عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف ( فقد ورثاء )

فقد ورثاء

رحم الله ابن الخال العقيد عبدالله المطرود(<!--)

 

إذا غامرت في شرف مروم *** فلا تقنع بما دون النجوم

تختلف همم الشباب في تحقيق أهدافهم وطموحاتهم، فمنهم من يروم الصعود إلى قمم المجد والفلاح متخطياً كل العقبات الكأداء بتوثب وخطاً ثابتة مأمونة الزلل دون الرجوع إلى الوراء.. حتى يتربع على هضاب العز والشرف محققاً آماله السامية وآمال مجتمعه فيه.. ولا يتسنى ذلك إلا لذوي الهمم العالية التي تنشد نصرة الدين وحماية أرجاء وطنه بكل شجاعة وأمانة أمثال العقيد متقاعد عبدالله بن عبدالعزيز المطرود -أبو أحمد -رئيس المجلس العسكري بوزارة الدفاع والطيران بالخرج -سابقاً -الذي عرف عنه الحزم والإخلاص لأداء أعماله العسكرية:

ومن تكن العلياء همة نفسه *** فكل الذي يلقاه فيها محبب

ولقد ولد في مدينة حريملاء في 1/7/1363هـ وتلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط والثانوي بالرياض، وكان خلال الإجازات الصيفية ينتهز فرصة العمل لدى شركة أرامكو بالشرقية ليستفيد مادياً لسد حاجاته الضرورية لمواصلة دراساته بدون الحاجة إلى الغير..، ولأجل كسب اللغة الإنجليزية التي لا غنى عنها ولا سيّما لرجال السلك الدبلوماسي ورجال الأمن بالقطاع العسكري عامة:

بقدر لغـــات المرء يكثر نفعه *** وتلك له عند الشدائد أعــــوان

فبادر إلى حفظ اللغات مسارعاً*** فكل لسان في الحقيقة إنسان

ثم التحق بكلية الملك عبدالعزيز الحربية وحصل على الشهادة العالية بها.. وتم تعيينه ضابطاً في جازان، وتنقل خلال عمله في أرجاء الوطن: الطائف، حفر الباطن، الخرج، والتحق بدورات عسكرية داخل الوطن وخارجه أكسبته خبرة ودراية وسعة أفق..، وشغل عدّة مناصب عالية آخرها رئيساً للمجلس العسكري بوزارة الدفاع والطيران بالخرج -كما ألمحنا آنفا - وكان باراً بوالديه واصل لرحمه يكرم أصدقاء والديه يحب البذل في أوجه البر والإحسان للفقراء والأرامل قدر ما يستطيع، كما عرف عنه الحزم والإخلاص في أداء مهماته العسكرية محترماً جميع زملائه ومراجعيه،  ويعتبر مدرسة وقدوة صالحة لمن حوله، وفي عام 1410هـ طلب التقاعد مبكراً حرصاً منه على إلحاق أبنائه بالجامعات ورعايته لهم عن قرب بمدينة الرياض، كما احتفظ بلباسه العسكري الذي تخرج به، وحرص على الحفاظ على الأوسمة والنياشين التي حصل عليها أثناء خدمته والتي كان يعدّها أغلى المدّخرات عنده للذكرى وللتاريخ، كما أن عمله المشرف لم يعقه عن الكتابة الهادفة البنّاءة عبر الصحف التي تشد القارئ إلى متابعة جميع ما يفيض به قلمه من اقتراحات يوجه معظمها إلى المصالح الحكومية لطلب تحقيقها ومعالجتها، فهو - يرحمه الله - نصح وإخلاص، ومن صفاته المحمودة الإبحار في بطون الكتب التاريخية والأدبية، كما أنه على صلة قوية بروّاد الأُمسيات الشعرية والصوالين والمنتديات الأدبية مثل اثنينية الشيخ الراحل عثمان الصالح وخميسية الشيخ حمد الجاسر وأحدية الدكتور راشد المبارك، بل ومجالس العلماء والوجهاء مما أكسب اُفقه اتساعاً في الآداب والثقافات العامة، وله مداخلات ونقاشات دقيقة تثري الحضور معانيها ومقاصدها، ولقد أروى غُلّته من حفظ جيد الأشعار والآداب قبل أن تغمض عيناه عن الدنيا وعن مسارح طفولته وصباه، حيث لبى داعي المولى وهو ساجد قبيل فجر يوم الجمعة 11/3/1433هـ  خاتمة حميدة له بحول الله:

غداً توفى النفوس ما عملت*** ويحصد الزارعون ما زرعوا

وصُلي عليه بعد صلاة العصر بجامع الملك خالد بأم الحمام بالرياض وشارك في دفنه بالمقبرة الواقعة على مقربة منه عدد كبير من رجال السلك العسكري من زملاء وتلامذة وأصدقاء ومحبين له تغمده الله بواسع رحمته وألهم ذويه وأبناءه وبناته وعقيلته أم أحمد وجميع محبيه الصبر والسلوان.

 


رحم الله عفيف النفس سعد بن ناصر السعد(<!--)

 

من الناس من يمنحه المولى حسن الخلق ورحابة الصدر، ومحبة الناس إليه لإعراضه عن مساوئ الخلق وتحليه بالكرم، فيظل محبوباً ومقرباً منهم ومن قلوبهم، فمثل أولئك سعد بن ناصر السعد الذي انتقل إلى دار المقام مساء يوم الأربعاء 9/3/1433هـ مأسوفاً على غيابه عن هذه الدنيا، وقد صلي عليه بعد صلاة عصر يوم الخميس بجامع الحزم بحريملاء ثم تبعه خلق كثير إلى مرقده في مقبرة – صفية – داعين المولى أن يتغمده بواسع رحمته، وقد حزن الكثير منهم حزناً عميقاً لعلو مكانته في نفوسهم، ولقد خرج من الدنيا خفيف المحمل معتمداً على الله في حياته المعيشية ثم على نفسه عافاً عما بأيدي الناس، ومقتصراً على مصدر رزقه بأخذ الأسباب في البيع والشراء ومن قيمة إنتاج أغنامه يبتاع من صغارها وكبارها لسد حاجته، ولم يكتب له زواج طيلة عمره فأصبح في زمرة وأعداد العزاب طليق العنان لا يتقيد بوقت ليلاً ونهاراً، ويكثر الرحلات في البراري والفلوات برفقة أصدقائه وخاصة في مواسم الربيع ولياليه المقمرة يحيونها بالسمر والاستمتاع بأجوائه الصافية واستنشاق عبق الأزهار وروائح نبت النفل التي تنبعث من تلك الفياض والرياض الغناء، وفي النهار يزاولون بعض النشاطات الترفيهية في صعود الجبال والتسابق فوق أرض القيعان المنبسطة. ويعتبر سعد بن ناصر من العدائيين المعرفين في مضامير السباق وخاصة في ريعان شبابه - رحمه الله - :

ويا ظل الشباب وكنت تندا ** على أفياء سرحتك السلام

كما يؤم ديوانيته عدد من معارفه وأصدقائه في كثير من الأمسيات التي يحيونها بأحاديث السمر وتبادل الطرائف والنكات على مائدته المتواضعة التي تضم حليب أغنامه، فهو كريم لا يمل دخول منزله مع بساطته في كل أموره:

وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى** لكنما وجه الكريم خصيب

وهكذا قضى شبابه وعمره في فرح ومرح مع لداته ورفاق دربه، وفي أخريات حياته بدأت طلائع الكبر تدب في جسمه والعجز عن القيام بشؤونه المنزلية من إعداد وجبات الطعام وغير ذلك، فسعدت أسرة القلعي باستضافته  ممثلة في عميدها الكريم عبدالرحمن بن عبدالعزيز القلعي وأبنائه الأخيار فاحتضنته، وخصصوا له غرفة لنومه ومكاناً في مجلسهم ملتقى أقربائهم وأصدقائهم ليأنس بهم ويشاركهم في الحديث ويسمع ما يدور فيه من قصص وأخبار طريفة.. رغم سعي بعض أسرته لاستضافته لديهم بمدينة الرياض مقر سكنهم،  ففضل الجلوس لدى مضيفيه بحريملاء مهوى رأسه ومرتع صباه إلى أن توفاه الله – جزاهم المولى خير الجزاء ولا أرتهم الليالي بؤسا ولا حزناً، ولسان حاله يردد معنى هذا البيت:

غمرتنا بأياديك التي سلفت ** لا زلت في نعماء الله مغمورا

رحمك الله يا سعد وأسكنك فسيح جناته، وجبر مصيبة أقربائك ومحبيك ألهمهم الصبر والسلون.

 

 

 

 

 


رحم الله معالي الدكتور محمد بن عبدالله العجلان (<!--)

 

كيف البقاء وباب الموت منفتح ** وليس يغلق حتى ينفد البشر

ما من شك أن الموت نهاية كل حي وان طال به المكث في الدنيا، قال الله جل ذكره في محكم كتابه العزيز مؤكدا ذلك بقوله (كل نفس ذائقة الموت) ومهما حاول الإنسان وكل مقرب إليه أو الطبيب دفع منيته فإن ذلك لا يجدي أمام قدرة الخالق وما كتب في اللوح المحفوظ منذ الأزل حاسم لذلك ولا مناص من إنفاذه ووقوعه، ففي الآونة الأخيرة تضاعف رحيل الكثير من أحبابنا، ومن أبناء وطننا الأفذاذ رجالا كراما ونساء فضليات مما أحدث فجوة وفراغا واسعا في نفوس محبيهم، وفي مجال العلم والأدب والعاملين في خدمة دينهم ووطنهم على كافة المستويات، فبالأمس القريب قُبيل صلاة فجر يوم الثلاثاء 8/3/1433هـ افتقدت محافظة حريملاء بل الوطن عامة رجلا كريما من رجالات العلم والتعليم معالي الدكتور محمد بن عبدالله بن محمد العجلان مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – سابقا – وأخيراً اختير عضو بمجلس الشورى لما يتمتع به من خبرة طويلة وآراء سديدة إلى أن انتهت فترة عمله في المجلس وقد أديت عليه صلاة الميت بعد صلاة العصر بجامع الملك خالد بأم الحمام بالرياض ولقد اكتظ المسجد بالمصلين عليه من العلماء ومن كبار المسئولين وجمع من المصلين رجالا ونساء داعين له بالمغفرة والرحمة، وقد حمل على الأكتاف إلى المقبرة وتزاحمت الأيدي في المشاركة على حمله حتى أنزلوه في جدثه وأخفى الترب جثمانه الطاهر عن نواظر أبنائه وتلامذته ومحبيه، وهذه سنة الله في خلقه ومصير كل إنسان:

وإذا حملت إلى القبور جنازة *** فاعلم بأنك بعدها محمول

وقد بدأ الفقيد حياته العلمية بتلاوة القرآن الكريم وحفظه على أيدي بعض معلمي الكتاب بمدينة حريملاء ثم التحق بالمدرسة الابتدائية، واستمر في دراسته في جميع مراحل التعليم بكل نجاح وتفوق نال في أثنائها جوائز ومنح شهادات شكر وتقدير ويعتبر من الأذكياء الموهوبين في عدد من العلوم الشرعية واللغة العربية وتخصص في أصول الفقه، وفي النهاية نال شهادة الدكتوراه من جامعة الأزهر بامتياز مع مرتبة الشرف، ومعلوم أن الأزهر بمصر العربية منارة علم مضيئة منذ القدم استفادت المملكة وسائر البلاد العربية من علوم فطاحل علمائه الأجلاء:

قم في فم الدنيا وحي الأزهرا *** وانثر على سمع الزمان الجوهرا

ومن طريف المصادفات وأجملها أنه عندما زار جلالة الملك فيصل – رحمه الله – المعهد العملي بالرياض دخل عليه الفصل فجأة وهو يشرح في باب التوكيد في النحو ويورد الأمثلة: جاء الملك نفسه، حضر الحاكم نفسه  فأعجب به وبثبات جنانه وقوة بيانه، فجلس بالفصل حتى انتهى الدرس، ثم شكره ودعا له بدوام التوفيق والنجاح للطلاب، وهذا يدل على اهتمام ملوكنا بالعلم والتعليم، فالحديث عن سيرة الدكتور محمد – رحمه الله – يطول ولا يتسع المجال لسردها وعدها، فقد كان بارا بوالديه ولسانه رطب بالدعاء لهما والترحم عليهما محبا لأصدقاء والديه، كما كان يجمع أسرته في منزله لتناول وجبات الطعام بين حين وآخر ليستمر التعارف والتواصل بينهم، كما كان يحرص على صيام شهر رمضان كل عام بجوار بيت الله العتيق، وملتمسا حاجات بعض الأسر الفقيرة، كما لا ننسى مشاركته معنا باللجنة الأهلية بحريملاء التي تأسست منذ خمسين عاما تحقق على أيديهم الشيء الكثير من مطالباتهم الجهات الرسمية الحكومية لتلبية احتياجات حريملاء وما جاورها من البلدان والأرياف منها على سبيل المثال وصول الطريق العام إليها وافتتاح المعهد العلمي ومعهد المعلمين وعدد من المدارس، وافتتاح المستشفى العام مبكرا في عدد من المباني الطينية وغير ذلك من المصالح الحكومية، ولم تتحقق تلك المطالب إلا بقوة المراجعات والإلحاح المستمر مما جعل مدينة حريملاء مكتملة الخدمات، وهذا ما تشجع عليه الدولة في الحد من الهجرة إلى المدن وتوطين الأهالي في بلدانهم ورعاية مزارعهم، وكان يحضر احتفالات محافظة حريملاء ويشارك ببعض الكلمات والملاحظات. كما أن معالي الدكتور لا يبخل بجاهه في مساعدة من يستعين به من الشباب بالتعريف به لدى بعض المصالح الحكومية لمواصلة دراستهم وتطوير مواهبهم أو لأي غرض تحقيقه لا يضر ولا يحرم الآخرين.. ، وهكذا قضى حياته حافلة بالعطاء والإخلاص ونفع الآخرين ولقد أجاد الشاعر طَرفة بن العبد:

لعمرك ما الأيام إلا معارة *** فما اسطعت من معروفها فتزود

وقد خلف – أبو خالد – ذرية صالحة مؤهلة تأهيلا عاليا فمعظمهم يحمل درجة الدكتوراه تجدد ذكره الأعمال الخيرية والدعاء له، تغمده الله بواسع رحمته وألهم ذويه وأبناءه وبناته وعقيلتيه ومحبيه الصبر والسلوان.

 

 

 


رحم الله الشيخ الأستاذ عبدالرحمن العُميري(<!--)

 

لعمرك ما للناس في الموت حيلة *** ولا لقضاء الله في الخلق مدفعُ

معلوم أن الرحيل عن هذا الكوكب الأرضي محتوم على كل كائن حي مهما طال به الزمن، وهذه سنة الله في خلقه إلى يوم الدين: أُمم تطلٌ على الحياة الدنيا، وأخرى ترحل منها إلى عالم الخلود باستمرار إلى يوم البعث والنشور هذا قادم وذاك مودع، فلو غاب الموتُ عن المخلوقات الحية لضاقت الأرض بساكنيها ولما استقامة الحياة على ظهرها ولكنها حكمة المولى عَلام الغيوب في تعاقب الكائنات الحية لعمارة هذا الكوكب الرحب، وليبتلي الله عباده أيهم أحسن عملا فهو أحكم الحاكمين وأدرى بحال مخلوقاته، فقد أودع في نفوسهم وقلوبهم الحس بالفرح، والتأثر بالحزن عند فقد غاليهم، ففي يوم الجمعة11/3/1433هـ حملت لنا بعض وسائل الإعلام نبأ رحيل الشيخ الأستاذ عبدالرحمن بن أحمد العُميري فتأثرت كثيراً وحزنت حزناً عميقاً لمكانته في قلبي متذكراً أياماً جميلة سعدنا فيها بمعرفته وبتبادل الزيارات بيننا وبينه أثناء عمله مشرفاً تربوياً بإدارة التعليم بالرياض، وكنا نزوره في منزله الواقع جنوبي دخنه بالرياض منذ عقود من الزمن، ونتناول طعام الغداء عنده عدة مرات، وقد عرف عنه الكرم وسماحة الخلق والاستقامة في دينه وتواضعه الجم وحبه للمساكين والأيتام. ولقد ولد عام 1356هـ بمدينة الدلم مدينة العلماء والأدباء، فحفظ القرآن الكريم على يد الشيخ سعد بن رشيد الخرجي – رحمه الله – ونال الشهادة الابتدائية من المدرسة السعودية - ابن عباس حالياً بالدلم -، ودرس في العلوم الشرعية واللغة العربية على مصباح العلوم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز بالدلم – تغمده الله بواسع رحمته – مما أهله وشجعه على الشخوص إلى الحجاز والالتحاق بأم المدارس - سابقاً – دار التوحيد بالطائف لما علم باهتمام جلالة الملك عبدالعزيز بطلابها وجلب خيرة المعلمين من الأزهر للتدريس بها، فالملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – هو المؤسس لها عام 1364هـ لأجل إعداد العلماء والقضاة وخطباء المساجد الكبيرة في تلك الفترة الزمنية لحاجة البلاد لمثل أولئك العلماء الفطاحل الأجلاء – رحم الله الجميع – فجد أبو أحمد حتى نال الشهادة الثانوية بتفوق عام 79- 80هـ مواصلاً دراسته بكلية الشريعة واللغة العربية بمكة المكرمة حتى حصل على شهادة الليسانس عام 84-85هـ، وقد استفاد من اغترابه بالطائف وبمكة المكرمة وبعده عن مشاغل أهله في أعمالهم الخاصة والعامة حتي عاد إليهم مسلحا بسلاح العلم والثقافة الواسعة، وقد كسب معارف كُثر من زملاء وأصحاب، فمعرفة الأخيار ثروة أخوية أدبية يأنس بهم حين يلتقيهم، ولم يندم على اغترابه في طلب العلم، ولله در قول أبي تمام حاثاً على الاغتراب في كسب المعيشة، وفي اقتناص العلوم والآداب من مظانها:

وطول مقام المرء في الحي مُخلقٌ **  لديباجتيه فاغترب تتجدد

وقد سلا عن أهله وخفف من وحشة الغربة وفراق الأهل أن سكن بالقسم الداخلي الآهل بمجموعات من الزملاء المغتربين: (فكل غريب للغريب نسيبُ ). فأمسوا كأسرة واحدة متآلفين يقضون جل أوقاتهم في استذكار الدروس في الآصال وأطراف النهار مع مزاولة بعض الأنشطة في هاتيك الميادين الفسيحة في غرب (قروى) المتكأ على حافاتها جبل (أم الآدم) الشهير، وفي أوائل الليل يستذكرون ما تبقى من المواد الدراسية داخل القسم قبل النوم. كما أن الأستاذ عبدالرحمن – أبو أحمد – يشارك بإلقاء بعض الكلمات والقصائد عبر منبر النادي الذي يقام داخل القسم في ليالي الجمع في غالب الأيام، وكانت تلك القصائد النابعة من وجدانه ومكابدته الغربة عن أهله وأوطانه نواة لديوانه الذي صدر منذ سنوات بعنوان (البيان)  وكان يحضر ذاك النادي الأدبي عدد من رؤساء الدوائر والمصالح الحكومية، وفي مقدمتهم سعادة أمير الطائف الراحل الشيخ عبدالعزيز بن فهد بن معمر ومساعده الأمير ناصر المعمر، وعدد كبير من الأدباء والمثقفين، فجو الطائف ورحاب المسجد الحرام أكسبه رحابة صدر وسعة أفق واطمئنان في حياته إلى أن رحل إلى جوار ربه مأسوفاً على فراقه – رحمه الله – وقد بدأ حياته العملية مدرساً في معهد إعداد المعلمين بالدلم، ثم رشح مدرساً بالمتوسطة الأولى بالرياض، ثم مشرفاً تربوياً بإدارة التعليم في الرياض، بعد ذلك أنتقل محققاً شرعياً بوزارة الداخلية، ثم رشح أخيراً بالشؤون الإسلامية بإدارة الإفتاء والدعوة والإرشاد حتى تقاعد عام 1416هـ . بعد حياة حافلة بالعطاء والذكر الحسن:

وإنما المرء حديث بعده *** فكن حديثاً حسناً لمن وعى

تغمده الله بواسع رحمته وألهم ذويه وأبناءه وبناته وعقيلته وجميع محبيه الصبر والسلوان.

 

 

رحم الله سمح المحيا أحمد بن محمد بن خميس(<!--)

 

وإذا أحب الله يوماً عبده *** ألقى عليه محبة في الناس

كل صباح ومساء تفاجئنا وسائل الأعلام المختلفة بأنباء تحزن وتؤلم، ولا سيما في هذا العصر الحاضر الذي كثر فيه التزاحم عند بوابة الراحلين عن الحياة الدنيا إلى الدار الآخرة مستجيبين لداعي الله جل ذكره المقدر لآجال أمته "إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" سورة يونس الآية (49)، فالناظر داخل أسوار المقابر بصفة عامة يجد أرضها الواسعة قد زرعت من أبدان أبناء البشر بكثافة عالية متنامية على مدار الساعة إلى اليوم الموعود:

كيف البقاء وباب الموت منفتح *** وليس يغلق حتى ينفذ البشر

كل ذلك بتقدير العزيز الحكيم رب جميع الخلائق، ففي يوم الأحد 27/3/1433هـ فجئت بنبأ وفاة الأخ الفاضل / أحمد بن محمد بن علي بن خميس أحد أبناء زميلي الوفي الأستاذ الحبيب/ محمد بن علي بن خميس إثر إجراء عملية جراحية باطنية أعيت الحيل الفريق الطبي إنجاحها - رحمه الله رحمة واسعة -، ولقد حزنت حزناً شديداً على رحيله المفاجئ!. وقد أديت عليه صلاة الميت بعد صلاة عصر يوم الاثنين بجامع الملك خالد بأم الحمام بالرياض، ثم تبعه خلق كثير إلى مضجعه بمقبرة أم الحمام داعين المولى له بالرحمة والمغفرة، ومعزين والده وأخوته وأعمامه وعدد كبير من أسرته وأبناء عمومته، ولقد ولد بمدينة الرياض سنة 1378هـ وعاش بين أحضان والديه ومع  أخوته وشقيقاته في أجواء يسودها الهدوء والحب والتآلف بعيدين عن منغصات الحياة، فهذا شأن وطابع أسرة آل خميس حاضرهم وقديمهم، امتداداً لوالدهم وجد أولادهم الشيخ علي بن عبدالله بن خميس المتصف بالورع وبإخلاص العبادة لله، وكان من خواص سماحة المفتي الشيخ محمد بن ابراهيم وأخيه فضيلة الشيخ عبداللطيف، وقد وكلا إليه الإشراف على بعض بيوت الأخوان بمحلة دخنه وصرف مكافأة لهم ترغيباً في طلب العلم – آنذاك – بأمر من جلالة الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه -فصلاح الآباء أدرك الأبناء وذرياتهم. وعندما كبر الراحل أحمد – أبو نايف – وأخذ نصيباً من الشهادات النظامية عمل موظفاً بالمستشفى العسكري للقوات المسلحة عدداً من السنين، ثم انتقل إلى مكتب الدكتور الراحل غازي بن عبدالرحمن القصيبي وزير العمل والعمال فاستمر في عمله بكل إخلاص وتعاون مع زملائه إلى أن توفاه الله - رحمهما الله جميعاً -، وكان باراً بوالديه واصل لرحمه محباً لأصدقاء والده، ولله در القائل:

فطوبى لعبد أخرج الله روحه ***  إليه من الدنيا على عمل البِر

وكان لي معه ومع والده الزميل الشيخ محمد وعموم أخوته أجمل الذكريات وأحلاها، ولا سيما مع والدهم أيام تلقي مبادئ العلم على أيدي مشايخنا: سماحة المفتي الشيخ محمد بن ابراهيم وفضيلة أخيه الشيخ عبداللطيف، وفضيلة الشيخ ابراهيم بن سليمان الراشد  قاضي محكمة الرياض وأمام الجامع الكبير – رحمهم الله جميعا –، كما لا ننسى عناية الشيخ الفاضل علي بن عبدالله بن خميس بنا أثناء أجازة الربيع عام 1374هـ  بروضة السهباء بالخرج حيث خصص لي ولأبنه محمد خيمة مجهزة بفرش وبإتريك للإنارة ليلاً لاستذكار الدروس وكان يحثنا على الحفظ والمذاكرة بالسنة الرابعة بالمعهد العلمي بالرياض، وكان جده لأمه عبدالعزيز بن محمد البحيري المقيم في مزرعته بواحة السهباء بالخرج يحضر اللبن والقرصان والحليب ليلاً في ذاك المخيم رفيع العماد فترة إجازة الربيع في هاتيك الرياض الغناء التي يعبق أريجها:

يا روضة طالما أجنت لواحظنا  **  ورداً جناه الصبا غضاً ونسرينا

ويا حيـــــاة تملينا بزهــــرتها  **  مُنًى ضـــــروباً ولــــذاتً أفــــانينا

ومما حز في نفسي وأثار شجوني ما رأيته قبل أن يوسد الفقيد الثرى من تذارف دموع والده الشيخ محمد وأخوته، وأبنه نايف وحيده من الذكور وهو ينزل جثمانه مع أحد أخوانه في لحد القبر مضجعه، وقد أمطره بوابل من الدموع الحرى بللت كفنه الطاهر وما حوله من تربة القبر فأخذا يُصفّان اللبنات على اللحد حتى أخفت جثمانه عن ناظريه، فكله حرقة وأسى، ولك أن تتصور ما يعتمل داخل نفسه في تلك اللحظة الحاسمة..، وبين جوانحه من حزنٍ عميق ولوعات فراق "كان الله في عونه وعون أسرته":

حناناً لكم فيما طويتم جوانحاً  ** عليه ، وعطفي يا وحيد ورحمتي

 رحم الله الفقيد وألهم ذويه ووالديه وأخوته وأبنه نايف وشقيقتيه وعقيلته أم نايف وجميع أسرته ومحبيه الصبر والسلوان.

 

 

ذكرياتي الجميلة مع ابن الخال سليمان المشعل باقية في فؤادي(<!--)

 

إن الزمان الذي ما زال يضحكنا *** أنساً بقربكم قد عاد يبكينا

الذكرى الجميلة مع الأخيار والأصدقاء تبقى مع المرء طوال أيام حياته، داخل أغوار نفسه، وفي طوايا ذاكرته ووجدانه تلذذاً وتذكراً لسيرهم الحسنة وأعمالهم المشرفة المحببة للنفوس.. تتنامى وتتجدد مع مرور الزمن وكرِّ الجديدين كلما يخطر أحدهم على البال..، وتختلف مراتب حب الإنسان من شخص لآخر ، فكلما كان أقرب إلى القلب زاد تجدد ذكره وتذكر محاسنه وعطاؤه المعنوي والمادي ذاكراً هذا البيت:

يُجدُّ النَّأيُ ذكرك في فؤادِي *** إذا وهِلَتْ علَى النَّأيِ القلوبُ

فأردت بإيراد هذا البيت ذكرَ أبن الخال الراحل/ سليمان بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز المشعل – أبو عبدالعزيز-وعدم نسيانه مهما تقادم عهد الفراق، خلاف الآخرين الذين حبهم قد يتلاشى بعد تواري وغياب أحبتهم عن أنظارهم. فحب صديقي سليمان خال أبنائي وبناتي ساكن في شعاب نفسي.. ، ولقد أحدث غيابه عنّا وعن أسرته ومحبيه حزناً عميقاً، وفجوة واسعة في محيطه الأسري وبين جيرانه وأصدقائه، حيث خيّم الحزن بفقده على منزله ومنازل أبنائه وبناته، وأخويه الشيخين الكريمين/ مشعل وعلي أبناء الخال عبدالرحمن بن عبدالعزيز المشعل، وشقيقتهما زوجتي -أم محمد – رحمه الله رحمة واسعة، وكان باراً بوالديه، وملازماً لشقيقيه قبل زواجهما لعدم إبصارهما، فهو يقوم بصحبتهما إلى المسجد، وإلى زيارة الأقارب والأصدقاء وفي المناسبات العامة والخاصة.. فهو أخ حنون وعطوف على أخويه وأختيه -رحمه الله – وقد نشئوا جميعاً في أحضان والديهم في غبطة وهناء وراحة بال إلى أن كبروا واستقلوا في مساكنهم مع أُسرهم وهذه سنة الحياة في الخلق.. وكان -أبو عبدالعزيز-كريماً وجزلاً ومبادراً بدعوة أقاربه لتناول طعام الغداء أو العشاء لديه  في المناسبات الأسرية وفي الدوريات مع إخوته وأبناء عمومته، وكان لطيفاً عطوفاً على الأطفال وخاصة أطفال أخوته وأخواته، أذكر أن أبنائي في صغرهم يفرحون كل الفرح بالذهاب مع والدتهم من حريملاء إلى منازل أخوالهم بالرياض لمزاولة اللعب والمرح مع أطفالهم، ولأجل أن يأخذهم خالهم سليمان إلى بعض المحلات والبقالات فيعطيهم الفرصة ليشتروا ما يحلو لهم من حلوى ولعب، فهو محبوب لدى الصغار والكبار-رحمه الله -وقد كافح في بداية حياته في طلب رزقه وكسب الحلال في مواقع عدّة في سنين طويلة، بعد ذلك عمل في مكتب مدير عام رئاسة القضاء الشيخ عثمان بن حمد الحقيل، وكان محل الثقة والتقدير لدى رئيسه الشيخ لإخلاصه ومواظبته في أداء عمله، وحُسن تعامله مع زملائه ومع الغير مما جعل الشيخ عثمان يحرص على اصطحابه معهم في الإجازات الصيفية للعمل بالطائف تقديراً له، وقد طبع – أبو عبدالعزيز – على الكرم فإذا علم بمجيئنا إلى الطائف لاستمتاعنا بتلك الأجواء الجميلة وتسريح النظر في هاتيك الأودية والبساتين دائمة الخضرة التي تحتضنها تلك الجبال والآكام السمر فإنه يبحث عنا لإكرامنا والسمر معنا ليلاً، فطابعه الكرم والسخاء – رحمه الله - واستمر في مزاولة عمله بكل نشاط وأمانة حتى بلغ سن التقاعد، شاكراً ومقدراً لجميع رؤسائه وزملائه على تقديرهم له طيلة الأعوام التي سعد فيها بالعمل معهم، ثم تفرغ للعبادة وملازمة المسجد تالياً ما يتيسر له من القرآن الكريم وداعياً المولى حسن الختام، وصلاح العقب، وفي أوقات فراغه يقوم بزيارة أقاربه ومحبيه، كما يحضر مناسبات الزواجات والأعياد مع إخوته وأبناء عمومته.. فالكل منهم يحرص على حضوره لإمتاعهم وإسماعهم بعض ما يرويه من القصص والطرائف التي تؤنسهم وتفيدهم.. ، وهكذا قضى حياته عزيز النفس محترماً ومحبوباً لدى أسرته ومجتمعه، وهذه الكلمة الوجيزة جزء من ذكرياتي معه، إلى أن توفي وصلي عليه عصر يوم الأحد 27/1/1427هـ في جامع الملك خالد تغمده المولى بواسع رحمته.

 

 

 

 

 

 

 


ذكرياتي مع الرجل الصالح صالح بن مبارك بن مبيريك(<!--)

 

وكل امرئ يولي الجميل محبب*** وكل مكان ينبت العز طيبُ

لقد فاضل المولى بين عباده في أخلاقهم، وعاداتهم، وصلاح عقبهم.. كما فاضل بينهم في بسط أرزاقهم، وبارك في أعمارهم، بل وفي منحهم صفات حميدة تميزهم وتحبب الاخرين اليهم، وتُلزم الناظر إليهم والسامع لحديثهم باحترامهم ومحبتهم، وهذه الصفات من نعم الله على من اتصف بالصلاح والاستقامة والأمانة من عباده، وهذه الصفات مجتمعة بحمد الله وتوفيقه في شخص الأخ الفاضل/ صالح بن مبارك المبيريك، ولقد سعدت بالتعرف عليه بمقر إقامته بجدة في الإجازة الصيفية في أوساط السبعينيات حيث عرض علي الشيخ حمد بن إبراهيم المشعل الإمام الخاص بجلالة الملك سعود – رحمه الله – أن أذهب معه إلى صديقه الشيخ صالح وسعدت بالاستجابة لمصاحبته، ولقد استقبلنا استقبال كريم، متهللاً سمح المحيا محب لمن يقصده من الأخيار والأصحاب، فأبدى ارتياحه وفرحه بتلك الزيارة المفاجئة، فأخذ يحدثنا بأحاديث ودّية أنسنا بسماعها طيلة مكثنا بجانبه، وبقيت ذكرى جميلة في خاطري... ، وقد ولد – رحمه الله -بالرياض عام 1324هـ وهو أكبر أبناء والده الكريم مبارك بن ناصر بن مبيريك أحد الأمراء الأفاضل الذين تعاقبوا على إمارة القصيم في تلك الحقب البعيدة جداً وذلك عام 1343هـ إلى عصر الأديب سمح المحيا أمير منطقة القصيم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز ونائبه الفاضل صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن ماجد بن عبدالعزيز – وفقهما الله ورعاهما -، وقد بلغ مجملهم ستة وأربعون أميرا.

ولقد تربى صالح في كنف والده مبارك فأحسن تربيته ورعايته، فألحقه في إحدى الكتاب بعد ما بلغ السابعة من عمره حتى أتم قراءة كتاب الله وحفظ أكثر أجزائه مجودةً، ولقد وهبه الله حسن الصوت وجمال التلاوة بترتيل وخشوع متأثراً بصوت أحد معلميه الجميل الشجي مما جعل الآذان تلذّ لسماعه، كما أنه العضد الأيمن لوالده أثناء إمارة القصيم، وكان الكاتب الرسمي له لجمال خطه وحسن إملائه، وكأني بمن يفتش في أوراق وملفات ديوان الإمارة إذا عثر على شيء من تلك الخطابات يومئ بمقدمة رأسه مترحماً عليه ومتذكراً قول الشاعر الأبيوردي حينما رثى نفسه قبل مماته حيث يقول:  

تبلى الأنامل تحت الأرض في جدث  ***    وخطها في كتاب يؤنس البصرا

كـــــم مــــن كتاب كريم كان كاتبه ***  قـــد ألبس الترب والآجرَّ والحجرا

يا مــــن إذا نظـــرت عيناه كِتبتنا  *** كن بالدعـــــاء لنا والخـــير مدّكرا

وكان يساعد والده في بعض شؤون الإمارة بكل جد وإخلاص كما كان من أبرز الموظفين في الشؤون الخاصة الملكية في عهد جلالة الملك سعود – رحمه الله – فهو أمين المشتريات لقصور الأسرة الحاكمة في جميع متطلباتهم لما يتمتع به من أمانة وصدق في التعامل، ومما يؤثر عنه أن مشتريات منزله يأخذها من محلات بعيدة عن الأسواق والمحلات التي يؤمن منها مشتريات القصور الملكية خشية أن يراعى في قيمة احتياجاته الخاصة لمنزله، وهذا يدل على ورعه وبعده عن الشبهات. ولقد استفاد الشيخ صالح من فترة عمله مع والده مبارك الذي هو بمنزلة المدرسة له، ومعلوم أن الأمير مبارك على جانب كبير من التواضع وحسن السياسة والدراية بدقائق الأمور، لدرجة أن الملك عبدالعزيز يثق به ويقربه ويوفده خارج البلاد إذا دعت الحاجة إلى التفاهم والمصالحة مع بعض الدول فينجح في مهماته التي رسمها له جلالة الملك عبدالعزيز – طيب الله ثراه – ومعروف أنه قد شارك في العديد من المعارك أثناء توحيد المملكة فأبلى بلاء حسناً: منها معركة (كنزان) الشهيرة عام 1333هـ وغيرها من المعارك، وبعد ذلك اختير أميراً للقصيم على فترتين الأولى من 1343هـ حتى 1346هـ، والثانية من 1348هـ حتى 1354هـ، وقد تعمدت في هذا الاستطراد التنويه بأعمال والده المشرفة في كثير من المواقع -رحم الله الجميع-وعلى أي حال فإن هذا الرجل البطل مبارك المحنك قد أثر تأثيرا كبيراً في نجاح أبنه صالح في مسير حياته، وفي حسن تعامله وتعايشه مع مجتمعه مما رغب ولاة الأمر في إسناد الكثير من الأعمال الهامة إليه، فقد عاش حميدة أيامه ولياليه  تاركاً ذكراً حسناً, وكانت وفاة الشيخ في يوم الأربعاء 8/2/1427هـ  بعد حياة كريمة حافلة بالعطاء والذكر الحسن:

وانما المرء حديث بعده *** فكن حديثا حسنا لمن وعى

رحم الله الجميع رحمة واسعة

 

 

رحم الله أم عبدالعزيز العجاجي ابنة أخي محمد(<!--)

 

تعزَّ فلا إلفين بالعيش متّعا *** ولكن لورَّاد المنون تتابعا

طلوع الفجر والإصباح من كل يوم من أيام الدنيا يفرح به الكثير من بعض البشر بل وحتى بعض الكائنات الحية من الحيوانات والطيور المشهورة باستبطاء انجلاء أستار الليل فتنهض وتقلع مبكرة من أوكارها وأعشاشها.. وهكذا طبيعة كل كائن حي فالحركة تنشط من بداية كل يوم جديد، الطالب يتجه إلى محضنه الدراسي، والموظف والعامل يتجه صوب مقر عمله، والتاجر إلى متجره.. ولكن صباح يوم الخميس 15/4/1433هـ بالنسبة إليّ وإلى أسرة وإخوة وأبناء وبنات الابنة الفاضلة هيا بنت أخي محمد بن عبدالرحمن الخريف حرم ابن عمتي سارة (إبراهيم بن علي العجاجي) ، فإنه صباح حزن ولوعة فراق -رحمها الله رحمة واسعة-وأُديت عليها صلاة الميت بعد صلاة عصر يوم الخميس.. وقد اكتظ جامع الحزم بمئات المصلين رجالاً ونساء داعين المولى بأن يتغمدها بواسع رحمته ومغفرته.

وقد ولدت في حريملاء، وباكرها اليتم برحيل والدتها منيرة بنت الخال عبدالله العمراني، وهي في السنة الأولى من عمرها – تقريباً – وقد احتضنتها عمتها والدتي لطيفة بنت عبدالرحمن العمراني مدة خمسة أشهر.. ثم ألحت الجدة نورة بنت عبدالرحمن المطرود باحتضانها، وبقيت في كنفها ورعايتها حتى كبرت – رحمهن الله جميعاً – ثم انتقلت من منزل والدها أخي محمد -رحمه الله -إلى عش الزوجية في منزل زوجها الشيخ إبراهيم بن علي العجاجي -رحمه الله -، فأنجبت ابنتين وأربعة من البنين فأحسنت تربيتهم ورعايتهم حتى كبروا محصنين بالأخلاق الفاضلة وبالعلوم النافعة، مؤهلين بالشهادات العالية، منهم من يعمل في حقل التدريس، ومنهم من يعمل في المحاكم الشرعية، والشيخ الدكتور وليد أستاذً في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وإمام وخطيب جامع الأمير فيصل بن فهد في حي الهدا، وقد أنجب أبناؤها وبناتها أحفاداً وحفيدات صالحين نفع الله بعلمهم ونشاطهم التربوي والأسري الذي يحث على الاستقامة، والتحلي بالفضائل واحترام الآخرين، ولقد عاشت حياة سعيدة محبوبة لدى أسرتها، وجيرانها، رحومة على الضعفة والمساكين، ولطيفة مع الأطفال تفرحهم بما تيسر لديها من حلوى ومكسرات، لينة الجانب مع الكبير والصغير، تبالغ في إكرام من يزورها من الأقرباء والجيران، وعندما أقعدها المرض وشبه الإعاقة لبثت محتسبة وراضية بما قدره المولى -عز وجل -ومكثت تكابد المرض تسع سنوات ونيف إلى أن رحلت إلى بارئها مأسوفاً على رحيلها.. وكان منزلها في تلك السنوات بمثابة المنتدى الأسري يتقاطر عليه أفواج من نساء الحي ومن عموم أسرتها رجالاً ونساء للاستئناس بالحديث معها وتعليلها بما يخفف ما تعانيه من آلام:

وعللوهـــم بآمــــال مفرحة *** فطالما سرت الآمال محزونا

لولا الأماني فاضت روحهم *** جزعاً وأمسى عيشهم هونا

فمجلسها وحديثها لا يُمَل فهي تميل إلى المرح والدعابات اللطيفة المقبولة، ومن أقرب أحبائها إلى قلبها عقيلتي أم محمد -رحمها الله -التي سبقتها إلى مراقد الراحلين منذ أشهر قلائل فحزنت على فراقها حزناً ساورها حتى غابت هي عن الدنيا، وقد بقيتا متآلفتين لأكثر من خمسين عاماً حتى فرقهم هادم اللذات ومفرق الأحباب، ومن المصادفات اللطيفة تجاور قبريهما، ولكن مع قرب المكان لا يتسنى لهما مواصلة الحديث المعتاد في حياتهن، بل السكون مخيم على قبريهما:

مجاور قوم لا تزاور بينهم *** ومن زارهم في دارهم زار همدا

رحمها الله رحمة واسعة وأسكناها فسيح جناته، وألهم ذويها وأبنائها وبناتها وإخوتها ومحبيها الصبر والسلوان.


رحم الله أعظما حواها قبرك يا علي الزوير (<!--)

 

هنيئا له قد طاب حيا وميتا ** فما كان محتاجا لتطييب اكفاني

غياب الصالحين الأخيار يحدث ثلمه وفجوة واسعه في منظومة الذين لهم دور نافع بين أسرهم وفي المجتمعات عامة حسب مكانتهم العلمية والمادية -أي نفع كل في مجاله
ومقدرته -, بل وحتى بالاقتداء بهم في حسن التعامل والاعراض عن مساوئ الناس والدعاء للناشئة والاجيال الصاعدة بالصلاح والاستقامة, وحثهم على حفظ كلام الله العزيز الحميد, والعمل بسنة سيد المرسلين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم, والدعاء بظهر الغيب لولاة امر هذه البلاد بالتوفيق, وان يعينهم على اداء رسالتهم نحو وطنهم, وجميع اعوانهم المخلصين, وهذا هو شأن الشيخ علي بن ابراهيم الزوير الذي انتقل الى رحمة الله ليلة الثلاثاء 11/5/1433 هـ  وأديت عليه صلاة الميت بعد صلاة العصر بجامع الحزم بمحافظة حريملاء -تغمده الله بواسع رحمته -ودفن بمقبرة ((صفية)) التي ضاقت بجموع غفيرة من المشيعين له، ولقد ولد في حريملاء عام 1338هـ وترعرع بين أحضان والديه ولما بلغ السابعة من عمره ألحقه والده بإحدى الكتاتيب لدى الشيخ محمد بن عبدالله الحرقان فأكمل قراءة القرآن الكريم وحفظ أجزاءً منه، فبقي بين أهله يزاول بعض الأعمال ليستفيد منها وينفع والديه، فلما كبر وأحس بحاجته الى أن يهيئ نفسه للحياة الزوجية استأذن والده للذهاب الى الرياض فتردد قليلا في بادئ الامر وبعد اقناعه أذن له ثم عزم على السفر مُتذكرا قول الأمام الشافعي -رحمه الله -الذي يحث على الاسفار وطلب المعيشة:ـ

مـــا في المقام لذي عقل وذي أدب ** من راحــــة فـــدع الأوطان واغترب

سافر تجد عوضا عمن تفارقه ** وانصب فان لذيذ العيش في النصب

فذهب إلى الرياض وعمل في بساتين ومزرعة والدة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله  -متعه الله بالصحة والعافية -, واستمر في عمله مدة من الزمن، وبعد ذلك عاد الى مهوى رأسه مدينة حريملاء فاقترن بأم عبدالله، ثم استأجر محلاً في السوق العام بالمدينة المسمى في ذلك الوقت (المسحب) ليبيع فيه بعض المؤن التي يحتاجها الأهالي، وبعد وفاة والده إبراهيم رحمه الله 1386هـ خلفه مؤذناً في مسجد محلة (الحنيني) وبعد ذلك عمل في مصلحة (البرق والبريد) إلى أن تقاعد – رحمه الله – وقد أصيب في قدمه من جراء داء السكري وبترت قدمه الى نصف الساق فظل صابراً راضياً بما قدره المولى، وكان لسانه رطبا بذكر الله ملازما للمسجد ويتلو كتاب الله، كما كان يفرح باستقبال من يزوره في منزله فيمطره بوابل من الدعاء له وصلاح عقبه والسؤال عن الصغير والكبير، فمجلسه لا يمل، أحاديث شيقة ودعاء للمسلمين عامة، وأن يحفظ بلادنا من كل سوء وأن يرد كيد الحاسدين في صدورهم، وكان دائم المكوث في المسجد من بعد صلاة الفجر حتى طلوع الشمس وبعد صلاة المغرب حتى بعد صلاة العشاء يتلو الآيات والسورا:

تبلى الحناجر تحت الأرض في جدث  ** وصوتها يتلو الآيات والسورا

 وبعدها يذهب للبيت ثم ينام مبكرا لكي يقوم قبل صلاة الفجر يؤدي ركعات قبل صلاة الفجر، وكان لين الجانب مع الصغير والكبير، ولكن سرور الدنيا لا يدوم وكثيرا ما يكدر صفو الحياة هادم اللذات ومفرق الجماعات، ولقد فجع برحيل شريكة حياته أم عبدالله عام 1427هـ فأظلمت الدنيا في عينيه حيث اجتمع عليه ما يعانيه من بعض الأمراض ورحيل عقيلته إلى الدار الباقية - رحمهما الله - ولسان حال بعض أبناءه يذكره بمعنى هذا البيت لتخفيف ما يعانيه من حزن عميق استوطن داخل نفسه حتى رحل ودفن معه حيث يقول الشاعر:

فلا تبكين في اثر شيء ندامة  ** إذا نزعته من يديك النوازع

كما أن حفاوة أبناءه البرره وبناته الصالحات مميزة، فمسكنه لايخلو من تواجدهم للاطمئنان على صحته وإيناسه بوجودهم إلى أن غادر إلى دار الخلود تاركاً حزناً عميقاً لا يبرح خواطرهم، وتمنوا لو طال به العمر، ولكن ذلك متعذر عندما يحين أجله:

وكل أمريء يوما مُلاقٍِِِِ حِمامهُ ** وإن دانتِ الدنيا وطال به العمرُ

 -تغمده المولى بواسع رحمته -، والهم ذويه وأبناءه وبناته ومحبيه الصبر والسلوان.

<!--[if !supportFootnotes]-->

<!--[endif]-->

(<!--) نشرت في صحيفة الجزيرة، يوم الجمعة 2 ربيع الآخر 1433هـ الموافق 24 فبراير2012م.

(<!--) نشرت في صحيفة الجزيرة، يوم الخميس 24 ربيع الأول 1433هـ الموافق 16 فبراير2012م.

file:///C:/Users/Reda/Desktop/%D9%81%D9%82%D8%AF%20%D9%88%D8%B1%D8%AB%D8%A7%D8%A1%20%D8%A

فقد ورثاء ( عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف )

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1208 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2013 بواسطة mager22

عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف

mager22
عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف **** ولد ونشأ في حريملاء , 80كم شمال غربي مدينة الرياض . درس في حلقات العلم على المشايخ بالرياض . بدأ الدراسة النظامية بدار التوحيد بالطائف 1371 - 1372 هـ . أنهى التعليم الثانوي بالمعهد العلمي بالرياض عام 1374 هـ . كلية اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,358