المواريث، والأجر ومية، على علماء عنيزة وبريدة، فلما ناهز البلوغ سافر إلى بغداد للاستزادة من العلم، فقرأ على علماء النحو والصرف والفقه والفرائض والحساب والمنطق، ثم توجه إلى مصر فأقام بالأزهر فقرأ فقه الحنابلة والنحو وغيرهما، ثم سافر إلى دمشق، واتصل بعلمائها وتعرف عليهم، فقرأ عليهم في الحديث، ثم عاد إلى العراق ولازم مشايخه السابقين، فتزود منهم في علوم العربية بأنواعها، وقرأ عليهم مختلف أنواع العلوم والفنون، وكان جادا مواصلا نهاره بليله في القراءة والتحصيل وإدمان المراجعة والبحث، وكان لا يضيع من وقته لا قليلا ولا كثيرا، ويقال أنه قد أصيب بمرض أرقده وهو بالبصرة، ومع ذلك كان يطلب من أحد المقربين منه أن يجلس عند رأسه رغم شدة وطأة المرض ليقرأ عليه بالكتب المفيدة، وقد أجاد الوزير ابن هبيرة مقدرا حفظ الوقت واستثماره حيث يقول:

والوقت أنفس ما عنيت بحفظه ** وأراه أسهل ما عليك يضيع

وكان مع هذا سريع الحفظ بطيء النسيان حاضر الخاطر، ولذا اطلع على ما لم يطلع عليه غيره، فصار آية في حفظ المتون واستحضار مسائلها وما قاله الشراح عليها، وكان فقيها مطلعا على خلاف العلماء يكاد يحفظ نظم ابن عبدالقوي البالغ أربعة عشر ألف بيت في فقه الحنابلة، هذا عدا المختصرات والمتون ونظم العلوم. فالحديث يطول لو استرسلنا في سرد سيرته، وما زال مجدا في تحصيل العلوم إلى أن اصبح من العلماء الكبار المشار إليهم، ومن مشايخه في نجد فضيلة الشيخ محمد بن عبدالله بن سليم، والشيخ عبدالله بن عايض، والشيخ إبراهيم بن حمد الجاسر وغيرهم كثر، أما أعماله فأولها رئاسة النادي الذي أسسه الشيخ المحسن محمد بن عبدالرحمن الذكير في البحرين لتحرير المقالات والتباحث، وإعداد الردود على النصارى الذين انتشروا في أطراف الجزيرة العربية والخليج العربي، وفي عام 1334هـ طلبه حاكم قطر الشيخ عبدالله بن ثاني فرحل إليه، فولاه قضاء قطر والتدريس والخطابة، فأمضى في هذه الأعمال ثلاثا وعشرين سنة، ورحل إليه الطلاب من عمان وسائر بلدان الخليج، وأخذوا عنه أثناء تلك الفترة الطويلة، وقبل حلوله كان أهلها يقلدون مذهب المالكية، فصاروا من آثار تدريسه وتعليمه حنابلة المذهب، وفي عام 1358هـ طلبه جلالة الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – فأمره بالتدريس بالمسجد الحرام والمدراس الحكومية، ثم عينه رئيسا لثلاث هيئات: هيئة تمييز الأحكام الشرعية، وهيئة الأمر بالمعروف، وهيئة الوعظ والإرشاد، فكان رئيسا لهذه الدوائر الثلاثة في آن واحد، وهذا يدل على سعة علمه  وحنكته، وحسن سياسته، وفي عام 1365هـ صدر مرسوم ملكي كريم بتعيينه مديرا عاما للمعارف قبل تشكيل الوزارة – آنذاك – وأسندت إليه رئاسة – أم المدارس – (دار التوحيد بالطائف) واستمر مديرا عاما للمعارف حتى شكلت وزارة المعارف، وأسندت وزارتها إلى سمو الامير فهد بن عبدالعزيز (خادم الحرمين الشريفين) رحمه الله. ومن حرص الشيخ محمد بن مانع على حسن سير الدراسة قيامه عام 1372هـ بجولة تفقدية على مدارس بعض مناطق المملكة شمالها ووسطها وشرقها رغم مشاق السفر ووعورة الطرق في تلك العقود الفارط..، فكل منطقة يزورها يجد حسن الاستقبال والحفاوة التامة من أهلها ومعلميها، فهو يرحمه الله أهل لذلك التكريم والاحترام، وفي عام 1374هـ طلبه حاكم قطر – سابقا – الشيخ علي بن ثاني من حكومتنا فرحل إلى قطر وصار مشرفا على سير التعليم فيها وتطوير المناهج، بعد ذلك صار مستشارا للحكومة في الأمور الدينية، فحصل من ثمرة هذه الثقة به النفوذ لكلمته، فقامت حكومة قطر الكريمة بطبع الكثير من الكتب العلمية النافعة وتوزيعها على أهل العلم مجانا، ولاشك أن له نصيب من الاجر إن شاء الله  والدال على الخير كفاعله، والحقيقة أنه قضى حياته الطويلة في خدمة العلم الشريف، متعلما ومعلما ومؤلفاً وداعياً ومشجعاً، وهذا فضل من الله يؤتيه من يشاء :

دمت يامن سما بفضل وعلم ** فوق هام السها مدى الأعصار

ولي مع فضيلته أجمل الذكريات وأفضلها حينما قدمت من بلدي حريملاء إلى مقر مديرية المعارف بمكة المكرمة الواقعة على مقربة من المسعى في الجانب الشرقي الجنوبي لأجل طلب الالتحاق بدار التوحيد عام 1371هـ فطرح علي بعض الأسئلة فأفدته أني من تلامذة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم وأخيه فضيلة الشيخ عبداللطيف، وفضيلة الشيخ إبراهيم بن سليمان الراشد قاضي محكمة الرياض وإمام مسجد الامام تركي..، وقد تلقيت مبادئ في العلم وحفظ بعض المتون مثل كتاب التوحيد، ومتن العقيدة الواسطية، وجزء من كشف الشبهات، ومتن الأجرومية في النحو، بعد ذلك أحالني على مدير التفتيش الأستاذ محمد بن صالح الخزامي، لمقابلتي واختباري للقبول، فأعطاني هذا المثال في النحو لأعربه خطيا على ما فيه من صعوبة وخاصة محل جواب الشرط (يعاقبوا) (المسيئون إن يقتلوا أخاك يعاقبوا) فقال بعد المقابلة أحضر صباح غد تجد النتيجة لدى سماحة المدير العام، وعندما أقبلت على سماحة الشيخ نهض من كرسيه وهو يردد (ناجح، ناجح يا ابني) فكدت في تلك اللحظة أطير فرحا لأن هذا المثال هو الجسر الذي عبرت بسببه إلى الدراسة النظامية، فالشيخ محمد بن مانع يحرص كل الحرص على رعاية وتشجيع طلاب دار التوحيد ولاسيما من يتوسم فيهم الصلاح والاستقامة لحاجة البلاد الى قضاة وخطباء مسجد ومعلمين، فالملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه - قد أسسها لهذا الغرض ولسد بعض حاجة البلاد من أمثالهم ثم كتب إلى شيخنا الأستاذ عبدالمالك طرابلسي مدير الدار بالطائف لاعتماد قبولي بالسنة الأولى وإسكاني بالقسم الداخلي ضمن الطلاب المغتربين من نجد، فرحم الله الجميع، كما سعدنا بزيارة الشيخ محمد التفقدية في فصول المدرسة للاطمئنان على حسن سير الدراسة وعلى مستويات المعلمين أثناء شرحهم مواد الدروس، ورغم ما يتمتع به علماء الأزهر من سعة أفق وطول باع في العلوم والثقافات إلا أنه يبدو على البعض أثناء حضور الشيخ للفصول التحفز والاكتراب هيبة لحضور ودقة أسئلة، وكل تلك الزيارات والمواقف من الذكريات الحبيبة إلى قلوبنا معشر الطلاب مدى العمر، فحياته – يرحمه الله – كلها كفاح ونشاط وإخلاص، ولقد أحسن الشاعر حيث يقول:

سعدت أعين رأتك وقرت ** والعيون التي رأت من رآكا

وكانت وفاته قبيل صلاة فجر يوم السبت 12/7/1385هـ بأحد مستشفيات بيروت، ثم نقل جثمانه الطاهر إلى قطر، وصلى عليه رجال الحكومة القطرية والأهالي، وقد دفن في مقابر قطر ودفن معه بحر زاخر من العلوم والمعارف، رحمه الله رحمة واسعة، وقد خلف ثلاثة أبناء صالحين علماء وأدباء، وقد سعدت بمعرفة نجله الأستاذ الأديب أحمد في مجلس صديقنا وحبيبنا معالي الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر، فلمست فيه سعة الأفق وطول باع في العلم والأدب قضى ذروة شبابه وعمره مديرا للبعثات السعودية بالقاهرة حتى أحيل على التقاعد، ثم عاد – يرحمه الله – إلى الرياض تاركا سمعة طيبة وذكرا حسنا، ورعاية فائقة للطلبة المبتعثين في أرض الكنانة..، وقد نقلت جل هذه الكلمة عن سيرته العطرة وفاء وتنويها بأعماله الجليلة المشرفة من الجزء السادس من كتاب علماء نجد خلال ثمانية قرون لسماحة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام – تغمد الله الجميع بواسع رحمته
ورضاه -

هنيئاً له قد طاب حيا وميتا ** فما كان محتاجا لتطييب أكفاني

 

 

 


فضيلة الشيخ محمد بن عبدالله السبيل الى رحمة الله(<!--)

 

تبلى الحناجر تحت الارض في جدث ** وصوتها يتلو الايات والسور

ما من شك أن فقد العلماء الأفاضل يحدث فراغا وفجوة واسعة في الإسلام وبين أهله يتعذر ردمها، ولاسيما من تعلقت قلوب الناس بهم والذين ترووا من حياض العلوم الصافية النافعة، ومن لهم باع طويل في نشر العلم مع تلاوة القرآن الكريم مرتلا ومجودا سواء حضوريا أو عبر الوسائل الحديثة لينير أفئدة السامعين والمتلقين له في مشارق الأرض ومغاربها أمثال فضيلة الشيخ العلامة/ محمد بن عبدالله السبيل إمام وخطيب المسجد الحرام الذي انتقل الى دار النعيم المقيم - إن شاء الله -عصر يوم الاثنين 4/2/1434هـ وصلي عليه بعد صلاة عصر يوم الثلاثاء بالمسجد الحرام، ودفن بمقابر العدل مجاورا للشيخين عبدالعزيز بن باز، ومحمد بن عثيمين:

 

مجاور قوم لا تزاور بينهم ** ومن زارهم في دارهم زار همدا !

 

مأسوفاً على رحيله وغيابه عن أسرته ومحبيه بعد عمر مديد نيف على التسعين سنة حافلة بالعطاء في مجال العلم والدعوة وإمامة المسلمين في أطهر بقعة من بلاد الله وفي مدة تربو على أربعين عاماً، وكان قد لازم السرير الابيض مدة طويلة بمستشفى الحرس الوطني بجدة الى أن استوفى نصيبه من أيام الدنيا ـ تغمده الله بواسع رحمته. وقد ولد عام 1345هـ بمحافظة البكيرية إحدى كبريات مدن القصيم بلد العلماء وخطباء المساجد الذين نالوا الشهرة في هذه الأزمان، وقد تعلم على يد والده وعلى يد الشيخ عبدالرحمن الكريديس، وحفظ القرآن الكريم وهو في سن الرابعة عشرة، وأتقن التجويد على يد المقريء سعدي ياسين ـ رحم الله الجميع ـ ثم استمر في تلقي العلم على الشيخ محمد المقبل، كما أخذ عن أخيه الشيخ عبدالعزيز السبيل وكذلك لازم سماحة الشيخ عبدالله بن حميد رئيس محكمة بريدة فترة من الزمن، ثم تأهل للتدريس في المساجد وبالمعهد العلمي في مدينة بريدة 1373هـ، وكان تلقيه العلم على أيدي أولئك العلماء سببا قويا في ترسيخه في ذهنه، وحفظ القرآن الكريم في قلبه ساعد على تفوقه على أقرانه، وفي عام 1385هـ عين إماما وخطيبا في المسجد الحرام، ورئيساً للإشراف الديني والمدرسين في الحرم المكي، وفي عام 1411هـ صدر الأمر السامي بتعيينه رئيسا للرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، كما عمل في هيئة كبار العلماء وعضو المجمع الفقهي الاسلامي في شئون الحرمين وكان صوته مؤثرا جدا حينما يتلو القرآن الكريم مرتلا ومستحضرا الخشوع عند آيات الوعد والوعيد، وكم رددت أصداء صوته أروقة المسجد الحرام..، كما أن صوته أثناء إمامته بالمصلين، وفي صلوات التهجد عبر الاذاعة والوسائل الحديثة الاخرى شجيا يسبق ضوء الشمس التي تشرق على الكون وعلى أنحاء الدنيا وآفاقها، فيسمعه ملايين المسلمين في تلك البقاع النائية، ولسان حاله – يرحمه الله – يردد هذا البيت الذي فيه رائحة المعنى:

فإن كانت الأجسام منا تباعدت ** فإن المدى بين القلوب قريب !

وقد بارك الله في علمه وعمره، فكله علم وأدب محترم أينما حل وسار:

لا يأمن العجز والتقصير مادحه ** ولا يخاف على الاطناب تكذيبا !

فهو على جانب من الذكاء والفطنة وحضور البديهة، وعدم التردد والتريث في انجاز بعض الأمور التي قد تعترضه..، ولقد اجاد الشاعر حيث يقول:

فربما فات قوماً جل أمرهم ** من التأني وكان الحزم لوعجلوا !

ولي معه -رحمه الله-بعض الذكريات التي لا تنسى منها اثناء استضافته في ثلوثية الدكتور الكريم محمد بن عبدالله المشوح في مدينة الرياض مساء يوم الثلاثاء 4/11/1423هـ الذي يُحسن انتقاء واختيار ضيوف أمسيته في صالونه الأدبي كثير الحضور من العلماء والادباء والوجهاء لما يطرح فيه من موضوعات شيقة، وتكريم للمتميزين علما وأدبا وبذلا في أوجه البر والاحسان، وهذا من نعم الله على صاحب المنتدى، وقد أحيا فضيلة الشيخ محمد بن عبدالله السبيل – رحمه الله – تلك الأمسية بالحديث عن بعض ذكرياته وعن الاعمال المنوطة به في خدمة المسجد الحرام والكعبة المشرفة، وعن عناية ولاة أمر هذا البلد، والسهر على راحة الحجاج والمعتمرين، وعن التوسعات الهائلة للحرمين الشريفين، كما أني اسعد بزيارته عند حضوري إلى مكة المكرمة في مكتبه برئاسة شؤون الحرمين، وزيارة الصديقين الكريمين الدكتور محمد بن ناصر الخزيم نائب الرئيس، والاستاذ الفاضل محمد بن عبدالكريم القويفلي المستشار الخاص بالرئاسة، فأجد منهم حسن الاستقبال والحفاوة التامة، فالذكريات معه تتكرر سنوياً وعلى بعض العاملين معه، وقبل ختام هذه الكلمة الوجيزة أكرر هذا البيت داخل نفسي:

سلام على القبر الذي ضم أعظما ** تحوم المعالي حولها فتسلم

جزاه الله عن المسلمين خير الجزاء، واسكنه فسيح جناته، والهم ذويه وابناءه وبناته وزوجاته ومحبيه الصبر والسلوان0

 


الشيخ عبدالعزيز الربيعة لم يغب ذكره عن أحبابه(<!--)

 

وجه عليه من الحياء سكينة ** ومحبة تجري مع الأنفاس

وإذا أحـــب الله يومـــا عبده ** ألقى عليه محــبة في الناس

من سعادة الإنسان أن يمنحه المولى طلاقة في المحيا وحسن تعامل ولين جانب مع الغير مما يحببه إلى الناس ويجعل القلوب تميل إليه محبة واحتراما، ولقد أثنى الله على نبيه محمد بن عبدالله سيد الخلق صلى الله عليه وسلم في سورة القلم (وإنك لعلى خلق عظيم) فهذه الصفة المباركة تذكرنا بما يتحلى به فضيلة الشيخ الراحل عبدالعزيز بن عبدالرحمن الربيعة من تواضع جم ومنطق يحلو للآذان سماعه ولا سيما إذا تصدر في المجالس متحدثا، ولقد ولد فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن محمد الربيعة بمدينة المجمعة عام 1340هـ وقد نشأ في بيت والده عبدالرحمن الذي كان يتمتع بالكرم وحسن التعامل، وكان محبا للعلم والعلماء مما أثر ذلك الجو العلمي والأدبي في نفس – أبو بدر – في قابل أيامه، وبعدما كبر وبلغ السابعة من عمرة درس القرآن الكريم على يد الشيخ أحمد الصايغ ولم يدم طويلا، حيث التحق بأول مدرسة إبتدائية بالمجمعة تولى إدارتها الأستاذ عبدالعزيز العتيقي الذي سبق أن درس في الهند مجيدا للغة الانجليزية والفرنسية والعلوم الحديثة بعد عودته إلى المجمعة، وظل بدون عمل، فاقترح عليه الشيخ عبدالرحمن بن ربيعة والد الشيخ عبدالعزيز افتتاح مدرسة لتعليم شباب المجمعة فاستحسن الأستاذ عبدالعزيز العتيقي الفكرة إلا أن المال كان عائقاً، -فقام مشكورا – الشيخ عبدالرحمن بن ربيعة فاستأجر له مبنى وقام بتجهيزه وتأثيثه على نفقته الخاصة على نظر الشيخ عبدالعزيز العتيقي -رحمهم الله جميعا -، وذلك في عام 1350هـ تقريبا وبدأ بالتدريس بالأسلوب الحديث، وهذه هي النواة الأولى لوجود المدارس هناك -جزاه الله خيرا - ولقد أجاد الشاعر طرفة بن العبد حيث يقول:

لعمرك ما لأيام إلا معارة ** فما اسطعت من معروفها فتزود

فاحتاج الشيخ عبدالعزيز إلى من يساعده فكان من تيسير الله أن الشيخ عثمان بن ناصر الصالح قد عاد من مدينة عنيزة، وكان مساعدا لأخيه الأستاذ صالح في مدرسة عنيزة، فانضم إلى تلك المدرسة ليساعد الشيخ عبدالعزيز العتيقي، فتولى الشيخ عثمان التدريس فيها إلى أن وصل المُترجَم إلى الصف الخامس الابتدائي وهي مدرسة أهلية – كما أسلفنا آنفا – فافتتحت المدرسة السعودية الحكومية عام  1355هـ فانضم إليها الطلاب، وتولى إدارتها الشيخ عثمان الصالح، ويساعده الشيخ سليمان بن أحمد (القاضي ببلاد رفيدة) فكان الشيخ عبدالعزيز بن ربيعة أول دفعة تخرجت من المدرسة الابتدائية السعودية عام 1356هـ، وكان أثناء دراسته في الصف الابتدائي يحضر حِلَق الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العنقري، الذي كان له حِلَق في جامع مسجد المجمعة، وكان الذي يتولى تدريس الصغار فضيلة الشيخ محمد الخيال – رحمه الله – رئيس محاكم الأحساء سابقا، وقد تلقى دروسا في العلم على نخبة من العلماء المشهورين أمثال الشيخ عبدالعزيز بن صالح رئيس محاكم المدينة، وعلى فضيلة القاضي الشيخ عبدالله بن حميد، فانضم الشيخ عبدالعزيز بن ربيعة إلى حلقته إضافة إلى انتظامه في حلقة الشيخ العنقري -رحمهم الله -، ولما افتتحت دار التوحيد عام 1364هـ أشار عليه الشيخ العنقري الالتحاق بها، وبالإضافة إلى دراسته في دار التوحيد فقد درس على الشيخ عبدالله بن حسن، وعلى الشيخ محمد بن مانع مدير المعارف - آنذاك – وكان إماما لمسجد بالطائف أثناء دراسته هناك، وبعد التحاقه بكلية الشريعة بمكة المكرمة أخذ يقوم بالتدريس بالمسجد الحرام حيث كان له كرسي يتناوبه مع بعض زملائه، وله – رحمه الله – كتابات في بعض الصحف وعمود خاص به في مجلة الحج، تحت عنوان (الإسلام عقيدة وكفاح) وقد تخرج من كلية الشريعة واللغة العربية بمكة المكرمة عام 1373هـ ، وتعين برغبته في حقل التدريس في بلده مدينة المجمعة بالمعهد العلمي مع قيامه بالدروس الخاصة للطلاب والوعظ العام في سوق المجمعة، ثم نقل إلى رئاسة محكمة قضاء الداودمي، فعمل بها حتى عام 1394هـ، حيث نقل عضوا قضائيا في محكمة التمييز في المنطقة الوسطى والشرقية، واستمر في ذلك حتى أرهقه المرض الذي طال معه لأكثر من عشرين عاما، وقد ادخل مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض فتوفي فيه يوم الجمعة 11/1/1416هـ بعد حياة طويلة في اقتناص الكثير من العلوم النافعة، وقد خلف ذرية صالحة خمسة أبناء وثلاث بنات  كلهم على مستوى عال من العلم والأدب، وذلك بفضل الله تعالى ثم بفضل حسن رعايته وحسن تربيته – رحمه الله – وكان مثالا في الأدب والأخلاق العالية أثناء حياته الدراسية والعلمية معا، ولنا معه بعض الذكريات أثناء حضوره لنادينا بدار التوحيد عامي 1371-72 هـ هو ونخبة من طلاب كلية الشريعة بمكة، أمثال الشيخ عبدالله بن محمد بن خميس، والشيخ عبدالعزيز المسند، والشيخ عبدالعزيز العبدان وغير أولئك من الطلاب الأخيار.. فيجمعنا به المجلس في منزل الأستاذ عبدالله بن عبدالعزيز القاسم احد طلاب الدار ليجرى فيه بعض الأحاديث الشيقة والثناء على النشاط الأدبي والثقافي بالدار، كما كان يزور الشيخ عبدالرحمن بن ابراهيم اليحيى قاضي حريملاء – رحمهما الله – لأجل أن يذهبا إلى منطقة السر والبرود للنظر في بعض الأراضي المتنازع عليها، فنسعد بتشريفه منزلنا على عجل للقهوة، فالذكريات الجميلة معه لا تنسى أبد الأيام:

لله درك قد حباك بفضله ** خلقا تجاوز في الثناء نشيدي

 ولقد استقيت معظم هذه الأسطر من كتاب علماء نجد خلال ثمانية قرون تأليف سماحة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن صالح البسام، حيث زوده ابنه الدكتور بدر بتلك المعلومات عن سيرته العطرة وعن أعماله المشرفة0 -رحم الله الشيخين رحمة واسعة0

 

 

 

رحم الله رفيق دربي الأستاذ عبدالله الحميدي (_ftnr

فقد ورثاء ( عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف )

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 626 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2013 بواسطة mager22

الشيخ محمد الجنوبي علم من أعلام القضاء في ذاكرتي (<!--)

 

وطول مقام المرء في الحي مخلقٌ  **   لديباجتيه فأغترب تتجدد

تختلف المواقع التي يعيش بها بنو البشر في هذه الحياة على أديم هذا الكوكب الأرضي باختلاف رغباتهم وطبائعهم أو السير في نواحيها لهدف الاستيطان بها طلباً للرزق والمعيشة، أو لأجل اقتناص شوارد العلوم من مظانها.. على أيدي العلماء الأجلاء.. أو للعمل الوظيفي فكل ميسر لما خلق له، وقد يغادر المرء محضنه مهوى رأسه ومرتع صباه غير مُخَيّر لسبب من الأسباب، كالأوامر العسكرية..، الوظيفية التي لا يُجْدِي فيها الاعتذار، فمن ذلكَ أوامر الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه -الحربية والعسكرية، وتعيين العلماء لمحاربة الجهل في ربوع مملكته ببعث من يأنس بصلاحه وبعلمه ليتولى القضاء في مدن وأرياف وهجر البلاد قاصيها ودانيها لتبصير أهلها بأمور دينهم وإصلاح أحوالهم وبث روح الـتآلف فيما بينهم حاضرها وباديها، وذلك في بداية توحيد أرجائها وتوطيد أركانها، ومن اهتماماته بشعبه القضاء على الجهل ببعث أئمة ومرشدين في الهجر والقرى النائية..،وتعيين قضاة في كبريات البلدان والأقاليم التي يكثر فيها السكان، فمن أولئك القضاة فضيلة الشيخ محمد بن عبدالعزيز الجنوبي الذي ولد في حريملاء عام 1313هـ وقد باكره اليتم بفقد والده قبل سن الفطام، وتولى رعايته في البداية عمه عبدالله (بملهم) وعندما بلغ سن السابعة عاد الى حريملاء وانضم إلى بعض الكتاب لحفظ كلام الله لدى المقرئ -المطوع -حمد بن داود بحريملاء، فقد وهبه الله قوة في الفهم وسرعة في الحفظ وقد فاق أقرانه في ذلك، علماً أنه بصير لا يبصر فقد بصره في السنة الثامنة من عمره.. ولكن الله عوضه نفاذ البصيرة وقوة الحدس مع ما بداخلة من تحسر على فقد نعمة البصر ورؤية ما حوله وما بَعُد َمَداه أمام ناظريه، وكأن لسان حاله يُردد قول الشاعر ابي يعقوب الخريمي بكل حزن وتأسف:

لله عينيَّ التي فجعـــــت بهمـا  **  لو أن دهـــراً بهـــا يواتيني

لو كنت خُيّرت ما أخذت بها **  تعمير(نوح) في ملك (قارون)

ثم ما لبث متذكراً قول الصحابي عبدالله بن العباس -رضي الله عنه-بهذين البيت الذي كثيراً ما يردده في نفسه سراً وعلنا فيجد سلوة وانشراحَ خاطر ورضى بما قدره رب الخلائق جل ذكره:

وإن يأخذ الله من عيني نورهما ** ففي لساني وقلبي منهما نور

وبعدما ختم القرآن الكريم عن ظهر قلب اتجه إلى مسجد "قراشة" بحريملاء الذي كان يعجّ بطلاب العلم من حريملاء ومن خارجها من البلدان المجاورة والبلدان البعيدة مثل بلدان سدير والقصيم بل ومن بلاد فارس أمثال عُبيدالله، وعبدالكريم المعروفين آنذاك لتلقي مبادئ في العلمهله ورفا على يد رائد الحركة العلمية  فضيلة الشيخ محمد بن ناصر المبارك، ثم واصل الشيخ محمد الجنوبي في تلقيه العلم على فضيلة الشيخ محمد بن فيصل بن حمد المبارك بعد ذلك رحل إلى مدينة الرياض ودرس على كبار العلماء هناك بتوسع أمثال المشايخ عبدالله بن عبداللطيف، وحمد بن فارس، وسعد بن عتيق، وعلى يد سماحة المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم، ودرس علم الفرائض والنحو على فضيلة الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم، مما أهله للقضاء، وحينما يعلم جلالة الملك عبدالعزيز عنه وعن أمثاله ما يلبث أن يوجههم إلى البلدان قريبها وبعيدها للقضاء وإرشاد العامة والخاصة والإمامة في المساجد الكبيرة وإلقاء خطب الجمع بها تنويراً لأهلها.. فقد صدر أمره الكريم بتعيين فضيلة الشيخ محمد بن عبدالعزيز الجنوبي قاضياً في بلدة "رنيه" بلاد سبيع بالمنطقة الجنوبية بتاريخ 1/7/1355هـ  وقد طلب الشيخ محمد إعفاءه من القضاء لبعده عن أهله وبلده ولمشقة السفر ووعورة الطرق
-آنذاك - فردَّ عليه الملك عبدالعزيز بأن يمتثل أمره قائلاً الوطن بحاجة لأمثالك. فسر على بركة الله وربنا يعينك..، ومكث برنيه قرابة ثلاثة أعوام..  ثم نقله إلى "تربه"  في
1/1/ 1358هـ بعد ذلك تنقل في عدد من البلدان، وكل خدماته (رحمه الله ) كانت في الجانب الغربي من المملكة في: تثليث، ظهران الجنوب، نجران، وحجاز بلقرن حتى 1/1/1388هـ تاركاً أثراً طيباً وذكراً حسناً في تلك المواقع التي سعد بالمكث فيها قاضياً وخطيباً:

وإنما المرء حديثٌ بعده ** فكن حديثاً حسناً لمن وعى

فمعظم قضاياه تنتهي بالصلح والرضا بين الطرفين لما يتحلى به من لين جانب وحسن تعامل وفهم لطبائع النفوس البشرية على اختلاف اجناسهم ومواقعهم، ولذا سهل عليه سياستهم وانقيادهم لمشورته وآرائه الصائبة..، وكانت حياته العملية كلها في القضاء  بتلك الديار النائية عن مهوى رأسه ومدارج صباه امتثالاً  لأوامر الملك عبدالعزيز-طيب الله ثراه -وكانت قرارات جلالته وأوامر جلالة الملكين سعود وفيصل كلها خطية وبرقيات تتصف بالإيجاز وبلاغة الكلام، فالشيخ محمد محل ثقتهم واحترامهم له – تغمد الله الجميع بواسع رحمته – وكان بينه وبين والدنا الشيخ عبدالرحمن بن محمد الخريف علاقات حميمة وصلات متينة، وتبادل بينهما في الرسائل، ولازلت محتفظاً ببعض تلك الرسائل حيث سبق أن بعثها لوالدنا بخط نجله الأكبر الشيخ عبدالعزيز من محكمة نجران بتاريخ 17/8/1374هـ كما أنه يهدي بعض الهدايا مثل البن اليمني والعسل الخالص..، واستمر التواصل بينهما حتى فرقهما مفرق الأحباب والجماعات، وقد توفي رحمه الله في عام 1407هـ مخلفاً ذرية صالحة تدعوا له وتجدد ذكره الحسن بعد حياة عمل طويلة واغتراب. وهذه الكلمة الوجيزة تذكاراً طيباً لأعماله الجليلة وعلاقته الودية مع والدنا، تغمده المولى بواسع رحمته واسكنه فسيح جناته.

<!--[if !supportFootnotes]-->

<!--[endif]-->

(<!--)  أرسلت للنشر في صحيفة الجزيرة الأربعاء 14 محرم 1434هـ الموافق 28 نوفمبر 2012م.

mager22

فقد ورثاء ( عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف )

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 257 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2013 بواسطة mager22

الشيخ عبدالعزيز الشقيحي والذكر الحسن(<!--)

 

كثير من الأعلام  البشرية رجالاً ونساءً الذين لمع ذكرهم في مجتمعهم ومحيطهم الأسري لا يمحو ذِكرهم كرُّ الجديدين بعد رحيلهم عن الوجود، بل تبقى اسماؤهم محفورة في جدران الذاكرة كالنقوش الحجرية، ولا سيما من كان لهم دور مشرف في الحياة سواء العلماء منهم أو من لهم تأثير مميز في مجتمعهم، وفي خدمة وطنهم والذود عن حياضه أن تكدرَ، والإخلاص لولاة الأمر، وفي ما يوكل إليهم من أعمال وقيادات عمليه، فمن أولئك الرجال الأفذاذ الشيخ عبدالعزيز بن ابراهيم بن عبدالعزيز الشقيحي الذي ولد في حريملاء عام 1317هـ  وترعرع في أكنافها زمن طفولته، وبعدما اشتد ساعده نذر حياته ونفسه مُبكراً ليعمل مع المؤسس الأول الموحد لأركان المملكة العربية السعودية جلالة الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – منذ بدايةِ لَمِّ شمل شتات هذا الوطن حاضن أطهر بقاع الدنيا الحرمين الشريفين، وكان تعليمه في إحدى الكتاب بحريملاء لتعلم الخط وقراءة القرآن الكريم وحفظه، وقد أعجب به معلمه لنباهته وسرعة حفظه، بل وبملامح الشجاعة والنجابة في شخصه ومزاحمة أقرانه للجلوس في الصفوف الأمامية رغم صغر سنه:

بِمَوْلوُدِهم صمت اللسان كغيره *** ولكنَّ في أعطافه منطق الفصل

وكأن لسان حال أستاذه يقول: سيصبح لهذا الصبي شأن عظيم في قابل حياته، وفعلا صدقت فراسته وتوسمه فيما آل إليه، حيث كلفه الأمير محمد بن عبدالعزيز قائد فتح المدينة المنورة باستلام عدد من المناطق الشمالية: منها (العلا  والوجه وضباء وتبوك) لتأمينها وجردها واستلامها من عمال الشريف، وكانت أُولى مهامه الرسمية في سن الـ 25 عاماً، حيث عينه الملك عبدالعزيز أميراً على الوجه في عام 1344هـ، واستمر لمدة سنتين، ثم نقل واستمر في معية الملك عبدالعزيز عام 1346هـ وفي شهر محرم من عام 1347هـ صدر أمر جلالة الملك عبدالعزيز بتعينه أميراً على ضباء ومارس مهامه حتى صدر قرار نقله، وعين رئيساً للمجلس العسكري عام 1349هـ ثم عين أميراً لليث عام 1351هـ ، ثم عاد بعدها للعمل في معية الملك مرة أخرى في عام 1353هـ حتى صدر قرار تعيينه أميراً على نجران في عام 1356هـ ثم نقل مرة ثالثة للعمل بمعية الملك عام 1359هـ حتى عام 1372هـ ولقد أجاد الشاعر حيث يقول:

والناس ألف منهمُ كواحد *** وواحد كالألف إن أمر عنى

 والحقيقة أنهُ يُعدّ من الأبطال ورجل من عظماء الرجال شجاعة وحنكة وكرماً فالملك عبدالعزيز – رحمه الله-يعده للمهمات العظام وتذليل العقبات الصعاب، والشاهد مما تقدم ذكره هنا وما سيذكر في ثنايا هذه الكلمة الموجزة التي لا تفي بحصر أعماله ومواقفه البطولية.. حيث شارك مع الملك عبدالعزيز في الفتوحات في فتح حائل وفتح جده في معركة الرغامة المشهورة، ومع الأمير محمد بن عبدالعزيز-رحمه الله-في فتح المدينة المنورة وأخيراً مع الملك فيصل – رحمه الله – في جنوب الجزيرة العربية، كما أنه قد تدرب على ركوب الخيل فهو فارس غير هياب يجيد الكرَّ والمراوغة والخوض في قلب المعارك ثم ينصرف منتصراً -بحول الله وقدرته-وقد حقق آمال الملك عبدالعزيز القائد المظفّر، كما أن هذا الرجل يحضى بحب واحترام ابناء الملك عبدالعزيز والأسرة المالكة عموماً.. كما أنه حصل على العديد من الشهادات من جهات مختلفة بالدولة تقديراً لجهوده ورمزاً لتفانيه في خدمة الوطن وأهله في ظل ولاية أمر هذا الوطن..، ومما يؤثر عنه من إخلاص وشفقه وحب لجلالة الملك عبدالعزيز ما روي أنه قد حصل خلاف بين شخصين عند أحد القضاة فقام أحدهم بمد يده على القاضي، فاشتكاه القاضي على الملك عبدالعزيز فأمر الشقيحي وبعض خوياه أن يبحثوا عن الشخص المطلوب ويأتوا به إلى الملك وهو في أشد غضبه لما فعله ذلك الشخص، فأسرعوا في البحث عنه وقد كان الذين معه من الخويا لا يعرفون الشخص المطلوب فلما شاهده الشقيحي وهو في رأس النخلة أومأ بيده نحوه محذراً بأن يهرب ويتخفى قائلاً: ما رأيت فلان؟ وقال قد بحثنا عنه في كل مكان فلم نجده، وبعد مدّه نما إلى علم الملك عبدالعزيز أن الشقيحي قد قابل الشخص المطلوب ولم يحضره حسب أمره فاستدعاه فقال كيف آمرك أن تحضر فلان وتجده ولا تحضره وقد اعتدى على القاضي؟ فأجاب رحمه الله أنه ليس رحمة للشخص نفسه، ولكن شفقة عليك لأنك في ساعة غضب وسوف تأمر بأشد العقوبات.. فشكره الملك عبدالعزيز على ذلك وعرف أن عمله هذا على حسن نية..، وعلى أي حال فإن سيرة عبدالعزيز الشقيحي تندى عطراً وذكراً حسنا.. ولي معه بعض الذكريات الجميلة في صغري حيث دعا والدي الشيخ العالم الجليل في مزرعته ونخله في حريملاء فصحبت والدي نحوه، وقد أهدى مجموعة من الكتب المفيدة التي قد طبعة على نفقة جلالة الملك عبدالعزيز وبعض أنجاله.. قائلاً هذه هدية لك ولإبنك عبدالعزيز إذا كبر، فشكره الوالد – رحمهما الله جميعاً– كما لا أنسى ضيافته لي ولإبن خالتي ناصر بن محمد العمراني في قصره العامر بجدة بحي "الكندرة" عام 1375هـ حيث تأخر إقلاع الطائرة بنا نحو الرياض لعدد من الساعات، فاتجهنا صوب منزله فقابلنا بكل حفاوة وتكريم وأذكر أن مائدة العشاء معظمها من الأكلات النجدية كالقرصان والجريش.. حيث يعتبر تقديمها في المنطقة الغربية أمراً نادراً آنذاك.. وقصره بمنزلة الصالون الأدبي يزوره الكثير من الأمراء والأدباء والوجهاء وسائر الطبقات لما يجدوه من حفاوة وتكريم وسماع القصص الهادفة والطرائف الترويحية التي جرت في هاتيك المجالس.. ومن وفائه وعطفه على ابناء اخيه عبدالرحمن الذي رحل إلى الدار الباقية وخلَّف أطفالاً صغاراً بدون عائل؛ أن ترك "يرحمه الله" مكانه وأعماله التجارية بجدة وقصد حريملاء ليرعى صغار اخيه، حيث جعل بابه مفتوحاً للزوار والضيوف، ونخله مسرحاً للمتنزهين، ومقصداً للضعفة والمساكين الذين يشاركونه في طعامه متى وجدوا، وينفح المحتاجين مما تيسر من مال أو من منتوجات النخل والمزارع في كل المواسم، وكان لحضوره بجانبهم وإيناسهم بالغ الأثر في نفوسهم لتخف وطئه اليتم عنهم بفقد حنان الأبوة، ومنحهم جميع ما يحتاجون إليه، بل وبتربيتهم التربية الصالحة وتوجيهاته السديدة التي يقتاتون منها في قابل حياتهم الدراسية والعلمية معاً، وقد ظهر ذلك جلياً في سلوكهم وحسن تعاملهم مع الغير واستقامتهم واعتمادهم على الله ثم على أنفسهم فأصبحوا مثلا في الكرم والأدب وطيب المعشر، كل ذلك بفضل من الله ثم احتضانه الأبوي لهم رجالاً ونساءً، وحينما شعر ببعض الأمراض دخل المستشفى التخصصي بالرياض ومكث فيه أكثر من شهر فأخذ الزوار بكثافة عالية من أمراء ومحبين يتعاقبون على المستشفى للاطمئنان على صحته، وحيث أنه لم يرزق ذريةً كان يردد بكل اساً وتحسر هذه العبارة (أنا يتيم القبرين مقطوع الضنى والذرية) ثم أغمض عينيه مغرورتين بالدموع وبداخلة ما به.. حيث توفي في 1/9/1397هـ و دفن بإحدى مقابر محافظة حريملاء مهوى رأسه بعد رحلة طويلة مشرفة خدم فيها دينه ومليكه ووطنه بكل جد وإخلاص "رحمة الله رحمة واسعة" وأنا أشاركه بتألمه وتحسره متمثلاً بهذا البيت المشحون بالحزن:

حناناً لكم في ما طويتم جوانحاً  : عليه ، وعطفي يا وحيدُ ورحمتي

ولقد استقيت الكثير من هذه النقاط عن سيرته العطرة من المجلة الصادرة من أمارة نجران، وكل ذلك ضربٌ من الوفاء والتنويه بأعماله الحميدة " تغمده الله بواسع رحمته"

<!--[if !supportFootnotes]-->

<!--[endif]-->

(<!--) نشرت في صحيفة الجزيرة، يوم الأحد 28 ذوالقعدة 1433هـ، الموافق14 أكتوبر 2012م.  

mager22

فقد ورثاء ( عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف )

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 255 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2013 بواسطة mager22

الشيخ محمد الحرقان شيخ الكتّاب في زمانه (<!--)

 

فتى عاش يبني المجد تسعين حِجة** وكان إلى الخيراتِ والمجد يرتقي

 الله سبحانه وتعالي يهب لمن يشاء من عباده طول العمر والتوفيق لتعليم الناشئة لحفظ كلام الله العزيز الحكيم تلاوة وحفظاً، وفي الحديث الشريف: "خيركم من تعلم القرآن وعلّمه" ويعتبر الشيخ – المطوع – محمد بن عبدالله الحرقان الذي ولد في مدينة حريملاء في طليعة الأقدمين من المقرئين الذين منَّ الله عليهم وشرفهم بخدمة كتاب الله المطهر، وأطولهم مكثاً في تعليم وتربية الشباب الصغار بحريملاء لعقود طويلة من الزمن قبل وجود المدارس النظامية، وقد نفع الله به وبعلمه، فقد بدأ حياته العلمية بتدريس القرآن الكريم وحفظه مجوّداً عن ظهر قلب، ثم تولى التدريس بمدرسة العجاجي منذ عام 1335هـ بعد الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن سوداء حتى افتتحت أول مدرسة نظامية ابتدائية عام 1369هـ، واستمر بعد افتتاحها فترة قصيرة، ثم عين مدرساً بها، ونظراً لكبر سنه طلب التقاعد، ثم انتقل إلى مدينة الرياض إلى أن توفي في 1/10/1380هـ - تغمده الله بواسع رحمته - وقد تخرج على يديه أفواج عبر السنين الطويلة، منهم نخبة طيبة من العلماء والقضاة والسفراء، ومَن هم بمنزلة الوزراء نذكر على سبيل المثال سماحة الشيخ ناصر بن حمد الراشد، والشيخ عبدالله بن ناصر بن عمار،  والشيخ سعود بن عبدالعزيز الدغيثر
-رحمهم الله -، والشيخ عبدالعزيز بن محمد الداود متعه الله بالصحة والعافية وأخويه سعد وحمد، وحمد بن عبدالرحمن المبارك- رحمهم الله -،  بل ومعظم أبناء أسرة آل مبارك أمراء البلد في تلك الأزمان لقرب محلتهم من مقر المدرسة.. وغيرهم كثير.. ، ومعذرة لمن لم نستحضر ذكر اسمه، كما أن المجال لا يسمح بالإطالة..، فمدرسته - آنذاك -بمنزلة الجامعة حيث خرّجت عشرات الطلاب من حفظة القرآن الكريم ومن الكتاب الذين تسنموا مناصب عالية.. في كثير من المواقع داخل الوطن وخارجه..، وكان مشهوراً بالجد والحزم، مُلزماً لهم بالكتابة على الألواح الخشبية ليسهل عليهم حفظ السور والآيات الكريمة، مع التحسين لخطوطهم، وإذا حفظوا ما كتبوه أمرهم بمسح اللوح وكتابة آيات مرة أخرى، وهكذا حتى يختموا كلام الله، فهو شخص مهيب لدى تلاميذه يوجه طرف عصاه رجفاً إلى صدر المهمل حتى يستلقي على الأرض – أحياناً – مُتبعاً ذلك بهذه الكلمة المعهودة عنه "احفظ جعلك النزع..!! " أي الموت -رحمه الله، وإذا صدر من أحدهم إساءة إلى زميله أو تكرر غيابه عن المدرسة بدون عذر مقبول، فحينئذ يأمر بإحضار (الفلكة)المعروفة لدى الكسالى من الطلبة القدامى، فتوضع برجليه فوق الكعب – كأنها كلبشة مرور – ثم يرفعهما اثنان من الطلبة فيحصل له عدد من الضربات الخفيفة بالمسطعة..، وهذا نوع من العقوبة عند معلمي الكتّاب..،

فقسا ليزدجروا ومن يك حازماً   **  فليقس أحياناً على من يرحمُ

وكان ولي أمر الطالب المهمل حينما يُحضر أبنه للمدرسة يقول للمعلم على مسمع من أبنه: (ترى لك الجلد ولنا العظم..!) وهذا ضرب من التربية على ما فيها من رائحة القسوة، وكان عادات أهالي مدينة حريملاء ومن ماثلهم إذا ختم أبنهم القرآن الكريم يبتهجون فرحاً ويقيمون له شبه حفل، حيث يختار والد الطالب أحد الرجال الأقوياء ليحمل أبنه على كتفه مرخياً ساقيه على جنب حامله، فيدور به في أحياء البلد في وسط هالة من زملائه وهم يرددون في فرح بعض الأهازيج والأناشيد: خاتمين جزء عم والثلاثين.. خاتمين جزء عم والثلاثين.. بأصوات عالية، والأمهات ينظرن مع شرفات ونوافذ منازلهن تلك المشاهد الجميلة، بعد ذلك يميلون إلى دار زميلهم الصبي المتفوق وقد أعد لهم وجبة طعام شهي من (الجريش) وقد صب فوقه وابل من السمن البري الطبيعي وهو أفضل وألذ زاد قديماً وحديثاً، ثم يعطى حامل زميلهم ما تيسر من النقود القليلة أو الاكتفاء بتناول تلك الوجبة، وهذا من العادات التشجيعية التي تدفع الطلاب للتنافس في الحصول على قصب السبق في ذاك المضمار الديني..، أما "المطوع" فيهدى إلية كسوة: ثوب وغترة ومبلغ من المال يرضيه حسب حال والد الصبي المادية..، وهكذا حياة وعادات أوائلنا من الآباء بل ومن بعض الأمهات في تكريمهن لمعلمات بناتهن داخل مدرستهن..، وقد تضطر إلى بيع حليها لتدفعه بنفس راضية إلى المعلمة، فجو حريملاء جو علم وتكريم لحفظة القرآن الكريم حالياً وماضياً، فأبو عبدالرحمن الشيخ محمد بن حرقان يمتاز بتلاوة القرآن مجوداً بعيداً عن اللحن بسليقته وفطرته السليمة فجزاه المولى خير الجزاء، وهذه العجالة جزء من سيرته العطرة وذكر محاسنه.

وغداً توفى النفوس ماعملت ** ويحصد الزارعون ما زرعوا

تغمده الله بواسع رحمته.

 

رحم الله الجوهرة الوشيقري كريمة السجايا (<!--)

 

ومازلتُ أرمى كُلّ يومٍ بعبرةٍ   **  تكاد لها صُمُّ الجبالِ تصدَّعُ

لاشك أن الموت حق ومشترك بين الخلق كلهم، حيث كتبه المولى جل ذكره على كل كائن حي بدون استثناء، ويبقى وجه ربنا ذو الجلال والإكرام، ولكن طبع الإنسان يتألم كثيراً حينما يفاجأ بفقد من يعز عليه فراقه من والدين وإخوة وأبناء، بل ومن سائر أسرته ومعارفه..، وهذه من الغرائز التي أودعها الله في نفوس بعض مخلوقاته وفطرهم عليها..، فتتابع رحيل أحبة الإنسان وقعه مؤلم لقلبه وضرباته أكثر إيلاماً، فمنذ شهور قلائل فجعت بفقد شريكة حياتي – أم محمد – مما كان له بالغ الحزن المقيم في نفسي، ثم ما لبث أن لحقت بها صديقتها إبنة أخي محمد والدة أبناء الشيخ/ إبراهيم بن علي العجاجي التي حزنت عليها كثيراً.. (رحمهما الله).  وفي عصر يوم الثلاثاء 24/6/1433هـ انضمت إليهن صديقتها الأخرى الأخت الفاضلة الجوهرة بنت محمد الوشيقري جدة أبناء نجلي الأكبر محمد، أم الأخ الفاضل عبدالعزيز بن محمد بن ناصر الجماز (رحمها الله) ولقد حزن الكثير على رحيلها لما تتمتع به من مكانة عالية خلقاً وأدباً رفيعاً وتواضعاً جماً مع الكبير والصغير، وتعتبر من فضليات النساء كرماً وعطفاً على المساكين والأيتام، فهي ندية الكف تنفق سراً وجهراً ابتغاء مرضاة الله، وصديقة للأطفال يفرحون بالقرب منها ليسمعوا بعض القصص وأحاديث الأوائل التي تفيدهم في قابل أيام حياتهم، وتحثهم على حفظ ما تيسر من قصار السور والآيات الكريمة حسب مقدرتهم واستيعابهم لحفظها، وترغيبهم في اداء الصلوات ليعتادوا على أدائها اذا كبروا..، ولا تنسى أن تشجعهم وتمنحهم ببعض الهدايا المحببة لنفوسهم، كما أن أبناءها البررة لم يدخروا وسعاً في إسعادها وفي وضع المال بين يديها تنفق منه كيفما تشاء، ولاسيما في شهر الخير شهر رمضان المبارك ومواسم الحج وغير ذلك من الأوقات.. كما لا أنسى مواساتها لي في وفاة عقيلتي أم محمد، وفي وفاة ابنة أخي محمد والدة الأستاذ عبدالعزيز العجاجي..، وفاء منها رغم ما كانت تعانيه من أمراض مؤلمة..، ولا يسعني الآن عبر هذه الكلمة الوجيزة إلا أن أدعو  لها من قلبي بأن يحسن الله وفادتها، ويعلي منزلها بدار النعيم جزاء ما قدمته من أعمال صالحة، وما أتصفت به من صفات حميدة، وإخلاص في العبادة، فهي كثيرة الصيام حتى في مواسم شدة الحر، مُديمة الصلوات في جوف الليل وحتى قبيل الفجر..، ولقد أجاد الشاعر أبو فراس الحمداني راثياً أمه حيث يقول:

ليبكيكِ كل يوم صمت فيه  **  مصابرةً وقد حمي الهجيرُ

يبكيكِ كل ليل قمت فيه  **   إلى أن يبتـــدي الفجر المنيرُ

وكان منزلها العامر محظناً دافئاً دائماً لأبنائها وبناتها وأقاربها وأطفالهم..، ولاسيما في أواخر كل أسبوع ليتضاعف حضورهم فيمسي جوهم جواً عائلياً يسوده الود والغبطة بمشاهدة عميدة الأسرة والدتهم، والإنصات إلى حديثها وتوجيهاتها السديدة لحديثي السن بنين وبنات ليكونوا قدوة صالحة ومثالاً يحتذى بهم في طاعة الله، واحترام الوالدين والإخوة، بل وجميع أفراد الأسرة وغيرهم من أبناء المجتمع..، فمجلسها بمنزلة المنتدى العائلي، وفي الآونة الخيرة أشتد بها المرض – يرحمها الله – فأخذ أبناؤها البررة يتنقلون بها من مصح الى مصح آخر، بل إنهم أتجهوا بها الى احدى المستشفيات الراقية بأوروبا علّهم يجدون ما يكبح جماح مرضها فأعيتهم الحيل، ثم عادوا الى أرض الوطن ليستأنفوا مواصلة علاجها الى أن تعذر جسمها الطاهر عن قبول أي دواء، فظلت تكابد ماحلّ بها من أمراض حتى أنتهى نصيبها من أيام الدنيا:

وإذا المنية أنشبت اظفارها  **  الفيت كل "حيلةٍ " لاتنفع!

-رحمها الله رحمة واسعة -، ولقد حز في نفسي عدم حضوري لأداء الصلاة عليها والمشاركة في موارات جثمانها الطاهر بمقبرة أم الحمام بالرياض لأجراء عملية خفيفة بإحدى عيني، ولأن غاب شخص أم عبدالعزيز في باطن الأرض عن انظار أسرتها ومحبيها فإن ذكرها الطيب لا يأفل ولا يغيب -تغمدها المولى بواسع رحمته ورضاه-وألهم ذويها وأبناءها وبناتها وأخاها عبدالعزيز، وشقيقتيها ووالد أبنائها الشيخ محمد بن ناصر الجماز ومحبيها الصبر والسلوان.

 

 

 


رحم الله كريمة الشمائل أم عبدالرحمن الشدي (<!--)

 

لها منزل تحت الثرى وعهدتها  **** لها منزل بين الجوانح والقلب

نعم الموت حق وآت لا محالة إلى كل كائن حي مهما تطاول به الزمن وأٌعطي فسحة من العمر، ويبقى وجه ربنا ذو الجلال والإكرام، فجادة الموت عامرة بقوافل الراحلين ليلاً ونهاراً إلى اليوم الموعود يوم الدين"يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم" الآية. فالسعيد من يرحل من هذه الدنيا بزاد من التقى، فكل يوم يتجدد حزننا فيه عند توديع كل غال وغالية، ولا يزال حادي الموت وراء كل حي، ففي الأشهر القليلة الماضية من هذا العام افتقدنا ستاً من فضليات النساء لهن مكانة عالية في قلوبنا أحدث غيابهن أثراً مؤلما يطول مداه في نفوسنا وبين جوانحنا، وهذا يذكرنا بقول القائل:

ولم أر مثلهم هلكوا جميعاً **** ولم أرى مثل هذا العام عاما

تغمدهن المولى بواسع رحمته – ففي يوم الأثنين أومأ شعوب بأن أيام الأخت الكريمة الفاضلة طرفة بنت حمد بن صقيه  قد انتهت من الدنيا تماماً بعد معاناة من أمراض عدة وبعد رحلة طويلة عامرة بالطاعة وبالسيرة الحسنة، وحب البذل في أوجه البر والإحسان إلى الفقراء والأيتام، وبذل المعروف لذوي القربى والجيران، ولقد حزن الكثير على رحيلها حزناً عميقاً لمكانتها العالية في قلوب أسرتها ومحبيها، وكأن لسان حال أبنائها وبناتها وشقيقها ابراهيم يرددون معنى هذا البيت تحسراً وتفجعاً على غيابها وخلو دارها من شخصها:

حياتك كانت لي نعيماً وغبطةً **** وموتك عاد الصدر منه حطاما

ولقد بدأت حياتها منذ طفولتها بتلاوة القرآن الكريم وحفظ ما تيسر منه على أحدى معلمات القرآن الكريم بحريملاء، أذكر جيداً أني أثناء مروري على الحي الذي تسكنهُ عائلتها أنا ومجموعة من الأطفال لطلب العيدية من ربات البيوت قبل العيد بيوم أو يومين، فرأيتها وقد كبرت جالسة على عتبة درج بيتهم وفي يدها مصحف ورقه أصفر، ويعلم الله أني لا أزال ذاكراً ذاك رغم تقادم الزمن، ويقال أنها احتفظت به طيل حياتها:

وياظل الشباب وكنت تندى **** على أفياء سرحتك السلام

ومن الصدف الجميلة أنها قد اقترنت بابن عمتي منيرة الشيخ  محمد بن عبدالمحسن الشدي – رحمهم الله – الواقع منزله مجاورا لمنزل والدي، فعاشت مع والدتي سنوات جميلة تحفها أجنحة الغبطة والمسرات، حتى أنهن قد اصطحبن إلى الحج لأداء فريضتهن على الجمال برفقة زوجها محمد (أبو عبدالرحمن) ووالدتي مع أخي محمد - رحم الله الجميع – ويقال أن المدة الزمنية في الوصول إلى مكة المكرمة والعودة منها تقارب الشهرين بالنسبة للقادمين من نجد ومن منطقة الرياض..، وقد خلفت ذرية صالحة بنين وبنات ساروا على نهجها محبين للبذل في أوجه البر والإحسان للأيتام والأرامل، والمساهمات في الجمعيات الخيرية التي تُعنى بحفظة القرآن الكريم وذوي الحاجات الخاصة والعامة، وبإكرام الضيف والعاني ومساعدة المقبلين على الزواج..  وبعدما تقدم بها العمر انقطعت للعبادة، والصيام في المواسم المفضلة والحج، والعمرة في أشهر رمضان يكون بصحبتها أبناءها وبناتها البررة، فيختار لها ابنها البار عبدالله (أبو أحمد) أقرب الأماكن المتاخمة للحرم الشريف مزوداً لها ما تحتاج إليه من مال وفير لإنفاقه على الضعفة والمساكين على اختلاف جنسياتهم – رحمها الله – وأجزل لهم الآجر والمثوبة، ولي معها ذكريات زمن طفولتي جميله لا تغيب عن خاطري مدى العمر حيث كنت ادخل عليها في منزلها وقت إحضار العشاء بعد صلاة العصر في بعض الأيام لعلمي بحلو طعامهم وخاصة المرقوق، فترحب بي لتناوله معها، ولم تكتف بذلك بل انها تدفعه  في جانبي بيدها الطاهرة، وإذا رأت علي علامات الخجل، قالت كل يا (عزيز) ترى دارنا مثل دراكم، ولم يزل تذكر تلك اللحظات الحانية التي اعتبرها من اغلى ذكرياتي وأحلى أيام طفولتي، فاستمر التواصل معها والسؤال عن حالها على مدى العقود المتتابعة الى ان تعطلت لغة الكلام معها بسبب تدهور صحتها، ثم غيابها عن الدنيا حميدة ايامها ولياليها، حيث أديت صلاة الميت عليها بعد صلاة مغرب يوم الاثنين 14/7/1433هـ بجامع الملك خالد بأم الحمام، ثم تبعها خلق كثير الى مضجعها بمقبرة (مشرفة) بمحافظة حريملاء داعين المولى بأن يتغمدها بواسع رحمته ومغفرته، ومما أثار شجون الكثير من المشيعين مشاهدتهم أبناءها وشقيقها إبراهيم يكفكفون دموعهم ويدافعون عبراتهم، وهم يهيلون الترب لموارات جثمانها الطاهر على قبرها، وبداخلهم ما به من تحسر ولوعات الفراق الأبدي لأقرب إنسانة الى قلوبهم – كان الله في عونهم -ولسان حال أولئك الأبناء يرددون معنى هذا البيت:

سلام على قبر غدا طيب الثرى *** سأبكي وأستبكي عليه غماما

رحمها الله وأسكنها فسيح جناته، وألهم ذويها وأبناءها وبناتها وشقيقها ومحبيها الصبر والسلوان.

 


رحم الله العم محمد بن عبدالعزيز الخريف (<!--)

 

وإنما المرء حديث بعده    **  فكن حديثاً حسناً لمن وعى

من الناس من يكون لهم في نفوس محبيهم آثارا طيبة، وذكرى خالدة – إذا غابوا عن الوجود  – يجددها كر الليالي والأزمان فالسعيد من تلذّ الأسماع لذكره إذا استعرضت سيرته العطرة وعدت مواقفه المشرفة – حسب مكانته العلمية والاجتماعية، وبإنعام المولى عليه بحسن الخلق، والبسط في الرزق والإنفاق منه في أوجه البر وصلة الرحم، وإكرام الضيف، فهذه الصفات الحميدة مجتمعة تتجلى في شخص العم الفاضل محمد بن عبدالعزيز الذي رحل عن الدنيا منذ عقود من الزمن أي في الخامس أو الرابع من شهر محرم عام 1383هـ رحمه الله – بعد حياة طويلة حافلة بالعطاء وبالسماحة وطيب المعشر ، ولقد يعز علي أن يصدر الجزء الثاني من المراثي ولم يكن ضمن من نورّه من الراحلين البالغ عددهم الآن ما يربو على السبعين - رحمهم الله -فأفضال العم علي عظيمة لا أنساها مدى عمري ، فهو الذي غير مجرى حياتي مُبكراً من الأعمال المهنية البدنية ...إلى طلب العلم استجابة لرغبة والديّ الملحة - رحمهم الله رحمة واسعة – حيث أشار علي أن أنظم إلى حلق تلقي العلم بمسجد الشيخ محمد بدخنة في الرياض لدى سماحة مفتي الديار السعودية – آنذاك – الشيخ محمد بن إبراهيم ، وعلى فضيلة الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم ، وأنه سيصرف لي إعانة شهرية أتقوى بها على مواصلة  تلقي العلم ، فلم أرى بداً من الاستجابة لمشورته – يرحمه الله – فبقيت لدى المشايخ عامي 69-1370هـ وبعدما أخذت نصيباً من مبادئ في العلم وحفظ عدد من المتون مثل : كتاب التوحيد ، ومتن العقيدة الواسطية ، وجزء من كتاب كشف الشبهات ، ومتن الأجرومية في النحو ..، شخصت مع بعض الأخوة إلى الطائف فالتحقت بدار التوحيد – أم المدارس آنذاك – عامي 71-1372هـ ثم انتقلت إلى المعهد العلمي بالرياض عام 1373هـ مواصلاً الدراسة بكلية اللغة العربية حتى حصلت على الشهادة العالية عام 1378هـ حامداً المولى أن أعانني على مواصلة دراستي ، فكنت من الدفعة الثانية من نفس الكلية .

ولقد ولد العم محمد بن عبدالعزيز بن ناصر الخريف في مدينة حريملاء في 1308هـ ، وعند بلوغه السابعة من عمره ألحقه والده بإحدى الكتاب لتعلم الخط وحفظ القرآن الكريم،  بعد ذلك أخذ يحضر دروس العلم التي تقرأ في المساجد فنمى لدية حب العلم ، ثم رحل إلى الرياض مع بعض أقرانه لتلقي العلم على عدد من العلماء والمشايخ .. فلازمهم فترة من الزمن ، فحصل على نصيب من العلم وحفظ بعض المتون المعروفة في التوحيد والعقيدة الواسطية ،وغير ذلك من المتون والنصوص ..، وقد تحمل الغربة عن أهله بالرياض لينهل من موارد العلوم العذبة ، رغم مشاغله بالإشراف على فلاحتهم هو وشقيقيه – الأعمام – حمد وعبدالرحمن – رحمهم الله جميعاً – بعد ذلك عاد إلى بلده حريملاء ، ثم اخذ يعاود والدنا العالم الجليل الشيخ عبدالرحمن بن محمد الخريف في أوقات فراغه ليتلو عليه القرآن الكريم غيباً عن ظهر قلب ، وليستفيدا منه مُجوداً ، ويناقشه في بعض العلوم التي لها صلة بالعقيدة والمسائل الفقهية ، فالوالد – يرحمه الله – يعتبر مرجعاً لبعض العلماء والمبتدئين في علم التجويد وسائر الفنون الشرعية واللغوية بصفة عامة .

وكان العم محمد صاحب طاعة وعبادة غيور على دينه ، وعلى شباب بلده ، فأخذ هو وبعض المتطوعين المحتسبين يقومون بالمناصحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والسير داخل البلد وفي أطرافها ليلاً وذلك مجرد جولات للاطمئنان وإلا فالبلد بحمد الله لا يوجد بها شيء يحتاج إلى الاحتراس أو القلق حتى في عصرنا الحاضر كل ذلك تطوعاً قبل وجود مراكز لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعندما صدر الأمر السامي في تلك الحقبة الزمنية البعيدة مُوجهاً لفضيلة الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ الرئيس العام للهيئات بمدينة الرياض بإنشاء مراكز للهيئات خارج مدينة الرياض ، فأخذ فضيلته يقوم بجولات إلى بعض البلدان المتاخمة للرياض بدأً بحريملاء ، فأجتمع بقاضيها -آنذاك – فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن سعد فرُشِحَ رئيساً للهيئة وأختار عدداً من الأعضاء ، وفي طليعتهم العم محمد، وظل يزاول عمله بكل نشاط وإخلاص ولين في تعامله، حتى أنتقل إلى الدار الباقية في 5/محرم/1383هـ مأسوفاً على رحيله وغيابه عن أنظار أسرته ومحبيه، وكان هو وأخويه الكريمين مقصدا للضيوف في زمنهم شأنهم شأن من ماثلهم من الأخيار، ولا سيما أصحاب الفلاحة لتوفر التمور والعيش لديهم، ولوجود الأعلاف من برسيم وقصب وحشائش أخرى لإطعام مطاياهم ودوابهم التي تحملهم وتحمل أمتعتهم، فالضيف لا يرتاح حتى تكرم دابته وسيلة ركوبه، بل الأكثر منهم يأتون مشيا على الأقدام حتى يصلوا إلى ما يريدون..،  فمعظمهم يؤتون من بلدان سدير والوشم، ومن الجهات المجاورة أثناء مرورهم عبر حريملاء متجهين صوب مدينة الرياض لقضاء حوائجهم، أو للعمل في مزارع النخيل كثيرة العدد المحيطة بالرياض وبجوانبه، أو للأعمال الحرفية كالبناء مثلا ، وفي ذلك مصدر رزق من يعمل لعدم توفر وظائف في تلك الأزمان وقلة العملة بأيدي الناس..، فرغم استمرار تتابعهم في المرور على القرى الكبيرة والصغيرة فإنه يقدم لهم ما تيسر من طعام وقهوة ، ولمواشيهم ما يكفيها من أعلاف، فالأوائل – يرحمهم الله – يُعنَونَ بإكرام الضيف ويؤثرونه على أنفسهم وأطفالهم  ولو كان بهم خصاصة ، ومن حسن حظ العم محمد بن عبدالعزيز الخريف أن وفقه الله بزوجة صالحة تقوم بخدمته، وتربي أبناءهم تربية حسنة، وتجهيز الطعام في لحظات متناهية لمن يقصدهم من ضيوف أو عابري سبيل ليلا أو نهارا – رحمهم الله رحمة واسعة – فهي محبوبة لدى جيرانها وفي محيطها الأسري ، عطوف على المحتاجين، وكافلة لعدد من الأيتام، ولقد تربت في بيت علم ودين وهي شقيقة الشيخ المعروف علي بن ابراهيم بن داود – رحم الله الجميع – وكان زوجها العم من خواص الوالد ومن الملازمين له في كثير من الأوقات لحبه ولقرابته ومكانته العلمية، حتى أن الوالد حينما علم باشتداد المرض عليه هم بزيارته رغم ما يعنيه هو من بعض الأمراض المزمنة ، .. فقال العم لا تأتي سنلتقي قريبا،  وكأنه قد رأى رؤيا فأحس بدنو أجلهما ، ثم غادر الحياة ، فلم يمضي على ذلك سوى أربعة أيام فقط حتى لحق به والدنا في  يوم  ثمانية محرم 1383هـ -رحمهم الله -، وكأن الشاعر العربي عناهُما مسلياً من فجع برحيلهما حيث يقول:

تعز فلا إلفين بالعيش متعا  ***  ولكن لوراد المنون تتابعا

ومن الصدفة أن تجاورا قبريهما ولكن لا تزاور بينهما.

ويحسن بي أن اختم هذه العجالة بهذين البيتين الذين قالتهما أم حكيم في رثاء أبيها عبدالمطلب:

ألا يعيـــنُ جــودي واستهلي  ***  وبَكّي ذا الندى والمكرمـــــات

وصولا للقرابة  ( هَبْرزياً )1 ***  وغيثاً في السنين المُمحِلاتِ

  - رحمه الله رحمة واسعة –

 

رحمك الله يا كافلة الأيتام والأجيال (<!--)

 

سيبقى لها في مضمر القلب و الحشا  ***  ذخيرة ود يوم تُبلى السرائرُ

من النساء من يبارك المولى في  أعمارهن وفي أوقاتهن, ويسهل طرق الخيرات أمامهن فتشرق آفاق السرور بين جوانحهن غبطة وسرورا, تجعل نفوسهن تستعذب كل عمل صالح يستهويها فعله, فيصبح جزءً من حياتها لا تمله, فهذه الصفات الجميلة والسجايا الحميدة من صفات الأم الفاضلة الراحلة منيرة بنت إبراهيم بن علي بن داوود -أم إبراهيم-التي ولدت في عام 1326 هـ -رحمها الله -وقد تربت في بيت علم وأدب بين أحضان والديها, ومع شقيقتها نوره أم أبناء إبراهيم الغدير, ومع شقيقها الشيخ علي الذي استفادت منه ومن علمه لاحقاً عندما كبرت وترعرعت..., ولقد التحقت بإحدى المدارس بتحفيظ القران الكريم لدى إحدى النساء الفضليات في تلك الأزمان, فأكملته وحفظت أجزاء منه, وقد شجعها أخوها الشيخ علي على حفظ متن ثلاثة الأصول وبعض الأحاديث النبوية الشريفة, وجزء من المسائل الفقهية المتعلقة بالطهارة والصيام وأداء الصلوات الخمس, فتكون لديها ثقافة دينيه رغم حداثة سنها, وقد تزوجت العم محمد بن عبدالعزيز بن ناصر الخريف رحم الله الجميع, وعاشت معه حياة سعيدة حياة ودً وتآلف وطيب عشرةً, وحسن تعامل وتعاون بينها وبين حماتيها -زوجتي العمين حمد , وعبدالرحمن -حيث مكثنَ مجتمعات مع أزواجهن في بيت واحد عدد من السنين حتى كبر الأبناء والبنات, ثم استقل كل واحد منهم في منزله وفي مزرعته فأخذت -أم إبراهيم -تضاعف جهدها في العمل معهُ مثل جني الخضار وبعض أنواع الفواكه الموجودة في تلك الأزمان, وتوزعها على بعض الأقرباء ومن يقصدهم من الضعفه والمساكين, فكلاهما ندي كف محب للزوار وللضيوف:

حبيب إلى الزوار غشيان بيته   ***  جميل المحيآ, شب وهو كريمُ

كما كانت تقوم بمزاولة بعض الأعمال الخاصة بهم مثل حصد البرسيم وسائر الأعلاف لمواشيهم, وحلب الأبقار والموجود من الأغنام.... وغير ذلك من الأعمال التي يسهلُ مزاولتها, شأنها شأن النساء الأوائل  في تفانيهن في خدمة أزواجهن وتدبير شؤون منازلهن معتمدات على الله ثم على جهدهن -لعدم وجود خادمات في تلك الحقب البعيدة -فربات البيوت يقمن بجميع متطلباتهن من طحن وطبخ, وخياطة ملابسهن وملابس أزواجهن وجميع أفراد الأسرة, كما أن منزلها -رحمها الله -يعجُ بالزائرات من صديقاتها وقريباتها, بل ومن بعض ذوي الحاجات لما يجدونه من حسن استقبال وترحاب, وعند انصرافهن تمنحهن بما تيسر من منتجات نخلهم ومزارعهم حسب موسم كل صنف: من رطب أو فواكه وخضار, فزوجها العم محمد -يرحمهم الله -لايقل عنها كرما وبذلا لمن يقصدهم من الرجال والضيوف:

نحن للضيف إن هبة شمالُ   ***   مزعجة يجاوبها صداها

كما أن بيتها بمنزلة العيادة الطبية المتخصصة الناجحة في رفع العظم أو الغضروف المسمى بالعرف العامي  بــ (الصقاط) بإحدى أصابعها الطاهرة الذي ينزل قليلاً في سقف لهاة الأطفال الصغار التي تتراوح أعمارهم بين العام والعامين فيشفون بإذن الله, كل ذلك تطوعاً منها, فأنا في صغري وبعض أولادي بنين وبنات قد استفدنا من خبرتها-رحمها الله رحمة واسعة -كما أن بعض النساء يأنسن بقراءتها ونفثها على صدورهن وعلى أطفالهن على مواقع الألم الذي يحسون به مرددة تلاوة بعض الآيات القرآنية: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) الآية, وبعض الأدعية المأثورة, داعية المولى لهن بشفاء العاجل, فهي يرحمها الله معروفة بالصلاح والاستقامة, كما أن الله وفقها وحبب إليها الإحسان وكفالة الأيتام, فقد كفلت أربعة أجيال من أقاربها مع تباعد الزمن بينهم وتقاربه, ولقد أدركتُ وشاهدتُ بعضهم في منزلها وهي تحيطهم بعطفها ورعايتها، وكان آخرهم أبناء ابنتها طرفة الثلاثة وشقيقتهم, وهم الأخوة: الأستاذ محمد, والأستاذ عبدالله، والشيخ عبدالرحمن بن غنام بن محمد الغنام الذي أصبح وكيلاً مساعداً لشؤون الدعوة في وزارة الشؤون الإسلامية. وقد انتقلت إلى رحمة الله عام 1404هـ بعد حياة حافلة بإخلاص العبادة لله، وطيب العشرة مع العم زوجها، وجيرانها وصديقاتها، والبر بوالديها والإحسان للأرامل والأيتام -رحمها الله رحمة واسعة -واسكنها عالي الجنان إنه سميع مجيب وهذه الكلمة الوجيزة وصفا لجزء من سيرتها العطرة ولسان حال أحفادها ومحبيها يرددون معنى هذا البيت:

ياويح نفسي أن كنت في جدث   *** دونك فيه التربُ والكفن

معالي الأستاذ سليمان العيسى لاقى وجه ربه(<!--)

 

حكـــم المنية في البرية جــاري *** مــا هذه الدنيا بدرا قــــرارٍ

بينا يرى الإنسان فيها مخبرا   ***  حتى يرى خبراً من الأخبار

كثير من بني البشر في هذه الحياة مُغتبطاً بمن حوله من آباء وأبناء وزوجات بل ومن رفاق وجيران، يعيش في رغد من العيش مستمتعاً بأنواع الملذات وأطايب الحياة، وتطمح نفسه دوماً الى المزيد من ذلك، ولم تَدُر بخلده إطلالة شعوب على غرة مؤذنة برحيله على عجل، فالآجال كلها مخفية في ضمير الغيب لا يعلم حلولها إلا رب العباد جل ذكره، فبينما كان الأستاذ الإعلامي الكبير يتجاذب أطراف الحديث في جلسة أنس عائلي إذا بداعي المولى ينتزعه من بينهم، فانقلبت أجواء ذلك المجلس البهيج إلى سحابة حزن عميق تفجعاً على رحيله المفاجئ حيث انتقل إلى -رحمة الله -يوم الجمعة 19/11/1433هـ وقد خيم الحزن على سماء منزله ومنازل أسرته وإخوته  فأديت عليه صلاة الميت بعد صلاة مغرب يوم السبت 20/11/1433هـ بالمسجد الحرام بمكة المكرمة، ثم دفن بمقابر العدل هناك.. -تغمده الله بواسع رحمته-وقد تأثر أفراد القسم الإعلامي من زملائه ونظرائه وجميع محبيه على غيابه عن الساحة الأدبية والإعلامية، وعن إطلالته عليهم وعلى سائر الشعب السعودي عبر نافذة وشاشة التلفاز ولا سيما في إعلان الأخبار والقرارات الملكية الهامة الرسمية، ولقد أحسن ولاة الأمر في اختياره مُذيعاً لحسن إلقائه وسلامة منطقة، كما أن الصحافة لها نصيب من مداد قلمه، فكل كتاباته هادفة تتسم بوطنيته، والموضوعات التي تحث على إخلاص العبادة لله، وعلى التآلف والتعاطف بين الأسر وسائر أفراد المجتمع. كما أنه في أحد مقالاته الأخيرة حث على صلة الأرحام والعطف على الأرامل والأيتام والبذل السخي في أوجه كثيرة من أعمال الخير ودعم الجمعيات التي تُعنى بالضعفة والمساكين، والحث على الترحم لمن غابوا عنا  ووارتهم التُربُ من والدين وإخوة وسائر المسلمين وكأنها كلمة مودع -رحمة الله-كما أشار إلى التواصل بين الأسر والأصدقاء بالأقدام إن أمكن أو هاتفياً، ولا سيما في مواسم الأعياد ومواساة المحزونين بفقد موتاهم، وعدم الاكتفاء بالرسائل عبر الجوالات لأنها غير مجدية البتة، وتشجع على الجفاء وتناسي حق القربى، فما أشبهها بإشارات التخاطب مع ذوي الاحتياجات الخاصة.. فهو -رحمه الله – كله نصح ومحل تقدير لدى ولاة الأمر ومحبوب لدى أصدقائه ومعارفه وجيرانه، لما يتمتع به من أخلاق عالية وسجايا حسنة، جمع التواضع مع الكبير والصغير، ولقد سعدت بالتعرف عليه منذ ثلاثة عقود في أول لقاء (بالمُقَيبرة) وسط مدينة الرياض قبل إزالة المباني القديمة المحيطة بها فأهديته كتابا نفيساً هو عين الأدب والسياسة وزين الحسب والرياسة لأبي الحسن بن هذيل من أعيان القرن الثامن الهجري ففرح به، فقلت تراه عربون أن تشرفنا في بلدنا فقال أبشر ووعد بالتواصل وزيارتنا في حريملاء، ولكن ظروفه وارتباطاته الكثيرة لم تمكنه بما وعد، فكلما أُقابله على فترات متباعدة يُبدي اعتذاره قائلا لعل الظروف تسمح لزيارة حريملاء.. فمضت  السنون، ومضى هو لسبيله بدون أن نراه هناك، فرحمك الله (أبا محمد) وأسكنك فسيح جناته وألهم ذويك وأبناءك ووالدتك الحنون، وزوجتك (أم محمد) ومحبيك الصبر والسلوان –

وكأن لسان حاله يردد قول الدكتور ناصر بن مسفر الزهراني:

ونرجو من الديان عفوا ورحمة *** ولطفاً إذا باتت علينا الصفائحُ

وبيت آخر:

رأيت أخا الدنيا وإن بات آمناً *** على سفرٍ يُسرى بهِ وهو لا يدري

وغاب سمح المحيا الأستاذ/ عبدالعزيز الغفيلي (<!--)

 

وجه عليه من الحياء سكينة *** ومحبه تجري مع الأنفاس

وإذا أحـــب الله يومــاً عبده *** ألقى عليه محــبة في الناس

من الناس من يبقى ذكرهم الجميل وإن تقادم رحيلهم في قلوب محبيهم وبين جوانحهم مُترحمين عليهم، ومتلذذّين بتذكر أفعالهم الحسان، وسيرهم التي تندى طيباً فواحاً لما خلفوه من آثار محمودة وأفعال جسام بقيت شاهدة لهم مسطّرة في سجل الخالدين ذكراً جميلاً إلى ما شاء الله، فالتاريخ خِزانة آمنه لحفظ ما أودع بها من حسنات وأعمال مشرفة، فالسعيد كل السعادة من تلذ الآذان لسماع ذكرهم الجميل وعن كرمهم وبذلهم المال في أوجه البر والإحسان، وإعراضهم عن مساوئ الناس، فمن أمثال أولئك الأخيار الأستاذ/ الفاضل المربي عبدالعزيز بن محمد العبدالعزيز الغفيلي الذي أحدث غيابه فجوة واسعة في محيطه الأسري وفي الميدان العملي التربوي، ولقد ولد عام 1361هـ بمحافظة الرس إحدى كبريات مدن القصيم، فباكرة اليتم بوفاة والده - رحمه الله - وهو في سن الخامسة من عمره، فعاش في كنف والدته التي تعتبر من فضليات النساء فحرصت عليه وعلى تربيته تربيه صالحه وعاش طفولته في ربوع مدينة الرس بين أترابه ومع بني عمومته وأخواله، ثم ألحقته ببعض مدارس الكتّاب لتعلم مبادئ القراءة والكتابة وحفظ ما تيسر من قصار سور المفصل تهيئة لإلحاقه بالمدارس النظامية ليسهل عليه مسايرة زملائه وهذا هو عين التربية فهي على جانب كبير من الدين القويم والأدب الرفيع مما كان له بالغ الأثر في نفس ابنها أثناء مسيرته العلمية والوظيفية، وكان محل عنايتها وتوجيهه التوجيه السليم مما خفف عنه وطأة اليتم ولوعات الفراق الأبوي، فقد عاش حياته محترماً محبوباً لدى الجميع، فكل ذلك بفضل الله ثم بفضل والدته الحنون، ولقد أجاد الشاعر حيث يقول:

الأم مدرسه إذا أعددتها *** أعددت شعبا طيبا الأعراق

ولقد تلقى تعليمه بالمرحلتين الابتدائية والمتوسطة بمدينة الرس بعد ذلك انتقل للرياض عام 1371هـ ودرس بمعهد المعلمين الابتدائي، ثم أكمل الدراسة بالمعاهد التكميلية بكل جد وتفوق، وكان مثالاً في الهدوء والجد في أداء دروسه والحرص على أن يكون جلوسه في مقدمة الصفوف طيلة المراحل الدراسية فهو محبوب لدى زملائه ومعلميه لما يتحلى به من أخلاق عالية ولا تسمع منه الكلمة النابية  مبتعداً عما يشينه ويخل بدينة، ولله در الشاعر محذراً من صحبه قرناء السوء ومجالستهم حيث يقول:

ولا تركن إلى أهل الدنايا *** فإن خلائق السفهاء تعدي

لذا كثر محبيه على اختلاف طبقاتهم ومستوياتهم، وبعد تخرجه تم تعيينه مدرساً بمدرسة المصانع الابتدائية بالرياض عام 1377هــ  وأدى مهامه التعليمية فيها بكل جد وإخلاص، ثم انتقل إلى مدرسة أسامة بن زيد الابتدائية عام 1383هـ، وكان يطمح في إكمال دراسته وتطوير مهاراته، فأخذ أكبر عدد ممكن من الدورات النافعة حيث حصل على مجموعة كبيرة من الدورات في  تكنولوجيا التعليم..، وكان الهدف منها الرقي بالمستوى التعليمي إلى أعلى مستوياته في هذا الوطن المعطاء، كما كان من الرجال المخلصين والمتفانين في خدمة التعليم وأهله، بعد ذلك تم نقله إلى جهاز وزارة المعارف مديراً لإدارة توجيه الطلاب وإرشادهم عام 1388هـ، وبعدها نقل مديراً لإدارة الوسائل التعليمية، وله عدة مشاركات ومحاضرات دولية وداخلية بهذا الخصوص..، ثم تم نقله إلى إدارة الامتحانات ومكث فيها إلى عام 1413هـ، ثم نقل خدماته إلى المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني مديراً لإدارة الامتحانات بالمؤسسة حتى عام 1419هـ، وأخيراً تم تعيينه مديراً عاماً للإدارة العامة لشؤون الطلاب حتى وفاته – رحمه الله – بتاريخ 10/3/1420هـ وقد فصلنا في ذكر الأعمال التي تسنمها وتربع عليها بكل جدارة وإخلاص لعلو مكانته في قلوب محبيه، فكل أعماله مشرفة حافلة بالمهارات وبحسن القيادة وطيب المعشر:  

دقـــات قلــب المــــرء قائلــة له *** إن الحــياة دقــــائق وثــــوان

فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها  *** فالذكر للإنسان عمر ثان

فسيرته مع عائلته – أسرة الغفيلي – تتسم بالمتانة وقوة الترابط والتعاطف، فهو مُسَودٌ في قبيلته مسموع الكلمة بآرائه الصائبة وله لمسات من خلال وضع اقتراحات بوضع صندوق خيري يتكفل بالمحتاجين من أفراد الأسرة وقد تم إنشائه حتى وقتنا هذا، كما اقترح بوضع استراحة كبيرة بالرس والرياض للاحتفالات الأسرية ومناسباتهم، وتم ذلك بمتابعته والرجال المخلصين من أفراد أسرته – رحمه الله رحمة واسعة -، كما أن علاقته بجيرانه وأصدقائه علاقة محبة وألفه ولقد وضع لهم دورية أسبوعية لرؤيتهم والاستئناس بهم وبأحاديثهم الشيقة، كما نصب أما منزله بيت شعر كبير لجميع الضيوف كل مساء من الجيران والأصدقاء:

حبيب إلى الزوار غشيان بيته *** جميل المحيا ، شب وهو كريم

أما علاقته مع أبنائه وزوجته فهي علاقة ود ومحبة ومعلماً ناصحاً، ومجالساً لهم ولأصدقائهم، ومصاحباً لهم في رحلاتهم ومشاركاً لهم في أنشطتهم الخلوية الرياضية والأدبية كركوب الخيل مثلاً رغم انشغاله وكثرة مسؤولياته فهو أبُ مثالي – يرحمه الله -ولقد رثاه الصديق الأديب الأستاذ  عبدالعزيز بن صالح الرشيد بكلمة ضافية ألمح فيها بشطر من أفضاله وأعماله الجليلة لصحيفة الجزيرة يوم الأحد 13 ربيع الأول عام 1420هـ تحت عنوان (الغفيلي فقيد العلم والوطن) فأبو بسام كاتب معروف وصاحب مبادرات، لا يفوته يوم فيه شرف متعه الله بالصحة والسعادة.

ولنا مع أبو محمد (رحمه الله) ذكريات جميلة، وتبادل الزيارات؛ اذكر أنه أثناء عمله قد زار المدرسة المتوسطة والثانوية بحريملاء موجهاً وكان لين العريكة مع جميع العاملين بالمدرسة بل يكتفي بالإيماءات الخفيفة لعلمه أنها أجدى من بعض الأساليب الأخرى فأسلوبه مع أولئك قمة في الأدب والحنكة، ولقد أجاد الشاعر حيث يقول:

والنفس إن دعيت بالعنف آبية *** وهي ما أمرت بالرفق تأتمر

وعلى أي حال فإن هذه الأسطر الوجيزة لا تفي بحق (أبو محمد) – تغمده الله بواسع رحمته وجمعنا به في دار النعيم المقيم.


ورحل طيب المعشر حمد الناصر (<!--)

 

نبكي على الدنيا وما من معشر *** جمعتهم الدنيا ولم يتفرقوا  !!

جادة الموتى عامرة بمرور الراحلين إلى مضاجعهم منذ الأزل، حتى ينفذ البشر وتضمرهم الأرض جميعا إلى أن يأذن الله بنهوضهم كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداعي ليقفوا ليوم الحساب ثم يتفرقوا فريق إلى الجنة وفريق في السعير، فالسعيد من يأخذ كتابه بيمينه إلى دار النعيم المقيم، فالإنسان المسلم حقا إذا شعر بدنو أجله وظن الظن اليقين أنه ملاق وجه ربه، فإن علامات البشر تطفح على محياه لحسن ظنه بمرضاة الله فيكون من الآمنين من عذابه جل ثناؤه، ففي مساء يوم الاثنين 22/11/1433هـ بعد غروب شمسه انتقل إلى جوار ربه الأخ الفاضل سمح المحيا حمد بن محمد الناصر، وقد صعدت روحه إلى بارئها بعد حياة حافلة بالإخلاص في عبادة الله، وفي أداء أعماله الوظيفية بكل جد وأمانه، ولقد ولد في مدينة حريملاء، ونشأ بها بين أحضان والديه مع أخوته، وتربى تربية صالحة وعند بلوغه السابعة التحق بالمدرسة الابتدائية بحريملاء إبان عملي مديرا لمعهد المعلمين مع إشرافي على المرحلة الابتدائية في أواسط الثمانينيات الهجرية، حيث أن المعهد حل ضيفا على مبنى المدرسة الابتدائية لمدة عشرة أعوام تقريبا حتى تخرج منها إلى المرحلة المتوسطة..، وكان حسن السيرة والخلق مع زملائه ومعلميه، وعندما بلغ السن النظامي تعين بوزارة التجارة كاتبا ومكث بها خمسة أعوام تقريبا، ثم انتقل إلى رئاسة دار الإفتاء وظل يعمل بمكتب سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله  ، وبعد وفاة الشيخ استمر في عمله بجانب سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ حتى بلغ سن التقاعد، وكان محبوبا لدى الشيخين لإخلاصه ودماثة خلقه، ثم أخلد إلى الراحة، فأخذ يقضي جل وقته ما بين منزله بالرياض وبين مزرعته في حريملاء الحافلة بأجود أنواع فسائل النخيل، وبالكثير من الأشجار المثمرة، فهي ملتقى لأحبابه ومعارفه وزملائه لكرمه ورحابة صدره، ومتنفس رحب لعائلته، ولاسيما في مواسم الأعياد والعطل، وكان صديقا حميما لشقيقيّ عبدالله وناصر-رحمهم الله -اللذين سبقاه إلى مضاجع الراحلين:

تعز فلا إلفين بالعيش متعا *** ولكن لوراد المنون تتابعا !!

وكنا نزوره أثناء انتدابه في العطلة الصيفية بمنزله في ربوع الطائف، فيبالغ في إكرامنا رغم شروطنا عليه بعدم التكلف، ولكن الكرم من سجاياه المتأصلة -رحمه الله -، وقد أصيب ببعض الأمراض الباطنية في أخريات حياته فأجريت له عمليات داخلية باستئصال بعض الأمعاء، وقد نجحت في بادئ الأمر وفي إثناء مرور طبيبه الجراح ليطمئن على نجاح العملية ولأجل أن يأذن بخروجه إلى منزله مستبشرا على تحسن صحته، وقد ذكر لي أحد أخوته ما قاله الطبيب عن طيب نفس وحسن نية استئصلنا يا أبا محمد من أمعائك ما يقارب متر أو أكثر فوقع هذا الخبر على قلبه كالصاعقة الملتهبة، فعلى إثرها سكت فجأة وألجم على لسانه إلى أن غادر الحياة -رحمه الله -، والحقيقة أن الطبيب لم يوفق بإشعاره بما حصل وخاصة أنه مازال يعاني من عقابيل العملية ولم يدر بخلد الطبيب معنى قول الشاعر المصري حفني ناصف بك:

وعللوهم بآمـــــــال مفرحــــــة  ***    فطـــالما ســـرت الآمــــال محـــزونا

لــولا الأماني فاضت روحهم جزعا *** من الهموم وأمسى عيشهم هونا

واليأس يحدث في أعضاء صاحبه *** ضعفا ويورث أهل العزم توهينا

وقد أديت عليه صلاة الميت بعد صلاة عصر يوم الثلاثاء 23/11/1433هـ بجامع الملك خالد بالرياض، ثم نقل إلى مهوى رأسه ومرتع صباه بمحافظة حريملاء حيث دفن بمقبرة (صفيه) في جو حزن وأسى مترحمين عليه بأن ينزله المولى منزل الأبرار – تغمده الله �

mager22

فقد ورثاء ( عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف )

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 820 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2013 بواسطة mager22

رحم الله ابن الخال العقيد عبدالله المطرود(<!--)

 

إذا غامرت في شرف مروم *** فلا تقنع بما دون النجوم

تختلف همم الشباب في تحقيق أهدافهم وطموحاتهم، فمنهم من يروم الصعود إلى قمم المجد والفلاح متخطياً كل العقبات الكأداء بتوثب وخطاً ثابتة مأمونة الزلل دون الرجوع إلى الوراء.. حتى يتربع على هضاب العز والشرف محققاً آماله السامية وآمال مجتمعه فيه.. ولا يتسنى ذلك إلا لذوي الهمم العالية التي تنشد نصرة الدين وحماية أرجاء وطنه بكل شجاعة وأمانة أمثال العقيد متقاعد عبدالله بن عبدالعزيز المطرود -أبو أحمد -رئيس المجلس العسكري بوزارة الدفاع والطيران بالخرج -سابقاً -الذي عرف عنه الحزم والإخلاص لأداء أعماله العسكرية:

ومن تكن العلياء همة نفسه *** فكل الذي يلقاه فيها محبب

ولقد ولد في مدينة حريملاء في 1/7/1363هـ وتلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط والثانوي بالرياض، وكان خلال الإجازات الصيفية ينتهز فرصة العمل لدى شركة أرامكو بالشرقية ليستفيد مادياً لسد حاجاته الضرورية لمواصلة دراساته بدون الحاجة إلى الغير..، ولأجل كسب اللغة الإنجليزية التي لا غنى عنها ولا سيّما لرجال السلك الدبلوماسي ورجال الأمن بالقطاع العسكري عامة:

بقدر لغـــات المرء يكثر نفعه *** وتلك له عند الشدائد أعــــوان

فبادر إلى حفظ اللغات مسارعاً*** فكل لسان في الحقيقة إنسان

ثم التحق بكلية الملك عبدالعزيز الحربية وحصل على الشهادة العالية بها.. وتم تعيينه ضابطاً في جازان، وتنقل خلال عمله في أرجاء الوطن: الطائف، حفر الباطن، الخرج، والتحق بدورات عسكرية داخل الوطن وخارجه أكسبته خبرة ودراية وسعة أفق..، وشغل عدّة مناصب عالية آخرها رئيساً للمجلس العسكري بوزارة الدفاع والطيران بالخرج -كما ألمحنا آنفا - وكان باراً بوالديه واصل لرحمه يكرم أصدقاء والديه يحب البذل في أوجه البر والإحسان للفقراء والأرامل قدر ما يستطيع، كما عرف عنه الحزم والإخلاص في أداء مهماته العسكرية محترماً جميع زملائه ومراجعيه،  ويعتبر مدرسة وقدوة صالحة لمن حوله، وفي عام 1410هـ طلب التقاعد مبكراً حرصاً منه على إلحاق أبنائه بالجامعات ورعايته لهم عن قرب بمدينة الرياض، كما احتفظ بلباسه العسكري الذي تخرج به، وحرص على الحفاظ على الأوسمة والنياشين التي حصل عليها أثناء خدمته والتي كان يعدّها أغلى المدّخرات عنده للذكرى وللتاريخ، كما أن عمله المشرف لم يعقه عن الكتابة الهادفة البنّاءة عبر الصحف التي تشد القارئ إلى متابعة جميع ما يفيض به قلمه من اقتراحات يوجه معظمها إلى المصالح الحكومية لطلب تحقيقها ومعالجتها، فهو - يرحمه الله - نصح وإخلاص، ومن صفاته المحمودة الإبحار في بطون الكتب التاريخية والأدبية، كما أنه على صلة قوية بروّاد الأُمسيات الشعرية والصوالين والمنتديات الأدبية مثل اثنينية الشيخ الراحل عثمان الصالح وخميسية الشيخ حمد الجاسر وأحدية الدكتور راشد المبارك، بل ومجالس العلماء والوجهاء مما أكسب اُفقه اتساعاً في الآداب والثقافات العامة، وله مداخلات ونقاشات دقيقة تثري الحضور معانيها ومقاصدها، ولقد أروى غُلّته من حفظ جيد الأشعار والآداب قبل أن تغمض عيناه عن الدنيا وعن مسارح طفولته وصباه، حيث لبى داعي المولى وهو ساجد قبيل فجر يوم الجمعة 11/3/1433هـ  خاتمة حميدة له بحول الله:

غداً توفى النفوس ما عملت*** ويحصد الزارعون ما زرعوا

وصُلي عليه بعد صلاة العصر بجامع الملك خالد بأم الحمام بالرياض وشارك في دفنه بالمقبرة الواقعة على مقربة منه عدد كبير من رجال السلك العسكري من زملاء وتلامذة وأصدقاء ومحبين له تغمده الله بواسع رحمته وألهم ذويه وأبناءه وبناته وعقيلته أم أحمد وجميع محبيه الصبر والسلوان.

 


رحم الله عفيف النفس سعد بن ناصر السعد(<!--)

 

من الناس من يمنحه المولى حسن الخلق ورحابة الصدر، ومحبة الناس إليه لإعراضه عن مساوئ الخلق وتحليه بالكرم، فيظل محبوباً ومقرباً منهم ومن قلوبهم، فمثل أولئك سعد بن ناصر السعد الذي انتقل إلى دار المقام مساء يوم الأربعاء 9/3/1433هـ مأسوفاً على غيابه عن هذه الدنيا، وقد صلي عليه بعد صلاة عصر يوم الخميس بجامع الحزم بحريملاء ثم تبعه خلق كثير إلى مرقده في مقبرة – صفية – داعين المولى أن يتغمده بواسع رحمته، وقد حزن الكثير منهم حزناً عميقاً لعلو مكانته في نفوسهم، ولقد خرج من الدنيا خفيف المحمل معتمداً على الله في حياته المعيشية ثم على نفسه عافاً عما بأيدي الناس، ومقتصراً على مصدر رزقه بأخذ الأسباب في البيع والشراء ومن قيمة إنتاج أغنامه يبتاع من صغارها وكبارها لسد حاجته، ولم يكتب له زواج طيلة عمره فأصبح في زمرة وأعداد العزاب طليق العنان لا يتقيد بوقت ليلاً ونهاراً، ويكثر الرحلات في البراري والفلوات برفقة أصدقائه وخاصة في مواسم الربيع ولياليه المقمرة يحيونها بالسمر والاستمتاع بأجوائه الصافية واستنشاق عبق الأزهار وروائح نبت النفل التي تنبعث من تلك الفياض والرياض الغناء، وفي النهار يزاولون بعض النشاطات الترفيهية في صعود الجبال والتسابق فوق أرض القيعان المنبسطة. ويعتبر سعد بن ناصر من العدائيين المعرفين في مضامير السباق وخاصة في ريعان شبابه - رحمه الله - :

ويا ظل الشباب وكنت تندا ** على أفياء سرحتك السلام

كما يؤم ديوانيته عدد من معارفه وأصدقائه في كثير من الأمسيات التي يحيونها بأحاديث السمر وتبادل الطرائف والنكات على مائدته المتواضعة التي تضم حليب أغنامه، فهو كريم لا يمل دخول منزله مع بساطته في كل أموره:

وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى** لكنما وجه الكريم خصيب

وهكذا قضى شبابه وعمره في فرح ومرح مع لداته ورفاق دربه، وفي أخريات حياته بدأت طلائع الكبر تدب في جسمه والعجز عن القيام بشؤونه المنزلية من إعداد وجبات الطعام وغير ذلك، فسعدت أسرة القلعي باستضافته  ممثلة في عميدها الكريم عبدالرحمن بن عبدالعزيز القلعي وأبنائه الأخيار فاحتضنته، وخصصوا له غرفة لنومه ومكاناً في مجلسهم ملتقى أقربائهم وأصدقائهم ليأنس بهم ويشاركهم في الحديث ويسمع ما يدور فيه من قصص وأخبار طريفة.. رغم سعي بعض أسرته لاستضافته لديهم بمدينة الرياض مقر سكنهم،  ففضل الجلوس لدى مضيفيه بحريملاء مهوى رأسه ومرتع صباه إلى أن توفاه الله – جزاهم المولى خير الجزاء ولا أرتهم الليالي بؤسا ولا حزناً، ولسان حاله يردد معنى هذا البيت:

غمرتنا بأياديك التي سلفت ** لا زلت في نعماء الله مغمورا

رحمك الله يا سعد وأسكنك فسيح جناته، وجبر مصيبة أقربائك ومحبيك ألهمهم الصبر والسلون.

 

 

 

 

 


رحم الله معالي الدكتور محمد بن عبدالله العجلان (<!--)

 

كيف البقاء وباب الموت منفتح ** وليس يغلق حتى ينفد البشر

ما من شك أن الموت نهاية كل حي وان طال به المكث في الدنيا، قال الله جل ذكره في محكم كتابه العزيز مؤكدا ذلك بقوله (كل نفس ذائقة الموت) ومهما حاول الإنسان وكل مقرب إليه أو الطبيب دفع منيته فإن ذلك لا يجدي أمام قدرة الخالق وما كتب في اللوح المحفوظ منذ الأزل حاسم لذلك ولا مناص من إنفاذه ووقوعه، ففي الآونة الأخيرة تضاعف رحيل الكثير من أحبابنا، ومن أبناء وطننا الأفذاذ رجالا كراما ونساء فضليات مما أحدث فجوة وفراغا واسعا في نفوس محبيهم، وفي مجال العلم والأدب والعاملين في خدمة دينهم ووطنهم على كافة المستويات، فبالأمس القريب قُبيل صلاة فجر يوم الثلاثاء 8/3/1433هـ افتقدت محافظة حريملاء بل الوطن عامة رجلا كريما من رجالات العلم والتعليم معالي الدكتور محمد بن عبدالله بن محمد العجلان مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – سابقا – وأخيراً اختير عضو بمجلس الشورى لما يتمتع به من خبرة طويلة وآراء سديدة إلى أن انتهت فترة عمله في المجلس وقد أديت عليه صلاة الميت بعد صلاة العصر بجامع الملك خالد بأم الحمام بالرياض ولقد اكتظ المسجد بالمصلين عليه من العلماء ومن كبار المسئولين وجمع من المصلين رجالا ونساء داعين له بالمغفرة والرحمة، وقد حمل على الأكتاف إلى المقبرة وتزاحمت الأيدي في المشاركة على حمله حتى أنزلوه في جدثه وأخفى الترب جثمانه الطاهر عن نواظر أبنائه وتلامذته ومحبيه، وهذه سنة الله في خلقه ومصير كل إنسان:

وإذا حملت إلى القبور جنازة *** فاعلم بأنك بعدها محمول

وقد بدأ الفقيد حياته العلمية بتلاوة القرآن الكريم وحفظه على أيدي بعض معلمي الكتاب بمدينة حريملاء ثم التحق بالمدرسة الابتدائية، واستمر في دراسته في جميع مراحل التعليم بكل نجاح وتفوق نال في أثنائها جوائز ومنح شهادات شكر وتقدير ويعتبر من الأذكياء الموهوبين في عدد من العلوم الشرعية واللغة العربية وتخصص في أصول الفقه، وفي النهاية نال شهادة الدكتوراه من جامعة الأزهر بامتياز مع مرتبة الشرف، ومعلوم أن الأزهر بمصر العربية منارة علم مضيئة منذ القدم استفادت المملكة وسائر البلاد العربية من علوم فطاحل علمائه الأجلاء:

قم في فم الدنيا وحي الأزهرا *** وانثر على سمع الزمان الجوهرا

ومن طريف المصادفات وأجملها أنه عندما زار جلالة الملك فيصل – رحمه الله – المعهد العملي بالرياض دخل عليه الفصل فجأة وهو يشرح في باب التوكيد في النحو ويورد الأمثلة: جاء الملك نفسه، حضر الحاكم نفسه  فأعجب به وبثبات جنانه وقوة بيانه، فجلس بالفصل حتى انتهى الدرس، ثم شكره ودعا له بدوام التوفيق والنجاح للطلاب، وهذا يدل على اهتمام ملوكنا بالعلم والتعليم، فالحديث عن سيرة الدكتور محمد – رحمه الله – يطول ولا يتسع المجال لسردها وعدها، فقد كان بارا بوالديه ولسانه رطب بالدعاء لهما والترحم عليهما محبا لأصدقاء والديه، كما كان يجمع أسرته في منزله لتناول وجبات الطعام بين حين وآخر ليستمر التعارف والتواصل بينهم، كما كان يحرص على صيام شهر رمضان كل عام بجوار بيت الله العتيق، وملتمسا حاجات بعض الأسر الفقيرة، كما لا ننسى مشاركته معنا باللجنة الأهلية بحريملاء التي تأسست منذ خمسين عاما تحقق على أيديهم الشيء الكثير من مطالباتهم الجهات الرسمية الحكومية لتلبية احتياجات حريملاء وما جاورها من البلدان والأرياف منها على سبيل المثال وصول الطريق العام إليها وافتتاح المعهد العلمي ومعهد المعلمين وعدد من المدارس، وافتتاح المستشفى العام مبكرا في عدد من المباني الطينية وغير ذلك من المصالح الحكومية، ولم تتحقق تلك المطالب إلا بقوة المراجعات والإلحاح المستمر مما جعل مدينة حريملاء مكتملة الخدمات، وهذا ما تشجع عليه الدولة في الحد من الهجرة إلى المدن وتوطين الأهالي في بلدانهم ورعاية مزارعهم، وكان يحضر احتفالات محافظة حريملاء ويشارك ببعض الكلمات والملاحظات. كما أن معالي الدكتور لا يبخل بجاهه في مساعدة من يستعين به من الشباب بالتعريف به لدى بعض المصالح الحكومية لمواصلة دراستهم وتطوير مواهبهم أو لأي غرض تحقيقه لا يضر ولا يحرم الآخرين.. ، وهكذا قضى حياته حافلة بالعطاء والإخلاص ونفع الآخرين ولقد أجاد الشاعر طَرفة بن العبد:

لعمرك ما الأيام إلا معارة *** فما اسطعت من معروفها فتزود

وقد خلف – أبو خالد – ذرية صالحة مؤهلة تأهيلا عاليا فمعظمهم يحمل درجة الدكتوراه تجدد ذكره الأعمال الخيرية والدعاء له، تغمده الله بواسع رحمته وألهم ذويه وأبناءه وبناته وعقيلتيه ومحبيه الصبر والسلوان.

 

 

 


رحم الله الشيخ الأستاذ عبدالرحمن العُميري(<!--)

 

لعمرك ما للناس في الموت حيلة *** ولا لقضاء الله في الخلق مدفعُ

معلوم أن الرحيل عن هذا الكوكب الأرضي محتوم على كل كائن حي مهما طال به الزمن، وهذه سنة الله في خلقه إلى يوم الدين: أُمم تطلٌ على الحياة الدنيا، وأخرى ترحل منها إلى عالم الخلود باستمرار إلى يوم البعث والنشور هذا قادم وذاك مودع، فلو غاب الموتُ عن المخلوقات الحية لضاقت الأرض بساكنيها ولما استقامة الحياة على ظهرها ولكنها حكمة المولى عَلام الغيوب في تعاقب الكائنات الحية لعمارة هذا الكوكب الرحب، وليبتلي الله عباده أيهم أحسن عملا فهو أحكم الحاكمين وأدرى بحال مخلوقاته، فقد أودع في نفوسهم وقلوبهم الحس بالفرح، والتأثر بالحزن عند فقد غاليهم، ففي يوم الجمعة11/3/1433هـ حملت لنا بعض وسائل الإعلام نبأ رحيل الشيخ الأستاذ عبدالرحمن بن أحمد العُميري فتأثرت كثيراً وحزنت حزناً عميقاً لمكانته في قلبي متذكراً أياماً جميلة سعدنا فيها بمعرفته وبتبادل الزيارات بيننا وبينه أثناء عمله مشرفاً تربوياً بإدارة التعليم بالرياض، وكنا نزوره في منزله الواقع جنوبي دخنه بالرياض منذ عقود من الزمن، ونتناول طعام الغداء عنده عدة مرات، وقد عرف عنه الكرم وسماحة الخلق والاستقامة في دينه وتواضعه الجم وحبه للمساكين والأيتام. ولقد ولد عام 1356هـ بمدينة الدلم مدينة العلماء والأدباء، فحفظ القرآن الكريم على يد الشيخ سعد بن رشيد الخرجي – رحمه الله – ونال الشهادة الابتدائية من المدرسة السعودية - ابن عباس حالياً بالدلم -، ودرس في العلوم الشرعية واللغة العربية على مصباح العلوم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز بالدلم – تغمده الله بواسع رحمته – مما أهله وشجعه على الشخوص إلى الحجاز والالتحاق بأم المدارس - سابقاً – دار التوحيد بالطائف لما علم باهتمام جلالة الملك عبدالعزيز بطلابها وجلب خيرة المعلمين من الأزهر للتدريس بها، فالملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – هو المؤسس لها عام 1364هـ لأجل إعداد العلماء والقضاة وخطباء المساجد الكبيرة في تلك الفترة الزمنية لحاجة البلاد لمثل أولئك العلماء الفطاحل الأجلاء – رحم الله الجميع – فجد أبو أحمد حتى نال الشهادة الثانوية بتفوق عام 79- 80هـ مواصلاً دراسته بكلية الشريعة واللغة العربية بمكة المكرمة حتى حصل على شهادة الليسانس عام 84-85هـ، وقد استفاد من اغترابه بالطائف وبمكة المكرمة وبعده عن مشاغل أهله في أعمالهم الخاصة والعامة حتي عاد إليهم مسلحا بسلاح العلم والثقافة الواسعة، وقد كسب معارف كُثر من زملاء وأصحاب، فمعرفة الأخيار ثروة أخوية أدبية يأنس بهم حين يلتقيهم، ولم يندم على اغترابه في طلب العلم، ولله در قول أبي تمام حاثاً على الاغتراب في كسب المعيشة، وفي اقتناص العلوم والآداب من مظانها:

وطول مقام المرء في الحي مُخلقٌ **  لديباجتيه فاغترب تتجدد

وقد سلا عن أهله وخفف من وحشة الغربة وفراق الأهل أن سكن بالقسم الداخلي الآهل بمجموعات من الزملاء المغتربين: (فكل غريب للغريب نسيبُ ). فأمسوا كأسرة واحدة متآلفين يقضون جل أوقاتهم في استذكار الدروس في الآصال وأطراف النهار مع مزاولة بعض الأنشطة في هاتيك الميادين الفسيحة في غرب (قروى) المتكأ على حافاتها جبل (أم الآدم) الشهير، وفي أوائل الليل يستذكرون ما تبقى من المواد الدراسية داخل القسم قبل النوم. كما أن الأستاذ عبدالرحمن – أبو أحمد – يشارك بإلقاء بعض الكلمات والقصائد عبر منبر النادي الذي يقام داخل القسم في ليالي الجمع في غالب الأيام، وكانت تلك القصائد النابعة من وجدانه ومكابدته الغربة عن أهله وأوطانه نواة لديوانه الذي صدر منذ سنوات بعنوان (البيان)  وكان يحضر ذاك النادي الأدبي عدد من رؤساء الدوائر والمصالح الحكومية، وفي مقدمتهم سعادة أمير الطائف الراحل الشيخ عبدالعزيز بن فهد بن معمر ومساعده الأمير ناصر المعمر، وعدد كبير من الأدباء والمثقفين، فجو الطائف ورحاب المسجد الحرام أكسبه رحابة صدر وسعة أفق واطمئنان في حياته إلى أن رحل إلى جوار ربه مأسوفاً على فراقه – رحمه الله – وقد بدأ حياته العملية مدرساً في معهد إعداد المعلمين بالدلم، ثم رشح مدرساً بالمتوسطة الأولى بالرياض، ثم مشرفاً تربوياً بإدارة التعليم في الرياض، بعد ذلك أنتقل محققاً شرعياً بوزارة الداخلية، ثم رشح أخيراً بالشؤون الإسلامية بإدارة الإفتاء والدعوة والإرشاد حتى تقاعد عام 1416هـ . بعد حياة حافلة بالعطاء والذكر الحسن:

وإنما المرء حديث بعده *** فكن حديثاً حسناً لمن وعى

تغمده الله بواسع رحمته وألهم ذويه وأبناءه وبناته وعقيلته وجميع محبيه الصبر والسلوان.

 

 

رحم الله سمح المحيا أحمد بن محمد بن خميس(<!--)

 

وإذا أحب الله يوماً عبده *** ألقى عليه محبة في الناس

كل صباح ومساء تفاجئنا وسائل الأعلام المختلفة بأنباء تحزن وتؤلم، ولا سيما في هذا العصر الحاضر الذي كثر فيه التزاحم عند بوابة الراحلين عن الحياة الدنيا إلى الدار الآخرة مستجيبين لداعي الله جل ذكره المقدر لآجال أمته "إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" سورة يونس الآية (49)، فالناظر داخل أسوار المقابر بصفة عامة يجد أرضها الواسعة قد زرعت من أبدان أبناء البشر بكثافة عالية متنامية على مدار الساعة إلى اليوم الموعود:

كيف البقاء وباب الموت منفتح *** وليس يغلق حتى ينفذ البشر

كل ذلك بتقدير العزيز الحكيم رب جميع الخلائق، ففي يوم الأحد 27/3/1433هـ فجئت بنبأ وفاة الأخ الفاضل / أحمد بن محمد بن علي بن خميس أحد أبناء زميلي الوفي الأستاذ الحبيب/ محمد بن علي بن خميس إثر إجراء عملية جراحية باطنية أعيت الحيل الفريق الطبي إنجاحها - رحمه الله رحمة واسعة -، ولقد حزنت حزناً شديداً على رحيله المفاجئ!. وقد أديت عليه صلاة الميت بعد صلاة عصر يوم الاثنين بجامع الملك خالد بأم الحمام بالرياض، ثم تبعه خلق كثير إلى مضجعه بمقبرة أم الحمام داعين المولى له بالرحمة والمغفرة، ومعزين والده وأخوته وأعمامه وعدد كبير من أسرته وأبناء عمومته، ولقد ولد بمدينة الرياض سنة 1378هـ وعاش بين أحضان والديه ومع  أخوته وشقيقاته في أجواء يسودها الهدوء والحب والتآلف بعيدين عن منغصات الحياة، فهذا شأن وطابع أسرة آل خميس حاضرهم وقديمهم، امتداداً لوالدهم وجد أولادهم الشيخ علي بن عبدالله بن خميس المتصف بالورع وبإخلاص العبادة لله، وكان من خواص سماحة المفتي الشيخ محمد بن ابراهيم وأخيه فضيلة الشيخ عبداللطيف، وقد وكلا إليه الإشراف على بعض بيوت الأخوان بمحلة دخنه وصرف مكافأة لهم ترغيباً في طلب العلم – آنذاك – بأمر من جلالة الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه -فصلاح الآباء أدرك الأبناء وذرياتهم. وعندما كبر الراحل أحمد – أبو نايف – وأخذ نصيباً من الشهادات النظامية عمل موظفاً بالمستشفى العسكري للقوات المسلحة عدداً من السنين، ثم انتقل إلى مكتب الدكتور الراحل غازي بن عبدالرحمن القصيبي وزير العمل والعمال فاستمر في عمله بكل إخلاص وتعاون مع زملائه إلى أن توفاه الله - رحمهما الله جميعاً -، وكان باراً بوالديه واصل لرحمه محباً لأصدقاء والده، ولله در القائل:

فطوبى لعبد أخرج الله روحه ***  إليه من الدنيا على عمل البِر

وكان لي معه ومع والده الزميل الشيخ محمد وعموم أخوته أجمل الذكريات وأحلاها، ولا سيما مع والدهم أيام تلقي مبادئ العلم على أيدي مشايخنا: سماحة المفتي الشيخ محمد بن ابراهيم وفضيلة أخيه الشيخ عبداللطيف، وفضيلة الشيخ ابراهيم بن سليمان الراشد  قاضي محكمة الرياض وأمام الجامع الكبير – رحمهم الله جميعا –، كما لا ننسى عناية الشيخ الفاضل علي بن عبدالله بن خميس بنا أثناء أجازة الربيع عام 1374هـ  بروضة السهباء بالخرج حيث خصص لي ولأبنه محمد خيمة مجهزة بفرش وبإتريك للإنارة ليلاً لاستذكار الدروس وكان يحثنا على الحفظ والمذاكرة بالسنة الرابعة بالمعهد العلمي بالرياض، وكان جده لأمه عبدالعزيز بن محمد البحيري المقيم في مزرعته بواحة السهباء بالخرج يحضر اللبن والقرصان والحليب ليلاً في ذاك المخيم رفيع العماد فترة إجازة الربيع في هاتيك الرياض الغناء التي يعبق أريجها:

يا روضة طالما أجنت لواحظنا  **  ورداً جناه الصبا غضاً ونسرينا

ويا حيـــــاة تملينا بزهــــرتها  **  مُنًى ضـــــروباً ولــــذاتً أفــــانينا

ومما حز في نفسي وأثار شجوني ما رأيته قبل أن يوسد الفقيد الثرى من تذارف دموع والده الشيخ محمد وأخوته، وأبنه نايف وحيده من الذكور وهو ينزل جثمانه مع أحد أخوانه في لحد القبر مضجعه، وقد أمطره بوابل من الدموع الحرى بللت كفنه الطاهر وما حوله من تربة القبر فأخذا يُصفّان اللبنات على اللحد حتى أخفت جثمانه عن ناظريه، فكله حرقة وأسى، ولك أن تتصور ما يعتمل داخل نفسه في تلك اللحظة الحاسمة..، وبين جوانحه من حزنٍ عميق ولوعات فراق "كان الله في عونه وعون أسرته":

حناناً لكم فيما طويتم جوانحاً  ** عليه ، وعطفي يا وحيد ورحمتي

 رحم الله الفقيد وألهم ذويه ووالديه وأخوته وأبنه نايف وشقيقتيه وعقيلته أم نايف وجميع أسرته ومحبيه الصبر والسلوان.

 

 

ذكرياتي الجميلة مع ابن الخال سليمان المشعل باقية في فؤادي(<!--)

 

إن الزمان الذي ما زال يضحكنا *** أنساً بقربكم قد عاد يبكينا

الذكرى الجميلة مع الأخيار والأصدقاء تبقى مع المرء طوال أيام حياته، داخل أغوار نفسه، وفي طوايا ذاكرته ووجدانه تلذذاً وتذكراً لسيرهم الحسنة وأعمالهم المشرفة المحببة للنفوس.. تتنامى وتتجدد مع مرور الزمن وكرِّ الجديدين كلما يخطر أحدهم على البال..، وتختلف مراتب حب الإنسان من شخص لآخر ، فكلما كان أقرب إلى القلب زاد تجدد ذكره وتذكر محاسنه وعطاؤه المعنوي والمادي ذاكراً هذا البيت:

يُجدُّ النَّأيُ ذكرك في فؤادِي *** إذا وهِلَتْ علَى النَّأيِ القلوبُ

فأردت بإيراد هذا البيت ذكرَ أبن الخال الراحل/ سليمان بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز المشعل – أبو عبدالعزيز-وعدم نسيانه مهما تقادم عهد الفراق، خلاف الآخرين الذين حبهم قد يتلاشى بعد تواري وغياب أحبتهم عن أنظارهم. فحب صديقي سليمان خال أبنائي وبناتي ساكن في شعاب نفسي.. ، ولقد أحدث غيابه عنّا وعن أسرته ومحبيه حزناً عميقاً، وفجوة واسعة في محيطه الأسري وبين جيرانه وأصدقائه، حيث خيّم الحزن بفقده على منزله ومنازل أبنائه وبناته، وأخويه الشيخين الكريمين/ مشعل وعلي أبناء الخال عبدالرحمن بن عبدالعزيز المشعل، وشقيقتهما زوجتي -أم محمد – رحمه الله رحمة واسعة، وكان باراً بوالديه، وملازماً لشقيقيه قبل زواجهما لعدم إبصارهما، فهو يقوم بصحبتهما إلى المسجد، وإلى زيارة الأقارب والأصدقاء وفي المناسبات العامة والخاصة.. فهو أخ حنون وعطوف على أخويه وأختيه -رحمه الله – وقد نشئوا جميعاً في أحضان والديهم في غبطة وهناء وراحة بال إلى أن كبروا واستقلوا في مساكنهم مع أُسرهم وهذه سنة الحياة في الخلق.. وكان -أبو عبدالعزيز-كريماً وجزلاً ومبادراً بدعوة أقاربه لتناول طعام الغداء أو العشاء لديه  في المناسبات الأسرية وفي الدوريات مع إخوته وأبناء عمومته، وكان لطيفاً عطوفاً على الأطفال وخاصة أطفال أخوته وأخواته، أذكر أن أبنائي في صغرهم يفرحون كل الفرح بالذهاب مع والدتهم من حريملاء إلى منازل أخوالهم بالرياض لمزاولة اللعب والمرح مع أطفالهم، ولأجل أن يأخذهم خالهم سليمان إلى بعض المحلات والبقالات فيعطيهم الفرصة ليشتروا ما يحلو لهم من حلوى ولعب، فهو محبوب لدى الصغار والكبار-رحمه الله -وقد كافح في بداية حياته في طلب رزقه وكسب الحلال في مواقع عدّة في سنين طويلة، بعد ذلك عمل في مكتب مدير عام رئاسة القضاء الشيخ عثمان بن حمد الحقيل، وكان محل الثقة والتقدير لدى رئيسه الشيخ لإخلاصه ومواظبته في أداء عمله، وحُسن تعامله مع زملائه ومع الغير مما جعل الشيخ عثمان يحرص على اصطحابه معهم في الإجازات الصيفية للعمل بالطائف تقديراً له، وقد طبع – أبو عبدالعزيز – على الكرم فإذا علم بمجيئنا إلى الطائف لاستمتاعنا بتلك الأجواء الجميلة وتسريح النظر في هاتيك الأودية والبساتين دائمة الخضرة التي تحتضنها تلك الجبال والآكام السمر فإنه يبحث عنا لإكرامنا والسمر معنا ليلاً، فطابعه الكرم والسخاء – رحمه الله - واستمر في مزاولة عمله بكل نشاط وأمانة حتى بلغ سن التقاعد، شاكراً ومقدراً لجميع رؤسائه وزملائه على تقديرهم له طيلة الأعوام التي سعد فيها بالعمل معهم، ثم تفرغ للعبادة وملازمة المسجد تالياً ما يتيسر له من القرآن الكريم وداعياً المولى حسن الختام، وصلاح العقب، وفي أوقات فراغه يقوم بزيارة أقاربه ومحبيه، كما يحضر مناسبات الزواجات والأعياد مع إخوته وأبناء عمومته.. فالكل منهم يحرص على حضوره لإمتاعهم وإسماعهم بعض ما يرويه من القصص والطرائف التي تؤنسهم وتفيدهم.. ، وهكذا قضى حياته عزيز النفس محترماً ومحبوباً لدى أسرته ومجتمعه، وهذه الكلمة الوجيزة جزء من ذكرياتي معه، إلى أن توفي وصلي عليه عصر يوم الأحد 27/1/1427هـ في جامع الملك خالد تغمده المولى بواسع رحمته.

 

 

 

 

 

 

 


ذكرياتي مع الرجل الصالح صالح بن مبارك بن مبيريك(<!--)

 

وكل امرئ يولي الجميل محبب*** وكل مكان ينبت العز طيبُ

لقد فاضل المولى بين عباده في أخلاقهم، وعاداتهم، وصلاح عقبهم.. كما فاضل بينهم في بسط أرزاقهم، وبارك في أعمارهم، بل وفي منحهم صفات حميدة تميزهم وتحبب الاخرين اليهم، وتُلزم الناظر إليهم والسامع لحديثهم باحترامهم ومحبتهم، وهذه الصفات من نعم الله على من اتصف بالصلاح والاستقامة والأمانة من عباده، وهذه الصفات مجتمعة بحمد الله وتوفيقه في شخص الأخ الفاضل/ صالح بن مبارك المبيريك، ولقد سعدت بالتعرف عليه بمقر إقامته بجدة في الإجازة الصيفية في أوساط السبعينيات حيث عرض علي الشيخ حمد بن إبراهيم المشعل الإمام الخاص بجلالة الملك سعود – رحمه الله – أن أذهب معه إلى صديقه الشيخ صالح وسعدت بالاستجابة لمصاحبته، ولقد استقبلنا استقبال كريم، متهللاً سمح المحيا محب لمن يقصده من الأخيار والأصحاب، فأبدى ارتياحه وفرحه بتلك الزيارة المفاجئة، فأخذ يحدثنا بأحاديث ودّية أنسنا بسماعها طيلة مكثنا بجانبه، وبقيت ذكرى جميلة في خاطري... ، وقد ولد – رحمه الله -بالرياض عام 1324هـ وهو أكبر أبناء والده الكريم مبارك بن ناصر بن مبيريك أحد الأمراء الأفاضل الذين تعاقبوا على إمارة القصيم في تلك الحقب البعيدة جداً وذلك عام 1343هـ إلى عصر الأديب سمح المحيا أمير منطقة القصيم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز ونائبه الفاضل صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن ماجد بن عبدالعزيز – وفقهما الله ورعاهما -، وقد بلغ مجملهم ستة وأربعون أميرا.

ولقد تربى صالح في كنف والده مبارك فأحسن تربيته ورعايته، فألحقه في إحدى الكتاب بعد ما بلغ السابعة من عمره حتى أتم قراءة كتاب الله وحفظ أكثر أجزائه مجودةً، ولقد وهبه الله حسن الصوت وجمال التلاوة بترتيل وخشوع متأثراً بصوت أحد معلميه الجميل الشجي مما جعل الآذان تلذّ لسماعه، كما أنه العضد الأيمن لوالده أثناء إمارة القصيم، وكان الكاتب الرسمي له لجمال خطه وحسن إملائه، وكأني بمن يفتش في أوراق وملفات ديوان الإمارة إذا عثر على شيء من تلك الخطابات يومئ بمقدمة رأسه مترحماً عليه ومتذكراً قول الشاعر الأبيوردي حينما رثى نفسه قبل مماته حيث يقول:  

تبلى الأنامل تحت الأرض في جدث  ***    وخطها في كتاب يؤنس البصرا

كـــــم مــــن كتاب كريم كان كاتبه ***  قـــد ألبس الترب والآجرَّ والحجرا

يا مــــن إذا نظـــرت عيناه كِتبتنا  *** كن بالدعـــــاء لنا والخـــير مدّكرا

وكان يساعد والده في بعض شؤون الإمارة بكل جد وإخلاص كما كان من أبرز الموظفين في الشؤون الخاصة الملكية في عهد جلالة الملك سعود – رحمه الله – فهو أمين المشتريات لقصور الأسرة الحاكمة في جميع متطلباتهم لما يتمتع به من أمانة وصدق في التعامل، ومما يؤثر عنه أن مشتريات منزله يأخذها من محلات بعيدة عن الأسواق والمحلات التي يؤمن منها مشتريات القصور الملكية خشية أن يراعى في قيمة احتياجاته الخاصة لمنزله، وهذا يدل على ورعه وبعده عن الشبهات. ولقد استفاد الشيخ صالح من فترة عمله مع والده مبارك الذي هو بمنزلة المدرسة له، ومعلوم أن الأمير مبارك على جانب كبير من التواضع وحسن السياسة والدراية بدقائق الأمور، لدرجة أن الملك عبدالعزيز يثق به ويقربه ويوفده خارج البلاد إذا دعت الحاجة إلى التفاهم والمصالحة مع بعض الدول فينجح في مهماته التي رسمها له جلالة الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – ومعروف أنه قد شارك في العديد من المعارك أثناء توحيد المملكة فأبلى بلاء حسناً: منها معركة (كنزان) الشهيرة عام 1333هـ وغيرها من المعارك، وبعد ذلك اختير أميراً للقصيم على فترتين الأولى من 1343هـ حتى 1346هـ، والثانية من 1348هـ حتى 1354هـ، وقد تعمدت في هذا الاستطراد التنويه بأعمال والده المشرفة في كثير من المواقع -رحم الله الجميع-وعلى أي حال فإن هذا الرجل البطل مبارك المحنك قد أثر تأثيرا كبيراً في نجاح أبنه صالح في مسير حياته، وفي حسن تعامله وتعايشه مع مجتمعه مما رغب ولاة الأمر في إسناد الكثير من الأعمال الهامة إليه، فقد عاش حميدة أيامه ولياليه  تاركاً ذكراً حسناً, وكانت وفاة الشيخ في يوم الأربعاء 8/2/1427هـ  بعد حياة كريمة حافلة بالعطاء والذكر الحسن:

وانما المرء حديث بعده *** فكن حديثا حسنا لمن وعى

رحم الله الجميع رحمة واسعة

 

 

رحم الله أم عبدالعزيز العجاجي ابنة أخي محمد(<!--)

 

تعزَّ فلا إلفين بالعيش متّعا *** ولكن لورَّاد المنون تتابعا

طلوع الفجر والإصباح من كل يوم من أيام الدنيا يفرح به الكثير من بعض البشر بل وحتى بعض الكائنات الحية من الحيوانات والطيور المشهورة باستبطاء انجلاء أستار الليل فتنهض وتقلع مبكرة من أوكارها وأعشاشها.. وهكذا طبيعة كل كائن حي فالحركة تنشط من بداية كل يوم جديد، الطالب يتجه إلى محضنه الدراسي، والموظف والعامل يتجه صوب مقر عمله، والتاجر إلى متجره.. ولكن صباح يوم الخميس 15/4/1433هـ بالنسبة إليّ وإلى أسرة وإخوة وأبناء وبنات الابنة الفاضلة هيا بنت أخي محمد بن عبدالرحمن الخريف حرم ابن عمتي سارة (إبراهيم بن علي العجاجي) ، فإنه صباح حزن ولوعة فراق -رحمها الله رحمة واسعة-وأُديت عليها صلاة الميت بعد صلاة عصر يوم الخميس.. وقد اكتظ جامع الحزم بمئات المصلين رجالاً ونساء داعين المولى بأن يتغمدها بواسع رحمته ومغفرته.

وقد ولدت في حريملاء، وباكرها اليتم برحيل والدتها منيرة بنت الخال عبدالله العمراني، وهي في السنة الأولى من عمرها – تقريباً – وقد احتضنتها عمتها والدتي لطيفة بنت عبدالرحمن العمراني مدة خمسة أشهر.. ثم ألحت الجدة نورة بنت عبدالرحمن المطرود باحتضانها، وبقيت في كنفها ورعايتها حتى كبرت – رحمهن الله جميعاً – ثم انتقلت من منزل والدها أخي محمد -رحمه الله -إلى عش الزوجية في منزل زوجها الشيخ إبراهيم بن علي العجاجي -رحمه الله -، فأنجبت ابنتين وأربعة من البنين فأحسنت تربيتهم ورعايتهم حتى كبروا محصنين بالأخلاق الفاضلة وبالعلوم النافعة، مؤهلين بالشهادات العالية، منهم من يعمل في حقل التدريس، ومنهم من يعمل في المحاكم الشرعية، والشيخ الدكتور وليد أستاذً في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وإمام وخطيب جامع الأمير فيصل بن فهد في حي الهدا، وقد أنجب أبناؤها وبناتها أحفاداً وحفيدات صالحين نفع الله بعلمهم ونشاطهم التربوي والأسري الذي يحث على الاستقامة، والتحلي بالفضائل واحترام الآخرين، ولقد عاشت حياة سعيدة محبوبة لدى أسرتها، وجيرانها، رحومة على الضعفة والمساكين، ولطيفة مع الأطفال تفرحهم بما تيسر لديها من حلوى ومكسرات، لينة الجانب مع الكبير والصغير، تبالغ في إكرام من يزورها من الأقرباء والجيران، وعندما أقعدها المرض وشبه الإعاقة لبثت محتسبة وراضية بما قدره المولى -عز وجل -ومكثت تكابد المرض تسع سنوات ونيف إلى أن رحلت إلى بارئها مأسوفاً على رحيلها.. وكان منزلها في تلك السنوات بمثابة المنتدى الأسري يتقاطر عليه أفواج من نساء الحي ومن عموم أسرتها رجالاً ونساء للاستئناس بالحديث معها وتعليلها بما يخفف ما تعانيه من آلام:

وعللوهـــم بآمــــال مفرحة *** فطالما سرت الآمال محزونا

لولا الأماني فاضت روحهم *** جزعاً وأمسى عيشهم هونا

فمجلسها وحديثها لا يُمَل فهي تميل إلى المرح والدعابات اللطيفة المقبولة، ومن أقرب أحبائها إلى قلبها عقيلتي أم محمد -رحمها الله -التي سبقتها إلى مراقد الراحلين منذ أشهر قلائل فحزنت على فراقها حزناً ساورها حتى غابت هي عن الدنيا، وقد بقيتا متآلفتين لأكثر من خمسين عاماً حتى فرقهم هادم اللذات ومفرق الأحباب، ومن المصادفات اللطيفة تجاور قبريهما، ولكن مع قرب المكان لا يتسنى لهما مواصلة الحديث المعتاد في حياتهن، بل السكون مخيم على قبريهما:

مجاور قوم لا تزاور بينهم *** ومن زارهم في دارهم زار همدا

رحمها الله رحمة واسعة وأسكناها فسيح جناته، وألهم ذويها وأبنائها وبناتها وإخوتها ومحبيها الصبر والسلوان.


رحم الله أعظما حواها قبرك يا علي الزوير (<!--)

 

هنيئا له قد طاب حيا وميتا ** فما كان محتاجا لتطييب اكفاني

غياب الصالحين الأخيار يحدث ثلمه وفجوة واسعه في منظومة الذين لهم دور نافع بين أسرهم وفي المجتمعات عامة حسب مكانتهم العلمية والمادية -أي نفع كل في مجاله
ومقدرته -, بل وحتى بالاقتداء بهم في حسن التعامل والاعراض عن مساوئ الناس والدعاء للناشئة والاجيال الصاعدة بالصلاح والاستقامة, وحثهم على حفظ كلام الله العزيز الحميد, والعمل بسنة سيد المرسلين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم, والدعاء بظهر الغيب لولاة امر هذه البلاد بالتوفيق, وان يعينهم على اداء رسالتهم نحو وطنهم, وجميع اعوانهم المخلصين, وهذا هو شأن الشيخ علي بن ابراهيم الزوير الذي انتقل الى رحمة الله ليلة الثلاثاء 11/5/1433 هـ  وأديت عليه صلاة الميت بعد صلاة العصر بجامع الحزم بمحافظة حريملاء -تغمده الله بواسع رحمته -ودفن بمقبرة ((صفية)) التي ضاقت بجموع غفيرة من المشيعين له، ولقد ولد في حريملاء عام 1338هـ وترعرع بين أحضان والديه ولما بلغ السابعة من عمره ألحقه والده بإحدى الكتاتيب لدى الشيخ محمد بن عبدالله الحرقان فأكمل قراءة القرآن الكريم وحفظ أجزاءً منه، فبقي بين أهله يزاول بعض الأعمال ليستفيد منها وينفع والديه، فلما كبر وأحس بحاجته الى أن يهيئ نفسه للحياة الزوجية استأذن والده للذهاب الى الرياض فتردد قليلا في بادئ الامر وبعد اقناعه أذن له ثم عزم على السفر مُتذكرا قول الأمام الشافعي -رحمه الله -الذي يحث على الاسفار وطلب المعيشة:ـ

مـــا في المقام لذي عقل وذي أدب ** من راحــــة فـــدع الأوطان واغترب

سافر تجد عوضا عمن تفارقه ** وانصب فان لذيذ العيش في النصب

فذهب إلى الرياض وعمل في بساتين ومزرعة والدة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله  -متعه الله بالصحة والعافية -, واستمر في عمله مدة من الزمن، وبعد ذلك عاد الى مهوى رأسه مدينة حريملاء فاقترن بأم عبدالله، ثم استأجر محلاً في السوق العام بالمدينة المسمى في ذلك الوقت (المسحب) ليبيع فيه بعض المؤن التي يحتاجها الأهالي، وبعد وفاة والده إبراهيم رحمه الله 1386هـ خلفه مؤذناً في مسجد محلة (الحنيني) وبعد ذلك عمل في مصلحة (البرق والبريد) إلى أن تقاعد – رحمه الله – وقد أصيب في قدمه من جراء داء السكري وبترت قدمه الى نصف الساق فظل صابراً راضياً بما قدره المولى، وكان لسانه رطبا بذكر الله ملازما للمسجد ويتلو كتاب الله، كما كان يفرح باستقبال من يزوره في منزله فيمطره بوابل من الدعاء له وصلاح عقبه والسؤال عن الصغير والكبير، فمجلسه لا يمل، أحاديث شيقة ودعاء للمسلمين عامة، وأن يحفظ بلادنا من كل سوء وأن يرد كيد الحاسدين في صدورهم، وكان دائم المكوث في المسجد من بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس وبعد صلاة المغرب حتى بعد صلاة العشاء يتلو الآيات والسورا:

تبلى الحناجر تحت الأرض في جدث  ** وصوتها يتلو الآيات والسورا

 وبعدها يذهب للبيت ثم ينام مبكرا لكي يقوم قبل صلاة الفجر يؤدي ركعات قبل صلاة الفجر، وكان لين الجانب مع الصغير والكبير، ولكن سرور الدنيا لا يدوم وكثيرا ما يكدر صفو الحياة هادم اللذات ومفرق الجماعات، ولقد فجع برحيل شريكة حياته أم عبدالله عام 1427هـ فأظلمت الدنيا في عينيه حيث اجتمع عليه ما يعانيه من بعض الأمراض ورحيل عقيلته إلى الدار الباقية - رحمهما الله - ولسان حال بعض أبناءه يذكره بمعنى هذا البيت لتخفيف ما يعانيه من حزن عميق استوطن داخل نفسه حتى رحل ودفن معه حيث يقول الشاعر:

فلا تبكين في اثر شيء ندامة  ** إذا نزعته من يديك النوازع

كما أن حفاوة أبناءه البرره وبناته الصالحات مميزة، فمسكنه لايخلو من تواجدهم للاطمئنان على صحته وإيناسه بوجودهم إلى أن غادر إلى دار الخلود تاركاً حزناً عميقاً لا يبرح خواطرهم، وتمنوا لو طال به العمر، ولكن ذلك متعذر عندما يحين أجله:

وكل أمريء يوما مُلاقٍِِِِ حِمامهُ ** وإن دانتِ الدنيا وطال به العمرُ

 -تغمده المولى بواسع رحمته -، والهم ذويه وأبناءه وبناته ومحبيه الصبر والسلوان.

<!--[if !supportFootnotes]-->

<!--[endif]-->

(<!--) نشرت في صحيفة الجزيرة، يوم الجمعة 2 ربيع الآخر 1433هـ الموافق 24 فبراير2012م.

(<!--) نشرت في صحيفة الجزيرة، يوم الخميس 24 ربيع الأول 1433هـ الموافق 16 فبراير2012م.

file:///C:/Users/Reda/Desktop/%D9%81%D9%82%D8%AF%20%D9%88%D8%B1%D8%AB%D8%A7%D8%A1%20%D8%A

فقد ورثاء ( عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف )

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1208 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2013 بواسطة mager22

 المحتويات

التسلسل

المـوضــوع

الصفحـة

*

 فهرس المحتويات.

أ

*

مقدمة المؤلف.

د

<!-- 

تقديم.

ز

<!-- 

الشيخ أحمد الشدي في ذاكرتي.

1

<!-- 

رحمك الله أبا سهيل.

7

<!-- 

الشيخ إبراهيم بن سليمان آل راشد في ذاكرتي.

12

<!-- 

رحمك الله عبدالرحمن بن محمد المشعل.

17

<!-- 

رحم الله سليمان بن حمد السويلم.

21

<!-- 

رحم الله ابن الخال العقيد عبدالله المطرود.

25

<!-- 

رحم الله عفيف اللسان سعد بن ناصر السعد.

29

<!-- 

رحم الله معالي الدكتور محمد بن عبدالله العجلان

32

<!-- 

رحم الله الشيخ الأستاذ عبدالرحمن العُميري.

37

<!-- 

رحم الله سمح المحيا أحمد بن محمد بن خميس.

41

<!-- 

ذكرياتي الجميلة مع ابن الخال سليمان المشعل باقية في فؤادي.

45

<!-- 

ذكرياتي مع الرجل الصالح صالح بن مبارك بن مبيريك.

49

<!-- 

رحم الله أم عبدالعزيز العجاجي ابنة أخي محمد.

53

<!-- 

رحم الله أعظماً حواها قبرك يا علي الزوير.

57

<!-- 

الشيخ محد الحرقان شيخ الكتَّاب في زمانه.

61

<!-- 

رحم الله الجوهرة الوشيقري كريمة السجايا.

65

<!-- 

رحم الله كريمة الشمائل أم عبدالرحمن الشدي.

69

<!-- 

رحم الله العم محمد بن عبدالعزيز الخريف.

74

<!-- 

رحمك الله يا كافلة الأيتام والأجيال.

80

<!-- 

معالي الأستاذ سليمان العيسى لاقى وجه ربه.

84

<!-- 

وغاب سمح المحيا الأستاذ/ عبدالعزيز الغفيلي.

87

<!-- 

ورحل طيب المعشر حمد الناصر.

93

<!-- 

رحمك الله أبا يوسف.

97

<!-- 

رحل ابن أخي الأستاذ عبدالعزيز بن محمد الخريف.

100

<!-- 

الشيخ عبدالعزيز الشقيحي والذكر الحسن.

105

<!-- 

الشيخ محمد الجنوبي علم من أعلام القضاء في ذاكرتي.

114

<!-- 

رحم الله الشيخ الوجيه/ عبدالرحمن المبارك طيب الذكر.

120

<!-- 

الشيخ عبدالعزيز بن سوداء لا يبرح ذكره خواطر محبيه.

128

<!-- 

ورحل الأستاذ الفاضل ناصر بن إبراهيم الجريبة.

133

<!-- 

الشيخ محمد بن مانع وذكره الجميل.

138

<!-- 

فضيلة الشيخ محمد بن عبدالله السبيل إلى رحمة الله.

146

<!-- 

الشيخ عبدالعزيز الربيعة لم يغب ذكره عن أحبابه.

151

<!-- 

رحم الله رفيق دربي الأستاذ عبدالله الحميدي.

156

<!-- 

الشيخ عثمان بن إبراهيم الحقيل ذكره الطيب باقي في قلوب محبيه.

163

<!-- 

ورحل علم من أعلام الشعر الدكتور محمد الدبل.

168

<!-- 

الشيخ محمد بن فيصل المبارك علم همام ساطع الذكر.

172

<!-- 

ورحل رجل الإحسان الشيخ عبدالعزيز الموسى.

178

<!-- 

رحم الله العم الشيخ عبدالرحمن بن ناصر الخريف.

184

<!-- 

الزميل سعود المسعري حبه باقٍ في خلدي.

188

<!-- 

الشيخ عبدالعزيز التريكي كوكب أضاء صدور تلاميذه.

193

<!-- 

ورحل الأستاذ عبدالرحمن محمد الشدي.

199

<!-- 

رحم الله زميلي الشاعر الأديب عبدالعزيز الرويس.

205

<!-- 

الشيخ علي بن داوود ما يزال ذكره طرياً.

210

<!-- 

كريم السجايا ناصر بن عبدالعزيز المبارك في ذاكرتي.

216

<!-- 

الشيخ عبدالله بن حمد الحجازي في ذاكرة محبيه.

221

<!-- 

الشيخ عبدالله البسام خزانة علم وتاريخ.

225

<!-- 

أسرة المبارك وتتابع الأحزان.

231

<!-- 

رحم الله الرجل العصامي عبدالرحمن بن حمد القضيب.

235

<!-- 

رحم الله الأخت منيرة بنت عبدالعزيز المهيزع.

238

<!-- 

الشيخ عبدالله بن رشيدان عالم جليل ذكره باق وسيرته عطرة.

242

<!-- 

أرى الأرض تبقى والأخلاء تذهب.

246

<!-- 

الشيخ محمد بن صالح السحيباني عالم جليل بقي ذكره خالداً.

251

<!-- 

الشيخ عبدالله المزيني غاب ولم يغب ذكره.

256

<!-- 

ورحل رفيقي صالح بن عبدالله بن سليم.

261

<!-- 

الأديب راشد الحمدان توارى عن الوجود.

265

<!-- 

خاتمة.

271

<!-- 

ملاحق الكتاب.

279-325

<!-- 

ملحق رقم (1)

نماذج كلمات نشرت حول إصدار كتاب فقد ورثاء (الجزء الأول)

279-299

<!-- 

ملحق رقم (2)

نماذج خطابات بشأن إصدار الجزء الأول من كتاب (فقد ورثاء)

300-311

<!-- 

ملحق رقم (3)

كشاف الأبيات الشعرية

312-325


مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نبكي على الدنيا وما من معشر **  جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا

الحمد لله والثناء لوجه الكريم، وصلى الله وسلم على سيد المرسلين نبينا محمد بن عبدالله وصحبه الكرام، أما بعد فهذه الكلمة الوجيزة مقدمة لكتابنا الجزء الثالث "فقد ورثاء" الذي يضم بين دفتيه عدد من مشاعر التأبين والرثاء تبلغ أكثر من ستين مرثية متضمنة التنويه بمآثر ومحاسن من غابوا من أباء وأبناء وأقارب وزملاء ومعارف كثر أودعوا باطن الأرض رجالاً ونساء، فأنقطع التواصل بيننا وبينهم وساد السكون والوحشة مساكنهم:

أناديهم والأرض بيني وبينهم  **  ولو سمعوا صوتي أجابوا فأسرعوا

ومعلوم أن أبواب الرثاء لها الصدارة  بين أغراض الشعر المتعددة للإجماع على تأثيره للنفوس لأنه يصدر من الأعماق ومن عصارات المهج والقلوب فتفوح به قرائح الشعراء المكلومين بفقد غاليهم من آباء وأبناء وإخوة وزوجات، وأحبة، وغير هؤلاء ممن يعزّ على النفوس فراقهم، فهادم اللذات ومفرق الجماعات هو المحرك الأقوى لما تجيش به نفوس الشعراء فتخال حرارته تُلامس جوانب القلب فهو أصدق تعبير وتأس وتفجع على فقد غائب لا يرجى إيابه..

كم من جميع أشت الدهر شملهم ** وكل شمل جميعٍ سوف ينتثر

كما أن الديار والمدن والفلوات رحبة الجوانب لها النصيب الأوفر من الرثاء والتغني بها وبكاء الأطلال وذكر من أقاموا بها أحقابا من السنين ثم أبادتهم صروف الدهر وكأنهم لم يعمروها ولم يسيروا في نواحيها..

وطال ما عمروا دار لتحصنهم ** ففارقوا الدور والأهلين وارتحلوا

أضحــت منازلهم قفراً معطلة ** وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا

وهكذا الدنيا نزول وارتحال ، إلى قيام الساعة..

وموضوع كتابنا هذا يكاد يكون واحداً في مسماه إلا أن محتواه يضم رثاء لقريب أو عالم جليل أو صديق، فإن فقد مثل أولئك محزن ووقعه على القلوب موجع جداً وقد يطول مكثه في النفوس وبين الجوانح زمناً طويلاً:

وكل مصيبات الزمان وجدتها*** سوى فرقة الأحباب هينة الخطب

فالقارئ الكريم يدرك أثناء تصفحه ما كتب عن كل راحل من تشابه وتكرارِ في بعض العبارات والشواهد الشعرية لاشتراكهم في الصفات الحميدة وفي الأعمال الجليلة.. ، التي لا مناص للكاتب من ذكرها لتطابقها في سير الكثير من أولئك الراحلين، وما تركوه من آثار طيبة تخلّد ذكرهم ويحفظها التاريخ لهم على تعاقب الملوين (1).

والواقع أن الجزئين الأول والثاني التي سبق إصدارها قد كان لها صدى مؤثر في نفوس الكثير. ويطيب لي تضمين هذا الجزء بالمقدمة التي أفاض بها قلم معالي الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر في صدر الجزء الأول، والشكر موصول للأبن الشيخ/ ناصر ابن الاخ محمد بن عبدالرحمن الخريف الذي أختتم بها الجزء الثاني من هذه السلسلة بكلمته الضافية، وإن كانت حافلة بالمبالغة والإطراء -هداه الله وأصلح عقبة -  ونعتبر جميع ما كتبناه من كلمات التأبين والمراثي ضرب من الوفاء والحزن على غيابهم عنّا،  وقد رغب  بعض الأحبة تذييل هذا الكتاب بتلك القصائد والكلمات التي وردتنا من بعض القراء شاكرين ومقدرين لهم فيض مشاعرهم نحونا. وعذراً لمن يُسرح طرفه بين صفحات هذا الكتاب إن وجد تقصيراً وكل مصنف لا يخلو من بعض الأخطاء والتقصير.

إن تجد عيباً فسد الخللا *** جلّ من لا عيب فيه وعلا

 

المؤلف

 (1) الليل والنهار

 تقديم

بقلم معالي الدكتور

عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر

 

سعدت كثيراً عندما أطلعني الأخ العزيز الأستاذ عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف بأنه قد جمع كلماته التي كان كتبها رثاءً في بعض من يقدرهم، وشعر بفقده لهم، أو بفقد الوطن لهم، وهو نهج حمدته، وأحمد من أي أحد أن يتبعه، وهذا النهج هو جمع كلمات كتبها صاحبها متناثرة في الصحف في أزمان مختلفة، ولكنه ينظمها عقد واحد في طبيعتها، فهي في الواقع أسرة واحدة، وهي وإن اقتضت طبيعتها أن تبدأ متفرقة، فجمع شملها في شملة واحدة حُسن وجمال، وفائدة ومنفعة.

ولطالما دعوت إلى جمع شمل المقالات المتفرقة، وسكبت كل ما في ذهني من وسائل الإقناع، وبدأت بنفسي، فجمعت ما كان مفرقاً، ورتبته، وبوبته، وأعطيت كل قسم اسماً ينفرد به، ويعرف به، ويتسم بما فيه من طبيعة، وكان من أول  تنفيذ لهذا النهج هو كتابي "دمعة حرى" جمعت فيه الدموع التي سكبتها حبراً على الورق في يوم من الأيام.

الأخ العزيز الأستاذ عبدالعزيز رجل مؤهل علمياً، وقد أنعم الله عليه بعشق الكتاب، والهيام بالمكتبات، ومعارض الكتب، فلا تراه إلا متأبطاً خيراً كثيراً منها، يقرأ كثيراً، ويهدي كثيراً، حتى لا يكاد أحدنا يحلف أن ما يصرفه من مرتبه على بيته هو ما يبقى من ميزانية الكتب لا يزور أحداً إلا وفي يده كتاب مختار، ولا يسير إلا ومخزن سيارته يئن من ثقل الكتب التي جمعها في رحلة يومية من مكتبة إلى مكتبة.

ثقافة أبي محمد ـ حفظه الله ـ تطل عليك فيما يكتب، يتضح هذا في استشهاده، ويتبين في تطعيم أقواله بالحكم والأمثال، وما يشعل من قناديل يبرهن بأقوال السابقين على نحو يريد ـ وقد ارتضاه ـ أن يضعه على عتبة سوق الأفكار. أبو محمد رجل عرف بحبه للخير، وسعيه في جلب البسمة إلى الشفاه، خاصة في عمله الإداري، المتصل بأشرف مهنة وهي التعليم، والإدارة المتقنة فيه، لقد كان من أبرز رجال التعليم الذين قاموا بأكثر من واجبهم؛ لأن طبيعته لا تسمح له أن يقف عند المعتاد مما هو متوقع ومطلوب، بل يتعد هذه الحدود، ويفيض إلى رياض غناء من الخدمة المتقنة. وهذه الروح الخيرة، التي كانت علامتها الابتسامة الدائمة ووسمها حب الخير، وإدخال الفرحة إلى القلوب، هذا ديدنه مع الأحياء الذين أحبهم وأحب لهم الخير، ولم يترك من لقي وجه ربه، بل أتبعه بدمع غزير، كان فيه سلوة لذوي المتوفى، واستمطار للرحمة والمغفرة للفقيد، كان يبادر إلى الرثاء لمن يعز عليه، أو منه فقد كبير للوطن، يبين حسناته ويوضح أعماله، ويعد خصال الخير، ليُري مدى الفقد فيمن فُقد، ومدى الفادحة التي حلت بالأحباب والأصحاب مع الأهل والأقرباء.

كثيرون أولئك الذين رثاهم؛ لأن الذين أحبهم وأحبوه وفقدهم كثيرون. كان من أول المبادرين بالرثاء، لا يفوته الواجب في هذا الأمر، ويشعر القارئ، وهو يقرأ الرثاء بالحرقة المتأججة في صدره، فهو لا يتكلف، وهو صدوق، وليس هناك ما يدعوه إلى الرثاء إلا الشعور العميق بفق

mager22

فقد ورثاء ( عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف )

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 605 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2013 بواسطة mager22

 عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف

 

 

 

فقدٌ ورثاءٌ

( مراثٍ تحوي شوارد وشواهد مختارة)

 

 

 

الجزء الثالث  

 

الطبعة الأولى

1434هـ  - 2013م

الرياض


mager22

فقد ورثاء ( عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف )

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 253 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2013 بواسطة mager22

عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف

mager22
عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف **** ولد ونشأ في حريملاء , 80كم شمال غربي مدينة الرياض . درس في حلقات العلم على المشايخ بالرياض . بدأ الدراسة النظامية بدار التوحيد بالطائف 1371 - 1372 هـ . أنهى التعليم الثانوي بالمعهد العلمي بالرياض عام 1374 هـ . كلية اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,356