دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

عيون الشعر ، ومِعيار الاختيار /4
مقدمة منتهى الطلب ...
كنتُ ألمعتُ إلى ما اختاره محمد بن ميمون البغدادي في تصديره بين يدي كتابه " منتهى الطلب من أشعار العرب " ، و في الحقيقة فإنّ ما جاء فيها - على أنّه ذو خطر في بعض جوانب - كلام عامٌّ لا يُبيّن فيه ابن ميمون بوضوح دواعي الاختيار ؛ ذلك أنّه يذكر أنّ منهجه في ما اختاره في كتابه إنما يقوم على استيثاقه من صحة الشعر ، و اعتماد ذاك الاختيار على جهود مَن سبقوه خلال قرون أربعة انصرمت قبله وضع فيها مَن سبقه من العلماء أسس الاختيار ورسخوها كما سيأتي بعدُ . 
وما ذكرت يمكن لمُتأمل مقدمة الكتاب أن يستخلصه منها دونما عناء دون إغفال ما لها من قيمة كما مرّ آنفاً . وأوردُ هنا تلك المقدمة بتمامها لإدراك الذي صنعه ابن ميمون وهو يجمع مادة كتابه الذي عدت عليه عوادي الزمن ، فلم تبق منه إلا ثلاثة أجزاء ضمت عشرين ألفاً و اثنين وأربعين ومئة بيت ، في مئة واثنتين وخمسين قصيدة ،وخمس قطع ،وبيتين مفردين،لاثنين وخمسين ومئة شاعرٍ من الجاهلية وصدر الإسلام والعصر الأموي .و بعض أولئك الشعراء ممن لا نعرف عنهم شيئاً خلا الاسم(1) . وبذلك فهذا السِّفر يعد أكبر مصدر ضمّ شعراً من عصور الاحتجاج بين دفتي كتاب فيما أعلم . 
قال ابن ميمون البغدادي:
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
اللهم صلِّ على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
قال محمد بن المبارك بن محمد بن محمد بن ميمون رحمه الله بعد ما حمد الله عز وجل، وسأله التوفيق في كل أحواله وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وآله :
هذا كتاب جُمع فيه ألف قصيدة ، اخترتها من أشعار العرب الذين يُستشهد بأشعارهم، وسميته: مُنتهى الطلب من أشعار العرب ، وجعلته عشرة أجزاء، وضمنت كل جزء منها مئة قصيدة، وكتبت شرح بعض غريبها في جانب الأوراق، وأدخلت فيها قصائد المفضليات، وقصائد الأصمعي التي اختارها، ونقائض جرير والفرزدق، والقصائد التي ذكرها أبو بكر بن دريد في كتاب له سمّاه: الشوارد، وخير قصائد هذيل، والذين ذكرهم ابن سلام الجمحي في كتاب الطبقات، ولم أُخِل بذكر أحد من شعراء الجاهلية والإسلاميين الذين يُستشهد بشعرهم إلا مَن لم أقف على مجموع شعره، ولم أره في خزانة وقف ولاغيرها، وإنما كتبت لكل أحد ممن ذكرت أفصح ما قال وأجوده، حتى لو سَبر ذلك عليَّ مُنتقِدٌ بعِلم عرف صدق ما قلت.
واخترت هذه القصائد وقد جاوزت ستين سنة بعد أن كنت مذ نشأت ويفعت مُبْتلى بهذا الفن حتى إني قرأت كثيراً منها على شيخي أبي محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن الخشاب رحمه الله حفظاً وعلى شيخي أبي الفضل بن ناصر وغيره ممن لقيته، ونسخت معظم دواوينها. ولما أردت أن أجمع هذا الكتاب على ترتيب الشعراء وتقديم بعضهم على بعض لم يمكنني لأنه لم يتفق أني
أقف على ذلك على ترتيب فأُعْذَر في ذلك ، وإنما قدمت كعب بن زهير وختمته بهاشميات الكميت تيمناً وتبركاً بمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصيدة كعب، وذكره صلى الله عليه وآله في شعر الهاشميات التي ختم بها الكتاب.
وكان جمعي لهذا الكتاب في شهور سنتي ثمان وتسع وثمانين وخمس مائة بمدينة السلام، ولقد وقفت على كتب كثيرة جمعت من الشعر، فلم أرَ مَن بلغ إلى ما بلغت فيه من الاستكثار والعدد، فأسأل اللهَ تعالى أن يصلي على محمد وآله ، وأن يبارك فيه ويوفق المُتشاغل به، وأسأله التوبة والمغفرة وإنه وليّ ذلك" (2).
ومما تقدّم يُلحظ أن شرطه في الاختيار أن يكون الشاعر ممن يُستشهد بشعره ، وأن تختار من شعره القصائد ، على أنه أخل بهذا الشرط ،وأشار هو إلى ذلك ، كما فعل عند اختياره قطعة من شعر عمر بن أبي ربيعة ، إذ قال : " وهي قطعة استحسنتها له ، فكتبتها ، وهي خارجة عن شرط الاختيار ؛ إذ هي قطعة "(3). و لم يورد دواعي هذا الاستحسان .
لماذا مقدمة المنتهى ؟
ثمّة سؤال قد يتبادر إلى ذهن القارئ ؛ فيقول : ما دام ابن ميمون لم يذكر في مقدمته شيئاً من حدود الاختيار ومعاييره ، فما الغرض من إيرادها هنا ؟ وربما كان هذا السؤال مشروعاً ، لولا أنّي أرد أن أنبّه على أنّ الرجل - و إن لم يكن إلا جامعاً لِما اختاره متقدّموه غالباً - أورد أشعاراً لشعراء لا تجد لهم ذكراً في مصادر أخرى ، وضمن كتابه شيئاً مما ورد في مصادر لم تصل إلينا كما في شوارد ابن دريد ، ثم إنّه أنشد كثيراً مما اختار على شيخه ابن الخشاب ، هذا فضلاً عن إشارة ضمنية مفادها أنّ هؤلاء الذي اختار لهم من غير الذين ذكروا في كتب الاختيار المعروفة التي سلمت من عوادي الدهر ، وغوائل الأيام ، كانت لهم دواوين بقيت موجودة حتى نهاية القرن السابع الهجري ، وربما بعد ذلك بقليل ، مما يفيد الطلبة الذي يعمدون إلى جمع شعر شاعر بعينه ودراسته ممن فقدت دواوينهم ، فيتثبّت من أنّ شاعره كان له ديوان .
وللحديث صلة ، إن كان في الأجل بقية بحول الله .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منتهى الطلب .
(2) قصائدة جاهلية نادرة.
(3) منتهى الطلب .
,
,
"اللهمّ إنّا نعوذ بك من فتنة القول كما نعوذ بك من فتنة العمل، ونعوذ بك من التكلّف لما لا نحسن كما نعوذ بك من العجب بما نحسن، ونعوذ بك من السّلاطة والهذَر، كما نعوذ بك من العي والحصَر.

المصدر: مجلة عشتار الالكترونية
magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 191 مشاهدة
نشرت فى 10 أكتوبر 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

578,883